بسم الله الرحمن الرحيم
المدح : بمعنى التزكية ، وهو ذكر صفات الممدوح المرغوبة .
ومن حيث حكمه ، فإنه تجري عليه الأحكام الخمسة ، فقد يكون حراماً ،أو واجباً ، أو مكروهاً ، أو مستحباً ، أومباحاً.
فيكون حراماً إذا كان عوناً على الظلم والعدوان ، في أي نوع من الظلم والعدوان ، قليله وكثيره ، حتى يحرم على من يمدح الذي يظلم نفسه ، وليس بالضرورة الآخرين .
ويكون واجباً إذا كان لا يمكن تحصيل الواجب إلا به ، كما لو حال دونك ودون فعل الواجب شخص ، وعلمت أنك لو مدحته لاستجاب لك فهنا يجب المدح ، ولهذا المثال نظائر يأخذ بها العاقل .
وكذلك إذا كان المدح يدفع حراماً كما لو وجدت شخصاً يرتكب المحرمات ، وعلمت أنك لو مدحته لقويت عزيمته على ترك المحرم ، فهنا يجب المدح .
ويكره إذا أدى إلى المكروهات ، ويستحب إذا أدى إلى مستحب في الشرع ، ويباح إذا لم يؤد إلى شيء .
جاء في الحديث ( احثوا في وجوه المداحين التراب ) قال ابن منظور : أراد بالمداحين ، الذين اتخذوا مدح الناس عادة ، وجعلوه ، بضاعة يستأكلون به الممدوح ، فأما من مدح على الفعل الحسن ، والأمر المحمود ، ترغيباً في أمثاله ، وتحريضاً للناس على الاقتداء في أشباهه فليس بمداح ، وإن كان قد صار مادحاً بما تكلم به من جميل القول . انتهى كلامه .
والمدح : خبر يحتمل الصدق والكذب ، على حد سواء ، ولا يجوز ذم المادح ، إلا بثبوت ما ينفي صفة المدح الممدوح بها ؛ لأن الكذب ليس هو الأصل في المادح ، بل الأصل الصدق حتى يثبت خلافه ؛ ولأن المدح خبر ناقل عن الأصل ، إلى صفات رفيعة ليس من العادة أن يتصف بها كثير من الناس ، فتقدم حسب الأصول المعلومة من القواعد العلمية .
ونضرب مثلاً على مخالفة هذا الأصل من قول أحد الشعراء الشعبيين ( المدح ما يرهم على غير برهان ) .
وما ذكره الشاعر خلاف الأصل ؛ لأن المدح هو نفسه البرهان على صفة الممدوح ، فاعتبرناه شاهداً ، وصفة الممدوح ذاتية في نفسه ، والمدح دليل على وجودها ورسوخها ، وكما برهن الفعل على الصفة ، برهن القول على الصفة على حد سواء ؛ لأن القول مدفوع بالفعل غالباً ، كما أن الفعل قد لا يدل على حقيقة الصفة الظاهرة ، بدليل الحديث المروي في شأن حاتم الطائي ، وهو ( أراد شيئاً فأدركه ) أي: المدح ، وليس الكرم حقيقة متأصلة في نفسه ، وفي شطر البيت الشعبي الذي ذكرناه مثالاً عكس الشاعر فيه الأصل فجعل المدح هو الصفة والصفة هو الدليل وهذا فيه نظر .