وذكر العنقري، أن أول إشارة إلى نقل القوات العثمانية المخطوطات السعودية وإحراقها هي ما ذكره الرحالة البريطاني جورج سادليير، الذي زار الدرعية بعد هدمها، حيث ذكر أن قوات إبراهيم باشا نقلت مجموعة هائلة من الكتب إلى المدينة المنورة للاحتفال بالنصر والبهجة به، ثم تلاه المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر، عندما ذكر مصادرة حملة حسين بك، بعض مكتبة الشيخ عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهاب، وإحراق بعضها الآخر, كما أشار العجلاني، إلى نقل قوات محمد علي باشا، ما وجدته في بيوت الأمراء والعلماء في نجد، أما آل إسماعيل فقد أورد رواية محلية عن الشيخ سليمان بن عبد الله الحماد، عن مصادرة إبراهيم باشا لمكتبة جده الشيخ عبد الله بن سليمان بن حماد, أما الدراسات التي اعتمدت على الوثائق العثمانية أو الوثائق المصرية فيأتي على رأسها كتاب «رياض الكتبا وحياض الأدبا» لحيرت أفندي، فيه نصوص خطابات محمد علي باشا الرسمية، التي تبادلها هو وجميع المسؤولين العثمانيين، وقد ذكر حيرت أفندي، فيه نص خطاب محمد علي باشا إلى الصدر الأعظم، بخصوص وضع الكتب التي أحضرها إبراهيم باشا وحسين بك في مكتبة المدرسة المحمودية.
ولعل أول من أشار إلى أهمية هذا الكتاب وما يحتويه من وثائق تاريخية، هو د. أبو الفتوح رضوان، حيث ذكر أن هذا الكتاب في منتهى القيمة التاريخية، ثم تلاه د. سهيل صابان، عندما نشر تعريفا بهذا الكتاب وما يحتويه من مراسلات متبادلة بين محمد علي باشا، وكبار المسؤولين العثمانيين عن أحداث شبه الجزيرة العربية، والإجراءات التي اتخذها والي مصر فيها، أما الدراسات التي أفادت من هذا المصدر المهم فهي قليلة جدا، ومن أهمها الدراسة المتميزة التي أعدها د. أحمد عزت عبد الكريم، عن تاريخ التعليم في مصر في عهد محمد علي باشا.
ثم تلاه مجموعة «الأوامر والمكاتبات الصادرة من عزيز مصر محمد علي، وهي ملخص لجميع المكاتبات والمراسلات الرسمية، التي تمت بين محمد علي باشا، وجميع المسؤولين في مصر وفي الدولة العثمانية، وكانت هذه الملخصات معدة للاستعمال الرسمي فقط وجرى نشرها مؤخرا.
أما الدراسة التي أعدها د. خليفة بن عبد الرحمن المسعود، والموسومة بـ«موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية 1234 ـ 1282هـ / 1818 ـ 1866م دراسة تاريخية وثائقية»، وهي رسالة دكتوراه حصل عليها من جامعة أم القرى عام 1421هـ 2000م، فقد تناولت موضوع نقل القوات العثمانية المخطوطات والمصاحف من نجد إلى المدينة المنورة، وقد اعتمد في ذلك على وثيقة عثمانية واحدة في هذا الموضوع, ثم تأتي دراسة د. عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، وعنوانها «من وثائق الأرشيف المصري في تاريخ الخليج وشبه الجزيرة العربية»، وهي عبارة عن ملخص لوثائق مجموعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، التي توجد صور منها في مراكز البحوث والدراسات والوثائق في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي مصورة من دار الوثائق القومية بالقاهرة، وتتعلق معظم هذه الوثائق بالدولة السعودية الأولى والثانية، والخليج العربي، وقد لخص عبد الغني وثيقتين من هذه المجموعة تتعلق الأولى بالخطاب الذي وجهه محمد علي باشا، إلى الصدر الأعظم في 13 جمادي الآخرة 1236هـ / 15 مارس 1821م، بخصوص عودة ابنه إبراهيم باشا، بخمسمائة وواحد وتسعين مصحفا وكتابا، أما الثانية فتتضمن رسالة من وكيل والي مصر لدى الباب العالي في اسطنبول إلى محمد علي باشا، في 11 رجب 1238هـ / 23 يناير 1823م، بخصوص صدور توجيه السلطان بحفظ الكتب السلطانية، ومن الملحوظ أن عبد الغني لم يباشر العمل نفسه، بل اعتمد على غيره، ولم يكن له من أثر سوى الاشراف، ولذا فقد أغفل وثائق عدة في هذه المجموعة لم يذكرها ضمن كتابه.
أما الدراسة التي أعدها د. سهيل صابان، والموسومة بـ«نصوص عثمانية عن الأوضاع الثقافية في الحجاز (الأوقاف ـ المدارس ـ المكتبات)»، فقد نشر خلالها وثيقتين عثمانيتين، سبق للمسعود أن أشار إلى إحداهما في رسالة للدكتوراه، ويعد نشر صابان أول نشر لهذه الوثائق بنصوصها العثمانية، مع ترجمتها إلى اللغة العربية ولكن سقط من الوثيقة الثانية قرابة أربعة أسطر ـ أثناء النشر ـ وهذا أخل بالمعنى العام للوثيقة، واعتمادا على ما نشره عبد الغني، من ملخصات للوثائق المصرية فقد أعد قاسم بن خلف الرويس، مقالة بعنوان «البحث عن مصاحف وكتب الدرعية» وعلى الرغم من عدم اطلاعه على نصوص الوثائق، فإن هذه المقالة تعد أول محاولة في نظر الباحث للإجابة عن تساؤلات الباحثين عن مصير تلك المخطوطات السعودية, كما صدر أثناء إعداد هذا الكتاب من مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض كتاب بعنوان «مكتبة الإمام عبد الله بن سعود» وهذا الكتاب هو نشر للوثيقة محل الدراسة، وقد وقع الناشر في أخطاء كبيرة، لعل من أهمها عنوان الكتاب ونسبة جميع الكتب لمكتبة الإمام عبد الله بن سعود، والخطأ في رقم تصنيف الوثيقة بالأرشيف العثماني، وعدم التدقيق في قراءة الوثيقة ونقلها، وهذا أوجد فرقا بين النص الأصلي والمفرغ، وذكر أن الوثيقة ترجمة من اللغة العثمانية، مع أن معظمها مكتوب باللغة العربية، والمطلع على هذا العمل، يرى أن فيه عجلة وتسرعا في طبعه ونشره، ومن خلال دراستي لهذه الوثيقة واطلاعي المباشر على مخطوطاتها الباقية لم أجد فيها أي تملك للإمام عبد الله بن سعود، كما أن معظم أصحاب هذه الكتب هم من علماء نجد والأحساء, وأضاف العنقري، بعد استقراء تلك البحوث والدراسات، أعددت دراسة موجزة في هذا الموضوع، عرضتها على مجموعة من الباحثين والمهتمين، ثم تقدمت بهذه الدراسة الموجزة إلى دارة الملك عبد العزيز، نظرا لأن مثل هذا العمل يحتاج إلى جهة حكومية لرعايته، وتسهيل الصعوبات الإدارية التي قد تواجه الباحث من قبل الجهات الحكومية المختلفة، وقد تكرمت الدارة مشكورة بتبني هذا العمل ودعمه، وتمثل ذلك في دعم الرحلات العلمية المتعلقة بالبحث عن الوثائق والمخطوطات المتعلقة بهذه الدراسة، حيث شملت رحلة إلى مدينة اسطنبول، ورحلة إلى مدينة القاهرة، ورحلتين إلى المدينة المنورة، وقد أمكن خلال هذه الرحلات الحصول على الوثائق والمخطوطات المتعلقة بالدراسة، ومن أهمها الحصول على نسخة من الوثيقة العثمانية الخاصة بالمخطوطات السعودية، التي دونت في الثامن من المحرم 1238هـ / 24 سبتمبر 1822م، والحصول على نسخة من صك وقفية المدرسة المحمودية، الصادر في 15 جمادي الآخرة 1237هـ / 5 أبريل 1822م من سجلات المحكمة الشرعية في المدينة المنورة، إضافة إلى الاطلاع المباشر على المخطوطات في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، التي توجد فيها حاليا البقية من محفوظات مكتبة المدرسة المحمودية، والحصول على صورة ملونة منها، والاطلاع المباشر على بعض المخطوطات المنقولة من المدينة المنورة خلال الحرب العالمية الأولى، والمحفوظة حاليا في مكتبة قصر طوب قبو سراي باسطنبول، كما اطلعت على مجموعة من المخطوطات ذات العلاقة في دار الوثائق والمخطوطات القومية بالقاهرة.
كما أمكن خلال هذه الرحلات الحصول على وثائق ومخطوطات عدة تبين أن قوات إسماعيل بك وخورشيد باشا، أثناء حملتيهما على نجد والأحساء نقلت وصادرت تلك المخطوطات والوثائق إلى خارج المنطقة، حيث وجدت كشفا يبين أسماء هذه المخطوطات، وقد أمكن معرفة أماكن حفظها في الوقت الحالي، ونظرا لأن هاتين الحملتين هما خارج الإطار الزمني للدراسة، فقد رأيت تأجيلها إلى دراسة أخرى سترى النور قريبا، وستكون حدودها الزمنية تبدأ من عام 1237هـ / 1821م، وتقف عند عودة الإمام فيصل بن تركي من مصر إلى نجد في عام 1259هـ / 1843م، كما ستتبعها دراسة ثانية عن انتقال المخطوطات والوثائق السعودية ابتداء من وفاة الإمام فيصل بن تركي في عام 1282هـ / 1865م، إلى دخول الملك عبد العزيز الرياض عام 1319هـ / 1902م، وتبين مدى ما خسرته المنطقة من مخطوطات ووثائق نتيجة الأحداث التي جرت خلال هذه الفترة، ثم يتلو ذلك دراسة شاملة قائمة على تلك الدراسات الثلاث، ستخصص للأوضاع العلمية والثقافية في المنطقة خلال عهدي الدولة السعودية الأولى والثانية، وستركز على معرفة الفنون والعلوم التي انتشرت فيها، والاهتمامات العلمية فيها، كما ستعنى بقضية بناء مكتبات للأفراد والأسر، لتكون معينا لدراسة كل شخصية من واقع اهتماماتها المعرفية والثقافية, أما مشكلة الدراسة وصعوباتها فتكمن في ندرة، إن لم نقل شبه انعدام، الدراسات العربية والأجنبية السابقة في هذا الموضوع، بالإضافة إلى صعوبة الاطلاع على مخطوطات المكتبات الأسرية، كما أن معظم الوثائق العثمانية التي حصلت عليها من أرشيف رئاسة الوزراء في اسطنبول كتبت بلغة غير مستخدمة حاليا، وهي اللغة العثمانية التي يندر وجود مترجمين متمكنين منها، إضافة إلى أن هذه المصادر غير متوافرة في المراكز العلمية في المملكة، أما الوثائق العثمانية المصورة من أرشيف دار الوثائق القومية بالقاهرة، فيتميز أغلبها بوجود ترجمة عربية سليمة لها.
كما يمثل العمل الميداني عقبة رئيسية لهذه الدراسة، نظرا لتشعب العمل فيه، وتوزعه على مناطق مختلفة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، حيث تتطلب الدراسة القيام بزيارات مختلفة للمكتبات العامة والخاصة، والاطلاع على ما فيها من مخطوطات يظن أنها ترجع إلى تلك الحقبة، للتأكد من صحة ذلك الظن، ويزداد الأمر صعوبة في حالة عدم وجود فهارس مطبوعة لهذه المكتبة أو تلك، وقد أمكن التغلب على هذه الصعوبات بزيارات عدة إلى مكتبات مختلفة داخل المملكة وخارجها، حيث اطلعت على مخطوطات مكتبة المدرسة المحمودية كاملة وهي محفوظة حاليا بمكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، إضافة إلى مخطوطات المكتبات المضافة إليها، كمكتبة عارف حكمت، ومكتبة عبد القادر شلبي، ومكتبة قرة باشا، ومكتبة بشير آغا وغيرها، كما اطلعت على مخطوطات مكتبة الحرم المدني ومكتبة الملك فهد الوطنية ومخطوطات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومخطوطات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومخطوطات من مكتبة جامعة ليدن، ودار الكتب القومية بالقاهرة، ومكتبة قصر طوب قبو سراي باسطنبول، والمتحف البريطاني بلندن، والمكتبة الوطنية بباريس، ومكتبة الدولة ببرلين ومكتبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، وغيرها, وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الدراسة قد استخدمت مصطلح المخطوطات السعودية الذي يراد به المخطوطات التي نسخت في المناطق التابعة للدولة السعودية الأولى، أو نسخت قبل قبام الدولة السعودية في هذه المناطق، واستمرار وجودها فيها إلى سقوط هذه الدولة.
وقسم الباحث العنقري، الكتاب إلى ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول عوامل انتقال المخطوطات السعودية أو فقدها، حيث تضمن خلفية تاريخية للأوضاع العلمية في وسط الجزيرة العربية قبل الدعوة الاصلاحية وبعدها، لأن الدعوة بدأت منها، وشمل ذلك الحديث بشكل موجز ومركز عن كثرة النسخ في تلك الحقبة، وتكوين المكتبات الخاصة، وإرسال البعثات والوفود إلى المناطق المجاورة لشراء المخطوطات السعودية، ونقل القوات العثمانية المخطوطات السعودية إلى خارج نجد، ونقل بعض جنود القوات العثمانية المخطوطات السعودية وبيعها في المدينة المنورة، ونقل أفراد من أسرة آل سعود وبعض علماء نجد وطلبة العلم إلى مصر، وأثر ذلك في مكتباتهم، وبيع بعض علماء نجد جزءا من مكتباتهم في اليمن، واحتفاظ بعض الأسر العلمية ببعض المخطوطات وبقاؤها إلى اليوم، إضافة إلى نقل بعض العلماء النجديين مكتباتهم إلى خارج نجد, ونظرا لنقل القوات العثمانية للمخطوطات السعودية إلى المدينة المنورة، وحصول الدراسة على نسخة من الوثيقة العثمانية الخاصة بالمخطوطات السعودية فقد تضمن الفصل الثاني دراسة تحليلية لهذه الوثيقة، شملت 3 أقسام رئيسية هي: المخطوطات المنقولة من الدولة السعودية الأولى إلى المدينة المنورة، دراسة تحليلية، تتضمن مصادر هذه المخطوطات التي آلت إلى مكتبة المدرسة المحمودية، وهي من الدرعية والأحساء ومدن نجد وقراها، ثم مصادر هذه المخطوطات السعودية التي جاءت من الحجاز واليمن والعراق، ثم طرق تداول المخطوطات السعودية التي شملت النسخ والاستكتاب والبيع والشراء والإرث والإهداء والإعارة والوقف، ثم نوادر المخطوطات السعودية المنقولة إلى مكتبة المدرسة المحمودية، ثم مكتبات الأسر والأفراد، تلا ذلك القسم الثاني وكان عن الوثيقة العثمانية الخاصة بالمخطوطات السعودية، شمل وصف الوثيقة وكاتبها وعدم دقته إضافة إلى مخطوطات سعودية غير مضافة في الوثيقة أما القسم الأخير في هذا الفصل فتضمن دراسة تاريخية عن مكتبة المدرسة المحمودية، تناول نشأة هذه المكتبة، وكيفية تفكير العثمانيين في تأسيسها، ووقفيات الكتب عليها من قبل السلاطين العثمانيين وغيرهم، إضافة إلى الوقفيات المضافة إلى المدرسة المحمودية، وما فقد من هذه المكتبة من كتب.
ولأهمية هذه الوثيقة فقد خصص الفصل الثالث لها، حيث حققت هذه الوثيقة بالاطلاع الكامل على جميع مخطوطات مكتبة المدرسة المحمودية، وتدوين المخطوطات المناسبة وفق منهج اتخذ بعد الاطلاع على مخطوطات المكتبة، وفهم طريقة كاتب الوثيقة، حيث تتميز الوثائق العثمانية بميزة قد تختلف عن الوثائق الأخرى، فقراءة الوثيقة العثمانية فن وفهمها فن، وترجمتها فن، ولذا فإن فهم كيفية اعداد هذه الوثيقة كان له أثر في معرفة المخطوطات التي عناها الكاتب، وقد دونت كل ما كان مناسبا من التقييدات السعودية على هذه المخطوطات, وسلط الباحث العنقري، الضوء على المصادر المتنوعة في الدولة السعودية موضحا أنه من خلال المصادر التي عنيت بتاريخ الدولة السعودية الأولى، نجد أخبارا عن المناطق التي جلبت منها المصادر إلى الدولة السعودية، ومنها الأخبار التي أوردها الشوكاني، ولطف الله جحاف، والجبرتي، وبوركهارت وغيرهم، عن حرص السعوديين على التزود من مناطق الحجاز واليمن والشام والعراق ومصر، لكن هذه المصادر لا تفصح إلا نادرا عن أسماء الكتب التي اقتناها السعوديون من هذه المناطق، ولهذا فإن مجموعتي إبراهيم باشا، وحسين بك، تفيدنا في معرفة المناطق التي جلبت منها هذه المخطوطات، وتساعدنا على استكمال معرفة التواصل الثقافي والاقتصادي بين الدولة السعودية الأولى والمناطق المجاورة لها.
ومن خلال هاتين المجموعتين أمكن معرفة بعض المناطق التي تعد من المصادر الأساسية للمخطوطات السعودية وهي كالاتي: الحجاز: كان الحجاز ملتقى العلماء وطلاب العلم من مختلف الاقطار الإسلامية وكان بعض هؤلاء يأتون إليه فيستقر بهم، وبعضهم الآخر يأتون ليقيموا فيه مدة ثم يغادرون إلى وطنهم، ولذا كان وجود الحرمين الشريفين بالحجاز مقصدا رئيسيا للعلماء والمشائخ وطلبة العلم، وذلك لأداء ما فرضه الله عليهم من فريضة الحج والعمرة، وللنهل من علوم علماء الحرمين الشريفين، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب، قصد منطقة الحرمين الشريفين وبعد أدائه فريضة الحج والعمرة درس على علماء الحرمين، وخصوصا الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف، والشيخ محمد حياة السندي، وقد أفاد الشيخ محمد من وجوده في الحرمين الشريفين، ونسخ وكتب مجموعة من كتب الحنابلة، كما نسخ كتاب «الهدي النبوي» للإمام ابن قيم الجوزية، وكتاب صحيح الإمام البخاري, كما أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد سفارة إلى أمير مكة المكرمة الشريف غالب بن مساعد في عام 1211 هـ (1796م) وكانت برئاسة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، الذي نسخ فيها بعض الكتب واقتنى منها كتبا أخرى، منها كتاب «تهذيب الكمال في أسمال الرحال للمزي» حيث دون الشيخ تملكه عليه ونصه «ملكه من فضل ربه المنان أحمد بن ناصر بن عثمان، بالابتياع من مكة المشرفة»، وبعد تعيين الشيخ حمد قاضيا في مكة المكرمة عام 1806م كان هذا الأمر دافعا له لاقتناء الكتب والمخطوطات ومنها كتاب «أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للبيضاوي، حيث دون الشيخ تملكه عليه ونصه «هذا الكتاب وجدته يباع بمكة شرفها الله سنة 1221هـ فاشتريته، وجعلته وقفا على يدي ثم على يد أولادي» كما اقتنى أيضا كتاب «الكوكب المنير بشرح الجامع الصغير» للعلقمي، وقد وجد عليه وقفا وأجراه بالرغم من شكه في صحة هذا الوقف، أما علماء الأحساء فقد قصد كثير منهم الحجاز لطلب العلم والدراسة على علماء الحرمين، إضافة إلى أدائهم فريضة الحج، فقد زار الشيخ حسين بن محمد بن مبارك العدساني ،مكة المكرمة في عام 1019 هـ (1708م)، وقد اقتنى من مكة المكرمة مجموعة من المخطوطات، منها كتاب «الكوكب المنير بشرح الجامع الصغير» للعلقمي وقد دون عليه تملكه ونصه «الحمد لله مستحق الحمد أهل الثناء والمجد سبحانه وتعالى، لا نحصي ثناء عليه بل هو كما وصف وأثنى على نفسه وكل الخير بيديه من الله تعالى وتفضل على عبده الفقير حسين بن الشيخ محمد بن الشيخ مبارك العدساني الشافعي الأشعري الكبروي بالشراء الشرعي، وكان ذلك بمكة المكرمة زادها الله تعالى شرفا وتعظيما، بتاريخ أواسط شهر الحج عام 1119 تسع عشرة ومائة وألف، رزقنا الله الانتفاع بما فيه والاطلاع على قوادمه وخوافيه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم».
كما اقتنى الشيخ محمد بن صالح بن دوغان المهشوري الخالدي، من مكة المكرمة في عام 1127هـ (1715 م) كتاب «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي» وعندما زار الشيخ عثمان بن عبد الله بن محمد بن عمير الحجاز لأداء فريضة الحج في عام 1770م اقتنى من مكة المكرمة في يوم الجمعة 13 أبريل 1770م كتاب «البحر المحيط» لأبي حيان النحوي, أما مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلم يتوافر في هاتين المجموعتين سوى مخطوطتين اقتناهما الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، من أسواق المدينة المنورة وهما كتاب «أقسام القرآن» لابن قيم الجوزية، وقد دون الشيخ حمد تملكه عليه «هذا الكتاب اشتريته من المدينة المنورة على صاحبها الصلاة والسلام»، ثم دون ابنه الشيخ عبد العزيز عليه وقفيه نصها «الحمد لله سبحانه هذا الكتاب اشتراه والدي رحمه الله تعالى من المدينة المنورة، فرأى عليه كتابة الوقفيه فاجراه وقفا تأثما وجعل النظر فيه وفي سائر أوقافه إلى الأولى من ذريته طلبة العلم منهم نفعهم الله به، قال ذلك كاتب الأحرف عبد العزيز بن حمد بن ناصر، غفر الله ذنوبهم وستر عيوبهم آمين».
أما الكتاب الثاني فهو كتاب «صحيح الإمام البخاري» وقد اشتراه الشيخ حمد بن معمر، من المدينة المنورة ورأى فيه وقفية دونها الأمير أحمد جوري، الذي أوقف هذا الصحيح بأجزائه الأربعة على الشيخ عبد الكريم الأنصاري، وعلى ما بقي من أولادهم وذرياتهم، لذا اشترى الشيخ حمد هذا الكتاب وأوقفه مرة أخرى، وجعل النظر فيه على أولاده, أما مدينة رابغ فقد وجدت أن الشيخ عبد اللطيف بن محمد بن ناصر بن محمد بن حسين الأحسائقد اشترى منها كتاب «إحياء علوم الدين» للغزالي، وذلك في عام 1750م وقد تملكه بعده الشيخ عبد الله بن حسن الزراقي، وأوقفه على مدرسته في حي النعاثل بالهفوف.
* اليمن:
من المعلومات المهمة التي تمدنا بها هاتان المجموعتان التواصل الثقافي بين الدولة السعودية الأولى واليمن، من خلال السفارات التي أرسلها الإمام عبد العزيز بن محمد وابنه الإمام سعود بن عبد العزيز إلى أئمة اليمن، حيث نجد أن السفراء الذين أرسلهم السعوديون إلى اليمن حرصوا على اقتناء الكتب من اليمن، لأنها كانت مركزا من المراكز الثقافية في الجزيرة العربية، ومن خلال هاتين المجموعتين نجد مجموعة كبيرة من الكتب التي نسخت في اليمن أو جلبت منها، ولعل من أشهر من نقل المخطوطات اليمنية وجلبها إلى الدرعية الشيخ عبد العزيز بن حمد بن مشرف، وذلك في رحلات عدة، جرى أغلبها خلال عامي 1807 ـ 1808 وقد عني الشيخ ابن مشرف بانتقاء النسخ والحرص على شراء الكتب من مؤلفيها، ومنها كتاب «نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار» للامام الشوكاني حيث اشتراه ابن مشرف من الشوكاني ودون عليه ما نصه: «انتقل هذا المجلد وما قبله وما بعده إلى ملك الفقير إلى الله عبد العزيز بن أحمد بن إبراهيم، بايعته من مالكه مؤلفه سنة 1222». وقد تعددت اهتمامات ابن مشرف وتنوعت في انتقاء فنون الكتاب، فنجد في مجموعته كتب التفسير وكتب الحديث وكتب الفقه وكتب السيرة النبوية وكتب الوعظ، والغالب على كتبه التي بقيت كتب الحديث وكتب علم الرجال والجرح والتعديل.
كما نجد أيضا أن من ضمن الرسل الذين أرسلوا إلى اليمن الشيخ محمد بن عبد الله بن حمد الأمير، الذي حرص خلال إقامته في صنعاء إلى الجلوس للدراسة على الشيخ الشوكاني، ونسخ الأمير مجموعة كبيرة من مؤلفات الشوكاني، كما اقتنى الأمير كتبا أخرى جلبها معه إلى نجد من اليمن، منها في هاتين المجموعتين المجلد الخامس من كتاب «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض,أما علماء الأحساء فنجد أن هاتين المجموعتين تمدنا ببعض المعلومات عن التواصل العلمي بين علماء الأحساء واليمن ،فمثلا زار الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن فيروز، اليمن في عام 1770م ومن مدينة المخا اشترى مجموعا أوله كتاب «ديوان العيدروس» وكذلك فعل الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن حمد النجاري الأنصاري الشافعي الأحسائي، الذي وفد على حضرموت في عام 1705م وزار مدينة تريم، وهذه المدينة من أشهر مدن حضرموت، ومشهورة بكثرة علمائها، ولذا فإن الشيخ عبد الرحمن قد زارها وجلس لدى علمائها، كما أنه قد أخذ عنهم بعض الطرق الصوفية إذ وصف نفسه بأنه ينتسب إلى الطريقة البدرية والعادلية والجيلانية، وقد اقتنى من مدينة تريم كتاب «قوت المحتاج في شرح المنهاج» لابن حمدان الأذرعي الشافعي، كما ذكر أيضا أنه قد اشترى هذا الكتاب بقرشين حجر، وهذا يفيد في معرفة قيمة الكتب وأسعارها في تلك الحقية.
* العراق: يعد العراق من المناطق التي يرتادها بشكل دائم أهالي الجزيرة العربية، إذ يعد العراق موئلا لكثير ممن غادر نجد لأسباب عدة، كما أن العراق كان من الأماكن التي ترتادها بكثرة القوافل، التي تأتي من وسط الجزيرة العربية وشرقها وذلك لما لسكان المنطقة من مصالح مهمة في العراق, ومع بداية الدعوة الإصلاحية، حرص القائمون عليها على مراسلة ولاة بغداد، وذلك لتوضيح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبيان أن هدفها هو العودة إلى أصول الإسلام السلمية، ونبذ البدع والخرافات التي تخالف الدين ورد ما قد يثيره المعارضون من شبها ت على الدعوة، حيث أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد، كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورسائله إلى سليمان باشا، والي بغداد، وكان منها كتاب «التوحيد» فأحالها الوالي إلى الشيخ عبد الله الراوي البغدادي، خطيب مسجد سليمان باشا، ببغداد الذي رد عليها برسالة مضمونها أن التوحيد مختص بمعنى الربوبية, لكن الدعاوى المناوئة أفلحت في تشويه سمعة الدعوة الإصلاحية في العراق، لذا وجه ولاة بغداد حملات عدة على الدولة السعودية باءت جميعها بالفشل، وانتهت حملة الكخيا علي باشا بعقد صلح مع الأمير سعود بن عبد العزيز في عام 1798م لكن هذا الصلح لم يدم: إذ قتلت قبيلة الخزاعل ثلاثمائة رجل من الموالين والتابعين للدولة السعودية الأولى عام 1799م، ولذا طالب الإمام عبد العزيز باشوية بغداد بدفع ديات القتلى، لكن لم يتخذ الباشا من الإجراءات ما أرضى الإمام، كما أن المفاوضات التي تمت بالدرعية بين الإمام وعبد العزيز الشاوي مندوب باشا بغداد لم تؤد إلى نتيجة إيجابية، ولذا توجه الأمير سعود بالقوات السعودية إلى العراق وهاجم مناطق جنوبي العراق 1801م وقد شارك الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، في هذه الحملة، ويبدو لي أنه كان قاضي الحملة، وقد اشترى الشيخ حمد خلال هذه الحملة كتاب «المغرب في ترتيب المعرب» للمطرزي، وقد ودون الشيخ حمد تملكه على الكتاب وذكر أنه قد اشتراه من بلد الحسين وقد تعرض هذا التملك للطمس.
ويذكر الباحث العنقري، أنه وعلى الرغم من أن بوركهارت يشير إلى أن الإمام سعود أرسل سفارة إلى بغداد حملت معها عند عودتها إلى نجد كتبا في التاريخ اقتنتها من أسواق الكتب في بغداد، إلا أنه لم يجد في هاتين المجموعتين سوى المخطوطة المذكورة، ولعل ذلك راجع إلى عدم تدوين قيود التملك على بعض المخطوطات المجلوبة من العراق، أو أن السفراء الذين جلبوها من العراق كان مقصدهم بيعها في نجد، لذا لم يدونوا عليها شيئا ما يفيد بشرائها من العراق, أما الأحساء فنجد أن حسن بن جمعة الأحسائي، الذي ولد واستقر بالبصرة نسخ كتبا عدة منها كتاب «الكاشف عن حقائق السنن في شرح مشكاة المصابيح» للطيبي الذي اقتناه علي بن عبد الله بن يوسف الأحسائي، وقد دون على هذا الكتاب أسماء الكتب التي اقتناها من مدينة البصرة في شهر المحرم 1104 هـ أكتوبر 1692م ونص هذا القيد: «الحمد لله الذي مع الفقير كاتبه علي بن عبد الله بن يوسف، من الكتب بتوفيق الله تعالى في البصرة بتاريخ أواخر المحرم عام 1104 هـ،(5) شرح الطيبي على المشكاة خمسة مجلدات، 1 شرح جمع الجوامع للزركشي مجلد،1 شرح جمع الجوامع للمحلي مجلد،1 نصف شرح المنهج الأول للقاضي زكريا مجلد،1 بهجة المحافل للعامري مجلد 1 الرملي على الإرشاد مجلد 1 حلية أبي نعيم مجلد، 1 شرح الزبد للوالد مجلد 1 شرح التوضيح للشيخ خالد مجلد، 1 حاشية على المطول مجلد،1 من شرح المفصل للزمخشري،1 مجلد فيه تفسير سورة البقرة وآل عمران للبيضاوي وفيه شرح التسمية 1 كراريس من شرح الشمائل للشيخ ابن حجر، والهمزية ورسالة للغزالي في الرد على الزندقة،1 مجيميع فيه ديوان ابن قزل وبعض التعاليق ورسالتين في علم الفلك، 2 مجيميعين فيما يتعلق بالقراءات واحد والآخر فيه أحاديث المنهيات وبعض التعاليق».
والنص السابق يتضمن ذكرا لكتاب لم أجد له ذكرا في كتب التراجم أو الكتب التي عنيت بمصادر الفقه الشافعي، فقد ذكر شرحا لكتاب «الزيد فيما عليه المعتمد» وذكر كاتبه أن مؤلفه هو والده عبد الله بن يوسف، وأنه في مجلد والمعروف من شروح كتاب «الزبد» شرح الجمال الرملي المسمى بـ«غاية البيان في شرح زبد ابن رسلان» وشرح الصفوي المسمى بـ«فتح الصمد بشرح صفوة الزبد» وشرح الفشني المسمى «مواهب الصمد في حل صفوة الزبد» وشرح أحمد زيني دحلان المسمى بـ«حاشية على صفوة الزبد» وغيرها من شروح هذا المتن ولم أجد ذكرا لشرح عبد الله بن يوسف من ضمن هذه الشروح, ولصلة العراق بالأحساء فإننا نجد أن علماء الاحساء كثيرا ما يفدون إلى مدن العراق للدراسة أو التزود من الكتب والمخطوطات، فقد قدم الشيخ صالح بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن مبارك بن سلمة العدساني العقيلي، إلى البصرة في عام 1689م وتعد البصرة في ذلك الوقت من مراكز المذهب الشافعي التي يحرص طلبة العلم فيها على زيارتها للإفادة من علمائها ولذا نجد أن بعض النساخ الأحسائيين استقر بالبصرة وتكسب من مهنة الوراقة والنسخ فيها، فقد استقر الملا عبد العزيز بن الحسين بن محمد بن عبد العزيز بن أحمد الأحسائي في البصرة وامتهن مهنة نسخ المخطوطات، فقد استكتبه الشيخ صالح بن محمد العدساني لنسخ كتاب «الفتاوى الكبرى» لابن حجر الهيتمي، ونسخ الملا عبد العزيز الكتاب وانتهى من نسخ الجزء الثالث في شهر مارس 1689م، وقد باشر الشيخ صالح قراءة هذا الجزء، وقيد مطالعته له بقيد نصه: «نظرت فيه متبركا بحمد الله تعالى في شهر جمادى الآخر سنة ألف ومائة من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام ثم ختمه ونصه عبده صالح بن محمد العدساني».
وختمت الدراسة بإيضاح جملة من ملامح الدراسة التي جاءت في كتاب من الحجم الكبير غطى 560 صفحة، حيث أوضحت أن الدولة السعودية الأولى بعد قيامها نتيجة المبايعة التاريخية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، حتى سقوطها على يد قوات إبراهيم باشا في عام 1818 م سعت إلى نشر العلم والتعليم والإسهام فيه والسعي في تعميمه على عامة الناس، وأسهم هذا في تنمية الحياة العلمية وزيادتها مقارنة بالفترة السابقة للدعوة، ولذا انتشرت المخطوطات ونسخها واستكتابها وبيعها وشراؤها في المنطقة بشكل كبير وملحوظ، كما أفادت الدولة من السفارات المرسلة من قبلها في جلب المخطوطات وشرائها إلى المنطقة، كما أسهم هذا التبادل العلمي بين الدرعية وصنعاء، وكان من نتيجة شراء المخطوطات من صنعاء وجلبها إلى الدرعية وغيرها من المدن والقرى التابعة للدولة السعودية الأولى، ونتيجة لازدياد المخطوطات في المنطقة فقد رأى علماء نجد بيع بعض المخطوطات المتوافرة لديهم في صنعاء عن طريق الرسل، الذين أرسلتهم الدولة السعودية الأولى إلى إمام اليمن، وقد كان ذلك سببا من أسباب انتقال المخطوطات السعودية, ولكن أثر في هذه النهضة إرسال الدولة العثمانية حملاتها العسكرية لمواجهة الدولة السعودية، حيث أدى ذلك إلى سقوط الدرعية، وإلى حصول فراغ سياسي وعلمي تمثل بنقل أفراد من أسرة آل سعود وبعض علماء نجد وطلبة العلم إلى مصر، وقد أثر هذا النقل في مكتباتهم، إذ اشترى بعض التجار بقايا مكتبات آل سعود وبعض علماء نجد ونقلوها إلى خارج المنطقة، أو اشترى بعض علماء نجد مكتبات آل الشيخ الذين نقلتهم الدولة العثمانية إلى مصر، كما اضطر بعض علماء نجد إلى أخد بعض بقايا مكتباتهم معهم عند نقلهم إلى مصر, وقد أثرت الحروب العثمانية في المنطقة بشكل كبير، إذ أدت هذه الحملات إلى فقد مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب، وهذا الفقد كان له أسباب عدة منها أثر الحروب في إتلاف المكتبات وتدميرها، إضافة إلى إحراق القوات العثمانية مجموعات من المخطوطات والمكتبات، منها مكتبة الشيخ عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهاب وغيره من علماء الدعوة.
كما أسهمت هذه الحروب في مصادرة المخطوطات السعودية، ونقلها إلى المدينة المنورة وقسمت إلى مجموعتين رئيستين هما مجموعة إبراهيم باشا، ومجموعة حسين بك، ولم تكتف هذه القوات بما فعلت، بل نقل بعض أفرادها المخطوطات السعودية دون علم قادتهم وباعوها في أسواق المدينة المنورة, وعلى الرغم مما جرى في المنطقة من تدمير وتهجير ومصادرة، فإن الملحوظ هو احتفاظ بعض الأسر العلمية بالمخطوطات وبقاؤها إلى اليوم، ولا تزال المكتبات العامة والخاصة تحتفظ بنماذج عدة لذلك، كما أن بعض العلماء نقل بمبادرة شخصية منه مكتبته الخاصة معه أثناء مغادرته للمنطقة السكنى في مناطق أخرى، وأدى هذا إلى انتقال مجموعات عدة من المخطوطات إلى خارج المنطقة, ولهذا فإن السلطات العثمانية بعد محاصرتها الدولة السعودية الأولى، وتنظيم الحملات العسكرية ضدها تفاجأت بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، بحجم المخطوطات المتوافرة لدى السعوديين وكميتها، ولذا أصدرت أوامرها لقادة جيشها بجمع كل ما لدى السعوديين، وقد كان هذا ديدن كل حملة من الحملات العثمانية، التي أرسلت إلى المنطقة حيث جمعت هذه القوات كل ما أمكن لها جمعه من المخطوطات، وما لم تتمكن من أخذه أحرقته قبيل مغادرتها، ولذا نقلت المخطوطات التي جمعت إلى محافظة المدينة المنورة، ووضعت في عهدة المسؤولين العثمانيين فيها، وبعد مراسلات عدة جرت بين محمد علي باشا، والمسؤولين العثمانيين باسطنبول صدرت أوامر السلطان محمود الثاني بحفظها في مكتبة المدرسة، التي أنشأها بالمدينة المنورة، ويبدو أن فكرة تأسيسها لم تخطر في بال السلطات العثمانية، إلا بعد حصولها على هذه الكمية الوافرة من المخطوطات، وقد أدى هذا إلى إغناء مكتبة المدرسة المحمودية بمخطوطات عدة، يعد بعضها من أندر المخطوطات في العالم.
وحاولت الدراسة بقدر ما توافر لها من معلومات متنوعة الإجابة عن مصير المخطوطات السعودية في الوصول إلى عوامل وأسباب عدة لانتقال المخطوطات السعودية، وهي لا شك ليست كل الأسباب، وإنما هي محاولة لمعرفة هذه الأسباب، ويمكن من خلالها التوصل إلى نقطة مهمة، وهي أن المخطوطات والكتب لا تنشر إلا في بيئة مستقرة سياسيا وعلميا واجتماعيا، ولذا فإن قيام الدولة السعودية الأولى كان سببا رئيسيا في انتشار المخطوطات وتداولها بشكل كبير، حتى وإن كانت هذه الكتب أو المخطوطات ذات اتجاه مخالف لاتجاه الدولة ومعتقدها، فقد وجدت ضمن وقفيات الإمام عبد العزيز بن محمد كتب تصنف على أنها مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة لدى المذاهب الأربعة جميعها، ولم يجد الإمام عبد العزيز حرجا في ذلك، بل إن علماء الدعوة الإصلاحية نصوا على أنهم ليسوا معنيين بالتفتيش على الكتب ـ ولا يؤيدون اتلافها أو إحراقها، وقد نص على ذلك بشكل واضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، في رسالته المشهورة، التي كتبها عندما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز مكة المكرمة، ولهذا فقد تداول علماء الدعوة كتبا تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة في قضايا الأسماء والصفات، أو تنتهج منهج بعض المذاهب المنحرفة، وهي دلالة على سعة أفق علماء الدعوة بعكس ما صوروا به. وتشدد الدراسة على أن استكمال حلقات هذه السلسلة سيوضح الصورة الحقيقية للواقع العلمي والثقافي في الدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، وستبرز هذه الصورة بشكل يجلي الصورة التقليدية أو النمطية عن الأحوال العلمية والثقافية في الدولتين، ويبرز هذه الأحوال بشكل موثق من خلال الشواهد التاريخية المعتمدة بشكل رئيسي على الوثائق والمخطوطات.
جريدة الشرق الأوسط:الجمعة 25جمادي الثاني 1430هـ 19يونيو2009م عدد11161