تذكرة الألباب في مفهوم الطعن في الأنساب

بقلم

أحمد بن سليمان ابوبكرة الترباني




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد :


لقد دفعني لتأليف هذه الرسالة الصغيرة , جهل بعض الأشخاص بمفهوم (( الطعن في الأنساب )) فقد فسر هؤلاء مفهوم الطعن في الانساب بخلاف تفسير السلف , فأصبح كل مخالف في نظر هؤلاء طاعن في الأنساب , وأصبح كل منافح وراد ومدافع عن أنساب العرب أصبح عندهم طاعن في الأنساب , وهذا يدل على جهلهم في مصطلحات علم الأنساب .

فإن معنى (( الطعن في الأنساب )) : هو التكلم على نسب قبيلة بغير علم , أي التكلم على أنساب أشراف القبائل بدون حجة وبرهان .


قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( الفتح ) (5/211) : ((
الطعن في الأنساب أي القدح من بعض الناس في نسب بعض بغير علم ))

قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في ( الفتاوى ) (1/52)
: (( الطعن في الأنساب فُسِّر بالموجود في زماننا ينتسب إنسان إلى قبيلة ويقول بعض الناس ليس منهم من غير بينة بل الظاهر أنه منهم"
والمعنى أن هذا ذنبه عظيم ، أما إذا كان من علم ومعرفة كنقل واقع معين ، أو أمر مستفيظ في منطقة ، أو إطلاع على وثيقة معروفة وموثقة ، أو كتا ب قديم فهذا لا بأس به بل إن ذلك من إنكار المنكر الذي حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو إدعاء النسب فقال: (( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)) .... )) .

لكن العجب من هؤلاء كيف يرمون الباحث بالطعن في الأنساب بمجرد مخالفته لهم , فإن وافقهم فهو حجة وإن خالفهم فهو طعان في الانساب والله المستعان .

ولو تصفح هؤلاء كتب الانساب لوجد أكثر من قول في نسب قبيلة , كنسب قبيلة ما نجد أحد العلماء نسبها الى لخم والاخر نسبها الى عاملة وكل واحد من هؤلاء معه دليل , فهل يقال لأحد هؤلاء العلماء طاعن في الأنساب ؟!!!!!

وهؤلاء الأدعياء أجهل الناس في علوم الأنساب , يتبعون مرماءات الأخبار ويعتمدون على أخبار ابن داية وأباطيل هلمعة بن قلعمة ويستشهدون بطامر ابن طامر وهيان بن بيان , وهم أفسد من أرضة بني الحبلى .


وسوف أضرب للعاقل اللبيب أمثلة على منهج العلماء في علم الأنساب كي يعلم من أين ( تؤكل الكتف ) :


ذكر ابن حبان في ( الثقات ) (7/380) قال : (( لم يكن بالحجاز أحد اعلم بأنساب الناس وايامهم من محمد بن اسحاق وكان يزعم ان مالكا من موالي ذي أصبح وكان مالك يزعم انه من انفسهم فوقع بينهما لهذا مفاوضة ...... )).

قلت : ولو عاش النسابة محمد بن إسحاق في هذا الزمان لقالوا عنه ( طعان في الأنساب ) ولكن رحم الله علماء السلف أهل فهم ونظر .


وقال الحافظ ابن كثير القرشي في ( البداية والنهاية ) (11/21) : (( وفي النصف من شوال ظهر رجل بظاهر البصرة , زعم أنه علي بن محمد بن احمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب , ولم يكن صادقا وانما كان عسيفا ـ يعني أجيرا من عبدقيس ـ ))

وقال ايضا في (11/188) : (( أول خلفاء الفاطميين الادعياء الكذبة وهو ابومحمد عبيدالله المدعي انه علوي . ))

قلت : فهل الحافظ العلامة ابن كثير طاعن في الأنساب ؟!!! لا وألف لا بل هو منافح عن أنساب العرب .

وكذلك صنف الامام ابوشامة كتاب في إبطال انساب الدولة الفاطمية سماه ( كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والكر والكيد ) وكذلك صنف فيهم الباقلاني كتاب سماه ( كشف الأسرار وهتك الأستار ) وكذلك ابوحامد الاسفراييني وغيرهم من اهل العلم .

وايضا قد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على ابوالخطاب الكلبي حين أدعى أنه من ذرية دحية الكلبي , فرد عليه شيخ الاسلام ابن تيمية وأثبت أنه كاذب في أنتسابه وذلك لأن دحية الكلبي لم يعقب .

وكذلك رد علماء الأمة على نسب الرفاعيين المنتسبين الى احمد الرفاعي , وأثبتوا أن الرفاعي ليس له عقب وليس من الأشراف بل هو من بني رفاعة من قبيلة نهد .

قال ابن خلكان كما في ( البداية والنهاية ) (12/697) : (( وليس للشيخ أحمد عقب )) وكذلك نقل الإجماع ابوسعيدة النسابة في ( تاريخ المشاهد الشرقيه ) على ان الرفاعي ليس له عقب . وكذلك قال شمس الدين ناصر الدمشقي كما في ( الفتح المبين ) (75) : (( لم اعلم للرفاعي نسبا صحيحا الى علي بن ابي طالب ولا الى احد من ذريته الأطايب )) وكذلك الشعراني في ( طبقات الصوفية ) نسب الرفاعي الى قبيلة من العرب ولو كان الرفاعي من الاشراف لذكر ذلك الشعراني ولو بالإشارة , وكذلك ابن الأثير وسبط ابن الجوزي وابن عنبة وابن كثير وغيرهم كلهم أثبتوا أن الرفاعي ليس من الأشراف وليس له عقب .

فهل هؤلاء العلماء الكبار يطعنون في الأنساب ؟ حاشا وكلا بل هم ينافحون عن انساب العرب .

وكذلك انساب شيوخ الصوفية كالشاذلي والبدوي والمغربي والغولي وغيرهم , فلا تعرف لهؤلاء أنساب صحيحة الى ال البيت انما هو سند وسلسلة الورد للتمسح والتبرك بالخرقة الخضراء التي يعتقدون ان النبي ( علية السلام ) أعطاها لعلي بن ابي طالب .

فلو تصفحتم كتب الأنساب القديمة التي أختصت في أنساب ال علي بن ابي طالب , لن تجد فيها ذكر للرفاعي والشاذلي والمغربي وغيرهم .

وهذه أنساب أشراف مكة وهم الأن ملوك الأردن الحبيب , لن تجد في سلسلة أنسابهم شاذلي أو رفاعي ... وكذلك اشراف المدينة المنورة لن تجد في سلسلة أنسابهم ذكر للرفاعي والشاذلي والمغربي ........ وكذلك أشراف ينبع لن تجد في سلسلة أنسابهم ذكر للرفاعي والشاذلي والمغربي ......

وذلك لأن أنسابهم صحيحه مشهوره في كتب الأنساب القديمة التي أختصت في نسب الطالبيين .


وكذلك من الأمثلة القريبة هو رد العلامة الأديب محمود شكري الالوسي على نسب يوسف النبهاني في كتابه ( غاية الأماني في الرد على النبهاني ) وقد نسب الالوسي يوسف النبهاني الى البرامكة .

وهذا هو منهج العلماء في الذب والدفاع عن الأنساب , فهل هؤلاء العلماء الأجلاء يطعنون في الأنساب ؟! حاشاهم

هذا ما أحببت تبيانه والحمد لله رب العالمين

كتبه
أحمد بن سليمان ابوبكرة الترباني

الأخ الفاضل أحمد نقول لك عوداً حميداً وكما يقال الأختلاف لا يفسد للود قضية ونحن في الفترة السابقة تذمّر بعض الأخوة من بعض كتاباتك وفي هذا المقام فأن هذا الكلام مسند وموثق ومنهج السلف الصالح فأفاداك الله وزادك علماً والشيء الذي نفضّله هو هذا المنهج السليم الذي يبصّر الجاهل ولا يمس أحد فحيّاك الله