كانت الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق تقسم السنة الى قسمين ، القسم الأول عبارة عن 9 أشهر وتقضيه في عاصمة الدولة والقسم الثاني عبارة عن 3 أشهر (فصل الربيع) وتقضيه متنقله مع قبائل البادية التابعة لها . وقد كانت عاصمة مملكة المنتفق في عهد الأمير مانع بن شبيب آل شبيب هي مدينة العرجا وانتقلت العاصمة لمدينة البصرة لعدة مرات في عهده أو في عهد ذريته عندما تم انتزاع المدينة من العثمانيين ، وفي عام 1761م قام حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بن محمد بن مانع آل شبيب بنقل مركز الحكم لمملكة المنتفق الى المنطقة التي بنيت فيها مدينة سوق الشيوخ لاحقا من قبل ابنه الأمير ثويني بن عبدالله ، حيث قام بتأسيس قرية على شكل حصن كبير في تلك المنطقة ( عرفت بكوت الشيوخ أو قلعة الشيوخ) ، ونقل العاصمة من مدينة العرجا إلى هذا المكان. وقد بنيت هذه القلعة الكبيرة لتكون مركزا للتموين وللذخيرة والسلاح للمعسكر الحربي الرئيسي لحاكم مملكة المنتفق ومركزا يقيم فيه حاشيته الكثيرة – عبيده ومستشاريه – بالإضافة إلى إقامة حاكم مملكة المنتفق و شيوخ قبائل المنتفق فيها لمدة 3 فصول من السنة بإستثناء فصل الربيع ، وعند تأسيس مدينة سوق الشيوخ من قبل ابنه الأمير ثويني بن عبدالله - عام 1780م - أصبح هذا الحصن الكبير أحد ضواحيها ومركزا تقيم حوله الكثير من قبائل المنتفق البدوية وأصبحت مدينة سوق الشيوخ هي العاصمة للأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ، بالإضافة إلى ان مدينة سوق الشيوخ أصبحت أحد أهم المدن التجارية في العراق والجزيرة العربية ومركزا لتجارة أهل نجد والكويت في العراق ، يذكر الكسندر أداموف – القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر- في كتابه : ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 (((وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))). بعد الطاعون أنتقل مركز الحكم لمملكة المنتفق إلى خارج مدينة سوق الشيوخ وعاد الى كوت الشيوخ مرة أخرى ، يذكر القنصل الروسي بالبصرة انه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقبل تأسيس مدينة الناصرية (عام 1869م) كان جميع مشايخ القبائل في اتحاد المنتفق يقيمون في كوت الشيوخ ، وبعد تأسيس مدينة الناصرية من قبل الأمير ناصر السعدون أصبحت العاصمة لمملكة المنتفق وتم بناء قصر الحكم لأسرة السعدون فيها وانتقل مركز الدولة إليها من كوت الشيوخ. يذكر كوت الشيوخ وقصر الحكم الكبير لأسرة السعدون في مدينة الناصرية المؤرخ الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ص: 56 ((( وتعتبر كوت الشيوخ أو قلعة الشيوخ ، قرية من القصب من هذا النوع وان كانت أكبر في حجمها ، وهي تقع على بعد عشرة أميال إلى الأعلى من سوق الشيوخ صعودا مع الفرات . وكانت هذه القرية قبل تأسيس الناصرية وبناء قصر آل السعدون الواسع فيها ، مقرا لشيخ المشايخ أو الزعيم الرئيس لعشائر المنتفق وحاشيته الكثيرة العدد والمقربين منه وكذلك لزعماء جميع القبائل الداخلة في هذا الاتحاد القبلي وهكذا كانت كوت الشيوخ تبدو كمعسكر ضخم للبدو))).
أما من ناحية العلاقة بين الأسرة الحاكمة وقبائل البادية (بشكل خاص) في مملكة المنتفق فكانت كالتالي: في فصل الربيع يبدا حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها بالتنقل مع قبائله البدوية طوال فصل الربيع ولمدة 3 أشهر ، حيث يتنعم بالهواء الطلق ويمارس الصيد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وعلاقتهم بقبائلهم البدوية ، قسم المنتفق ، ج:3 ، ص: 625 ((( على الرغم من هذا الارتباط الوثيق بالأرض كان شيوخ الشبيب – سعدون يشعرون بأنهم أمراء بدو. فكان شيخ المشايخ يتجول في مارس/ آذار أو قبل ذلك مع البدو لمدة ثلاثة أشهر في الصحراء ))). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية في تلك الفترة ، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف وعن قبائل المنتفق البدوية ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 60 ((( يتوجه شيخ مشايخ المنتفق عند حلول فصل الربيع الى الشامية (البادية) ويبقى هناك لمدة ثلاثة أشهر حتى حلول فصل الصيف ، ويتجول الشيخ في مناطق البراري والاماكن التي توجد فيها الاعشاب والمياه ، يصطاد انواع الطيور والحيوانات البريه وحتى صيد السمك ، ويتنعم بالحياة كلية بالهواء الطلق ، كبقية أبناء عشائر المنتفق الاصلية الذين يعيشون حياة بدوية في اماكنهم. ففي بداية فصل الربيع يحملون معهم خيامهم واطفالهم وزوجاتهم ومواشيهم ويتجهون الى الشامية ويتجولون مع شيخ مشايخ المنتفق طيلة فصل الربيع بدون تمييز))). كما ننقل هنا وصفا للمعسكر الحربي المتنقل لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( حفيد الأمير مانع بن شبيب الذي يدور حوله هذا البحث وأخو الأمير سعدون الذي عرفت بإسمه الأسرة لاحقا) ، وهو المعسكر الذي كان فيه كل مواد التموين والإمدادت المطلوبة وأجمل الخيول الأصيلة وكلاب الصيد والصقور بالإضافة لحيوانات نادرة مثل زوج من النعام الداجن والمطوقه حول عنقيهما بأطواق حمراء وأجراس نحاسية والتي يملكها حاكم مملكة المنتفق ، يذكر ج.ج. لوريمر , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي ، وصف الرحالة بارسونز للمعسكر الحربي للأمير عبدالله بن محمد بن مانع بن شبيب عام 1774م , ج 4 ، ص: 1841 ((( كان معسكره من الخيام ويغطي مساحة كبيرة حاويا عدد ضخما من الناس , ومتوفرة فيه كل مواد الامدادات والتموينات المطلوبة . ومن الحيوانات كانت القبيلة وشيوخها يملكون أجمل الخيول الأصيلة . وكلاب الصيد والصقور بل حتى بعض الحيوانات النادرة كزوج من النعام الداجن وقد طوقا بأطواق حمراء وأجراس نحاسية حول عنقيهما))).
وتمتلك مملكة المنتفق عددا كبيرا من القلاع (ورد ذكرها في تقرير عثماني بعد 150 سنة من وفاة الأمير مانع بن شبيب الذي يدور حوله هذا البحث) ، وهي القلاع التي تنتشر على ضفتي نهر الفرات من شمال مدينة السماوة وحتى القرنة (ملتقى دجلة والفرات) بطول أكثر من 300 كلم ثم تنتشر على ضفتي شط العرب من القرنه وحتى الخليج العربي بطول أكثر من 200 كلم ، يذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، قلاع مملكة المنتفق على امتداد ضفتي الفرات من شمال السماوة وحتى القرنه وعلى امتداد ضفتي شط العرب من القرنه وحتى مصب شط العرب في الخليج ، وذلك عند حديثه عن مدن وقرى مملكة المنتفق وعن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها في تلك الفترة (فترة اعداد التقرير) ، وكان خورشيد باشا قد اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، ص: 53 (((أما قرية السماوة فيبلغ عدد بيوتها اقل من نصف بيوت سوق الشيوخ ولكنها تسمى بالقصبة أيضا فلم نصل إليها ولكن قيل لنا يوجد فيها بعض الأماكن الجميلة كما يملك شيخ المشايخ قرى أخرى مثل الشطرة وطالبة وغليظة، والتي يمكن ملاحظة أهميتها من عدد سكانها كما ذكرت في القائمة. يضاف إلى ذلك فهم يملكون اعداد كبيرة من القلاع المسماة بالكوت والممتدة من السماوة وحتى مقاطعة الدواسر الواقعة بالقرب من خليج البصرة والمنتشرة على جانبي الفرات وشط العرب))). وهذه خريطة توضح إمتداد قلاع مملكة المنتفق وبادية مملكة المنتفق وبعض المناطق في مملكة المنتفق مثل منطقة الجزائر ( التي سوف يتم ذكر أحداث تتعلق بها في هذا البحث ) ومنطقة المجره ومنطقة شط العرب ومنطقة الغراف ومنطقة الجزيرة السفلى فوق نهر الغراف:
أخيرا نختم هذا القسم من البحث بوصف للمنطقة الواقعة في وسط مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، وذلك عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة .. وعن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ... وعن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، ص: 338 (((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))).
4- تصاعد القوة لمملكة المنتفق ولحكامها في القرن السابع عشر قبل انتزاعهم للبصرة من العثمانيين:
في بدايات القرن السادس عشر (1500م – 1600م) ظهر اتحاد قبائل المنتفق الى الوجود بتوحيد ثلاث قبائل كبيرة هي قبيلة بني مالك وقبيلة الأجود وقبيلة بني سعيد (الفرع المتبقي من قبيلة المنتفق القديمة) . عرف الإتحاد في البدايه بالمتفق لإتفاق قبائله على الوحدة (برئاسة جد أسرة السعدون الأشراف والذي أسس هذا الإتحاد) ولاحقا أصبح الإتحاد يعرف بالمنتفق وأختلف المؤرخون حول سبب تغير الاسم. يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر, في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) ، وذلك عند حديثه عن أول ثلاث قبائل في اتحاد المنتفق ، ص: 178(((واسم المنتفقيون نفسه جاء كما يذكر خورشيد أفندي الذي اشترك في لجنة الحدود العثمانية - الفارسية في عام 1849م في كتابه، من الكلمة العربية (متفق) التي تعني (متحد) ذلك أن هذا الأتحاد تكون من اتحاد ثلاث قبائل رئيسية هي بنو مالك والأجود وبنو سعيد حيث توصلت هذه القبائل الثلاث بعد منازعات وخلافات طويلة إلى الأتفاق على انتخاب شيخ مشترك واحد. وقد وقع اختيارها على عائلة الشبيب التي كان جدها قد نزح من الحجاز قبل مايقرب من مائتي سنة واستقر مع أسرته بين القبائل المذكورة. ومنذ ذلك الوقت أصبح شيوخ المنتفقيون ينتخبون من هذه الأسرة فقط))). بدأ هذا الإتحاد بالنمو بسرعة كبيرة وتم ضم الكثير من القبائل والعشائر له ، وأستطاع حكامه آل شبيب ( عرفوا لاحقا بآل سعدون) ان يضموا مدنا وبلدات وقرى لحكمهم وأن يفرضوا نفوذهم بشكل شبه كامل على نصف العراق الأسفل ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق أسرة آل شبيب الأشراف (والتي عرفت لاحقا بآل سعدون ) وعند حديثه عن قبائلهم في القرن السادس عشر الميلادي , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :592 (((أصبحوا الآن يسعون بصورة متواصلة إلى السلطة مما جعلهم يصبحون في النهاية سادة العراق الأسفل . لقد كانت الظروف مؤاتية لهم لكنهم ماكانوا يستطيعون استغلالها لو ظلوا محتفظين بالعقلية التقليدية لقبيلة بدوية عادية . وبالفعل يبدو انه قد تم في نهاية القرن السادس عشر أعادة تشكيل المنتفق من الرأس إلى القاعده بأن قامت عائلة شبيب بتوحيد المنتفق وقبائل أخرى في اتحاد واحد موال لها وحدها))).
انتقل نفوذ حكام هذا الإتحاد القبلي بسرعة من مرحلة الإتحاد القبلي الى مرحلة الدولة ، وفي مرحلة الدولة تصاعد طموحهم من ضم الحواضر (المدن والبلدات والقرى) الى تأسيسها .. فأسسوا عواصم لدولتهم مثل مدينة كويبدة ومدينة العرجا (لاحقا أسسوا عواصم أخرى أصبحت مراكز تجارية في المنطقة مثل مدينة سوق الشيوخ ومدينة الناصرية). أستطاع حكام مملكة المنتفق أسرة آل سعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) أن يؤسسوا حكومة قوية في دولتهم (مملكة المنتفق) ربطت بين قبائل وعشائر مختلفة الأصول وبين السكان من الحاضرة وهو ماجعل هذه الدولة تصمد بقوة في وجه العثمانيين ولعدة قرون. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 103 ((( ظهرت أسرة آل شبيب المالكة التي قدر لها ان تحكم مدة قرنين جمهرة القبائل المتحدة المسماة بـ ( المنتفك) الاسم الشهير))). ثم يكمل المؤرخ عند حديثه عن القبائل الأخرى في العراق وكيف أنها لاتقارن بقبائل المنتفق تاريخيا من ناحية خضوعها المطلق لأسرة حاكمة واحدة (مثل الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق) ولا من ناحية خضوعها المطلق لحكومة واحدة ( مثل الحكومة العربية في مملكة المنتفق التى أنشأتها أسرة آل سعدون والتي كانت تعرف بآل شبيب سابقا) ، ولا تقارن أيضا بقبائل المنتفق من ناحية الشهرة عالميا ، ص: 103 ((( الا انها لايمكنها ان تدانيها في رهبتها لحكامها ، ولا في خضوعها لحكومة واحدة نشأت من بينها مدة طويلة ، وفي اشتهارها في العالم))). وقد ضمت مملكة المنتفق أيضا سكانا من ديانات مختلفة (مسلمين ومسيحيين ويهود وصابئة).
لقد كانت أبرز نقاط القوة لقبائل المنتفق هي الوحدة القوية بينها وطاعتها المطلقة لحكامها وهو ماجعلها عصية على الكسر أمام العثمانيين والفرس الذين تواجدوا في المنطقة عسكريا ، يذكر المؤرخ يعقوب سركيس ، في كتابه مباحث عراقية ، ق 3 (((ليس بخاف على من له اطلاع على تاريخ آل سعدون، ذوي الشرف الباذخ والعز الأثيل أنهم جعلوا من (اتحاد) المنتفق قدوة للعشائر والقبائل، حاربوا به العثمانيين والفرس وأنزلوا بهم الهزائم))). ويؤكد حقيقة هذا الترابط خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 59 (((وخلاصة القول يملك شيخ مشايخ المنتفق السلطة المطلقة على كل القبائل والعشائر التابعه له))). كما يؤكد هذا الترابط مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، حيث أنه على الرغم من الحملات العسكرية العثمانية الضخمه والمتتابعه لعدة قرون والتي لم يتعرض لمثل عددها وحجمها اي امارة او قبيلة في العراق أو أي دولة أقليمية في الجزيرة العربية .. فإن الدولة العثمانية لم تستطيع القضاء على مملكة المنتفق وعلى اتحاد قبائل المنتفق بشكل كامل، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، المجلد الرابع ، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))). ويذكر أيضا مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه كتاب عشائر العراق ، المجلد الرابع ، ص: 26 (((وفي كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهي ان العشائر لم تنفصل عن الامارة، وانما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال))).
في نهاية القرن السادس عشر كانت العلاقة بين العثمانيين وحكام مملكة المنتفق هي عبارة عن صراعات عسكرية حول سكان مدينة البصرة ، الذين كانوا يستنجدون بالقبائل العربية المجاورة من تسلط الولاة الأتراك في تلك الفترة ، وهو صراع كان ينتهي بحصار هذا الوالي أو ذاك في أحد قلاع البصرة ، ونتيجة لتدخل مملكة المنتفق المتكرر في شؤون مدينة البصرة ودعمها لسكانها ، قرر الوالي العثماني بيع المدينة لأحد أكبر أثرياء مدينة البصرة والمعروف بأفراسياب ، على شرط أن يبقي المدينة تابعه للعثمانيين وان لايقطع الخطبة من اسم الخليفة ، وعند وصول الوالي العثماني لمقر الخلافة تم شنقه من قبل الخليفة العثماني بسبب بيعه المدينة وتسليمها لأفراسياب، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، عند حديثه عن مدينة البصرة في تلك الفترة ، ص: 127 ((( وكما ان الحامية كانت تركية وسكان البلد من العرب الذين لايتحملون الاستبعاد ،كان هؤلاء السكان في نزاع ، وكان النزاع كثيرا ما يؤدي الى الاصطدام مع الترك. فيخف اذ ذاك عرب البادية لاسعاف السكان، فيحاصرون الباشا في الحصن. ولم تهدأ الحالة في الاخير ، ولم يتفق الفريقن على شيء. ومل الباشا – واسمه (ايود) – من الغزوات والتأديبات فعزم على بيع حكومته الى أحد أغنياء المدينة بأربعين الف قرش. وتمت الصفقة ، وجهز ذلك الغني المشتري اجنادا لتهدئة الناس. وسمي هذا الرجل العظيم باسم افراسياب باشا ... وقد تمكن أن يخلع النير التركي عن بلده ويلقب نفسه امير البصرة. اما الباشا الذي باع حكومته فقد شنق ساعة وصوله الى القسطنطينية))).
لم يتغير الحال كثيرا في بداية القرن التالي حيث كانت مملكة المنتفق في بداية القرن السابع عشر دولة داخلية شبه معزولة ولم يكن لها منفذ على العالم الخارجي سوى مدينة البصرة التي كانت تحكم من قبل أسرة أفراسياب التي أشترت المدينة من أحد الولاة العثمانيين الذي تم شنقه من قبل الخليفة بعد أن باع المدينة لهم ، لذلك حرص حكام مملكة المنتفق على بناء علاقة حسنة مع حكام مدينة البصرة ، ولكن العلاقة كانت غير مستقرة نظرا لرغبة أسرة أفراسياب التمدد على أراضي مملكة المنتفق وهو ماكان يتسبب في مواجهات عسكرية هنا وهناك.
كانت مدينة البصرة ذات أهمية كبرى في تلك الفترة ، فهي أكبر المراكز التجارية في المنطقة وملتقى القوى الكبرى تجاريا ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 139 ((( وكان الهولانديون يأتون الى هناك بالتوابل كل سنة ، كما كان الانجليز يأخذون الفلفل وشيئا آخر من التوابل. اما البرتغاليون فلم تكن لهم تجارة قط. وكان الهنود يأتون بالاقمشة والنيل وسائر أنواع البضائع . والخلاصة كان في البصرة تجار من جميع البلاد. فمن استانبول وأزمير وحلب ودمشق والقاهرة وجميع أنحاء تركية كان التجار يتواردون لاشتراء البضائع المستجلبة من الهند فيحملونها على الابل التي كانوا يشترونها من البلد نفسه أيضا، اذ يأتي بها العرب من البادية لبيعها. اما من كان يقصد البصرة من ديار بكر والموصل وبغداد والجزيرة وبلاد آشور فكانوا يبعثون ببضائعهم على ماء دجلة ))).
وعلى الرغم من أن مدينة البصرة في تلك الفترة كانت تدين بالولاء الإسمي للعثمانيين إلا أنها كانت مستقلة عنهم ، ولذلك كانت المدينة محط أنظار الدولتين العثمانية والصفوية على حد سواء ، وكان حكام مملكة المنتفق يرون أن التعامل مع أسرة أفراسياب الضعيفة نسبيا في مدينة البصرة أفضل من التعامل مع الدولة العثمانية أو الصفوية في حالة سيطرة إحدهما على مدينة البصرة بشكل مباشر ، لذلك دعم حكام مملكة المنتفق تواجد أسرة أفراسياب في مدينة البصرة والتي تشكل المنفذ البحري الوحيد لمملكة المنتفق. وقد شاركت قوات مملكة المنتفق في الدفاع عن مدينة البصرة ضد الحملة الفارسية ما بين عام 1625م و 1629م. وعلى الرغم من توتر العلاقة بين أسرة أفراسياب وحكام مملكة المنتفق في الفترة اللاحقة فقد شاركت قوات مملكة المنتفق في صد الحملة العثمانية على البصرة في عام 1665م ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :594 ((( فعندما تعثر الزحف التركي في شتاء 1665م/1666م أمام القرنة، أرسل 900 رجل من بدو الموالي من بغداد لنجدة الجيش ولكنهم هزموا عند كوت المعمر على يد المنتفق))).
أدرك العثمانيين حقيقة الموقف وأهمية مدينة البصرة لحكام مملكة المنتفق وصعوبة إحتلال المدينة بدون دعمهم ، لذلك خطط العثمانيين للحصول على دعم مملكة المنتفق في إسقاط أسرة أفراسياب وضم المدينة للعثمانيين في مقابل حصول حكام مملكة المنتفق على دخل مالي مستمر من مدينة البصرة. وبالفعل تمكن العثمانيون من التحالف مع مملكة المنتفق في الحملة العثمانية التالية لحملة عام 1665م وتمكنوا من دخول مدينة البصرة عسكريا ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :594 (((وقبل القيام بالحملة التالية ضمن العثمانيون وقوف المنتفق الى جانبهم))).
بعد دخول العثمانيين لمدينة البصرة أحس حكام مملكة المنتفق بأهميتهم في تحديد مصير مدينة البصرة ، وبدأوا يرون أنهم الأحق بالمدينة من العثمانيين ، لذلك أصبحوا يتطلعون لضمها لمملكة المنتفق ، وكان حاكم مملكة المنتفق (الطموح) الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب قد ركز إهتمامه على المدينة وأخذ يتحين الفرصة لإنتزاعها من العثمانيين ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :594 ((( بدأت المرحلة الثانية من صعود المنتفق في نهاية القرن السابع عشر بقيادة الشيخ مانع. ركز مانع اهتمامه في بادىء الأمر على البصرة ... وعندما ضربها الطاعون عام 1690م اعتقد أن اللحظة المناسبة للتصرف قد جاءت))). لقد كان التطلع لضم مدينة البصرة لمملكة المنتفق بداية حقبة جديدة في تاريخ مملكة المنتفق ، أصبحت مملكة المنتفق خلالها تعيش صعودا على كافة الأصعدة عسكريا وسياسيا وإقتصاديا، وبدأ تاريخها يتداخل مع تاريخ الدول الكبرى والدول الإقليمية ، وظهرت مملكة المنتفق منذ تلك الفترة كلاعب رئيسي في تاريخ المنطقة الإقليمية، وأصبحت اللاعب الأول في تاريخ العراق ، كما سوف يأتي في هذا البحث.
أخيرا نختم هذا القسم من البحث بوصف للمؤرخ العثماني المولوي لقبائل اتحاد المنتفق في تلك الفترة والتي كانت تشكل القسم الرئيسي من قوات مملكة المنتفق ، ينقل مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي عن المؤرخ العثماني يوسف عزيز المولوي في كتابه قويم الفرج بعد الشدة ، وذلك عند وصف المؤرخ العثماني لقبائل اتحاد المنتفق (المعاصرين للمؤرخ المولوي) في فترة حكم الأمير مانع والذين كانوا يشكلون رأس الحربة في قوات مملكة المنتفق ، كتاب عشائر العراق، المجلد الرابع، ص: 28 (((وكان المؤرخ المولوي قد وصفها بالنظر لأوضاعها في أوائل المائة الثانية للهجرة وماقبل ذلك فقال:" إن عربان المنتفق أصل الفتن والإضطرابات في بغداد والبصرة، فهم جمرة الحرب وأشجع العربان، ومنشأ القلاقل... في رؤوسهم المغافر، وعلى أبدانهم الدروع الذهبية ... اعتادوا الرمي بالقوس على ظهور الخيل ، يلعبون برماحهم في الهيجاء بصورة لامثيل لها . وفرسانهم نحو آربعة آلاف ... وقوة ظهرهم الشيخ مانع ، به يصولون ويجولون"))).
5- ضم البصرة عسكريا لمملكة المنتفق للمرة الأولى في عهد الأمير مانع بن شبيب عام 1690م:
ظهرت الفرصة للأمير مانع بن شبيب لإنتزاع المدينة من العثمانيين ، بعد إعتداء والي مدينة البصرة العثماني على سكان مدينة البصرة بسبب الضرائب والرسوم التي لم يستطع الأهالي دفعها بسبب الطاعون ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1102هـ - 1690م , المجلد الخامس , ص 155 ((( ذلك مادعا أن يقع اختلاف بين والي البصرة وهو الوزير أحمد باشا آل عثمان والأهلين على ( الرسومات الشرعية) و(الضرائب العرفية) بحيث أدى الى وقوع القتال))). وهنا تدخل حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وجهز جيشا من ثلاثة آلاف فارس من فرسان قبائل اتحاد المنتفق وعشائر منطقة الجزائر في مملكة المنتفق ، يذكر علي ظريف الأعظمي ، في كتابه مختصر تاريخ البصرة ، ص: 153 ((( فحمل عليها منهم ثلاثة آلاف فارس بقيادة أمير المنتفك الشيخ مانع))).
وعلى الرغم من إنتشار الطاعون في المنطقة والذي أثر على كل الأطراف ، إلا أن حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب كان عازما على إنتزاع مدينة البصرة من العثمانيين ، حيث تقدم بقواته بإتجاه المدينة ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , عند حديثه عن الطاعون وتأثيره على مدينة البصرة وعلى مملكة المنتفق التي تقدمت قواتها بإتجاه البصرة ، ص: 150 ((( وتكدست الجثث في الازقة وبقيت غير مدفونة. وعانت الويلات من وطأته جميع الطبقات ، غنيها وفقيرها ، حتى الحامية الأجنبية فيها. فاغتنمت القبائل في خارج المدينة هذه الفرصة ، مع أنها لم تكن أقل تأثرا به . فجمعت قبائل المنتفك والجزائر ثلاثة آلاف خيال تحدت بهم الحكومة وأشرفت على المدينة))). وما أن علم والي البصرة العثماني بوصول قوات حاكم مملكة المنتفق إلى الدير قرب البصرة ... حتى قام بتجهيز جيش من خمسمائة مقاتل عثماني وأسندهم بقوات من سكان المدينة وخرج بهم ، وأندلعت معركة شرسة بين الطرفين فر منها معظم قوات جيش والي البصرة وأنتهت بمقتله مع جنوده المقربين ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1102هـ - 1690م ، عند حديثه عن والي البصرة أحمد باشا ووصول قوات مملكة المنتفق الى الدير, المجلد الخامس , ص 155 ((( فوصلوا الى (الدير) فلما سمع بذلك سارع لصد غائلتهم دون روية لمجرد شجاعته وتهوره. قام بأمل تشتيت شملهم ونصحه بعض أهل الرأي أن يتخذ تدبيرا ناجعا لإسكان الفتنة والإضطراب فلم يلتفت وانما استقبل أولئك بخمسمائة من المشاة والخيالة مع من كان معه من أتباع. حاربهم فحمي الوطيس بين الفريقين ففر منه أكثر أصحابه ولم يبق معه سوى مائة جندي فهاجم بهؤلاء حتى هلك معهم))).
ثم تقدمت قوات مملكة المنتفق الى داخل مدينة البصرة التي كان كبار سكانها وموظفينها العثمانيين قد اتفقوا على تعيين حسن آغا كوالي للبصرة وهو نائب والي البصرة السابق ، وقد قام حسن آغا بتنظيم قواته وتمكن من صد الجيش المتقدم لداخل المدينة الا أن القوات العثمانية لم تستطع الصمود طويلا وسقط الوالي الجديد قتيلا ثم سقطت المدينة في قبضة حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 150((( ولم يبق بين أسواق البصرة والعرب الفائزين شيء. غير أن الساعة انجبت رجلا. فجمع حسن آغا الكهية جميع السكان القادرين على القتال، وجعل واليا بالاجماع ، فنظم مقاومة عنيفة بحيث لم يستطع رجل واحد من القبائل الدخول الى البلد. وقتل هو أيضا))). ويذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1102هـ - 1690م ، عند حديثه عن نائب والي البصرة العثماني , المجلد الخامس , ص 155 (((ومن ثم حاول كتخداه حسن آغا أن يتولى منصبه بإتفاق أهل الرأي ممن كان هناك فلم يفلح. وإنما تقدم العربان نحوهم فتمكنوا من الإستيلاء على البصرة. وكان شيخ المنتفق ( مانع) قائد الجموع))).
بعد مقتل والي البصرة الجديد حسن آغا تم الإتفاق بين كبار سكان المدينة والموالين للعثمانين على تعيين حسن الجمال واليا وعلى التفاوض مع حاكم مملكة المنتفق للخروج من المدينة . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين, حوادث سنة 1102هـ - 1690م ، عند حديثه عن وصول الأمير مانع للمدينة بعد معركة الدير , المجلد الخامس , ص 155 ((( وصل اليها وتغلب ولكن أرباب الحل والعقد من أهل البصرة اتفقوا على ابعاده منها ، واختاروا ( حسنا الجمال) من أعيان الولاية وكان مشتهرا في تلك الاطراف فاستدعوه وولوه أمورهم ليقوم بعبء المتسلميه))). وقد قام كبار المدينة بالتفاوض مع الأمير مانع بن شبيب على إخلاء المدينة من قواته وإعادتها للدولة العثمانية ، وحذروه من تبعات إحتلال المدينة خصوصا وأن الوالي السابق الذي أساء لسكان البصرة كان قد قتل ولم تبقى أي ذريعة للإحتفاظ بالمدينة ، يذكر المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي (المعاصر للأحداث) ، في كتابه كلشن خلفا، عند حديثه عن الأمير الشريف مانع بن شبيب ، ص: 298 ((( ولكنه أخلاها بعدئذ خوفا من عقاب الدولة ونزولا عند نصيحة أهل الحل والعقد من سكان البلدة وعاد متسلمها الى مقر حكمه))). ويبدو أن السبب الحقيقي لخروج الأمير مانع بن شبيب من المدينة كان بسبب انتشار الطاعون بالمدينة .. حيث عاد الأمير مانع بن شبيب واحتل المدينة مره أخرى بعد مدة قصيرة.
6- ضم البصرة الثاني لمملكة المنتفق وهزايم عسكرية متتالية للحملات العثمانية:
يبدو أن الوالي الجديد حسن الجمال لم يتمكن من الإحتفاظ بالمدينة طويلا ، حيث زحف عليها حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب واحتلها بدون قتال بعد هروب العثمانيين من مواجهة قواته ، وفي فترة احتلاله للمدينة للمرة الثانية بدأت الدولة العثمانية ترسل له الحملات العسكرية الكبيرة والمتتابعة والتي كسرها كلها ، حتى أطلق المثل الشعبي في العراق (أمنع من مانع) ، وقد أدت هذه الخسائر المتتابعة للدولة العثمانية الى إصابة والي بغداد بمختلف الأمراض وتوفي في عام 1103هـ ، يذكر المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي (المعاصر للأحداث) ، في كتابه كلشن خلفا، ص: 299 ((( انعمت الدولة العلية في بداية السنة 1102 على الوزير أحمد باشا بولاية بغداد ، وكان المشار اليه مشهورا بأسم أحمد باشا البزركان ، وقد وصلها في اليوم السابع عشر من شهر ذي الحجة وباشر أعماله. وفي خلال حكمه كان شيخ المنتفق الشيخ مانع يتولى الحكم على البصرة قهرا وتمردا ، وقد أرسلت اليه الدولة الحملة أثر الحملة ولكنه في كل مرة يتغلب عليها فتعود بالخسران ، ماأدت هذه الحالة الى إصابة الوالي بمختلف الأمراض لتأثره ، وأخيرا وفي اليوم الثاني من شهر شوال سنة 1103 انتقل الى رحمة الله ودفن بجوار المجتهد الأقدم والامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه))).