إن أول إشارة إلى النسبة الشيبانية لقبيلة المساعيد وردت حوالي عام 1977 م فقد قال الأستاذ تركي نصار فيما كتبه عن سيناء في ذكره لقبائلها : " الأحيوات ينتسبون لبني عطية المساعيد من نسل مسعود بن هاني الشيباني " ( أردني في الجولان ، ص 366 )
قلت : الشيباني وهم من الكاتب أو ممن أملى عليه النسب حيث أن رواة قبيلة الأحيوات لا يذكرون أن مسعود بن هاني شيباني إنما اشتبه الأمر على الكاتب أو من أملى عليه النسب فظن أن مسعود بن هاني هو هاني بن مسعود الشيباني وهذا وهم بسبب تشابه الأسماء . وقد نقل الطيب عن بعض شيوخ المساعيد في مصر قولهم أن المساعيد من سلالة هاني بن مسعود الشيباني وعزا هذه الدعوى إلى مساعيد بلاد الشام وشمالي الحجاز ( موسوعة القبائل العربية ، مجلد 1 ، ص 139 و 140 ــ 141 ) وهو عزو لم نجد له أثرا عند مساعيد شمالي الحجاز والأردن وفلسطين ولإلقاء مزيد من البيان حول بطلان هذه الدعوى نقول وبالله تعالى التوفيق :
إن من الحقائق المقررة عند أهل العلم أنه لا إجتهاد في موضع النص فإذا وجد النص بطل الإجتهاد ، والعبرة بصحة الأدلة وصراحتها وقوتها الدالة على ما أستشهد بها عليه ومن الحقائق الثابتة عند المساعيد والتي إستفاض خبرها ونقلت إلينا كابرا عن كابر : أن قبيلة المساعيد هاجرت من ديارها الأصلية في وادي الليث في اليمن في حين أن هاني بن مسعود وقومه كانوا يقطنون بلاد العراق وفي عهد الهمداني كانوا يقطنون شمالي العراق ويخالطون الأكراد في منازلهم ، ومن هنا فإن القول بان المساعيد هم بنو هاني مسعود لا يتفق مع القول بأن المساعيد قدموا من وادي الليث ، وهذا يثبت بطلان هذه الدعوى فكيف والمحفوظ عند المساعيد وهو ما سجله غير واحد من الكتاب ومنهم نعوم شقير عام1906 م أن جد المساعيد هو مسعود بن هاني ؟؟؟ لهذا لا يصح الاعتماد على المتشابهات في مسالة تحقيق الأنساب ، فالمساعيد هم بنو مسعود بن هاني هاجروا من وادي الليث إلى شمالي الحجاز فبلاد الشام والديار المصرية هذا هو المحفوظ المتواتر ومن ثم فإضافة الشيباني على إسم مسعود بن هاني إضافة باطلة لا اصل لها عند المساعيد وإنما توهمها بعض المحدثين بعد سماعهم ومعرفتهم لشخصية هاني بن مسعود الشيباني وقد تطور الأمر عندهم إلى القول بأن جد المساعيد هو هاني بن مسعود !!! والثابت الذي لا شك فيه أن قبيلة المساعيد هاجرت من وادي الليث من اليمن في جنوبي الحجاز ، أما قبيلة بني شيبان فلم يكن لهم في يوم من الأيام وجود في جنوب الحجاز فقد كانوا من قبائل بلاد العراق منذ العهد الجاهلي قبل الإسلام ثم استقر بهم الحال في شمالي العراق قال الهمداني ( ت نحو 350 هــ ) : " ثم السن والبوازيج بلاد الشراة من ربيعة ثم يقع في جبل الطور البري وهو أول حدود ديار بكر وهو لبني شيبان وذويها ولا يخالطهم إلى ناحية خراسان إلا الأكراد " ( صفة جزيرة العرب ، ص 247 )
ومن هذا يتضح بطلان النسبة الشيبانية للمساعيد فعدا عن أن هذا غير محفوظ عندهم فان هذا يتناقض مع المحفوظ المتواتر عندهم عن قدومهم من جنوبي الحجاز . والحق أن مسألة قدوم المساعيد من جنوبي الحجاز من وادي الليث ونواحيه ليست مقولة عابرة بل هي حقيقة ثابتة فالمحفوظ عند المساعيد في شمالي الحجاز وفي بلاد الشام والديار المصرية أن بلادهم الأصلية كانت في وادي الليث فيما هاني بن مسعود الشيباني وقومه من بني شيبان كانوا من سكان العراق ولم يكن لهم أي وجود في بلاد جنوبي الحجاز وهذا يكشف وهم هذه النسبة التي بنيت على تشابه الأسماء . فالروايات المتواترة عند المساعيد التي لا تزال محفوظة إلى يومنا هذا تؤكد قدومهم من جنوبي الحجاز وقد ذكر هذا كثير من الكتاب ومن أقدمهم الرحالة الفنلندي جورج أوغست فالن الذي قال في رحلته إلى شمالي الحجاز في شباط عام 1848م في ذكر مساعيد البدع : " هناك قبيلة صغيرة تدعى المساعيد لا تمت للحويطات تقول أنها نزحت في البدء من وادي ليف في اليمن " ( صور من شمالي جزيرة العرب ، ص 146 ) قلت : ليف تصحيف ليث حسبما يرويه المساعيد إلى يومنا هذا
ومنهم الكاتب الألماني البرخت زيمه عام 1875 م في حديثه عن شمالي الحجاز : " القبيلة الرئيسية بين وادي موسى ووجه هي قبيلة الحويطات والى جانبها وجانب بني عقبة توجد قبيلة المساعيد التي تقول أنها هاجرت إلى المنطقة من اليمن " ( شبه الجزيرة العربية في كتابات الرحالة الغربيين في مائة عام " 1770 ــ 1870 م " ، ص 12 )
والرحالة التركي نعمان قسطلي عام 1875 م الذي ذكر في حديثه عن الشيخ علي المنطار أنه من أهل اليمن فقال في حديثه عن مقام الأمير علي المنطار حين مروره بغزة نهار الثلاثاء الموافق 20 / نيسان / 1875م : " بها مقام يسمونه بالشيخ علي المنطار يزعمون أنه من أهل اليمن " ( السياحة وبعض آثار جبل الخليل ــ قسم 1 ــ ، ص 39 )
وعلي المنطار هو أحد أمراء قبيلة المساعيد ومن أجداد قبيلة الأحيوات من المساعيد ، واليمن إصطلاحا يعم ما كان جنوب مكة المكرمة ، وهذه البلاد أي وادي الليث ونواحيه جنوبا بإمتداد إلى اليمن وشمالا إلى مكة المكرمة من منازل قبيلة هذيل وهي من أهل هذه الديار منذ العهد الجاهلي إلى يومنا هذا وهذا يعني وفقا لواقع الديار أن نسب قبيلة المساعيد يعود إلى قبيلة هذيل لا ريب في هذا والله تعالى أعلم ذلك أن هذه المنطقة لم تتداولها القبائل كما حدث في مناطق أخرى ،
ولنعد إلى موضوع بني شيبان فبنو شيبان لا وجود لهم في الجزيرة العربية البتة بإستثناء ما ذكره الهمداني نقلا عن الجرمي في ذكر أحد فروع بني شيبان فقد قال : " أعلى بريك لبني نفيع وهم من بني شيبان " ( صفة جزيرة العرب، ص 373 ) وبريك هذا موضع في بلاد اليمامة جنوبي نجد والقول بان هذا الفرع من بني شيبان البكريّين يحتاج إلى دليل .
وحينما زار إبن سعيد الأندلسي ( ت 685 هــ ) جزيرة العرب في منتصف القرن السابع للهجرة لم يجد لربيعة وجودا في الجزيرة غيرها من له حل وترحال إلا عنزة وبني شعبة وعنز فقد قال في ذكر بني بكر أصل بني شيبان : " ديار بكر بالجزيرة الفراتية مشهورة وإن لم يبق لهم بها الآن قائمة " ( نشوة الطرب ، ج 2 ، ص 604 )
وقال : " لم يبق الآن من ربيعة طائل على ما كان فيها من الكثرة والعظمة وتفرقت قبائلها في الحواضر والقرارات ولقد دوخت بلاد ربيعة بالجزيرة الفراتية فلم أجد فيها من يركب فرسا من تغلب ولا بكر ولا لهم قائمة وقد صارت دولة العرب هناك لزبيد من طيء ولعبادة من المضرية وتغلب وبكر دخلوا في الفلاحين وأمٌحى عنهم إسم العرب ودخلت جزيرة العرب فسألت هل بقي في أقطارها أحد من ربيعة ؟ فقالوا : لم يبق من يركب الخيل وفيه عربية وحل وترحال غير عنزة وهم بجهات خيبر وبني شعبة المشهورين قطع الطرقات وهتك الأستار في أطراف الحجاز مما يلي اليمن والبحر وبني عنز بجهة تبالة وغير ذلك لا نعلمه في الشرق ولا في الغرب " ( نشوة الطرب ، ج 2 ، ص 602 ــ 603 )
قلت : هذا نص صحيح صريح لا لبس فيه نقله إبن سعيد عن عرب الجزيرة ومن مشاهداته في رحلته إلى بلاد ربيعة عدم وجود قبائل من ربيعة في جزيرة العرب في القرن السابع غير عنزة وبني شعبة وبني عنز وهي قبائل معروفة ، وهذا يعني أنه لا وجود لبني شيبان لا في الجزيرة ولا في العراق ممن له الحل والترحال وركوب الخيل والعربية ، في الوقت الذي كان فيه المساعيد آنذاك قبيلة معروفة في بلاد الحجاز وسيناء فقد ذكرهم الحمداني ( 602 ــ 700 هــ ) ( نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، ص 159 ) والحمداني معاصر لإبن سعيد الأندلسي وقد جاء ذكر لإحدى قبائل المساعيد في سيناء عام في مطلع القرن الثامن ، قال الدواداري في ذكر سنة 703هــ : " وأما درك الطور وهو طور سيناء فهو على عرب يقال لهم بني سليمان " ( كنز الدرر وجامع الغرر ، ج 9 ، ص 115 )
قلت : وقد بين الهمداني ديار بني شيبان في القرن الرابع للهجرة فقد كانوا من قبائل بلاد العراق منذ العهد الجاهلي قبل الإسلام ثم استقر بهم الحال في شمالي العراق قال الهمداني ( ت نحو 350 هــ ) : " ثم السنّ والبوازيج بلاد الشراة من ربيعة ثم يقع في جبل الطور البري وهو أول حدود ديار بكر وهو لبني شيبان وذويها ولا يخالطهم إلى ناحية خراسان إلا الأكراد " ( صفة جزيرة العرب ص 247 ) وقال إبن خلدون في ذكر بني شيبان : " كانت لهم كثرة في صدر الإسلام شرقي دجلة في جهات الموصل " ( تاريخ إبن خلدون ، ج 2 ، ص 350 ) وقال القلقشندي : " بقايا شيبان موجود الآن بالعراق وغيره " ( قلائد الجمان ، ص 41 ) وبالطبع فإن هؤلاء حالهم حال الفلاحين في الإستقرار كما بينه إبن سعيد ومن منازل بني شيبان الجزيرة في شمال شرق سورية إلى الشمال من العراق ومن بلادهم رأس عين فقد كان أعقاب هاني بن مسعود يقيمون هناك مع قومهم من بني شيبان ومنهم مشاهيرهم أبو السرايا السري بن منصور ( ت 200 هــ ) قال إبن الأثير : " منزل أبي السرايا برأس عين " وقال : " كان يكري الحمير ... بالجزيرة " ( الكامل في التاريخ ، ج 6 ، ص 309 و 302 ) وكان فخذ هاني ن مسعود من بني شيبان يقال لهم المزدلف ، قال الجواني ( ت 588 هــ ) في ذكر بني شيبان : " ومن ولد أبي ربيعة بن ذهل : المزدلف وهو عمرو بن أبي ربيعة فخذ كبيرة " ( نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج 2 ، ص 233 ) فهذا نص هام يبين لنا أن الفرع المشتهر الذي ينتمي إليه هاني بن مسعود بن عامر بن عمرو المزدلف بن أبي ربيعة الشيباني كان يعرف بالمزدلف وقد كانت الشهرة في هذا الفرع لهاني بن مسعود لذا فلا ريب أن يعزى أولاده ونسله إليه وليس إلى أبيه ومن أخبار أولاده ما ذكره إبن حبيب قال : " بنو هاني بن مسعود كلهم حمقى إلا قبيصة افلت من حمقهم فسمي أفلت وكلهم انجبوا منهم : عامر وقيس وسويد وجبير هؤلاء حمقى وأفلت قبيصة فسمي أفلت " ( المحبر ، ص 381 ) وقد اصبح مسعود بن هاني بين عشية وضحاها هو هاني بن مسعود الشيباني ؟! حتى تستقيم هذه النسبة المزعومة ومن غير المعقول أن يكون المساعيد من سلالة بطل معركة ذي قار هاني بن مسعود وينتسبون إلى أبيه فقد جرت العادة الإنتساب إلى الأبطال والمشاهير فهل سيعزي أبناء هاني وأحفاده إلى أبيهم الفارس المشهور أم إلى أبيه الذي ليس له من المجد ما لهاني ؟؟؟ ثم هل هاني وحده هو إبن مسعود ؟ إن أولاد مسعود بن عامر هم : فروة وأمامة وهاني وقيس وعباد وعليه فالإنتساب إلى هاني يخص أولاد هاني وأحفاده ولا يخص بني مسعود وبهذا تنهار دعوى القول أن جد المساعيد هو هاني بن مسعود وليس مسعود بن هاني ولو كانت الدعوى صحيحة وغير مختلقة لقيل عن المساعيد هم بنو مسعود بن عامر فما هاني إلا رجل منهم . والقول بأن المساعيد من ذرية هاني بن مسعود الشيباني من بكر بن وائل من ربيعة قول باطل فقد خلط البعض بين جد المساعيد مسعود بن هاني وبين هاني بن مسعود الشيباني والذين خلطوا بين الجدين كانوا من الجهل بمكان حينما فاتهم أن المساعيد حجازيون قدموا من وادي الليث ونواحيه من بلاد مكة المكرمة في بنو شيبان من سكّأن شماليّ العراق والجزيرة الفراتية في شمال شرق سوريا
- عن مدونة هنا المساعيد للأستاذ راشد الأحيوي -