عرض مشاركة واحدة
قديم 08-12-2012, 06:32 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فئه صاحب الموقع
إحصائية العضو







محمد بن دوهان غير متواجد حالياً


افتراضي


كتاب البداية والنهاية
لإبن كثير رحمة الله تعالى
الجزء الخامس
صــ 1738 وَ 1739

* * *
وقعة أُلّيس

ثم كانت وقعة أُليس في صفر أيضاً وذلك أن خالداً كان قد قتل يوم الولجة طائفة من بكر بن وائل، من نصارى العرب ممن كان مع الفرس، فاجتمع عشائرهم وأشدهم حنقاً عبد الأسود العجلي، وكان قد قتل له ابن بالأمس، فكاتبوا الأعاجم فأرسل إليهم أزدشير جيشاً، فاجتمعوا بمكان يقال له: أُلّيس، فبينما هم قد نصبوا لهم سماطاً فيه طعام يريدون أكله، إذ غافلهم خالد بجيشه، فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد، وقال أمير كسرى: بل ننهض إليه، فلم يسمعوا منه. فلـما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك من الأعراب: أين فلان، أين فلان ؟ فكلهم تلكأوا عنه إلا رجلاً يقال له: مالك بن قيس، من بني جّذْرة، فإنه برز إليه، فقال له خالد: يا بن الـخبيثة ما جرأك على من بينـهم وليس فيك وفاء ؟ فضـربه فقتله. ونفرت الأعاجـم عن الطعام وقاموا إلى السلاح فاقتتلوا قتالاً شديداً جداً، والـمشركون يرقبون قدوم بـهـمن مدداً من جـهة الـملك إليـهم، فـهم في قوة وشدة وكلب في القتال. وصبر الـمسلمون صبراً بليغاً، وقال خالد: اللـهم لك عليَّ إن منـحتنا أكتافـهم أن لا أستبقي منـهم احداً أقدر عليه حتى أجري نـهرهم بدمائـهم. ثـم إن الله عز وجل منـح الـمسلمين أكتافـهم فنادي منادي خالد: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر، فأقبلت الـخيول بـهم أفواجاً يساقون سوقاً، وقد وكل بـهم رجالاً يضربون أعناقـهم في النـهر، فعل ذلك بـهم يوماً وليلة ويطلبـهم في الغد ومن بعد الغد، وكلـما حضر منـهم أحد ضربت عنقه في النـهر، وقد صرف ماء النـهر إلى موضع آخر فقال له بعض الأمراء: إن النـهر لا يـجري بدمائـهم حتى ترسل الـماء على الدم فيـجري معه فتبر بيـمينك، فأرسله فسال النـهر دماً عبيطاً، فلذلك سـمي نـهر الدم إلى اليوم، فدارت الطواحين بذلك الـماء الـمختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكـماله ثلاثة أيام، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفاً، ولـما هزم خالد الـجيش ورجع من رجع من الناس، عدل خالد إلى الطعام الذي كانوا قد وضعوه ليأكلوه فقال للـمسلمين: هـذا نفل فانزلوا فكلوا، فنزل الناس فاكلوا عشاء. وقد جعل الأعاجم على طعامـهم مرققاً كثيراً فـجعل من يراه من أهل البادية من الأعراب يقولون: ما هذه الرقع ؟ يـحسبونـها ثياباً، فيقول لـهم من يعرف ذلك من أهل الأرياف والـمدن: أما سـمعـتـم رقيق العيش ؟ قالوا: بلى، قالوا: فـهذا رقيق العيش فسـموه يومئذ رقاقاً، وإنـما كانت العرب تـسـميه العود. وقد قال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن الشعبي عمن حدث عن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الناس يوم خيبر: الـخبز والطبيـخ والشواء وما أكلوا غير ذلك غير متأثليه. وكان كل من قتل بـهذه الوقعة يوم أُلّيس من بلدة يقال لـها أمغيشيا، فعدل إليـها خالد وأمر بـخرابـها واستولى على ما بـها، فوجدوا بـها مغنـماً عظيـماً، فقسـم بين الغانـمين فأصاب الفارس بعد النفل ألفاً وخـمسـمائة غير ما تـهيأ له مـما قبله. وبعث خالد إلى الصدّيق بالبشارة والفتـح والـخمس من الأموال والسبي مع رجل يقال له: جندل من بني عـجل، وكان دليلاً صارماً، فلـما بلغ الصدّيق الرسالة وأدى الأمانة، أثنى عليه وأجازه جاريةً من السبي، وقال الصدّيق: يا معشر قريش إن أسدكـم قد عدا على الأسد فغلبه على خراذيله، عـجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد. ثـم جرت أمور طويلة لـخالد في أماكن متعددة يـمل سـماعـها، وهو مع ذلك لا يكل ولا يـمل ولا يـهن ولا يـحزن، بل كلـما له في قوة وصرامة وشدة وشـهامة، ومثل هذا إنـما خلقه الله عزاً للإسلام وأهله، وذلا للكفر وشتات شـمله.

* * *
إنتـهى ما جاء في كتاب النـهاية والبداية لإبن كثير

ما جاء أعلاه دليلٌ على أن طائفةً من أبناء بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة قد شاركوا الفرس قتال الـمسلمين، وأن طائفةً أخرى كانت في جيوش الفتح مع الـمسلمين وعلى طليعتهم الصـحابي الـجليل الـمثنى بن حارثة الشيبانيّ رضي الله عنه وأرضاه.

وكـما هو معلومٌ لدى الـجميع أن قبيلة عنزة هم سلائل عنزة بن أسد بن ربيعة وما يجمعنا ببكر وتغلب إلا جد قبائلنا الأكبر أسد بن ربيعة، بأن جديلة أخوٌ لعنزة وكليهما أبناء أسدٍ بن ربيعة، وقد أوضح مؤرخنا وأديبنا الأستاذ عبدالله بن عبار حفظه الله ورعاه في هذا الـمجال ما هو مـحمودٌ به أبد الدهر وكان له به السبق من خلال كتابنا أصدق الدلائل في أنساب بني وائل - قبائل عنزة خاصةً وقبائل ربيعة عامةً - وما هو منشورٌ في صرحنا الشامخ هذا كذلك.

تقبّل الله منّا ومنكم الصيام والقيام في هذه العشر الأواخر وجعلنا وإياكـم مـمن فازوا بالعتق من النار ووالدينا والـمسلمين أجمعين .

ونسأله أن يـجمع كلمة الـمسلمين على الحق والـهدى وأن يـحفظ أئمتنا وولاة أمرنا ويرزقـهم الـهداية والبـطانة الصـالحة ويخذل أعداءه الذين بأمة رسوله صلى الله عليه وسلم يتربصون.






آخر تعديل محمد بن دوهان يوم 08-12-2012 في 09:49 AM.
رد مع اقتباس