<HR style="COLOR: #f6caa3" SIZE=1><!-- / icon and title --><!-- message -->
04/10/2010
جريدة القبس
مذكرات ناصر عبد العزيز الحميدي (1)
العائلات النجدية تنزح الى الكويت
أولت دارة الملك عبدالعزيز عنايتها التامة بتاريخ المملكة العربية السعودية، وقد شملت تلك العناية جميع أوعيته المختلفة من كتب ودراسات ومقالات وغيرها، وامتدت هذه العناية أيضاً لتشمل المذكرات والذكريات الشخصية التي لها صلة وثيقة بتاريخ المملكة.
الكتاب الجديد الخامس عشر الذي اصدرته الدار: هو مذكرات ناصر بن عبدالعزيز بن فهد الحميدي، الذي ولد عام 1906 في مدينة بريدة التابعة لمنطقة القصيم.
تتطرق المذكرات والذكريات إلى جوانب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عاصرها في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، واصفاً التقاليد والعادات في ذلك الوقت، ومسجلاً الأحداث التاريخية التي عاصرها بلغة شعبية عامية.
وقد سجل المؤلف أيضاً بعضاً من تاريخ الملك عبدالعزيز – رحمه الله – ذاكراً نماذج حية من شمائله الطيبة وخصاله الحميدة، كما وثق بدء علاقة حافظ وهبة بالملك عبدالعزيز الذي استعان به كثيراً في الشؤون الداخلية والخارجية للمملكة.
القبس تنشر المذكرات على حلقات وقد راجعتها دارة الملك عبدالعزيز وعلقت عليها وشرحت ما غمض منها، إيمانا منها بأهمية موضوع الكتاب، كتب المقدمة د. ناصر بن محمد الجهيمي ..
أخذت المذكرات الشخصية مكانتها المتميزة بين أساليب التدوين، وأهميتها لكونها موثقة لأحداث فترة زمنية سابقة ومعبرة عن الرؤية الشخصية لكاتبها، وتجسيداً للواقع الذي نقله كاتبه عبر مشاهداته، ولاتصافها في الغالب بدقتها وصدق مضمونها.
وقد أصبح من المتعارف عليه أن يكتب المذكرات الشخصية المفكرون أو الأدباء والمسؤولون، لما يملكونه من تجارب متعددة، وأقلام فصيحة، وشهرة واسعة، مكنت لهم السبل لتسجيل ما تراكم من تجاربهم، وعرض خبراتهم، وتقديم آرائهم.
أما صاحب هذه المذكرات التي نقدم لها فلم يكن مسؤولاً، ولا كاتباً، وإنما كان شخصاً مهتماً بالتجارة، وغيرها من الأعمال الأخرى التي أتيحت له الفرصة فيها للحصول على تجارب متنوعة تستحق الوقوق عندها قراءة ودراسة وتأملاً؛ فقد عاصر حياة الفقر والبؤس وضنك العيش، لكن وهبه الله قلباً واعياً وعقلاً ناضجاً، فكان يلحظ الأحداث الاجتماعية والاقتصادية ويرصدها، كما ترك لقلمه المجال ليرصد مواقف من تلك الأيام القاسية، وليصف – بعفوية وصدق – قطرات من مرارة المعاناة التي كانت سائدة في عصره.
صورة لكاتب المذكرات ناصر بن عبد العزيز بن فهد الحميدي (اخذت الصورة في الكويت عام 1975)
سيرة ذاتية
ولد ناصر بن عبدالعزيز بن فهد الحميدي في مدينة بريدة عام 1324هـ (عام 1906م)، ووالدته رقية بنت حمد التويجري من قرية الطرفية بالقصيم، انتقل والده عبدالعزيز الحميدي إلى الكويت – كعادة أهل نجد في ارتحالهم إلى الكويت والزبير – للتجارة، لكنه استقر في الكويت وكان مهتماً بتعليم أبنائه.
ابتدأ ناصر الحميدي حياته بالدراسة في مدرسة المباركية في مدينة الكويت سنة 1334هـ (عام 1915م)، واستمر فيها إلى أن أكمل الصف الرابع، ثم تركها للعمل معاوناً في دكان يملكه الشيخ حافظ وهبة. وعندما انتقل الشيخ حافظ وهبة إلى مدينة الرياض للعمل مستشاراً لدى الملك عبدالعزيز – رحمه الله – أخذه معه. ثم عمل لدى الملك عبدالعزيز سنة 1343هـ (عام 1924م)، ثم انتقل مع والده في العام نفسه إلى مدينة بريدة للعمل في مزرعتهم بالدعيسة، ثم اشتغلا معاً في التجارة والرعي ونقل الحجاج، وبعدها استقر في مدينة الكويت حتى توفي بها عام 1402هـ (عام 1981م).
وله من الأبناء سبعة، أربعة من الذكور وثلاث من الإناث، والذكور هم: بدر، وتولى مناصب عدة منها: عضو مجلس بلدي فوزير الأشغال ووزير الدولة لشؤون الإسكان، وبندر رجل أعمال، وسليمان مهندس، وبسام ضابط إطفاء متقاعد.
شظف العيش
لقد نطقت صفحات هذه المذكرات بوصف صادق لشظف الحياة، ومشقة الكدح من أجل الحصول على لقمة العيش، حيث أشار إلى صعوبة التعامل مع حافظ وهبة الذي عمل معه سنوات عدة، وكانت آخر كلمات وجهها إليه: عملت معك لآخذ درساً للرجولة من دون مقابل، أما المكافأة فأتسلمها من الملك عبدالعزيز.
وقد وصفت هذه المذكرات أشكالاً من مخاطر الصحراء، وفقدان الطريق، واشتداد الجوع، وتسلط العطش، وقلة المال، كل ذلك حدث أثناء التنقل بين البلدان عبر مفاوز قاحلة، وصحراء محرقة، صورها لنا وكأننا نعيشها حية مع كاتبها، عبر تسلسل ممتع، وسرد مشوق.
وقد زخرت مذكراته هذه بمعلومات وفيرة عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لما حوته من وصف صادق لواقع اجتماعي انطوت صفحاته، وعرض مفصل لتقاليد وعادات أوشكت شمسها على المغيب، وتسجيل معاصر لأحداث تاريخية حية، إلى جانب أنها تضم رصيداً زاخراً من الكلمات التراثية والمصطلحات الشعبية التي كانت سائدة في ذلك العصر، وانقرض استخدامها في العصر الحديث، وقد تم إيضاح ما غمض منها في حواشي الكتاب.
تاريخ المملكة وشخصية الملك
أما الجانب الأهم في هذه المذكرات، فهو تناولها لبعض من جوانب تاريخ الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، فعلى الرغم من كل الكتابات والمؤلفات والبحوث الواسعة التي كتبت عن تاريخه، إلا أننا حينما نجد مذكرات أو ذكريات أو كتباً لمعاصرين للملك عبدالعزيز، نعثر في طياتها على جديد يضفي المزيد على ملامح شخصيته الفذة، ويوضح جوانب من حياته.
ومن خلال ناصر الحميدي، نجد مساحات واسعة من الحديث عن شخصية الملك عبدالعزيز، على الرغم من أنه لم يعمل معه عن قرب، وإنما كانت له لقاءات يسيرة انطبعت آثارها بكل صدق على وجدان الكاتب.
وقد انفرد الحميدي في مذكراته هذه بتوثيق بدء علاقة حافظ وهبة بالملك عبدالعزيز، فقد أشار الكاتب إلى أن الشيخ حافظ وهبة كان ينتقد الملك عبدالعزيز في خطبه التي كان يلقيها في جامع الفهد في الكويت، وكان لا يعرف الملك عبدالعزيز، وعندما طلبه الملك عبدالعزيز للعمل لديه عن طريق وكيله في الكويت عبدالله النفيسي، اعتذر الشيخ حافظ وهبة، لأن لديه محلاً مليئاً بالبضائع، فأبلغه النفيسي بأنه سيدفع له قيمة المحل كاملة، فوافق على الذهاب إلى العمل مع الملك عبداالعزيز، حيث أصبح أحد الرجال المخلصين له، وهنا يبرز جانب من عبقرية الملك عبدالعزيز في اختيار الأشخاص دون النظر إلى مواقفهم منه، وإلى حسن اختياره وكلاءه الذين يعتمد عليهم في إنجاز المهام الموكلة إليهم.
كما ورد في هذه المذكرات نماذج من الشمائل الطيبة والخصال الحميدة للملك عبدالعزيز، حيث برز منها الجانب الإنساني في شخصيته عندما سأل الحميدي عن اسمه، ثم أثنى على أسرته، ووجه بصرف مبلغ شهري له، كل ذلك يجسد جانباً إنسانياً مشرقاً من صفات الملك عبدالعزيز، رصدها عن قرب كاتب هذه المذكرات، وأوضح ما اشتملت عليه من عطف ومحبة للخير وتواضع حميد، كل ذلك كان له أكبر الأثر في شخصية الكاتب.
ومن أبرز ما أشارت إليه هذه المذكرات انتشار الأمن وسيادة الطمأنينة، الأمر الذي جعل أميراً من أمراء الملك عبدالعزيز- وهو الأمير عبدالله بن جلوي أميره على الأحساء- يرسل رجاله على اثنتي عشرة ناقة لتتبع رجل سرق ناقة من الأحساء، ثم يعيدها إلى صاحبها، ويؤدب السارق، ويعاقب مرافقيه الذين لم يأخذوا على يده ويردوه عن ظلمه، وقد صوّرت هذه المواقف وغيرها حرص الملك عبدالعزيز – ومن خلفه رجاله الأفذاذ – على نشر الأمن، لكونه الركن الأساس الذي سيقوم عليه بناء الأمة الناهضة، وتتلهف إليه القلوب الخائفة الوجلة.
لقد قدم لنا ناصر الحميدي في مذكراته هذه معلومات جمة، وذكريات طيبة، وتجارب جديرة بالدراسة، صور لنا من خلالها يوميات المجتمع، وكيف كان الشخص العادي يقضي يومه، كما صور لنا نماذج لنزوح العائلات النجدية إلى الكويت - مع استمرار الهجرة والهجرة العكسية – خير ما يكون التصوير، كما أضاف لنا معلومات تاريخية جديدة لا تتوافر في المصادر المعاصرة.
ونتيجة لما تبذله دارة الملك عبدالعزيز – بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارتها – من جهود علمية في الاتصال بأسر الذين كان لهم شرف الاتصال أو العلاقة بالملك عبدالعزيز، بادر الأستاذ بسام بن ناصر الحميدي – خلال زيارة قام بها إلى الرياض – وقدَّم إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أصل هذه المذكرات، ووجَّه سموه بحفظها في الدارة.
وأخيراً أشكر لأخي معالي الدكتور فهد بن عبدالله السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز أن كلفني بتحرير نص هذا المخطوط، والتعليق على الكلمات الواردة فيه والتعريف بأعلامه، وأرجو أن أكون عند حسن ظنه.
كما أشكر أسرة ناصر الحميدي صاحب هذا المخطوط، وأبناءه الذين قدموا ما خطه والدهم إيماناً منهم بأن من حق الباحثين والباحثات والدارسين والدارسات الإفادة من المعلومات الواردة فيه، وأن نشره من جهة علمية – كدارة الملك عبدالعزيز – يضمن وصوله إلى المستهدفين من الباحثين والباحثات والقراء المهتمين بمثل هذا التراث المخطوط، وقد مدّني الأستاذ بسام الحميدي بمعلومات وهوامش وملحوظات كان لها أثر من إثراء هذا التحقيق والتعليق.
والشكر موصول لأخي الأستاذ الدكتور عبدالله بن العمل، فكان لها دور في تلافي عدد من الأخطاء، وكذلك الشكر للدكتور يعقوب بن يوسف الحجي، الباحث المتميز في تاريخ الغوص والسفن، الذي أضاف من التعليقات والتصويبات بحكم خبرته ما أثرى هذا العمل، والشكر أيضاً لأخي الأستاذ عبدالرحمن الشقير، والأستاذ محمد الفيصل، والأستاذ علي الدرورة، لتفضلهم بقراءة مسودة الكتاب واقتراح التصويبات والتعليقات التي أمكنتني من تلافي الكثير من الملحوظات، راجياً أن يكون هذا العمل نموذجا لدفع الباحثين للبحث عن مظان مثل هذه المذكرات المحلية، ودراستها وطباعتها، ليستفيد منها المتخصصون في التاريخ والاجتماع وغيرها من العلوم ذات العلاقة بموضوع هذه المذكرات.
د. ناصر بن محمد الجهيمي