أجرت جريدة الرأي العام لقاءَ صحفياَ مع الشيخ عبيد بن غبين قبل وفاته بعدة سنوات أعادت نشر هذا اللقاء والحوار جريدة المختلف فى عددها 143بتاريخ يونيو6/2003م كما تم نشر هذا اللقاء فى كتاب[ الفريس] وهى لسيرة بعض فرسان الجزيرة العربية الجزء الأول الطبعة الأولى 1425هـ2004م الناشر[ شركة جريدة المختلف للنشر والتوزيع] المختلف أعادت صياغة الحوار من جديد على شكل سرد تاريخى مباشر جاء كالتالي.

[ مقدمة الحديث]

نؤثر دائماَ تسليط الضوء على فرسان البادية العربية وأهم الشخصيات التى كان لها أثر فى صنع تاريخها ومن هؤلاء الفرسان الشيخ عبيد بن غبين الفدعاني من قبيلة عنزة التى أسهمت بشكل واضح فى رسم الأحداث التاريخية فى الجزيرة العربية وشمالها والغبين كانت لهم قيادة ضنا عبيد فى القدم وهى عائلة اشتهرت بالكرم ومن أشهر مايعرف عنهم [عطية غبينى] وذلك لكرمهم الشديد ومن يروى سيرة الفارس اِبن غبين هم فرسان موجودين حالياَ زرناهم وسألناهم عن ماَثره وجوانب كثيرة من شخصيته الحافلة بالمواقف المشرفة .

[ مولده]

ولد الشيخ عبيد سنة 1908موقبل أن يبلغ سنته السادسة توفى والده الشيخ صالح ولم يكن له اِخوة ولا أعمام ومنذ نعومة أضافره بانت عليه اِمارات الزعامة والأستقلالية فقد عاش طفلاَ وحيداَ واَلت رعايته الى والدته وخاله الفانوش الغبين الفارس المشهور الذى كان يوجهه ويعلمه فنون الفروسية والقتال وحين نتكلم عن طفولة ومولد الشيخ عبيد بن غبين لابد من ذكر والده الشيخ صالح الذى اشتهر بالكرم والفروسية والزعامة والتقوى ومن مواقفه الأنسانية موقفه من الشعب الأرمنى حين بطشت بهم السلطة التركية وهجرتهم أيام*السفربرلك فلجأ هذا الشعب الى قبائل البادية ومنها قبيلة عنزة وكان الشيخ صالح الغبين من أبرز الذين لجأ اليه الأرمن فأهتم بهم وأكرمهم وحماهم ومن المواقف التى كُرم بها الشيخ صالح بعد وفاته أنه عندما أصاب البادية القحط والجفاف والجوع فى مطلع القرن العشرين تجمع كبار الفدعان للذهاب الى العراق طلباَ للمساعدة من القائد العسكرى الأنجليزى* لجمن بوساطة الشيخ فهد البيك الهذال فى بغداد وكان هذا القائد قبل الحرب قد تنقل بين قبائل البادية متخفياَ بهيئة رجل مسكين رث الثياب الأمر الذى جعله يلم اِلماماَ جيداَ بعادات وتقاليد شيوخ البادية العربية وعندما دخل كبار قبيلة الفدعان ومعهم الشيخ الطفل عبيد الغبين الى مجلس الشيخ فهد الهذال كان لجمن حاضر المجلس فأثار انتباهه وجود هذا الطفل وسأل الشيخ ابن هذال عنه فأجابه انه الشيخ عبيد بن صالح الغبين وعلى الفور تذكر القائد الأنجليزى والده الشيخ صالح وحدَث ابن هذال انه عندما كان يتنقل بين شيوخ قبائل البادية حل ضيفاَ لدى الشيخ صالح ووجد عنده كل التكريم ثم أمر لجمن باِحضار الشيخ عبيد ليجلس بجانبه وساله عن حاجته فأعلمه بسبب قدومه الى العراق وعلى الفور أمر القائد لجمن باِكرامه وقضاء حاجته بأن زوده بالمؤن اللازمة للفدعان.


[ نوابغ اِمارته وفروسيته]

لقد أبت نفس الشيخ عبيد الغبين ان يكون تحت اِمرة أحد فسعى الى الأستقلال حيث غزا وهو فى ريعان شبابه عدة مرات وكسب فى اِحداها 150 ناقة وأعاد مجد والده وقد سانده فى ذلك كبار قبيلته ووالدته , ونظراَ لفطنته وذكائه وحنكته توسعت مداركه ورجح عقله فعرف أن الغزو ليس فيه اِلا الشقاء ومخالفة شرائع الدين الأسلامى ولذلك وجد فى توطين أبناء البادية حلاَ لكثير من مشاق حياتهم فشجعهم عل اِمتلاك الأراضي والأهتمام بالزراعة وامتلك اراضى شاسعة فى منطقة الجزيرة شمال سوريا وقام رحمه الله بتوزيع الأراضي على أفراد قبيلته بالتساوى وكذلك وزع منها على كل من قصده من خارج قبيلته ونظراَ لأمتلاك كافة أفراد قبيلته أراضي زراعية ثارت حفيظة خصومه من الجوار وألبوا عليه الأعداء ومن فطنته رحمه الله انه كان يحث ابناء قبيلته على التعليم وفتح مدارس لهم فى قراهم وأجبر أفراد قبيلته الذين الذين يتنقلون مع مواشيهم على اصطحاب مدرس يعلم أبنائهم أثناء تنقلهم.

[ فى الأسر]

كان رحمه الله من الرجال الوطنيين فقد ساهم فى مقاومة الأستعمار الفرنسي مما عرضه لدخول السجن والنفى الى جزيرة[أرواد] فى البحر المتوسط وأثناء وجوده فى المنفى سائت حالته الصحية فنُقل الى سجن تدمر فى بادية الشام مما حدا بالرجال الوطنيين فى سوريا ومنهم هاشم الأتاسي وسعدالدين الجابرى وأَخرون الى الأتفاق مع حكومة الأنتداب الفرنسي لأطلاق سراحه وتم ذلك مقابل وضعه تحت الأقامة الجبرية وبعد اطلاق سراحه عاد الشيخ عبيد الغبين الى موطن قبيلته يناصر الضعفاء ويطالب بحقهم ويقف الى جانبهم ولاسيما اثناء وجوده نائباَ فى البرلمان السوري عن قبيلته.

[ نخوة وشهامة ]

كان الشيخ عبيد الغبين شجاعاَ ذا حنكة وحيلة لايرضى الهوان على أحد ولذلك ضحى بنفسه من أجل عدوه اللدود بشير بن هويدى!الذى وقع فى يد المستعمر الفرنسي! وقد ذُكرت هذه القصة فى كتاب فهد المارك[شيم العرب] وفى كتاب [الحياة الأجتماعية عند البدو فى الوطن العربى] للدكتور محمد زهير المشارقة نائب الرئيس السورى حيث ذكرا أن* ثورة رشيد الكيلانى فى العراق ضد الأنجليز أغضبت الحكومة الفرنسية فى سوريا على من سمتهم بالمتمردين العرب فأرسلت ثلاث دبابات وأسرت بشير بن هويدي شيخ قبائل العفادلة شمال سوريا فذهب الشيخ عبيد بسيارته ومعه خمسة من المرافقين المسلحين الى قائد القوات الفرنسية الكولونيل [أردون] وكان يعرفه وعندما دخل المعسكر شاهد رجلاَ طريحاَ فاقد الوعي فسأل أحد مرافقيه من هذا الرجل؟ فقال أنه بشير بن هويدي! فهبت النخوة فى رأسه رغم أنه كان يكرهه وعزم على أن يخلصه مما هو فيه ولو كلفه ذلك روحه ودخل على الكلونيل وأخذ يسأله عن أخبار الثورة فى العراق والأوضاع هناك فشرحها له فطلب منه أن يأتيه بأخبار مقابل فك أسر الشيخ بشير بن هويدي؟ لكن الكلونيل ثار وقال أنه رجل خطر على الحكومة ولابد من اِعدامه فذهب الشيخ عبيد وقد قرر العودة مهما حصل ولكن كيف له ان يخلص الرجل وهو وسط حامية عددها 12 الف جندى فرنسي ! وعندما ابتعد عن الموقع الفرنسي قال لرفاقه لابد أن أخلصه مهما يحصل وعاد وقد رتب حيلة يخدع بها الكولونيل وجيشه لينفذ العملية الخطيرة التى قد يفقد فيها روحه وأرواح رفاقه الذين قال لهم: عندما أدخل على الكلونيل ضعوا بن هويدى فى سيارتي وقفوا عند الباب حتى أخرج عليكم! وفعلوا ذلك وعندما دخل على الكولونيل قال له :اِن الأخبار سيئة واِن سرية انجليزية مدرعة مموهة قادمة اليكم من خلف الجبل فلما سمع الكولونيل ذلك طار عقله وقام مذعوراَ واستنفر الجيش فيما كان رفاق الشيخ عبيد قد أخذوا بشير الهويدي فى السيارة وخرج الجميع من المعسكر سالمين وسلموا الهويدي الى أهله بعد أن ضمدوا جراحه وأقاموا له العرضات والأفراح وقال أحد مشايخ الولدة بهذه المناسبة اِنك ملكتنا ياعبيد بمعروفك هذا فأجابه الفضل لله وحده فى فك أسره.


[ذكاء حاد]
كان عبيد ذا فطنة وذكاء حاد فقد روى شخص عنه أنه جاءه بدوي فى ثياب رثة وجلس فى مجلسه وكان الحديث فى ذلك الوقت عن الحرب العالمية الثانية وأغلب المجلس يرجح اِنتصار المانيا لكن البدوي قال سوف ينتصر الروس على الجيش الألماني فقال الشيخ عبيد والله لم تلدك عربية! واتضح فيما بعد انه جاسوس بريطاني؟ فكان اول من كشفه هو الشيخ عبيد الغبين وأبان الثورة الجزائرية شارك الشيخ عبيد بجمع التبرعات والعتاد والأسلحة وتقديمها للجان الموكل اليها تقديم هذه المساعدة لرجال ثورة الجزائر وقد تبرع بالسلاح والمبالغ التى جمعها منه ومن أفراد قبيلته وذلك امتداداَ لمواقفه الوطنية وقد شكرته قيادة الثورة الجزائرية على ذلك.

[حرب فلسطين]

شارك الشيخ عبيد سنة 1948م مقاتلاَ فى صفوق الجيش العربي للانقاذ بجانب المناضل العربي الكبير فوزي القاوقجي فى معارك الشجرة وبحرية طبرية وشهد له الجميع كما ورد فى وثائق رابطة المجاهدين العرب فى دمشق بالشجاعة والأقدام واستشهد أقرب الناس اليه فى تلك الحرب ومنهم قعيران الثويني وسالم الغانم اللذان حزن عليهما حزناَ كبيراَ.

[ الذيب الأعرج]

فى سنة 1954م أقيم حفل كبير بمناسبة زواج ولده الكبير فواز على ابنة الفانوش الغبين وأثناء الأفراح أقيم سباق للخيول شارك به الشيخ عبيد على فرسه الصقلاوية مع كوكبة من فرسان جماعته وكانت فرس الشيخ عبيد ضمن أول الخيول ولكنها كبت وتعثرت فسقطت على رجله اليمنى وكسرتها واستمر يضحك ويحدوا كي لايفسد الفرح وقد قُطعت رجله بعد معالجتها لعدة أشهر ولم تثنه رجله المقطوعة عن طموحاته فكان يقول لأعدائه [ انا مثل الحية سمها فى راسها وليس فى ذيلها] ولُقب من يومها بالذيب الأعرج وفيه قال الشاعر

اِزبن الذيب العرج ماضي الفعايل
طير شلوى حامي ارضه وذراه
جاليِ من صيدنا كل الغلايل
ومن هذولا ومن هذولاك يحماه

وقيل فيه الكثير من الأشعار والقصائد وأشهر من قالها خابور بن شهيل وصعفق أبا سنون وساير شويط الجدعي وكريدي الجشعمي والشاعر المعاصر هزاع زيدان الوايلي وللشيخ عبيد قصائد قليلة منها:
راسي اللي عارضه يم الخطر
وكل عمري عايشِ شر وشرير
أطلب المعبود ماييبس الخضر
الردى والخوف ماطوَل قصير

وله أيضاَ:

نزال بن هدروس جاب لنا الخبر
يذكر جموعِ بالمكيمين صايله
أنا أحمد الله مايخوفنا النذر
ياكود روسِ من محله زايله
لي لابةِ نثارة الدم الحمر
أهل يدينِ بالحرايب طايله
اِن كان قيل الروم والسيف انشهر
جلابةِ للروح بيع مكايله

توفى الشيخ عبيد سنة 1984م عن عمر ناهز 76عاماَ وله عشرة من الأبناء وخمس بنات وقد تزوج ثماني زوجات رحمه الله.

*[السفربرلك] هى مذبحة الأرمن المشهورة عام 1915م بداية الحرب العالمية الأولى التى راح ضحيتها مئات الألوف من الشعب الأرمنى وتشريد الملايين منهم من قراهم وديارهم على يد القائد العثمانى أحمد جمال باشا المعروف بالسفاح الذى أعدم المئات من الوطنيين الأحرار فى بلاد الشام أيام ولايته فيها وقد أغتيل عام 1922م فى فينا على يد شاب أرمني يدعى اِسطفان زاغسيان انتقاماَ منه لهذه المذبحة الشهيرة ويؤرخون البادية هذه السنة بقولهم سنة الأرمن .
*[ رشيد عالى الكيلانى رئيس الوزراء العراقى فى العهد الملكى قاد ثورة 1941م ضد الأنجليز ولما فشلت الثورة هرب الى المملكة العربية السعودية وطلب اللجوء السياسي من الملك عبدالعزيز رحمه الله فأجاره ورفض تسليمه لبريطانيا رغم الضغوط التى مورست عليه وقد قيلت الكثير من القصائد فى هذه الحادثة .
*[لجمن] أو نجيمان كما تسميه البادية هو الكولونيل[ دبليو ليشمن] الضابط البريطانى الشهير 1880م 1920م الذى تولى حكم قضاء الموصل أيام الأنتداب 1918م-1919م وكان خبيراَ بشئون البادية والقبائل وهو ليس بعيداَ َعن السفاح بقسوته وجبروته فى قمع حركات المعارضة الوطنية والتنكيل بهم فقد قمع الأكراد وهاجم القرى العربية وفرض الغرامات وصادر المواشى بحق أصحابها وأحرق اراضى المزارعين كما قتل عدداَ من مشائخ القبائل المشهورين وقصف لواء دير الزور والبوكمال بالمدفعية والطائرات وفعل الأفاعيل بحق الشعبين العراقي والسوري مما حدا بالشيخ ضاري المحمود شيخ زوبع أن يضع حداَ لغطرسته فقام بقتله عام 1920م فى مكتبه بالفلوجة مما أشعل الثورة العراقية الأولى وهو جد الشيخ حارث الضارى امين عام هيئة المسلمين السنة فى العراق . وقد صدر حديثاَ كتاب بعنوان[ الكولونيل ليشمن والدرب الطويل الى بغداد] للباحث أسعد الفارس

[ودمتم سالمين]