[الجزء الرابع والأخير]
[ رحيل المهلهل الى اليمن وعوده ]
خرج المهلهل بعد ان دعا قومه الى الصلح مصطحباَ بعض أهله فلحق بأرض اليمن وجاور جنباَ وهم حي من مذحج القحطانية أعداءه القدامى أيام* السلان وخزازي؟ وللعلم فإن مصطلح اليمن لدى أهل البادية منذ القديم وخاصة أهل نجد تعني جهة الجنوب مثلما تعني الشام جهة الشمال فلايظن القارىء أن جساسَا عندما توجه لأخواله من تميم فى الشام أنهم كانوا فى دمشق وضواحيها!! بل المقصود أنهم كانوا فى شمالي نجد, وكذلك توجه المهلهل هنا الى اليمن فالواضح أنه لم يتعدى تهامة الواقعة جنوبى غربى نجد وعندما إستقر المهلهل وأهله مجاوراَ لجنب خطب إليه أحدهم إبنته فأبى المهلهل تزويجها له قائلاَ : قائلاَ أنى طريد بينكم فمتى أجبتكم قالوا أنهم إقتسروه؟ ولكنهم أكرهوه على ذلك حتى زوجها مرغماَ وساقوا إليه مهرها عبارة جلود أدم؟ فقال المهلهل متحسـراَ على مصاهرته لهم شعراَ:
هان عليَ تغلبِ بما لقــــيتْ = أخت بنى الأكرمين من جشـــمِ
أنكحها فقدها الأراقـم فـــــى = جنـبِ وكـان الحبـاءُ مــن أدم
لوبأبانـين جاء يخطبهــــــــا = ضُرج بما أنف خاطبِ بــــــدمِ
أصبحت لامنفساَ أصبتُ ولا = أبــت كريماَ حـراَ من النــــــدم
لـــيســوا بأكفائنا الكرام ولا = يغنون من عيلـةِ ولاعـــــــدمِ
فلما بلغ قبائل بكر وتغلب ذلك ساروا إلى مذحج وأخذوا المرأة وأرجعوها الى ابيها بعدما أسروا زوجها؟ هذا ماتذكره الكتب حول الضعف الذى أصاب المهلهل حتى أُضطر الى تزويج إبنته رغماَ عنه, وتفيد الروايات ان الفتاة إسمها *سلمى أو أخته على بعض الأقوال إلا أن هناك أَخر تذكره بعض كتب *الأنساب المتأخره وملخصه أن الفتاة هى إبنتة المهلهل واسمها عبيدة؟ ولها ذرية كثيرة منهم *الضياغم المشهورين الذى ذكرهم إبن رسول فى فى طرفة الأصحاب فى القرن الثامن الهجرى وقال انهم من ذرية عبيدة من جدهم روح بن مدرك الذى خلَف عليها من زوجها الأول معاوية بن عمرو بن معاوية بن الحارث الجنبي ونسل عبيدة من كلا الزوجين صاروا أجداداَ لبطن كبير من قحطان المعاصرة يُسمى عبيدة؟ كما انه يطلق الى يومنا هذا إسم سراة عبيدة على جزء كبير من جبال السراة نسبة الى هذه القبيلة, وسواء تم تطليق إبنة المهلهل من زوجها عنوة أو إن إقامتها قى اليمن إستمرت حتى ولدت أجداد عبيدة فإن المهلهل إشتاق الى أهله كما ألحت عليه إبنته سلمى بالمسير الى ديارهما فرجع ولما صار الى قبر أخيه كليب وكانت عليه قبة نفر البغل هارباَ فوثب المهلهل عن البغل وضرب عرقوبيه بالسيف وقال شعراَ يتوعد بكر:
رماك الله من بغلِ = بمشحوذِ من النبلِ
أما تُبلغنى أهـلك = أوتُبلغنى أهــــــلى
ألا أبلغ بنى بــكرِ = رجالاَ من بنى ذُهلِ
بأتم قومكم بالغدرِ = والعدوان والــقتلِ
ورغم أننا نتوقع أن المهلهل بعد كل هذه الأحداث كان إقترب من سن الشيخوخة إلا أنه بهذه البيات التى قالها أعلن إستئناف الحرب ثانية؟ ولنا أن نتوقع دعوته هذه لم تحز على القبول من تغلب التى صار لها سادتها الأَخرون فى غيابه ولكن فى المقابل لنا أن نعرف أن شن الغارات الخاطفة فى البادية لايستلزم عادةَ عدداَ كبيراَ من الرجال ولعل هذا التكتيك هو ماكان ينوى المهلهل فى تبنيه إعادة الحرب مرة ثانية, صار المهلهل الى ديار تغلب لايهم بالصلح؟ الذى دخل فيه الناس ولايشرب خمراَ ولايلهوا ولايغتسل بماء؟ حتى كان يتأذى جليسه من رائحته فدخل عليه ذات مرة رجل من تغلب إسمه* ربيعة بن الطفيل فأقسم عليه ليغتسلن بالماء البارد ولتبُلن ذوائبك بالطيب فقال المهلهل هيهات يابن الطفيل هبلتنى إذا يمينى وكيف باليمين التى أَليتُ؟! كلا أوأقضي من بكر إربي!! ثم تأوه المهلهل إذ هيج شجونه فزفر قائلاَ:
إن فى الصدر من كليب شجوناَ = هاجساتِ نكأن منه الجراحا
أنكرتنــى حليلتـى إذ رأتنـــــــى = كاسف البال لاأُطيق المزاحا
ولقد كنت إذا أرجــل رأســـــــي = ماأُبالى الإفساد والإصلاحـا
بئس من عاش فى الحياة شقياً = كاسف اللون هائما ملتاحــا
ياخليلــي ناديــا لــي كليــــــــباِ = وأعلما انه مــــــــلاقِ كفاحا
ياخليـلي ناديــا لــي كليــــــــباَ = ثم قولا له نعمــت صــــــباحا
ويـح أمي وويحـــها لقتـــــــيلِ = من بنى تغلبِ وويحها وواحا
ياقتــــــــــيلاَ نماهُ فـرع كـــريم ُ= فقدهُ قد أشـــاب منى المساحا
كيف أسـلوا عن البكاء وقومى = قـد تفانوا وكيف أرجوا الفلاحا
[ نهاية المهلهل ]
لاعجب فى أن يُعد المهلهل بطل حرب البسوس الشخصية الأبرز فيها والأكثر حضورا فى الذاكرة فإن حماسته الشديدة للحرب جعلت الثأر يبدوا كما لوكان ثأره وحده؟ رغم انه كان لكليب *إخوة أَخرون وقُتل فى الحرب سادة وفرسان حقَ لأهلهم أن يكونوا أصحاب ثأر أيضاَ!! ولكن المهلهل على مايبدوا لم يترك لأحد أن يظهر فى الصورة؟! وبالتالى فإن وفاته كانت نهاية مثالية للحرب؟ التى طال أمدها حتى ملها القوم وتصالحوا دون شروط وتكافىء فى الدماء فسُميت حربهم بالبتراء؟ كما أسلفنا ومثلما وجدنا نهاية لجساس بن مرة روايتين فهناك لنهاية عدوه المهلهل روايتان كذلك؟ وإن كانت الرواية الثانية أقرب للخيال منها للحقيقة؟ ولذا نبدأ بالرواية الأولى الأكثر منطقية:
[ الرواية الأولى ]
وتفيد بأن المهلهل عاد لنقض الحرب بعد عودته من اليمن وصار يقوم بالغارات ويوقع بالبكريين حتى أسره فى إحداها * عمرو بن مالك بن ضبيعة البكري قرب *هجر فجاء إليه أخوال المهلهل وهم بنو يشكر البكريون [ام المهلهل هى المرادة بنت ثعلبة بن جشم اليشكرية] فطلب *المحلل بن ثعلبة خال المهلهل من عمرو ان يسلمه المهلهل ففعل خاصة وأن إبنة المحلل كانت زوجة لعمرو بن مالك وقالوا أن المحلل سقى إبن أخته المهلهل لما صار عنده خمراَ ؟ فتغنى الأخير سكراناَ:
طفلةُ ماأبنة المــحلل بيضـــاء = لـعوبُ لذيذةُ فـــى العنـــــــاق
ضربت نحــرها إليَ وقالــــــت = ياعدياَ لقــد وقتْـك اللأواقــــى
فاذهبى مااليـك غـير بعيــــــــد = لايواتى العناق من فى الوثاقِ
ماأرجى بالعـيش بـعد ندامـــاي= أراهم سُقٌـــوا بكأسِ حــــــلاق
بعد عمــرو وعامـــرِ وحـــــبيُ = وربيع الصدوف وابني عناق
وإمرىء القيس ميتُ يوم أودى= ثم خلَى على ذات العراقـــــى
وكلــــيب سُم الفوارس إذا حُمَ = رمـــــــاه الكمــــاةُ بالإيفـــاقِ
فـارسُ يضرب الكتيبة بالسيف= دراكــــــــاَ كلاعب المـــخراقِ
فلما سمع المحلل تشبيب المهلهل بإبنته غضب فأعاده الى أسره عمرو الذى أقسم ألا يذوق المهلهل عنده خمراَ ولاماءَ ولالبناَ حتى يرد جمله ربيب المورد الذى فى الهضاب!! وكان ربيب لايرد فى الصيف إلا كل خمسة أيام رغم *حرارة الجو؟ فقال له بعض من *عطفوا على حال المهلهل من قومه: ياخير الفتيان أرسل أرسل الى ربيب فلتؤت به قبل وروده؟ فأستجاب لهم وأورد ربيباَ قبل موعده؟ ولكنه أشرب المهلهل ماءَ كدراَ مات بسببه!! وهناك رواية لأبن الأثير أن عمرو بن ماك أحسن إسار المهلهل فمر عليه تاجراَ يبيع الخمر قدم من*هجر؟ فكان صيقاَ للمهلهل فأهدى إليه زِقاَ من الخمر فأجتمع إليه بنو مالك ونحروا عنده بكراَ [أي بعير صغير السن] وشربوا معه فلما سكِر المهلهل تغنى بشعر فيه البكاء على كليب وتهديد البكريين فلما سمع عمرو ذلك قال: إنه لريَان؟ والله لايشرب الخمر حتى يرد ربيب فحاول بنوا مالك فى ربيب أن يرد قبل الأيام الخمسة فلم يقدروا عليه فمات المهلهل عطشاَ!!
[ الرواية الثانية ]
وتقول ان المهلهل بن ربيعة لما أسن وخرِفْ كان له عبدان يخدمانه وقالوا بل كان يغزوا بهما أيضاَ على بيوت البكريين حتى ملاه وسئِما من صحبته فخرج بهما ذات مرة فى سفر وبينما هما معه فى بعض الخلوات فى الصحراء عزِما على قتله والإدعاء على أنه مات حتف أنفه؟ فلما أحس بذلك كتب على قنب راحلته: من مبلغ الحيين أن مهلهلاَ = لله دركما ودر أبيكما!! ثم طعنه أحدهما فكان المهلهل شجاعاَ فى مواجهة الموت إذ قال لقاتله: ثكلتك أمك لو أخذت البيضة[أي الخودة] عن رأسي لكفاك أخذها لقتلي دون أن تمد يدك فى سيدك؟ فأخذ القاتل البيضة فصعُب عليه إخراجها فاقتلعها مع زميله قلعاَ فخرجت معها جلدة رأس المهلهل وظهر دماغه ينتفض من تحتها!! ولما فرغا من قتله رجع العبدان الى قومه يتباكيان ويصيحان بأن سيدهما مات فى الفلاة ؟ ولكن سلمى بنت المهلهل قرأت ماعلى القتب من شعر فقالت: إن أبى لايقول هذا الشعر؟! وأنما أراد : من مبلغ الحيين أن مهلهلاَ = أمسى قتيلاَ فى الفلاة مجندلاَ
لله دركمـــا ودر أبيكــــــــما = لايبرح العبدان حتى يُقتــــــلا
وزعموا فى رواية أخرى أن المهلهل قال للعبدين قبل مقتله: إن كنتما لابد منفذين عزمكما فى قتلى والتخلى عنى فإنى أُوصيكما أن تبلغا الحي ماتسمعان منى وقال لهما البيت الأول فلما عرفت إبنته سلمى زوجة الهجرس بن كليب ماأراد أبوها أخذوا العبدين وعذبوهما حتى إعترفا بفعلتهما فقُتِلا به, ومما يشكك بصحة هذه الرواية أن هذين البيتين يرويان أيضاَ بصياغة مختلفة بعض الشىء كجزء من قصيدة تُنسب* للمرقش الأكبر وهو عوف بن سعد بن مالك بن ضبيعة البكرى؟ قالها بعد الغدر به وقتله بتغيير كلمة مهلهلاَ الى مرقشاَ وأولها: ياصاحبيَ تلبثا لاتعجلا = إن الرواح رهينُ الاتفعلا ] وللقصيدة قصة تشبه تلك القصة المنسوبة للمهلهل؟ هذا وقد أورد الصفوانى فى كتابه مرثيتين مشكوك فى صحتهما لسلمى إبنة المهلهل فى أبيها والظاهر انهما من إنتحالات الرواة وأكاذيبهم ويزعمون أنها قال فى الأولى:
أعينى جودا بالدموع السوافـــــــحِ = على فارس الفرسان فى كل صافحِ
الا تبكيان المرتجى عند مشـــــــهدِ = يثور مع الفرسان نفح اللأباطــــحِ
عدياَ أخا المعروف فى كل شــــتوةِ = وفارسها المهيوب عند التكـــــافحِ
رمته بنات الدهر حتى انتظمــــــنه = بسهم المنايا انه شـــــر رائــــــــحِ
كأن لك يكن فى الحي حياَ ولم يرح = إلــــيه عناة الناس أو كل راشــحِ
وفى الثانية:
منع الرقاد لحادثِ أضنــــاني = وونىَ العزاءُ وعادن أحزانى
لما سمعت بنعي فارس تغلبِ = أعنى مهلهل قاتل الأقــــرانِ
المرتجى عند الشدائد إن غدا = دهرُ حروبُ معضل الحدثـانِ
[ إنتــــــهى ]
ويليه إن شاء الله تعالى حكاية الزير كما روتها السيرة الشعبية بقلم المؤلف الخالدى ومن ثم التعليق والتعريف بالأسماء والأعلام الواردة بهذه السيرة والتى أسقطت بالجزء الثالث والرابع خطاَ وذلك بناءَ على طلب الأستاذ القدير أبو مشعل حفظه الله