تجاوزات عبدالخالق الجنبي ورفاقه في تحقيق شرح ديوان ابن مقرب العيوني الأحسائي (2/2)
ثالثاً: الأخطاء الكثيرة في ضبط الديوان.
الأخطاء من هذا النوع كثيرة جداً، وقد تتبعت بعض ما في المجلد الأول ثم تركتها لكثرتها، فأكتفي بسرد عشرين خطأً من المجلد الأول في أربعين صفحة متوالية من صفحات الديوان البالغة (1280صفحة)، وكلها في ضبط الأبيات دون الشرح، وتجنبت ما كان خطأً نحوياً أو يحتمل أن يكون خطأً طباعياً:
10- (ص164): "ملء المَفاضة" بفتح الميم، وهي بالضم الدرع.
2- (ص171): "غير خوَّانٍ ولا وَكِلٍ" بكسر الكاف، وهي بالفتح.
3- (ص175) : "أقحمتها شَرءخ النجاء شِمِلَّةً أَحءداً..."، هكذا ضبطوها بالحاء المهملة الساكنة لأنها مهملة في المخطوطات، وذكروا في الحاشية الأوجه التي ضبطت بها في غير طبعتهم، وليس بشيء والصواب ظاهر من صورتها، فهو في وصف ناقة فهي (أُجُداً)، ومثلها ما في (ص888): "ورأبٌ للبَأَى" بالباء، والصواب ظاهر من صورتها أنها (للثَّأَى).
4- (ص176): "لله درك أي فارس بَهمة" بفتح الباء وهي البهيمة، وإنما هي بالضم؛ فارسٌ بُهمة مقنع لا يدري خصمه من أين يأتيه.
5- (ص180): "وأحمدت سيرها المُهرية النُّجُبُ" بضم الميم، وهي بالفتح، منسوبة إلى قبيلة مَهءرة بالشِّحءر.
6- (ص181): "مما يدُبُّ على" بضم الدال، وهي مكسورة.
7- (ص181): "وتأويلاتها الكَذِبُ"، وهي الكُذُب بضمتين على الجمع.
8- (ص183): "وغير مَدءرَةِ دار الحرب ما حربوا" بفتح الميم وبالتاء المعقودة، وهي (مِدءرَهِ) بكسر الميم وبالهاء.
9- (ص183): "والأرض تأرَضُ" بفتح الراء، وهي بالكسر.
10- (ص184): "وخان دلوَهُمُ من عقدها الكُرُبُ" بضمتين، وهي بفتحتين، الكَرَب عقدة يُشد بها الدلو من أعلاه والعِناج عقدة يشد بها من أسفله؛ قال الحطيئة: (شدُّوا العناج وشدوا فوقه الكَرَبا).
11- (ص185): "قُرِّي فَيُمءنُ أمير المؤمنين لنا" بضم القاف، وهي بالفتح.
12- (ص185): "كل رجَّاسٍ له لُجُبُ" بضمتين، وهي بفتحتين.
13- (ص185): "طُرءز الزمان" بضم الطاء، وهي بالكسر.
14- (ص185): "تاج به الأعياد تُعتصبُ" بضم أول الفعل مبنياً للمجهول، وإنما هو بالفتح للمعلوم لأن الفعل لازم غير متعد مبني للمعلوم.
15- (ص187): "لم يُشِن" بضم أول الفعل، وهو مفتوح.
16- (ص187): "وأبلغُ من قِس وسُحبان وائل" بكسر القاف وضم السين، وإنما الصواب قُسّ بالضم، وسَحبان بالفتح.
17- (ص195): "ذهب السُّرى بسُراتها" بضم السين الثانية فتكون جمع سارٍ من سُرى الليل، وليس كذلك بل هي بالفتح أي سادتها.
18- (ص197): "إن يرض قومي الهَوءن فيَّ" بفتح الهاء وهو الرفق، وإنما هي بالضم الهوان.
19- (ص203): "رجفت لِمَهءلَكه البلاد" بفتح اللام، وهي بالكسر لأنه يريد المصدر.
20- (ص203): "وغدا مناخ الذل في حُجُراتها" بضمتين، وهي بفتحتين أي نواحيها.
فكل هذه الأخطاء الواضحة في أربعين صفحة متوالية فقط، أي في ما نسبته 32/1من الديوان، وهي وعشرات أضعافها تدل إما على انصراف الجهد عن العمل المقصود، وإما على التصدي لما ليس من شأنهم.
رابعاً: ضعف في التوثيق.
توثيق الشواهد الشعرية بعزوها إلى مصادرها وقائليها، مما جرت به عادة المحققين إلا من اكتفى بإخراج النص دون التزام بخدمة زائدة، وهؤلاء الباحثون قد التزموا عزو شواهد الشرح، فكان المفترض أن يكون التوثيق دقيقاً أو قريباً من الدقة؛ إلا أنا وجدناهم في فهرس الأشعار قد حشروا جملة كبيرة منها في ركن للأبيات التي لا يعرف قائلوها، وبمجرد التصفح أيقنت أن هذه الأحكام لم تكن لا عن خبرة ولا عن بحث.
ولا أرى الأمر يحتاج إلى تتبع ما حكموا عليه لإثبات ذلك بل يكفي أن أختار للقارئ ستة أبيات لا أظن قارئاً للأدب يماري في أنها من روائع الشعر العربي مما لا أحتاج ولا يحتاج القارئ إلى عناء المراجعة لمعرفة ذلك، والباحثون يقولون في جميعها إنها مجهولة القائل:
1- قول الشاعر:
وأفلتهنَّ عِلءباءٌ جريضاً
ولو أَدءرَكءنَهُ صَفِرَ الوِطابُ
وهذا بيت في غاية الشهرة لامرئ القيس، وهو من ثلاثة أبيات في جميع مظانّ شعره وذكرها الأصمعي في اختياره، وكلام العلماء الكثير في تفسير (صفر الوطاب) مشهور أيضا.
2- قول الشاعر:
صِلٌّ يموت سليمه قبل الرقى
ومخاتلٌ لعدوه بتصافحِ
وهذا بيت لزياد الأعجم من قصيدته الجميلة المعروفة في رثاء المغيرة بن المهلب أبن أبي صفرة، أوردها أبو علي القالي في أماليه وغيره.
3- قول الشاعر:
وكنا إذا القيسيُّ نَبَّ عَتوده
ضربناه فوق الأنثيين على الكَرءدِ
وهذا بيت في غاية الشهرة للفرزدق من أبيات جياد، والقصة في إنشاد ذي الرمة إياها ثم تنازله للفرزدق عنها مشهورة في طبقات ابن سلام والأغاني وغيرها.
4- قول الشاعر:
فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا
أَغَمَّ القفا والوجهِ ليس بأنزعا
وهو من أبيات معروفة لهُدءبة بن الخَشءرَم يخاطب زوجه ، موجودة في تراجمه.
5- قول الشاعر:
لَمَالُ المرءِ يُصلحه فيُغني
مَفاقِرَه أَعَفُّ من القُنوعِ
وهو بيت معروف للشماخ في ديوانه وتراجمه، ويذكره الأدباء في قصة استشهد فيها به أحد خلفاء بني أمية لا يحضرني موضعها.
6- قول الشاعر:
لقد لُمءتِنا يا أمَّ غيلانَ في السُّرى
ونِمءتِ وما ليلُ المَطِيِّ بنائمِ
وهو بيت معروف لجرير، في نقائضه مع الفرزدق وديوانه وغيرها من كتب الأدب، وهو على ذلك من شواهد النحو.
فليست هذه الأبيات مما يجهل من عنده اطلاع أدبي -بمجرد قراءتها - أنها معروفة مشهورة؛ فيدفعه ذلك إلى الرجوع لتوثيقها، ولا هي مما يعجز باحث أن يستدل على قائلها بأيسر جهد حتى وإن كان جاهلاً بالأدب.
فهل يدل ذلك على مستوى أدبي ضعيف لباحث تجرأ على ديوان كديوان ابن مقرب؟!
أم يدل على أن الوفاء بمتطلبات التحقيق لم يكن أمراً شاغلاً له أصلاً؟!
أم يدل على أنه عمل وكل الباحث فيه غيره وتفرغ هو لما يشغل باله؟!
خامساً: مآزق في التعليق.
قد صار هؤلاء الباحثون في تعاليقهم التي يفترض أنها خدمة للديوان إلى حال لا يحسدون عليها، فحشروا أنفسهم في مضايق ظنوها تخدم القضية الطائفية التي تَقَلَّدوها وهي أشد شيءٍ ضرراً.
ومن أبأس ما صاروا إليه أنهم جعلوا أنفسهم في موضع المسؤولية عن أفعال القرامطة؛ فألجؤوها إلى الدفاع عنهم من هجوم الشاعر المتواصل عليهم، فجاؤوا بشيء لا يقره عليهم أحد.
فإذا نُسِبَ إلى القرامطة اقتلاع الحجر وانتهاك حرمة البيت حاولوا جعل ذلك نظيراً لحصار الحجاج بن يوسف لمكة (انظر ص941).
وإذا نسب إليهم استحلال المحارم في احتفالاتهم نقَّبوا في مزابل التاريخ حتى وقعوا على احتفالٍ مشابه نسب إلى شرذمة من الزنادقة المنسوبين إلى أهل السنة (انظر ص1026).
وما يذكره الشارح عن القرامطة في احتفالهم من اختلاط تحاملٌ عليهم، ولا بد أن الحال كما في الحرمين من الحشمة وعدم الاختلاط المريب!! (انظر ص 1028).
إلى غير ذلك من الحساسية المفرطة من هذه الأمور المتعلقة بالقرامطة أو بالأصول الأعجمية لبعض سكان البحرين، والتي غيبوها تغييباً تاماً في دراستهم وتعاليقهم ومحاولتهم إعادة صياغة تاريخ إقليم البحرين.
سادساً: أخطاء واضحة للشاعر والشارح لا تعليق عليها.
نحن لا نكلفهم خبرة واسعة فنعاتبهم على أمر قد لا يكون لهم به طاقة؛ لكن دعوى التحقيق ولهجة الاستصغار المتكررة لجهد غيرهم في خدمة الكتاب، والتعليق الكثير الذي توجه لأهدافٍ محددة كان ينبغي أن ينصرف شيء منه لتوثيق المعلومات التاريخية التي يوردها ويكررها الشاعر والشارح، ومثل ذلك لو حصل لانكشفت هذه الأخطاء بسهولة، ولا شك أن العناية بهذا أليق من الاستماتة في محاولة إيجاد طائفة من أهل السنة تنتهك المحارم كما يفعل القرامطة!!
وأنا هنا أذكر أمثلة عابرة؛ فمن ذلك تكرار الشاعر والشارح نسبة عقر الفيل يوم القادسية إلى المثنى بن حارثة الشيباني وجعله ذلك من مفاخر ربيعة (انظر ص876، 936)، وهو خطأ صرف فالمثنى رضي الله عنه مات قبل القادسية باتفاق المؤرخين، ولم يكن بالقادسية فيلٌ واحد بل هي فِيَلةٌ كثيرة، وإنما كان عقره الفيلَ بوقعةٍ كانت ببابل زمن الصديق رضي الله عنه قبل القادسية بمدة ذكرها الطبري وغيره، ولو حاول المحقق أن يوثق ما ذكره الشاعر لانكشف له الخطأ بلا عناء.
ومن ذلك أن الشاعر والشارح ذكرا (وادي خزاز)، فجعله وادياً (انظر ص1101)، وهو خطأ واضح فخزاز جبل بالاتفاق وهو على اسمه لم يزل، مجاورٌ لبلدة دخنة جنوب مدينة الرس بالقصيم على قرابة خمسين كيلاً منها.
ومن ذلك أنهم أطالوا الكلام لاستكناه حقيقة ما تزعم عبد القيس أن رئاباً الشني (جاهلي قريب من الإسلام) كان نبياً، فأخذوا هذه الأسطورة على محمل الجد وجوزوا صحة ذلك (انظر ص 1282- 1283)، وهو بحث لا عائدة منه، لأن الإجماع ونصوص الوحيين متظافرة على أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعِثَ على حين فترة من الرسل، وأنه لا نبي بينه وبين عيسى عليه السلام، وأن النبوة قبله كانت في بني إسرائيل، وأنه هو -وحده - النبي من ولد إسماعيل عليهما السلام، والرجل إنما كان راهباً نصرانياً أو شبهه، كما ذكر ابن قتيبة في المعارف وغيره.
سابعاً: بأي منهج يُكتب التاريخ !
منهج الباحث هو عدته، وهو سر قوته أو ضعفه، وبقدر ما عنده من صحة المنهج ومن الانضباط المنهجي تكون الثقة.
ولما كان الباحثون قد وجهوا جهدهم لأمور تاريخية وأدلوا فيها بآراء فرضوها قسراً فكان المفترض أن يكون لهم منهج واضح يديرون به هذه المهمة.
والحق أني لم أرَ في عملهم ما يمكن تسميته منهجاً منضبطاً، وإنما منهجهم الذي رأيته أنهم يقولون في كل موضع ما يناسب غرضهم في ذلك الموضع بعينه من غير مسؤولية منهجية، وسأذكر مثالاً مما سطروه وهو كلامهم على تاريخ وفاة ابن مقرب، فقد ذكروا الأقوال الثلاثة (629، 630، 631ه)، ثم قالوا (219/3): "إلا أننا غير مقتنعين بتاتاً بأن تاريخ وفاته هو 631أو قبله، والذي نراه أن الشاعر قد بقي إلى ما بعد العام 631بكثير".
ولتفسير ما ذهبوا إليه قالوا: "نستطيع الآن أن نوجه قول ابن النجار: (بلغنا أنه توفي بالبحرين في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة)؛ فنعود إلى القصة التي ذكرها أهل البطالية "قرية بالأحساء" من أن الشاعر عندما أوقع بالبدو في قصره الذي جعل أساساته من الملح أشاع أنه قد توفي، ورحل من وقته إلى عمان، وهنا يكمن مفتاح الحل لِلُغز هذا الاختلاف في عام موت الشاعر، فربما يكون الشاعر قد أوقع بالبدو في أي موقعة كانت ثم هرب إلى عمان بعد أن أشاع أنه قد توفي بالفعل، ولعل إيقاعه بالبدو كان في عام 631ه وأنه قد أشاع موته في السنة نفسها، فكان أن حمل الركبان الخبر إلى بغداد فتلقاه ابن النجار وكتبه في كتابه".
وليس بهذا السرد حاجة إلى التعليق، فإنها لمعضلةٌ حقاً أن يحاول المرء أن يتصور كيف يُشِيع رجلٌ - بمفرده - بين كل الناس الذين حوله أنه مات ثم يفر ليختفي عنهم جميعاً!!
هذا ما ليس في وسع العقلاء أن يتصوروه، ولكن دع هذا واسمع قولهم (220/3): "وهو في حقيقة الأمر خبر كاذب ساهم الشاعر نفسه... بإشاعته ليبعد عنه أعين من يطلبه من أعدائه...، وأن رواية أهل البطالية وأهالي قرية طيوي "بعمان" هي رواية صحيحة في أن الشاعر قد قصد هذه القرية الأخيرة وأنه قد توفي فيها بالفعل".
فالشاعر إذاً فرّ من البحرين سنة 631ه بعد أن أوقع بالبدو ثم اختفى عن الناس في موضعٍ ناءٍ بعمان إلى أن مات، أي إن الرجل عند أهل البحرين في عداد الأموات منذ سنة 631ه. لكن هؤلاء الباحثين غفلوا ونسوا أن الشاعر هاربٌ مختفٍ بعمان، وأن أهل البحرين قد فرغوا من موته، وأنه لن يُرى بالبحرين ثانيةً لأنه قد مات في غربته؛ غفلوا عن كل هذا الذي تعبوا في تقريره فاستدعوا الشاعر وأظهروه بالبحرين مرة أخرى لما احتاجوا ذلك، فاسمعهم يقولون وهم يستدلون على تأخر وفاته عن سنة 631(219/3): "... الخاتمة التي ذُيِّل بها أكثر من مخطوطة...، والتي نعتقد أنها من إملاء الشاعر نفسه على أحد رواة ديوانه وقد وصل في هذه النبذة إلى ذكر آخر الأمراء العيونيين...، وقد أرخ ذلك في عام 636ه".
فهذا هو الشاعر قاعدٌ بين رواة ديوانه يملي عليهم سنة 636أو بعدها!!
أليس هو الذي استقر عند أهل البحرين موته سنة 631بعد أن أشاع بنفسه ذلك بينهم ثم فرّ واختفى حتى وافاه أجله بعمان غريباً مختفياً؟!
بهذا المنهج الفذ؛ لا أقول: يُحَقَّق كتابٌ من كتب التاريخ والأدب، بل أقول: تُعاد كتابةُ تاريخ إقليم البحرين!!
هذا ما تيسر في هذا المقام، والله الموفق للصواب.
http://www.alriyadh.com/2006/12/15/article209224.html