ابن الكلبي بين المطرقة والسندان - موقع قبيلة عنزه الرسمي: الموقع الرسمي لقبائل ربيعه عامه و عنزة خاصه

03-15-2012, 04:55 PM

[ ابن الكلبي بين المطرقة والسندان ]

يخطىء من يظن أن هشام ابن الكلبي النسابة الشهير ت- 204هـ هو من ابتدع علم النسب وتفرد به دون سابق ممن كان قبله, وقد يتوهم البعض دون دراية ومعرفة أن هذا العلم كان مجهولاَ لايٌعرف عنه شىء حتى ولجه ابن الكلبي والَف فيه ونشره وأصبح علماَ يتداوله العامة فيما بعد وذلك نقلاَ عن ابن الكلبي كما يظن البعض,ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماَ لقد كان هذا العلم معروفاَ ومشهوراَ بل وسائداَ بين العرب فى الجاهلية وفى صدر الإسلام, سواءَ كان فى أشعارهم التى تزخر فى تفريغ القبائل والإفتخار بها أو فى ماتوارثوه بالمشافهة والحفظ فى صدور الرواة والمحدثين والإخباريين وحفاظ السِير, وعلى هذا يمكن القول أن إبن الكلبي لم يأتي بجديد من عنده فى هذا الجانب تحديداَ, إنما يعود له الفضل فى هذا فيما وقع عليه ممن قد سبقه من هؤلاء النسابة والمحدثين والإخباريين على وجه الخصوص, ومن ثَم القيام بترتيب هذا العلم بشكل مفصل ومبوب أولاه بعد ذلك جل إهتمامه وعنايته وحرصه, حتى أبدع فيه وتمكن منه واشتهرت بعد ذلك مؤلفاته وكتبه كأهم مصادر ومراجع لعلم الأنساب وأخبار العرب, وبذلك يعتبر ابن الكلبي هو المعول الرئيسي فى علم النسب لمن جاء من بعده من المؤرخين وكُتاب السِير, وإلا فهناك الكثير من العلماء والإخباريين قد سبقه فى هذا العلم ممن لازالتهم كتبهم ومؤلفاتهم مفقودة حتى هذا اليوم , كعبداللة بن ثعلبة بن صعير العدوي صاحب كتاب ( التظافر والتناصر ) وصُحار بن العباس الذى ذُكر له كتاب فى النسب وكانت له أخبار مع دغفل النسابة وهذان هما أقدم من ذُكر لهم تأليف فى النسب, وكذلك اشتهر بعلم النسب والإحاطة بهذا الجانب المهم

حويطب بن عبدالعزى ومخرمة بن نوفل الزهري القرشي وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها , ومعاوية بن ابي سفيان الذى استوفد النسابين من الأمصار كعبيد بن شرية الجرهمي , وهناك عقيل بن ابي طالب وأبو الجهم عامر أو عبيد بن حذيفة العدوي, وكان هؤلاء يتحاكم اليهم الناس فى المنافرات ويأخذون عنهم علم النسب, وكذلك ممن أفدهم معاوية النخَار بن اوس الذى أخذ عنه ابن الكلبي الأب نسب معد ( أنظر بنو بكر بن وائل ص24) وهناك الكثير من كتب الأنساب والمشجرات والمدونات التاريخية الخاصة بالقبائل العربية دٌونت قبل أبن الكلبي لايزال الكثير منها حتى اليوم فى عداد المفقود, وقد أشرنا الى البعضِ منها سابقاَ [أنظر كتب الأنساب المفقودة] فعليه يكون إبن الكلبي هو ناقلاَ ممن سبقه من النسابين لم يبتدع أو يأتي بجديد مجهول فى هذا الجانب؟ صحيح أن اخبار ابن الكلبي قد تؤخذ بجانب الحيطة والحذر لما كان يٌعرف عنه من الكذب والتدليس فيما يتعلق بالحديث والنقل والأخبار المتعلقة بشؤون الدين والعقيدة, فالرجل ذو مثالب وعليه ماَخذ كثيرة ذكرها علماء الأمة فهي مبسوطة فى كتبهم وأقوالهم, إلا أن هذاالجانب وهذه العلة التى لازمته لاتسقط بالضرورة مصداقيته فى هذا الفن وهذا المضمار وهو العلم بالأنساب والإحاطة بها والتبحر فيه, بدليل أننا لم نرى أو نسمع من إعترض عليه أوكذَبه وطعن فى صحة مانقله ودونه فى كتبه ومؤلفاته خصوصاَ من معاصرية أو ممن جاء بعده! فالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قد أثبت علم ابن الكلبي فى علم النسب وذلك خلال توهينه فى الحديث عندما قال[ إنما كان صاحب سمر ونسب ... ماظننت أن احداَ يُحدثُ عنه] وهذا إقرار صريح من الإمام أحمد بعلم ابن الكلبي فى النسب! وهذا خلاف الحديث والروايات المتعلقه بالعقيدة التى حذر بالنقل عنه

كما أن هناك أيضاَ الكثير من العلماء والمؤرخين والمحدثين قد أثنوا على ابن الكلبي فى تفرده بعلم الأنساب وأخبار قبائل العرب, يقول ابو عبدالرحمن الظاهري فى مقدمته لكتاب بنو بكر بن وائل ص23: كانت كتب ابن الكلبي فى النسب عمدة العلماء من المؤرخين والدارسين ولهذا قال حاجي خليفة: والذى فتح هذا الباب وضبط علم الأنساب هو الإمام النسابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي" وهنا يتساءل الظاهري قائلاَ : ولكن يبقى السؤال ملحاَ كيف يكون عمدتنا فى النسب كذاباَ كإبن الكلبي؟! ثم يجيب شارحاَ هذه الإشكالية التى استعصت على البعض ممن يأخذ الأمور دون تثبت وروية فيقول: أن مازاد عن علم العرب المتوارث من ربط سلسلة النسب بين جذمي قحطان وعدنان باَدم عليه السلام فلا يُقبل من امثال ابن الكلبي تفردهم بذلك؟ أما تفريع الأنساب فيما بين ابن الكلبي وجذمي عدنان وقحطان فذلك علم متوارث عند العرب بعامة, وابن الكلبي مسبوق بنسابين عدول مشهورين فابن الكلبي يتحدث عن علم حاضر, فالشهادة له بأنه عمدة فى تفريع النسب وعدم الرد عليه من أبناء عصره يعني استحضاره من حقائق النسب ماكان مفرقاَ فى الصدرور وفى الكتب قبله, إنه قبل انتقال العرب الى طور تأليف الكتب كان علم الأنساب متوارثاَ بالمشافهة عندهم, وله علماؤه الخاصون الذى بنى على الرواية عنهم وعلى أشعار العرب, أوائل الكتب المصنفة فى النسب وكان علم النسب والإحتفاظ به مما تفرد به العرب فى معارفهم /انتهى

ثم يعلق الظاهري بشكل واضح وجلي على أسباب اتهام ابن الكلبي بالكذب بالقول: ويأتي ابن الكلبي بعد هذا السياق وقد عاصره وسبقه علماء موثوقون حُفظت أقوالهم أو كانت لهم مؤلفات ممن مضوا فى السياق المذكور, وابن الكلبي أذكى من أن يخالف علماَ مأثوراَ مشتركاَ لهذا كان عمدة فى النسب؟ وجمع ماتفرق منه بدقه ووسيلته الى ترويج الكذب فى الأخبار والمثالب والمناقب كونه وُجِد عمدة فى النسب ص27) وهنا يتبين لنا خلال ماتقدم أن ابن الكلبي لايستطيع مع الإستحالة أن يكذب ويدلس فى الأنساب وأصول القبائل وتفرعاتها؟! خصوصاَ وأن هذا العلم( النسب ) كان محفوظاَ فى صدور الرواة والإخباريين كونه علماَ كان متداولاَ ومشهوراَ سواءَ فى عصر ابن الكلبي أو عصر من سبقه؟ فلاغرابة إذن أن لايعترض على علمه فى هذا المجال ممن هو فى عصره أو من جاء بعده من المؤرخين والنسابة العرب الذين نقلوا منه هذا العلم وأوصلوه لنا على هذه الصورة التى بيننا اليوم, وهنا يتبادر سؤال فى هذا المقام وهو: هل جاء فيمن تقدم من علماء الأنساب ومؤرخي الأمة وعلى امتداد أكثر من 1200عام من طعن وشكك بعلم وعناية ابن الكلبي فيما يخص أنساب قبائل العرب بشكل عام؟ الجواب لايوجد!! إذن ماهو وجه الإعتراض فيمن يشكك اليوم ويطعن بإبن الكلبي وفى علمه! فإن كانت الحجة التى يعلق عليها أصحاب هذا الرأي هو الكذب والزندقه والمروق عن جادة الحق, فهذه لاتسقط مصداقية الرجل فى هذا العلم والدراية فيه؟ وذلك بشهادة جميع من جاء بعده وأقره فى هذا, بدليل أنه لم يأتي من شكك وطعن بهذا العلم طوال تلك القرون, أما كون الحجة هي بسبب تشيعه وغلوه وفساد عقيدته, فهذه حجة ساقطة وتعميم غامض من الخطل القياس عليها وهو تهجم على غيب بلا دليل هادِ! فقد شهد للرجل فى هذا العلم وأثنى عليه جميع من جاء بعده بأنه أشد تحققاَ بدراسته وأبلغ نفاذاَ فى روايته وفحصه, وبهذا يكون إبن الكلبي هو عمدة النسابين دون منازع, حتى وإن أخذنا بهذه الحجة والعلة المتهافته, فإني أُذكرهم بأن المسعودي واليعقوبي والاصفهاني والواقدي كل هؤلاء العلماء والمؤرخين والنسابة كانوا على مذهب وعقيدة ابن الكلبي فى التشيع والغلو؟ ومع ذلك لم نرى أو نسمع من طعن فى كتبهم أو فى مؤلفاتهم ومدوناتهم التاريخية التى لاتقل أهمية عن مؤلفات وكتب ابن الكلبي, بل أن جُلهم قد نقل وأخذ من ابن الكلبي خصوصاَ فى الأنساب وأخبار العرب وأيامهم, فهل هي الإنتقائية أم أنَ ماوراء الأكمة ماوراءها !!