( اصدق المعاصرين أو المؤرخين العرب )
[SIZE="6"]
في هذا الوقت كثر الخوض في الأنساب وأحداث التاريخ وصرنا نسمع بقصص تاريخيه تربط بحدث له تاريخ مدون في معظم المصادر ومع ذلك لم يرد لها ذكر والسؤال الذي يفرض نفسه هو ( كيف يحصل المعاصرين على معلومه ترتبط بحدث منذ خمسة عشر قرن دون مصدر ؟ ) هل يوجد راوي عاش في ذلك العصر ولا يزال على قيد الحياة ينقل الأحداث لهذا الجيل بالمشافهة ؟ أو أنها إشاعة يبثها شخص ويصدقونها أشخاص ؟ ومن ينقل من هذا الراوي الرواية بالتسلسل حتى وصلت إلى هذا الجيل ؟ /size]
ومن هذه الروايات من نسب عنزة لبكر وتغلب ومن ربط لعبة الدحة بمعركة ذي قار وآخر مديل من هذه التكهنات هو ما جاء في برنامج الدكتور عيد اليحي عندما نقل معركة ذي قار من مكانها في ذي قار جنوب العراق إلى موقع في شمال المملكة مخالفاً بذلك جميع المصادر وهنا يسأل الجميع
( هل اصدق المعاصرين أو المؤرخين العرب ؟ )
وسوف أنقل ما جاء في الصفحات من 192إلى 212 المجلد الثاني من كتاب ( تاريخ الرسل والملوك ) لمؤرخ العرب أبي جفر محمد بن جرير الطبري المولود سنة 224هـ والمتوفي سنة 310هـ
( ذكر خبر يوم ذي قار )
( بداية أسباب حرب ذي قار )
من ذلك ما كان من أمر ربيعه والجيش الذي انفذه إليهم كسرى ابرويز لحربهم فالتقوا بذي قار
وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلٌم انه لما بلغه ماكان من هزيمة ربيعة جيش كسرى قال : ( هذا أول يوم أنتصف العرب من العجم وبي نصروا )
وهو يوم ذي قار ويوم الحنو حنو ذي قار ويوم حنو قراقر ويوم الجبايات ويوم ذي العجرم ويوم الغذوان ويوم البطحاء بطحاء ذي قار وكلهن حول ذي قار
فحدثِت عن أبي عبيده معمر بن المثنى قال : حدثني أبو المختار فراس بن خندق وعٌده من علماء العرب قد سماٌهم أن الذي جر يوم ذي قار قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدي بن زيد العبادي وكان عدي من تراجمة أبرويز كسرى بن هرمز وكان سبب قتل النعمان بن المنذر عدي بن زيد ما ذكر لي عن هشام بن محمد قال سمعت اسحاق بن الجصاص واخذته من كتاب حماد وقد ذكر أبي بعضه قال : ولد زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن أمريء القيس بن زيد مناه بن تميم ثلأثة : عدياً الشاعر وكان جميلاً شاعراً خطيباً وقد قرأ كتب العرب والفرس وعماراً وهو أبي وعمراً وهو سمي ولهم أخ من أمهم يقال له عدي بن حنظلة وكان عماراً يكون عند كسرى فكان أحدهما يشتهي هلاك عدي بن زيد وكان الآخر يتدين في نصرانيته وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة لهم معهم أكل وناحية يقطعونهم القطايع ويجزلون صلاتهم وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل أبنه النعمان في حجر عدي فهم الذين ارضعوه وربوه وكان للمنذر أبن آخر يقال له الأسود أمه ماريه بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب فأرضعه ورباه قوم من أهل الحيره يقال لهم بنو مرينا ينسبون إلى لخم وكانوا اشرافاً وكان للمنذر بن المنذر سوى هذين من الولد عشرة وكان يقال لهم الأشاهب من جمالهم فلذلك قول الأعشى :
وبنو المنذر الأشاهب بالحيرة *** يمشون غدوة بالسيوف
وكان النعمان أحمر أبرش قصيراً وكانت يقال لها سلمى بنت وائل بن عطيه الصايغ من أهل فدك وكانت آمه للحارث بن حسن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان واخوته بعث إلى كسرى بن هرمز بعدي بن زيد وأخوته فكانوا في كتِابه يترجمون له فلما مات المنذر بن المنذر وترك ولده هؤلاء الثلاثة عشر جعل على أمره كلِه أياس بن قبيصة الطائي وملكه على الحيره إلى أن يرى كسرى رايه فكان عليه اشهراِ وكسرى في طلب رجل يملكه على العرب ثم أن كسرى بن هرمز دعى عدي بن زيد فقال : له من بقي من بني المنذر ؟ وماهم ؟ وهل فيهم خير ؟ فقال بقيتهم في ولد هذا الميت المنذر بن المنذر وهم رجال فقال : ابعث إليهم فكتب فيهم فقدموا عليه فأنزلهم على عدي بن زيد فكان عدي يفضل أخوة النعمان عليه في النزل وهو يريه أنه لا يرجوه ويخلو بهم رجلا رجلا ويقول لهم أن سألكم الملك أتكفونني العرب فقولوا نكفيكهم إلا النعمان وقال للنعمان أن سألك الملك عن اخوتك فقل له أن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز
وكان من بني مرينا رجل يقال له عدي بن أوس بن مرينا وكان مارداً شاعراً وكان يقول للأسود بن المنذر أنك قد عرفت أني لك راج وأن طلبي ورغبتي إليك أن تحالف عدي بن زيد فأنه والله لا ينصح لك أبداً فلم يلتفت إلى قوله
فلما أمر كسرى عدي بن زيد أن يدخلهم عليه جعل يدخلهم عليه رجلآ رجلآ ، فكان يرى رجالاً قلما رأى مثلهم فإذا سألهم هل تكفونني ما كنتم تلون ؟ قالوا : نكفيك العرب إلأ النعمان فلما دخل عليه النعمان رأى رجلأً دميماً فكلمه وقال له : أتستطيع أن تكفيني العرب ؟ قال : نعم قال : فكيف تصنع بأخوتك ؟ قال : أن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز فملكه ، وكساه والبسه تاجاً قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب 0 فلما خرج - وقد ملك - قال عدي بن أوس بن مرينا للأسود : دونك فأنك قد خالفت الرأي
ثم أن عدي بن زيد صنع طعاماً في بيعه ، ثم ارسل إلى أبن مرينا أئتني بمن أحببت فأن لي حاجه فآتاه في أناس فتغدوا في البيعه وشربوا فقال : ( عدي بن زيد ) لعدي بن مرينا : يا عدي أن أحق من عرف الحق ثم لم يلم عليه ، من كان مثلك ، أني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان فلأ تلمني على شيء كنت على مثله ، وأنا أحب ألا تحقد على شيئاً لو قدرت لو قدرت عليه ركبته ، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيتك من نفسي فأن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك فقام عدي بن زيد إلى البيعه فحلف ألأ يهجوه ولا يبغيه غائله أبداً ، ولا يزوي عنه خبراً أبداً فلما فرغ عدي بن زيد قام عدي بن مرينا ، فحلف على مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبداً ، ويبغيه الغوائل ما بقي وخرج النعمان حتى نزل منزله بالحيره فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد :
الا أبلـغ عـديـاً عـن عـديـاً *** فلأ تجزع وأن رثٍـت قواكـا
هـياكـلـنـا تـبـز لغيـر فـقـر *** فتحـمد أو يـتـم بـه غـنـاكـا
فأن تظفر فلن تظفر حميداً *** وأن تعطب فلأ يبعد سواكا
ندمت نـدامة الكسعي لـمـا *** رئت عيناك ما صنعت يداكا
وقال عدي بن مرينا للأسود ( أما ) إذا لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي عمل بك ما عمل فقد كنت أخبرك أن معداً لا ينام مكرهاً أمرتك أن تعصيه فخالفتني قال : فما تريد ؟ قال : أريد ألا يأتيك فائده من مالك وأرضك إلا عرضتها علي ففعل
وكان أبن مرينا كثير المال والضيعه فلم يكن في الدهر يوم إلا على باب النعمان هديه من أبن مرينا فصار من أكرم الناس عليه وكان لا يقضي في ملكه شيئاً إلا بأمر عدي بن مرينا وكان إذا ذكر عدي بن زيد عنده أحسن إليه الثناء ، وذكر فضله ، وقال : أنه لا يصلح المعدي ألا أن يكون فيه مكر وخديعه فلما رأى من يطيف بالنعمان منزله أبن مرينا عنده لزموه وتابعوه ، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه : إذا رأيتموني أذكر عدي بن زيد عند الملك فقولوا : أنه لكما تقول ، ولكنه لا يسلِم عليه أحد وأنه ليقول : أن الملك - يعني النعمان ، عامله وأنه ولاِه ما ولاه فلم يزالوا بذلك حتى اضغنوه عليه ، وكتبوا كتاباً على لسان عدي إلى قهرمان لعدي ثم دسوا له حتى أخذوا الكتاب ، ثم آتوا به النعمان فقراه ، فأغضبه فأرسل إلى عدي بن زيد : عزمت عليك ألا زرتني ، فأني قد اشتقت إلى رؤيتك ! وهو عند كسرى فأستأذن كسرى ، فأذن له ، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبس في محبس لا يدخل عليه فيه أحد ، فجعل عدي بن زيد يقول الشعر وهو في السجن فكان أول ما قال من الشعر :
لـيـت شـعـري عـن الـهـمـام *** يأتيك بخبر الأنباء عطف السؤال
فقال اشعاراً وكان كلما قال عدي من الشعر بلغ النعمان وسمعه ندم على حبسه أياه فجعل يرسل إليه ويعيده ويمنيه ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل فقال عدي :
أرقـت لمكفهـرٍ بـات فـيـه *** بوارق يترقين رءوس شيبِ
وقال أشعاراً كثيره قال وخرج النعمان يريد البحرين ، فأقبل رجل من غسان فأصاب في الحيرة ما أحب ويقال : الذي أغار على الحيره فحرق فيها جفنة بن النعمان الجفني فقال عدي :
سما صقر فأشعل جانبيها *** والهاك المروح والعزيب
فلما طال سجن عدي كتب إلى أخيه أبي وهو مع كسرى بشعر فقال :
أبـلـغ أبـيـاً عـلـى نـأيـه *** وهل ينفع المرء ماقد علم
بأن أخاك شقيق الفـؤاد *** كـنـت بـه والهـاً مـا سلـم
لدى ملك موثق بالحديد *** أمـا بـحـق وأمـا ظــــلــم
فلأ اعرفنك كداب الغلام *** مالم يجـد عارماً يعـتـرم
فأرضك أرضك أن تأتنا *** تنم نومة ليس فيها حـلم
فكتب إليه أخوه :
أن يـكـن خـانـك الـزمـان فـلا *** عـاجـزاً بـاعٍ ولا ألـف ضعيـف
ويـمـيــن الإلــه لــو أن جــاء *** طحوناً تضيء فيهـا السيـوف
ذات رزٍ مجتابة غمرة الموت *** صحـيـح سـربـالـهـا مـكـفـوف
كنت في حميها جئتـك أسعى *** فأعلمن لو سمعت إذ تستضيف
أو بمالٍ سألت دونك لم يمنع *** تــلادٍ لــحــاجـــة أو طــريــــف
أو بأرض استطيع آتيك فيها *** لـم يهـلـني بعـيـدهـا أو مخـوف
في الأعادي وأنت مني بعيـد *** عـز هـذا الـزمـان والـتـعـريـف
أن تفتـني والله إلفـاً فجـوعـاً *** لأ يعـقبك مـا يصـوب الخـريـف
فلعـمري لئـن جـزعت عـليـه *** لجـزوع عـلى الصديق أسـوف
ولعـمري لئـن ملكـت عـزائي *** لقـلـيـل شـرواك فـيـمـا أطـوف
فزعموا أن أبياً لما قرأ كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه فكتب وبعث معه رجلآً وكتب خليفة النعمان إليه : أنه قد كتب أليك ( في أمره ) فآتاه أعداء عدي من بني بقيلة من غسان فقالوا أقتله الساعة فأبى عليهم وجاء الرجل وقد تقدَم أخو عدي إليه ورشاه وأمره أن يبدأ بعدي فدخل عليه وهو محبوس بالصنين فقال : أدخل عليه فأنظر ما يأمرك به فدخل الرسول على عدي فقال : أني قد جئت بإرسالك فما عندك ؟ قال: عندي الذي تحب ووعده عده وقال لا تخرجن من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسل به فأنك والله أن خرجت من عندي لأقتلن فقال : لا استطيع إلا أن آتي الملك بالكتاب فأدخله عليه فأنطلق مخبر حتى أتى النعمان فقال : أن رسول كسرى قد دخل على عدي وهو ذاهب به وأن فعل والله لم يستبق منا أحد أنت ولأ غيرك فبعث عليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات فدفنوه
ودخل الرسول على النعمان بالكتاب فقال : نعم وكرامه ! وبعث إليه بأربعة آلاف مثقال وجاريه وقال : له إذا أصبحت فادخل عليه فأخرجه أنت بنفسك فلما أصبح ركب فدخل السجن فقال : له الحرس أنه قد مات منذ أيام فلم نجتري على أن نخبر الملك للفرق منه وقد علمنا كراهته لموته فرجع إلى النعمان فقال : أني قد دخلت عليه وهو حي [ وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني وذكر له أنه قد مات منذ أيام ] فقال له النعمان : يبعثك الملك إلي فتدخل إليه قبلي ! كذبت ولكنك أردت الرشوة والخبث فتهدده ثم زاده جائزة وأكرمه واستوثق منه ألا يخبر كسرى ألا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه
فرجع الرسول إلى كسرى فقال : أنه قد مات قبل أن أدخل عليه وندم النعمان على موت عدي واجترأ أعداء عدي على النعمان وهابهم النعمان هيبه شديده فخرج النعمان في بعض صيده ذات يوم فلقى أبناً لعدي يقال له زيد فلما رآه عرف شبهه فقال : من أنت ؟ قال : أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف ففرح به فرحاً شديداً وقربِه واعطاه وأعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه ثم كتب إلى كسرى أن عدياً كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه فأصابه مالا بد منه وأنقضت مدته وأنقطع أكله ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلاً ألا جعل الله له منه خلفاً لما عظم الله له من ملكه وشأنه وقد أدرك له أبن ليس ليس دونه وقد سرحته إلى الملك فأن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل
فلما قدم الغلأم على كسرى جعله مكان أبيه وصرف عمِه إلى عمل آخر فكان هو الذي يلي ما كتب به إلى أرض العرب وخاصه الملك وكانت له من العرب وضيفه موضفه في كل سنه مهران اشقران والكماة الرطبة في حينها واليابسة والأقط والأدم وسائر تجارات العرب فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك وكان هذا عمل عدي
فلما وقع عند الملك بهذا الموقع سأله كسرى عن النعمان فأحسن عليه الثناء فمكث سنوات بمنزلة أبيه وأعجب به كسرى وكان يكثر الدخول عليه وكانت لملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبه عندهم فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصِفة [ فإذا وجدت حملت إلى الملك ] غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشيء من ذلك ولا يريدونه فبدأ الملك في طلب النساء فكتب بتلك الصفة ثم دخل على كسرى فكلمه فيما دخل فيه ثم قال : أني رئيت الملك كتب في نسوه يطلبن له فقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عالماً وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمِه وأهله أكثر من عشرين أمرأة على هذه الصفة قال : فتكتب فيهن قال : أيها الملك أن شيء في العرب وفي النعمان [ خاصة ] أنهم يتكرمون زعموا في أنفسهم عن العجم فأنا أكره يغيبهن[ عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهن ] وأن قدمت أنا عليه لم يقدر أن يغيبهن فأبعثني وأبعث معي رجلا من حرسك يفقه العربيه [ لعل أبلغ ما ما تحبِه ] فبعث معه رجلا جليدا فخرج به زيد فجعل يكرم ذلك الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيره
فلما دخل عليه أعظم الملك وقال : أنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده وأراد كرامتك [ بصهره ] فبعث إليك فقال : وما هؤلاء النسوة فقال : هذه صفتهن قد جئنا بها
وكانت الصفِة أن المنذر الأكبر أهدى إلى ] أنو شروان جاريه كان أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر الغساني بن شمِر فكتب إلى أنو شروان يصفها له [ وقال : أني قد وجهت إلى الملك جارية ] معتدلة الخلق نقية اللِون والثغر بيضاء قمراء وطفاء كحلاء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء زجاء برجاء أسيلة الخد شهية القد جثلة الشعر عظيمة الهامة بعيدة مهوى القرط عيطاء عريضة الصدر كاعب الثدي ضخمة مشاشة المنكب والعضد حسنة المعصم لطيفة الكف سبطة البنان لطيفة طي البطن خميصة الخصر غرثى الوشاح رداح القبل رابية الكفل لفاء الفخذين رياء الروادف ضخمة المأكمتين عظيمة الركبة مفعمة الساق مشبعة الخلخال لطيفة الكعب والقدم قطوف المشى مكسال الضحى بضة المتجرد سموعاً للسيد ليست بخنساء ولا سعفاء ذليلة الأنف عزيزة النفر لم تغذ في بؤس حيية رزينة حليمة ركينة كريمة الحال تفتخر بنسب أبيها دون فصيلتها وبفصيلتها دون جماع قبيلتها وقد أحكمتها الأمور في الأدب فرأيها رأي أهل الشرف وعقلها عمل أهل الحاجه صناع الكفين قطيعة اللِسان رهوة الصوت تزِين البيت وتشيِن العدو أن أردتها اشتهت وأن تركتها أنتهت تحملق عيناها وتحمر وجنتاها وتذبذب شفتاها وتبادرك الوثبة ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست
فقبلها كسرى وأمر بأثبات هذه الصفة في دواوينه فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز فقرأ عليه زيد هذه الصفة فشق عليه فقال لزيد والرسول يسمع أما في عين السواد وفارس ما تبلغون حاجتكم فقال الرسول لزيد ما العين ؟ فقال البقر فقال زيد للنعمان إنما أراد كرامتك ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به
فأنزلهما يومين ثم كتب إلى كسرى أن الذي طلب الملك ليس عندي وقال لزيد أعذرني عنده فلما رجع إلى كسرى قال زيد للرسول الذي جاء معه أصدق الملك الذي سمعت منه فأني سأحدثه بحديثك ولأ أخالفك فيه فلما دخلا على كسرى قال زيد هذا كتابه فقراه عليه فقال له كسرى فأين الذي كنت خبرتني ( به ) قال قد كنت أخبرتك بضنهم بنسائهم على غيرهم وأن ذلك من شقائهم وأختيارهم الجوع والعرى على الشبع والرياش وأختيارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه حتى أنهم ليسمونها السجن فسل هذا الرسول [ الذي كان ] معي عن الذي قال فأني أكرٍم الملك عن الذي قال ورد عليه أن أقوله فقال الرسول وما قال ؟ قال أيها الملك أما في بقر السواد ( وفارس ) ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا فعرف الغضب في وجهه ووقع في قلبه منه ما وقع ولكنه قد قال رب عبد قد أراد ماهو أشد من هذا فيصير أمره ألى التباب
وشاع هذا الكلام وبلغ النعمان وسكت كسرى على ذلك أشهراً وجعل النعمان يستعد ويتوقع حتى أتاه كتابه أن أقبل فأن للمليك إليك حاجه فأنطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوى عليه ثم لحق بجبلي طي وكانت فرعة أبنة سعد بن حارثة بن لام عنده وقد ولدت له ولد وبنت وكانت أيضاً عنده زينب أبنة أوس بن حارثة فأراد النعمان طيئاً على أن يدخلوه [ بين الجبلين ] ويمنعوه فأبو ذلك عليه وقالوا لولا صهرك لقاتلناك فأنه لا حاجة لنا بمعاداة كسرى [ ولا طاقة لنا به ] فاقبل [ يطوف على قبائل العرب ] ليس أحد من الناس يقبله غير أن بني رواحة بن سعد من بني عبس قالوا : أن شئت قاتلنا معك لمنه كانت له عندهم في أمر مروان القرط فقال : لا أحب أن اهلككم فأنه لاطاقة لكم بكسرى فاقبل حتى نزل بذي قار في بني شيبان سراً فلقى هاني بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وكان سيداً منيعاً والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبله فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك وعلم أن هانئاً مانعه مما يمنع منه نفسه
وتوجه النعمان إلى كسرى فلقي زيد بن عدي على قنطره ساباط فقال أنج نعيم [ أن استطعت النجاه ] فقال أنت يا زيد فعلت هذا أما والله لو انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك فقال له زيد أمض نعيم فقد والله وضعت لك عنده أخية لا يقطعها المهر الأرن فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقده وبعث به إلى خانقين فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فمات فيه والناس يظنون أنه مات بساباط لبيت لبيت قاله الأعشى :
فذاك وما أنجى من الموت ربَه *** بساباط حتى مات وهو محرق
وإنما هلك بخانقين وهذا قبيل الإسلام فلم يلبث إلا يسيراً حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلَم وكان سبب وقعة ذي قار بسبب النعمان
وحدثت عن أبي عبيدة معمَر بن المثنى قال : حدثنا أبو المختار فراس بن خندق وعده من علماء العرب قد سماهم أن النعمان لما قتل عدياً كان أخو عدي وأبنه النعمان عند كسرى وحرفا كتاب أعتذاره إليه بشيء غضب منه كسرى فأمر بقتله وكان النعمان لما خاف كسرى استودع هاني بن مسعود بن عامر الحصيب بن عمرو المزدلف أبن أبي ربيعه بن ذهل بن شيبان بن ثعلبه حلقته ونعمه وسلاحاً غير ذلك وذاك أن النعمان كان بنَاه أبنتين له
يتبع