الـ (بدون) جرح غائر في ضمير الكويت
الشيخ المهندس: جدعان بن زبن بن محروت آل هذال
ثمة تساؤلات قديمة تتجدد بقوة عن الهوية الدينية والسياسية لدولة الكويت،وخير دليل هو ما طالب به الأغلبية في مجلس الأمة بتعديل المادة 2 من الدستور الكويتي .
في كل مناسبة يتم التطرق فيها إلى مشكلة البدون أو كما يسمون طبقا لتشريع قانوني أصدرته الحكومة الكويتية خاص بـ (المقيمين غير الشرعيين) في الكويت, وما أكثر هذه المناسبات, حيث الأمر يتعلق بحياة عشرات الآلاف من الكويتيين الذين حجبت عنهم حكومة الكويت حق الحصول على جنسية وطنهم في سابقة يصعب أن نجد لها مثيل في كل تاريخ الإنسانية. فالإسلام الحنيف - الذي يدعي البعض الانتماء له - ساوى بين خلق الله عربا وعجما وقلص عوامل المفاضلة بينهم إلى عامل واحد هو تقوى الله سبحانه. ورغم إن البدون هم عرب ينتمون إلى قبائل عربية أصيلة ومعروفة ومنها قبيلة عنزة العربية التي يحمل بعض حكام الكويت أنفسهم شرف الانتماء لها ورغم أنهم مسلمون ورغم أنهم جزء لا يتجزأ من تركيبة المجتمع الكويتي، قبل وبعد تأسيس دولة الكويت عام 1961م، إلا إنهم ولأسباب غير محددة وغير مفهومة ظلوا مجرد مقيمين غير شرعيين. أما سياسيا فإن مختلف دول العالم تتعاطى مع عملية تجنيس رعايا من غير مواطنيها الأصليين بعد الخضوع لشروط معروفة كمدة الإقامة أو الزواج أو الأداء الطوعي لطالب الجنسية للخدمة العسكرية في جيش البلد المعني، وذلك توافقا مع تشريعات محلية ودولية وتناغما مع حقوق الإنسان المتداولة على مستوى المنظومات الدولية أو على مستوى منظمات المجتمع المدني.
الحكومة الكويتية لوحدها تقريبا من بين كل دول العالم ظلت ترفض دمج أفراد وعوائل وعشائر تعيش في الكويت في المجتمع قبل استقلالها وحتى اليوم لم يحصلوا على حقهم الطبيعي، وظلت الحكومة تعاملهم معاملة دونية رغم إن كل العالم يعرف أنهم في جلهم يخدمون في الجيش والشرطة الكويتية، فضلا عن وظائف الدولة العامة الأخرى، وأصرت الحكومة على إبقاءهم كشريحة تعاني من الجهل والفقر والتهميش واللا أمان وحرمهم من العديد من حقوق المواطنة.
إن عجز دولة وحكومتها عن حل مشكلة يعاني منها قرابة نصف سكانها منذ استحداثها كدولة ولهذا اليوم يطرح إشكالا حقيقيا أمام المنظومة الدولية عن شرعية كينونتها أصلا وعن آفاق الزمن القادم وما يحمله من احتمالات مؤلمة حين تنتفي مقومات النظام الكويتي مع نضوب النفط الذي يقال انه أحد أسباب بقاء هؤلاء المواطنين أصلا ضمن التركيبة السكانية من قبل نظامهم ودولتهم عندما كانت حصص الأوبك تمنح على حسب عدد السكان وتدهورت أحوالهم بعد التوقف عن هذا التحديد و البدء من قبل منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك باعتماد معيار الدولة بدلا عن عدد السكان مما يعني إن حكومة الكويت هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تضع المال قبل المواطنة.
لقد تعددت قرارات الحكومات الكويتية المتعاقبة التي كانت تصدر لهدف واحد هو تمييع المشكلة ومحاولة ركنها خلف الأحداث وتغييبها قدر ما تقدر عن الإعلام والرأي العام الدولي .مثلما تعددت اللجان التي شكلت لدراسة وحل المعضلة وتسليم ملف البدون للفضالة الذين يطلقون علية البدون العم الفضالة !!!. وما نتج عن تلك القرارات إلآ مماطلات وتسويف يعضد نتائج القرارات الاحتيالية. والمؤكد إن هكذا سلوك مماطل في مواجهة قضية تخص مواطني الدولة يدين الفضالة وحكومة الكويت سياسيا ودينيا وأخلاقيا وفي نفس الوقت يعبر عن بلادتهم وسوء تقديرهم للعواقب الوخيمة، ومنها التزايد المضطرد مع تقادم الزمن لهؤلاء المواطنين وتعدد فعالياتهم الاحتجاجية داخليا وخارجيا وعلى جميع الأصعدة، الأمر الذي يكرس صورة نظام ضعيف متخلف يتعارض ويتقاطع مع أبسط قواعد حقوق الإنسان والمواطنة.أيضا يشارك في هذه المأساة نواب مجلس الآمة المتعاقبين على المجلس والمصيبة أن معظمهم وضع مشكلة ما يسمى بالبدون في أول أولوياته وفي برنامجه الانتخابي وبعد الفوز تبخرت هذه الوعود. فمنهم من هرول الى الحدود التركية السورية ومنهم من أسرع الى الحدود اللبنانية ومنهم من سافر بحرا بالبواخر إلى غزة لفك الحصار عنها وكأنه طارق بن زياد زمانه. والجميع نسي أنه يوجد إخوان لهم يعيشون في الصنادق يبعدون عدة كيلومترات عن بيوتهم الفخمة.
وربما يسأل سائل: ماذا عملت يا جدعان للبدون؟ ولماذا لم توصل صوتك للحكومة ؟
وهذا سؤال متوقع. والجواب هو: شيخ القبيلة في الكويت ليس له كلمة أو صوت إلا الشيوخ الذين يزمرون ويطبلون ويطلون علينا على شاشة قناة الصباح يثنون على أداء الحكومة ويشجبون التجمعات والتظاهرات ويلوحون بعصا أمن الدولة ناصحين الشعب بأن يبقى صامتا.وبهذا تستمر الحكومة بدعم مصالحهم الشخصية وإغداق الأموال والهدايا كالأراضي والسيارات.
أما أني لم أوصل صوتي للحكومة فهذا حق إلا من خلال بعض الرسائل التي أرسلتها الى رئيس الوزراء السابق وعددهم يفوق السبعة.وقد تم استلامها من قبل ديوان سموه.
وأيضا قابلته مرتين ولكنه لم يستجب. كما أرسلت طلب مقابلة الى الديوان الأميري لمقابلة صاحب السمو حفظه الله ولكن لم يأت الرد الى يومنا هذا.
إن مستشاري الحكومة الكويتية لا يدركون على ما يبدو حجم الأخطار التي تختبىء بين جيوب حقيبة البدون محليا على مستوى القبائل والعشائر.
وتعمل الحكومة على حصر البدون في زوايا ضيقة كل هذه السنوات الطويلة.ودوليا على مستوى المتغيرات اليومية التي قد تجري رياحها لغير صالح الحكومة من قبل أطراف وقوى دولية وإقليمية معروفة. وعلى حكومة الكويت أن تدرك أن رجال القبائل العربية الكويتية سيكون لها قول فصل ينفجر بعد أن يفيض كيل الصبر.