البادية
الجزء الثاني
القهوة وإعدادها
في مجلس الرجال فلا يصنع إلا القهوة وبعد سماع الطلب : " شب النار وسوي القهوه يشعل النار الفتى أو الابن أو في بعض الأحيان حتى صاحب البيت نفسه يضع الصوف المدخن في شىء من الشيح الجاف ويديره فوق رأسه إلى أن ينفجر لهب فيضعه تحت الوقود في موقد النار وينفخه إلى أن يشتعل هذا ايضاً ثم يضع صانع القهوة بجانب موقد النار ( ملقاط ) جمر طويل ويخرج أواني القهوة من سلة مستديرة منسوجة من قش أو خوص .
ويكون عدد أوعية القهوة ( الدلال ) أربعا في العادة وتدعى أكبرها ( مطبخه ) أو ( قمقوم ) وتفرغ فيها لعدة أيام الرواسب التي تستخلص منها القهوة بغليها ويصب قن الماء عليها ويضع الإناء ( الدلة ) قرب النار ، ويغسل الأواني ( الدلال ) الثلاث الأخر ، ويصب المحتويات في كبراها ويمسحها بمنفضة من وبر الإبل ويصفها على الجانب الأيمن من موقد النار حيث ثمة إبريق ماء نحاسي ( بريق ) و أى إناء خشبي أسطواني الشكل، وله حافة ضيقة . ومن القدح يقدم ماء الشرب وتتناول ربة البيت حفنة من مزادة جلدية (صفن ) من شكوة جلدية صغيرة ( قرف ) ، ويضعها الفتى في مقلاة حديديه غير عميقة ذات ساق طويلة ( محماسه ) وعليها يحمس القهوة ويمسكها على النار محركا الحب تحريكا مستمراً بملعقة حديدية مربوطة إلى الساق بسلسلة نحاسية طويلة ( يد المحماسه ) . وحالما يبدأ لون القهوة في التحول إلى الشقرة ( اشقرت ) فإنه يرفع
( المحماسه ) من وقت لآخر ويرجها إلى أن يتقافز الحب هنا وهناك ويظل ينفخ النار ويستمر في التحميس فإذا بات للحب كله لون بني غامق افرغه في صحن خشبي ( مبرادة ) وقد زودت المبرادة بساق طويلة أيضاً لكي يبرد الحب وفي الوقت نفسه يأخذ الإناء الثاني الأصغر ويصب فيه الماء المغلي من الإناء الأول ويضعه قرب النار . ثم يمسح هاوناً خشبيا " مهباش أو نجر " مزينا بالنقوش ، ويصب فيه الحب البارد وقد تخلص من قشوره الرقيقة ويلتقط بيده اليمنى أو بكلتا يديه يد الهاون الخشبية الطويلة ( يد أو مهوان ) ويدق القهوة وهو ممسك الهاون بين ركبتيه دقات موزونة تنم عن اعتزاز وكرامة وبعد كل خمس دقات أو ست يلامس بطرف الهاون جوانبه للتخلص من البن اللاصق فدق القهوة فن وتقوم المقدرة بحسب الطريقة التي يؤدي بها .
يضع الفتى البن بعد دقه وتحويله إلى مسحوق دقيق ، في الإناء الثاني ( الدلة الثانية ) الذي تغلى فيه القهوة الجديدة ( يلقمها ) ويسمى هذا الإناء (مصفى) أو ( غلاية ) ويأخذ الفتى الخرقة التي مسح بها الإناء ( الدلة ) ويضعها في عروتها ويمسكها فوق النار ويحركها تحريكا مستمراً فيبعدها عن النار ثم يقربها منها كيلا تتدفق القهوة من شدة الغليان ، فإذا اكتمل حبات قليلة من ذلك الهيل ذي الرائحة الطيبة المعروف بحب الهيل وقليلاً من زعفران ، ويدقها ويضعها في الإناء الثالث الذي يكون قد نظف ودفئ فيصب فيه القهوة المغلاة من الإناء الثاني ، ويسمى الإناء الثالث الذي تغلي فيه القهوة ( مبهاره )
ويخرج الفتى فناجين ( فناجيل ) صغيرة من الخزف الحجري الصلب ويصب في كل منها قليل ماء ويدعكها بإبهامه بقطعه قماش ويضعها في صحن نحاسي يدعى ( صينية ) فإذا غلت القهوة فرغ جزءاً منها في الإناء الرابع الأصغر المعروف بـ " دله " ويصب منه قطرات قليلة من القهوة ويهزها ليرى لونها ، ويرتشف منها رشفة متلمظاً ومتذوقاً القهوة ليتبين طعمها وليعلم الحاضرين أن ليس في الفناجين المقدمة إليهم أي أثر لسموم وبعد أن يذوقها يأخذ بيده اليسرى ما بين أربعة فناجين وستة واضعا الواحد منها في الاخر ويمسك مقبض ( الدلة ) بيده اليمنى ويصب من عل في الفناجين جدولاً من القهوة كخيط العنكبوت دقة وحالما يغطي قاع الفنجال يمده للضيف الأول فيأخذه هذا بيده اليمنى ويذوقه بطرف لسانه ويمص شفتيه ثم يشربه متريثاً ومنها قولهم ( أول القهوة خص والثانية قص ) .
الفناجـيل
الفنجال الأول : الهيف :
وهو الفنجال الذي يحتسيه المعزب أو المضيف قبل ما يمد القهوة لضيوفه 0
قديماً : كانت تسري هذه العادة عند العرب ليأمن ضيفهم من أن تكون القهوة مسمومة0
حديثاً : جرت هذه العادة ليختبر المعزب جودة وصلاحية القهوة قبل تقديمها إلى الضيوف ، خوفاً من أن تكون عملت بطريقة غير صحيحة 0
الفنجال الثاني : الضيف
وهو الفنجال الأول الذي يقدم للضيف ، وهو واجب الضيافة ، وقد كان الضيف قديماً في البادية مجبراً على شربه ، إلا في حالة العداوة ، أو أن يكون للضيف طلب صعب وقوي عند المضيف ، فكان لا يشربه إلا بعد وعد من المضيف أو المعزب بالتلبية ، وقد كان من عظائم الأمور أن يأتي إنسان بيتك ولا يشرب فنجالك إلا بعد تلبية طلبه ، فأنت حتماً مجبر على التلبية وإلا لحق بك العار عند الناس 0
الفنجال الثالث : الكيف
وهو الفنجال الذي بقدم للضيف ، وهو ليس مجبر على شربه ، ولا يضير المضيف أن يشربه الضيف ، إنما هو مجرد تعديل كيف ومزاج الضيف ، وهو أقل فناجيل القهوة قوة في عادات العرب 0
الفنجال الرابع : السيف
وهو الفنجال الثالث الذي يقدم للضيف ، وهذا الفنجال غالباً ما يتركه الضيف ولا يحتسيه ؛ لأنه أقوى فنجال قهوة لدى عرب البادية ، إذ أنه يعني أن من يحتسيه فهو مع المضيف في السراء والضراء ومجبر على الدفاع عنه بحد السيف ، وشريكه في الحرب والسلم ، يعادي من يعاديه ، ويتحالف مع حلفائه ، حتى وإن كان من بين حلفائه من هم أعداء له في الأصل ( أعداء الضيف ) ، فقد كان هذا الفنجال عبارة عن تحالف عسكري ومدني وميثاق أمني ما بين الضيف والمضيف ، وقد كان هذا الوضع يحمل الناس أموراً شداداً ويواجهون الموت والدمار بسببه ، فلذلك كانوا يتحاشونه ويحرصون منه اشد الحرص ، أما شرب أكثر من 3 فناجيل فعادة يعملها أهل وذوو صاحب القهوة ، وأفراد قبيلته ، وأنسابهُ ، وذوو الدم 0
الفنجال الخامس : فنجال الفارس
يكون هناك من يطلب شخصاً ما بدم أو ثأر أو ما شابه ، إن كان شيخ القبيلة أو كبيراً في السن أو امرأة ، يجمع شباب القبيلة وفرسانها ويصب القهوة في الفنجال ويرفعه عالياً على رؤوس الأشهاد وأمام الجميع ويقول : هذا فنجال فلان بن فلان .. من يشربه ؟ ، أي يأخذ حقنا أو ثأرنا أو دمنا منه ؟ ، فيقوم أحد الفرسان ويقول : أنا له ، ويأخذ الفنجال ويشربه ، ويذهب في طلب الشخص ، ولا يعود لقبيلته إلا بعد إحضار البينة على أنه انتقم لصاحب الفنجال من الشخص المطلوب ، وإلا فله إحدى خيارين : إما أن يجُلى من قبيلته ، ولا يعود لها أبداً ؛ لما لحق من ذل وعار وصم على جبينه ، وإما أن يعود محملاً بالخزي والعار ، ويصبح مدعاة لسخرية أفراد قبيلته صغيرها وكبيرها ، رجالها ونسائها ، ولا يتزوج منها ولا يخرج للحرب مع فرسانها 0
قصائد ذات صلة بالقهوة
كثيرون من البدو ، رجالا ونساء مغرمون بالقهوة ويصفون طريقة إعدادها وطعمها في قصائد عديدة كما يلي :
أما الشيخ النوري بن هزاع بن نايف الشعلان شيخ قبائل الجلاس من عنزة فهو شاعر مجيد بالأضافة إلى منزلته في رئاسة القبيلة ومن شعره هذه القصيدة في القهوة يقول :
|
|
قم سوما يصبغ على الصين ياعيدوأستدن اللي مثل البطوط الهدافي |
|
أحمس وزينها عـلى كيف ما ريـدبـدلال مـا عـنهـن سنـا النـار طافـي |
|
ودق النجـر حسـه يجيب الملابيـديجـلي نـواد الـلي مـن النـوم غـافي |
|
تـأتـيـك دكـلات الـقـروم الأوالـيــدويـكـثـر عـلـيـنـا قـوكـم والـعـوافـي |
|
ادغـث لها حفنه من الهيل لا تزيدوالـزعـفـران وروكـه يـالـسـنـافــي |
|
وسقهـا لذربيـن الرجـال الأجاويـدوصبـه لـلي يثـني خـلاف المقـافـي |
|
الـلـي يـروي حـربـتـه بالمطـاريـدلعيون من قرنه عـلى المتن ضافي |
|
بنـت الشيـوخ مخـضبين البـواليـدحـريـبـهـم لـو هــو بـعـيـد يـخـافـي |
|
وأثنه على اللي وأن لفوه المعاويدريـف النشامـا والـركـاب الهجـافي |
|
يضحك حجاجـه لا لفـوه المسانيـدلا يا بعـد خـطـو الكـذوب الهـلافـي |
|
وحنـا إلى صرقع ضبيح البواريـدعـدونـا تـسـفـى عـلـيـه الـسـوافــي |
|
وأن لبس المركب بريش الهداهيدوصـار المقـامع دون حـم الشعافي |
|
نـاخـذ على جمع المعـادي ملاكيـدونمشي على وضح النقا بالكشافي |
|
وأن درهم الصابور مامن تصاديدكـم فـارس صـارت اعظامـه تلافـي |
|
مركاضنا يشبع بـه الضبع وأيعيـدوالنسر اللي بطنه من الجوع هافي |
|
وقال الشيخ النوري بن هزاع الشعلان هذه القصيدة ولها مناسبة :
.................................................. ...........
الشيخ الشاعر هايس بن ثلاب بن جبر المجلاد الملقب ( أبو ضلعين ) من حمولة المجلاد مشائخ قبيلة الدهامشة وهو شاعر وكريم وفي أحد السنين أيام الربيع نزل عنده ذياب بن رميزان وذياب من الرجال الذين لهم قدر وجاه وقد سيّر ذياب على الشيخ هايس فرحب به وبعد أن أخذ مكانه قال هايس هذه القصيدة يطلب من القهوجي أن يعمل لذياب قهوة وأن يسوقها على من يستحقها حسب الأفضلية فيقول :
وبعد أن سمع ذياب بن رميزان قصيدة هايس بن مجلاد وتقهوى من قهوته قام ذياب بن رميزان وقال سوف أقوم بأعداد القهوة في منزلي وطلب من الشيخ هايس أن يتقهوى عنده وقد عمل القهوة ذياب في بيته الذي لايبعد عن بيت هايس كثيراً وعندما جهز القهوة أعطاها القهوجي وقال هذه القصيدة رداً على قصيدة الشيخ هايس بن مجلاد يقول :
قصيدة الشاعر زيد بن خوير قال فيها عن القهوة :
الأســــلــــحـــة
كانت أسلحة البدو قديماً السيوف والرماح والخناجر وبعدها انتشرت البنادق ويدعونها ( بواريد جمع بارودة ) ويتألف الرمح من نصل فولاذي أو حديدي قد أحد من كلا طرفيه وعود خشبي والنصل أما يكون عريضاً فيدعى ( شلفا ) أو ضيقاً يدعى ( حربه ) والشلفا أما تجلب من بلاد فارس ( عجميه ) والحربه بصفة رئيسية في مدينة الدير على ضفة الفرات تدعى أيضاً ( عرينيه ) وحد الشلفا أو الحربه الحاد يدعى ( عسله ) والطرف السفلي الداخل في العمود ( جب ) وتستعمل خشبة دقيقة لكن قوية ( عرق ) أو خشبة سميكة ( شاكري ) لتكون عموداً على الحربه وتعمل عيدان الحراب أيضاً من قصب الخيزران الأجوف ويثبت في طرف العمود السفلي رأس حديدي مدبب ( قنطار ) ليمكن ركز الرمح في الأرض وقد يزين ريش النعام أو بسلاسل رقيقه تربط بالجب .
والسيوف ضربان : ( نمشه ) وهي أما مغربي ذو ثلاثة أخاديد وهو بالغ المرونه أو ( شنتيان ) ذو اخدود اثنين أو ( حسينيه ) ذو اخدود واحد طويل .
والضرب الثاني من السيوف هو ( السيف المقوس ) ذو الحد الواحد وأنوعه كما يلي : ( دابانهندي ) مصنوع من الفولاذ الأسود. أو ( عجمي ) من الفولاذ الرمادي أو ( الجوهر ) مصنوع من الفولاذ المسبوك من خراسان ويمتد مقبض السيف في الغالب إلى الشباك حيث يبدأ النصل ويزخرف بالذهب و الفضة ويكون للغمد ( الجفير ) حلقتان معدنيتان تربط بهما حمالة السيف .
الخنجر قصيرأ دقيقاً يدعى ( شبريه ) أو عريضاً طويلاً يدعى ( قديمي )
البندقية ويحمل هؤلاء الرجال ومعهم ذخيرة ويصنع حزام الذخيرة من الجلد المتين ( سير ) ويخاط به من الخلف من الجلد ( جناد ) ليمر من على الكتفين ويشدهما إلى الحزام من الأمام ويربط كل نسع ( جناد ) أنبوبتان نحاسيتان صقيلتان ( تطاريف ) لملح البارود والرجل الذي لا يحمل باروده في الأنابيب النحاسيه يضعه في باطن حزامه في قرن صغيرة مصنوعة من الزنك أو النحاس الأصفر وللبندقيات التي يستعمل خراطيش وهي طراز ذوات الفتيل القديم ولدى البادية من البندقيات المعدة للقتال أنواع : ( الصمع ) و ( الشيهاني ) و ( الموزر ) وكانت ( الصمع ) وهي بندقية إنكليزية قديمة، والمسدس ( رداني ) أما يكون من النوع الثقيل القديم ( كرداغ )
الـــمـــراجـــــــع /
* كتاب المجموعة الكاملة لقطوف الأزهار للمؤرخ والأديب عبدالله بن عبار
* أخلاق الرولة وعاداتهم المؤلف ألويس موزل ص121 الى ص124 و ص158 الى ص161
* عشائر الشام أحمد وصفي زكريا ص222 وص231
* صور من الحياة الإجتماعية عند البدو المؤلف خالد عواد الأحمد
ص 130 إلى ص 134 و ص 145 إلى ص 148
الفناجيل صحتها حسب الرواة