«مشاهد النسب».. لا تُمنح إلاّ بطلب رسمي!
المجمعة، تحقيق- سعدون الثبيتي
شددت وزارة الداخلية في إجراءاتها مؤخراً بشأن حذف أو إضافة اسم القبيلة في البطاقة المدنية؛ خاصة التي لا تستند إلى معلومات موثقة من جهات رسمية.. ويأتي هذا الإجراء المبرر لما لوحظ من بعض المواطنين الذين حصلوا على «مشاهد نسب» مصدق عليها من معرفين ومشائخ قبائل دون طلب من جهات رسمية.
وتسعى الوزارة من خلال هذا الإجراء الصائب والحكيم إلى تعزيز وحدة النسيج الاجتماعي الذي ينعم به المجتمع السعودي؛ والحد من المنازعات حول الأنساب، أو إثارة النعرات والتشكيك في علاقة الأسر..
وهذه التعليمات الحكيمة التي تبعث الارتياح تعزز من تكاتف فئات المجتمع وانتمائه لهذا الكيان العظيم «المملكة العربية السعودية»؛ وتحفظ لمشائخ القبائل مكانتهم الكبيرة كشركاء في الحفاظ على هذا النسيج، وأن يكون دورهم كما هو معروف عنهم دائماً الوقوف خلف «القيادة الرشيدة»، وأداء مسؤولياتهم الأمنية والاجتماعية، وعدم السماح بالمصادقة على مشاهد نسب غير دقيقة، أو قد تثير مشكلات بين أفراده.
تعميم وزارة الداخلية اتسم بالحكمة في الحدّ من المنازعات حول الأنساب وإثارة النعرات أو التشكيك في علاقات الأسر
تعميم وزارة الداخلية
وينص التعميم الذي تم توجيهه لأمارات المناطق وأقسام الشرطة وفروع الأحوال المدنية ورؤساء المراكز ومشائخ القبائل والمعرفين؛ على أن وزارة الداخلية لاحظت مؤخراً حصول بعض المواطنين على مشاهد نسب تم التصديق عليها من قبل معرفين ومشائخ، مؤكدة على أن هذه المعلومات من الممكن أن تكون مخالفة للواقع، أو من الممكن أن تحدث ملابسات واختلاف في النسب.. وتشدد الوزارة على أن يبقى كل شيء على ما كان عليه في السابق، وتستثني من ذلك من يتقدم بطلب تصحيح ما شذ عن أفراد أسرته؛ معللة أن مسألة الإضافة أو الحذف قد يفسح المجال للمنازعات حول الأنساب لما له من آثار سيئة، منها إثارة النعرات والتشكيك في علاقة الأسر. وتؤكد وزارة الداخلية اعتماد عدم تصديق مشاهد النسب من إمارات المناطق والتنبيه على مشائخ ومعرفي ونواب القبائل بعدم إعطاء تلك المشاهد إلاّ عند طلبها من جهات رسمية.
أ.د. فهد العسكر
وعي المواطن
و»المواطن الواعي» يجب أن لا يركن إلى اسم قبيلته أو عائلته، بل يجب عليه أن يجعل مقياس تقييمه من خلال شخصيته وعلمه وثقافته وسلوكه وخدمته لدينه ووطنه، بغض النظر عن اسمه الأخير في بطاقته؛ لأن انتمائه في النهاية إلى وطنه الأم «المملكة العربية السعودية»، وهذا بالطبع لا يلغي الشعور بالاعتزاز والفخر بوجود اسم القبيلة في الوثائق الرسمية أو في حال التعريف بهم لدى الآخرين.
استقرار المجتمع وتماسكه
وتعليقا على هذا الإجراء أوضح «د.إبراهيم بن محمد الزبن» أستاذ علم الاجتماع ورئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن المجتمع السعودي اتسم في بداية نشأته بالشكل التقليدي الذي يشترك فيه أفراده في انتمائهم العرقي، وفي العناصر الثقافية المختلفة الموجهة لسلوك أفراده؛ ولذا غلب عليهم التجانس ولم تظهر إشكالات النسب والمصاهرة، ولكن نتيجة للعديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية انتقل المجتمع من الحالة الآلية إلى حالة أكثر تطوراً وتعقيداً، مشيراً إلى أنه في ظل هذا التغير لم يعد البناء القبلي وحده كافياً في بناء الروابط الاجتماعية، وإنما ظهرت أشكال جديدة من هذه الروابط تقوم على مقومات وعناصر مبنية على المكانات المكتسبة من خلال المهنة والوظيفة والدخل.
د. إبراهيم الزبن
مشائخ القبائل و«المعرفين» محل الثقة والتقدير في تحمل مسؤولياتهم الأمنية والاجتماعية
وأضاف:»على الرغم من شمولية هذا التحول المجتمعي وقبوله على المستوى النظامي لموضوعيته ولتلاؤمه مع متطلبات الحياة التي تفرض الانفتاح على العالم الخارجي، بدلاً من العادات التي يفرضها النظام القبلي، إلاّ أن بعض أفراد المجتمع لا زالوا يرون في هذا النظام القبلي مجالاً لحراكهم وقبولهم الاجتماعي!»، مؤكداً على أن هذه الرؤية دفعتهم إلى الحرص على البحث عن انتماءاتهم القبلية وأنسابهم الأسرية عن طريق مشاهد يحصلون عليها من مشائخ قبائل ومعرفي نسب، وتقديمها لوزارة الداخلية والإمارات الممثلة لها في مناطق المملكة المختلفة.
وقال:»بغض النظر عن الإشكالات النظامية لهذا الإجراء، إلاّ أن ذلك يعد مؤشراً واضحاً على الأهمية التي لا زال يحتلها البناء القبلي في المجتمع السعودي؛ خاصةً في علاقات النسب والمصاهرة»، موضحاً أنه على الرغم من التأكيد على أن القبيلة كبناء اجتماعي فقدت الكثير من وظائفها في المجتمع السعودي خاصةً تلك الوظائف التي تقوم بها مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية ، إلاّ أننا يجب أن لا نغفل الدور الهام الذي يلعبه النظام القبلي فيما يتعلق بحفظ الأنساب، وصلة الأرحام باعتباره شكل من أشكال التضامن الاجتماعي في البناء الثقافي للمجتمع السعودي، ولعل ذلك السبب هو ما يفسر حرص هؤلاء المواطنين على الحصول على هذه المشاهد كدلائل لانتمائهم القبلي، وبالتالي تحقيقاً لمصالحهم الخاصة التي يرون أنها قد لا تتحقق إلا من خلال انتسابهم لهذه القبائل.
وأشار إلى أن المسؤولين استشعروا أهمية تحقيق رغبات بعض المواطنين في تصحيح أنسابهم وانتماءاتهم القبلية، إلاّ أنهم في الوقت نفسه أكدوا على عدم إتاحة الفرص للمنازعات حول الأنساب حتى لا تكون مجالاً لإثارة النعرات والتعصب القبلي والتشكيك في علاقات الأسر، وبالتالي الحفاظ على استقرار المجتمع وتماسكه، وهذا ما كفله هذا الإجراء النظامي «تعميم وزارة الداخلية».
الضبط المدني
د.الزبن: نسيجنا الاجتماعي متماسك د.العسكر: مسؤوليتنا أكبر تجاه وحدتنا الوطنية
وامتدح «أ.د. فهد العسكر» عميد البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأستاذ الإعلام هذا الإجراء؛ باعتباره سيغلق الطريق لاي منازعات قد تحدث حول الأنساب.
وقال:»للأسف أن هناك بعضاً من المعرفين وهم من حذرتهم وزارة الداخلية في التعميم من يساند فكرة انتساب أشخاص لقبائل لا يمتون إليها في الأصل، وإنما لمصالح معينة وأهداف خاصة تم منحهم شهادة نسب، وهو ما أثار أطرافا أخرى في القبيلة، وحصلت منازعات واختلافات داخل القبيلة الواحدة، وهو ما قد يهدد أمن ووحدة المجتمع»، مؤكداً على أن مشائخ القبائل والمعرفين يحظون بثقة المجتمع وقيادته، وهم محل ثقة بالتأكيد، ولا ينبغي التقليل منهم، ولكن يجب عليهم أيضاً الخروج من هذه الدائرة الضيقة، وعدم وضع أنفسهم في موقف الحرج أمام النظام»، مطالباً المؤسسة الرسمية أن تتولى عملية الضبط المدني لمشاهد النسب، من خلال التأكد من أكثر من مصدر منعاً لمشاكل الخلاف التي قد تثيرها هذه المشاهد.
وأشار إلى أن الأنساب لا تحفظ فقط في الهوية المدنية؛ لأن الهوية المدنية عمل مدني، ومسألة حفظ الأنساب تجدها لدى شيوخ القبائل محفوظة ومعروفة لديهم والدولة تثق بمشائخ القبائل في هذا الشأن، مؤكداً على أن مسألة الاعتزاز باسم القبيلة والاحتفاظ باسمها تظهر بشكل أكبر لدى أبناء البادية، بينما لدى الحاضرة تجدها أقل بكثير..
قرار صائب
وأشاد المواطن «عبيد العتيبي» بإجراء وزارة الداخلية؛ معتبراً انه سيلغي الخلط الذي بدأ يظهر بسبب ما تسببت فيه مشاهد الأنساب التي ظهرت في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تساهل بعض المعرفين وغيرهم في إعطاء مشاهد نسب غير صحيحة، وربما غير دقيقة.
وقال:»هناك أشخاص حالياً ينتسبون إلى قبائل وهم أصلاً ليسوا منها بتاتاً، ولكن بورقة من معرف أصبح ينتسب لهذه القبيلة، وهذا يؤكد على أن قرار وزارة الداخلية الأخير صائب جداً في التدقيق في هذا الأمر؛ لما يسببه في خلط للأنساب والتشكيك في علاقة الأسر».
ويدلل «العتيبي» على حديثه أن معرفاً أعطى لشخص ما مشهداً لينتسب لقبيلته، وهناك أيضاً أربعة أشقاء ينتسبون إلى أكثر من قبيلة رغم أنهم الأربعة من أب واحد وأم واحدة وفي آخر اسم البطاقة لكل واحد منهم قبيلة تختلف كلياً عن الأخرى، فكيف يحدث هذا؟، معتبراً أن كل شخص منهم لجأ لمعرف لاستخراج ورقة أو مشهد تخوله للانتساب إلى قبيلة هو لا يمت لها بصلة اصلاً.
وعي بالمسؤولية
ويشير المواطن «ماجد بن سيف» إلى أن وزارة الداخلية تنبهت إلى بعض السلبيات المثارة في منح مشاهد النسب، وقال:»ما يهمنا أن يكون هناك وعي بالمسؤولية من قبل المعرفين ومشائخ القبائل، وأن نصحح الأخطاء بقوة النظام، وأن نبتعد كمجتمع واحد عن كل ما يثير المشاكل والفتن بين أفراده، وأن لا يبقى الانتساب إلى القبيلة سبب في ذلك؛ لأن «الإنسان العاقل» لا يرضى أن ينتسب إلى قبيلة ليس هو منها أصلاً».
ويرى «محمد بن خالد الدويخ» أن هذا الإجراء سيوقف الكثير من الجدل والإشكال والمنازعات حول الأنساب، كما سيغلق الطريق في وجه من يثير النعرات والتعصب القبلي، وكذلك التشكيك في علاقات الأسر، كذلك التعزيز من التماسك الذي ينعم به المجتمع، مشيراً إلى أن هذا الاجراء يجد الارتياح الكبير من جميع فئات المجتمع.
شواهد من الواقع
من جهته يؤكد «محمد بن عبدالله» على أن هناك اختلافات وخلطا في الأنساب حدثت مؤخراً في كثير من المناطق؛ بسبب إضافة اسم القبيلة دون الرجوع للجهات الرسمية، مستشهداً بإحدى القصص التي وقعت مؤخراً في إحدى المدن بالمملكة، حيث انتسب أناس لقبيلة وهم ليسوا منها أساساً، لافتاً إلى انه يعرف أسرة من أب وجد واحد ينتسبون إلى قبيلتين مختلفتين تماماً، وذلك بسبب التعريف الخاطئ من معرف أو عمدة أعطى مشهد نسب مخالف للواقع، وكانت تبعات هذه القضية أن احد أبنائها اقترن بفتاة من قبيلة أخرى بعيدة وبعد مضي أكثر من سنتين لجأ شقيق الزوجة إلى أخذ شقيقته من منزل الزوج؛ بعدما اكتشف ان أمر انتساب الزوج لقبيلته لم يكن سليماً، وذلك عقب استناده لعدة شهود لديهم معرفة مؤكدة بنسب الزوج منذ عقود، ومن ثم حدث الطلاق بسبب عدم تكافؤ النسب، لافتاً إلى أن القصص في هذا الشأن كثيرة لما نراه ونسمعه ونقرأه خلال السنوات الماضية حول حالات الطلاق التي تحدث بسبب هذه القضية.