نشرت جريدة القبس على مدى أربع حلقات إبتداء من 1مايو 2011م مقالة للدكتور فيصل عبدالله الكندري الباحث في شئون الوثائق العثمانية إستعرض خلالها بعض الوثائق العثمانية الخاصة بشئون الكويت القديمة التي تم العثور عليها في الإرشيف العثماني لاحقاَ .
"أبومشاري الرفدي"
بقلم أ. د. فيصل عبدالله الكندري
أثناء تجولنا في أروقة وفهارس الأرشيف العثماني تم العثور على باقة من الوثائق العربية ذات القيمة التاريخية الموجودة في أرشيف رئاسة الوزراء بمدينة اسطنبول، ونظراً لأهميتها رأينا نشرها تباعاً وفتح حوار حولها واطلاع الجمهور عليها القصد من النشر إثارة المياه الراكدة في الساحة العلمية للوصول معاً إلى أفضل النتائج، ولتقديم معلومات ذات قيمة تاريخية وفائدة لمجتمعنا، بحيث يتم توظيف الوثائق الخارجية مع زميلاتها من الوثائق المحلية والأوروبية لتقديم معلومات موثقة للقارئ ,خصصت القبس هذه الزاوية المستحدثة لنشر سلسلة من الوثائق العثمانية التي تتعلق بالكويت والجزيرة العربية، مع إضافة معلومات بسيطة عنها دون تعديل أو تبديل أو تعديل للأصل، لنحافظ على النص الأصلي كما ورد في الوثيقة، سواء كانت أخطاء مطبعية أو إملائية، الأمانة تحتم علينا أن ننقلها كما وردت في النص الأصلي.
الوثيقة الأولى
[رسالة الطبطبائي حول أحداث الخليج العربي]
هذه الرسالة تعتبر واحدة من أصل ثلاث رسائل زودنا بها الباحث حمد العنقري من دارة الملك عبدالعزيز بالمملكة العربية السعودية اثناء تواجدنا معا في مقر الأرشيف العثماني في ابريل الماضي، حيث انه من السنن الحسنة بأن يقوم الباحثون بتبادل الوثائق فيما بينهم كل حسب تخصصه وموضوع بحثه...وهذه الوثيقة عبارة عن رسالة أو تقرير إخباري كتبه السيد عبدالجليل بن السيد ياسين الطبطبائي إلى محمد آغا متسلم البصرة بتاريخ 8 جمادي الأول 1264هـ / 13 مارس 1848م، يخبره ببعض الأمور التي وقعت في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية.
ويوضح في بداية حديثه عن سبب كتابته للرسالة بان الدفتردار طلب منه في آخر رسالة بعث بها إلى السيد عبدالجليل بان يكتب لمتسلم البصرة عن الأحداث التي تقع في منطقة الخليج العربي، ويخبره بأنه كان سيقوم بهذا العمل من تلقاء نفسه حتى قبل ورود خطاب الدفتردار إليه، فيقول في ذلك: « بان جناب البيق دفتردار افندي رسم لي في آخر كتاب ورد الي منه بان احرر لجنابك العالي جميع ماجريات هذه الجهات فلزمني ذلك على اني من دون ذلك الرسم ارى تحرير ذلك للجناب من اللازم الحتم».
أما عن أهم الأخبار التي نقلها السيد عبدالجليل فيمكن تلخيصها بالتالي:
أولا: لم تحدث أي أخبار جديدة في الكويت وما جاورها تستدعي الشخص ان يكتب شيئا عنها.
ثانيا: لا ينبغي الاعتناء بما يحدث في نواحي نجد وأعوان واليها. فيقول عن ذلك: «واما حال والي نجد واعرابه فاظن ذلك مما لا يلزم الاعتنا به».
ثالثا: وصلت إلى البحرين سفينتان انكليزيتان، فاجتمع قائد السفينتين (الكمندر) بأولاد الشيخ خليفة وهما محمد وعلي، وطلب من الشيخ علي بان يتوجه بمركبه إلى جزيرة طنب، وقال القائد انه سيتوجه بسفينته إلى إمارات ساحل عمان، وسيطلب من شيوخها ان يذهبوا هم أيضا إلى جزيرة طنب. وقال السيد عبدالجليل ان الشيخ علي الخليفة توجه إلى جزيرة طنب في 8 ربيع الثاني، وأضاف أنه على ما يبدو بأنه اجتماع سري، وسيقوم بدوره بالاستعلام من أهل الرأي عن سبب الاجتماع وسيخبر متسلم البصرة حالة حصوله على أي معلومات.
رابعا: يحذر السيد عبدالجليل من مغبة التعاون مع الانكليز، ويقول انه نصح الحكام بان يضعوا يدهم في أيدي العثمانيين، ولكنهم لم يلتفتوا إلى رأيه. ويقول في ذلك: «مع اني حذرتهم عن الانتما الى الانقليز ووضحت لهم سوء عاقبة ذالك، ورغبتهم في اخذ اقوال حضرة افندينا من وجوه منها حسن العاقبة فما قبلو منا النصيحة».
خامسا: نظرا لانشغاله فإنه سيقوم بإرسال ولده عبدالوهاب نيابة عنه، ويلتمس من جناب الآغا ان ينظر إلى نجله نظرة العطف والرضا.... ولم يكتب السيد عبدالجليل مكان كتابة الرسالة، واكتفى بذكر تاريخ تحرير الرسالة وهو 8 جمادي الأول 1264هـ. وذيّل رسالته بذكر اسمه بعبارة: «املاه الاقل عبدالجليل بن السيد يس الطباطبائى عفى الله عنه امين».
الوثيقة الثانية
[وثيقة الشيخين محمد وعبدالله الصباح إلى الصدارة العظمى]
هذه الوثيقة عبارة عن رسالة مذيلة باسمين هما الشيخ محمد الصباح والشيخ عبدالله الصباح إلى الصدارة العظمى في 20 مارس 1291هـ/5 يونيو 1874م، ويبينا في برقيتهما التالي:
أولا: بيّنا إخلاصهما ووفاؤهما للدولة العثمانية خلال السنوات الماضية، وأنهما قاما بخدمات جليلة للدولة، وقدموا لها الكثير من المساعدات وخير شاهد على صحة كلامهما هي الرتب والنياشين والمعاشات التي اقرتها وصرفتها الدولة لهم، وذلك بقولهما: « وايفاء حسن الخدمات المتعددة الشهرة المثبوتة بسجلات ودلائلها ما احسنتها السطنة السنية علينا مكافأته من المعاش والرتبه والنياشين التي عاجزين عن ادا بعض الشكر عنها».
ثانيا: وضحا بأن أهل الكويت قاموا خلال السنوات الماضية بتعمير وإصلاح الأراضي الزراعية الموجودة في منطقة الفاو، وبدأت الأرض تؤتي ثمارها بعد أن صرفوا عليها مبالغ كبيرة وقالا في هذا السياق: «وحاصل بجهة الكويت وضعف سكنتها اجدادنا تشبثوا باعمار الفاو وزراعته تقربه للبلد دحراء (؟) ثم ارانا ونحن الان تمكن (؟) بعض المحصول من هذه المقاطعة وهذا بعدما تكبدنا من المصاريف الكلية».
ثالثا: صدرت أوامر مؤخرا ببناء معسكر في تلك المنطقة، ووصل العسكر وباشروا ببناء المعسكر، وقاموا باقتلاع كثير من المزروعات، ويتضح هذا من قولهما: «فالان بناء على صدور بامر بخصوص بناء استحكام بالفاو وصل العسكر وبداوا بانشا وشيلوا جملة من الفلالح من المقاطعة المذكورة».
رابعا: وبما أنهم الملاك الوحيدون لتلك الأراضي ولا يشاركهم فيها أحد، ولا يوجد من يمتلك أراضي زراعية هناك بجوارهم، ومع ذلك لم يمنعوا العساكر من أداء واجباتهم، كما لم ينطق أي منهم ببنت شفة، ولم يبرزوا ما يدل على استنكارهم أو استهجانهم لهذا العمل، ولم يرغبوا إلا في إيجاد بعض الأسئلة على استفساراتهم، فسألوا حكومة البصرة عن سبب قيامهم بهذا العمل، وعن حجم الأراضي المحتاجة لإقامة المعسكر، وعن طريقة تنفيذ العمل، فلم يتلقوا أية إجابة من أحد، وقالا في هذا المعنى: « من دون ما احد سأل منا والحال ان الملك ملكنا ولا لنا شريك ولا مجاور وقد سألنا حكومة البصرة عن هذا العمل ومقدار الاراضى التي يراد البنا بها وباي صورة خير تسويتها ومعاملة اخذها فلم يجبنا احد او يعلمنا احد عن ذالك».
خامسا: وصلت إلى مسامعهم من جهات خارجية وغير رسمية أن الحكومة ستحتاج إلى مسافة ساعتين من مكان العمل، وهذا أزعج الملاك بأن ذلك سيقضي على مسافات زراعية كثيرة، بعد أن تم إنفاق مبالغ مالية كبيرة عليها، وستتحول ملكية تلك الأراضي من يدهم إلى يد الحكومة، وسيفقدون كل اراضيهم هناك، ويتضح هذا من قولهم: « وبحسب مسموعنا من الخارج ان الذي يريدون العمل به مسافة ساعتين فإذا لا يبقى من الملك شيء».
سادسا: ولما ضاق بهم الحال لم يكن أمام الشيخين عبدالله ومحمد الصباح إلا أن يرفعا شكواهما إلى السلطات العثمانية العليا، وهذه الشكوى تعرف باسم «عرض حال» أو شرح حالهم أمام الحكومة، واستقينا هذا من قولهما: « وبناء عليه وجب علينا ان نعرض هذا الحال».
سابعا: في عرض حالهما طالبا بمعرفة العوامل التي دفعت الحكومة للسيطرة على تلك الأراضي، وتساءلا هل يجوز للحكومة أن تضيّع عمل سنين طويلة حتى تغير حال الأرض من مجدبة إلى منتجة، وتأتي بعدها الدولة لتقيم عليها منشآت عسكرية ؟ وطالبا بأن يتم انصافهما، وبوقف عمليات البناء، وذلك من قولهما: « فحاشا العدالة السنية ان تقبل اتلاف ملك مشتغلين به سنين عديدة فنسترحم اعطاء الاوامر اللازمة لعناية عبيدكم من المعذورية».
وختمت الرسالة بوضع اسم كل منهما في آخرها.
(نص الوثيقة الأصلية للسيد الطبطبائي) (صورة طبق الأصل لوثيقة الشيخين محمد
وعبدالله الصباح)