والتفاضل بينهم بالخشية والتقي ومخالفة الهوي وملازمة الأولى .
هكذا يقول الطحاوي يقول: التفاضل بين الناس ما هو في الإيمان الإيمان متساوون فيه، التفاضل بينهم بين المؤمنين بأعمال القلوب، وأما التصديق فلا تفاوت فيه، وفي بعض النسخ وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالحقيقة ومخالفة الهوى وملازمة الأولى، يشير إلي أن الكل مشتركون في أصل التصديق، ولكن التصديق يكون بعضهم أفضل من بعض وأثبت، وهذه الأسطر والعبارة في النسخة الثانية، والتفاضل بينهم بالخشية والتقوي، يعني يقول: لا تفاضل بين الناس في الإيمان، وإنما التفاضل يكون بينهم بأعمال القلوب، وهذا من أبطل الباطل، ليس التفاضل بأعمال القلوب فقط، بل التفاضل في الإيمان نفس التصديق، نفس الإيمان والتصديق يتفاضل الناس فيه، تفاضل بالتصديق، وفي أعمال القلوب وفي أعمال الجوارح، وعلى هذا هل لهذا الخلاف ثمرة، أو ليس له ثمرة؟.
الخلاف بين الجمهور وبين الأحناف، هل له ثمرة أو ليس له ثمرة؟ الشارح ابن أبي العز يقول: الخلاف لفظي ليس له ثمرة، وقال لأن الجمهور، جمهور أهل السنة والأحناف اتفقوا على أن الأعمال واجبة، والواجبات واجبات، والمحرمات محرمات، وأن من فعل الواجبات، فهو قد أدى ما أوجب الله عليه وهو مثاب وممدوح، ومن فعل المحرمات، فإنه يستحق الوعيد، ويقام عليه الحد إذا كان ارتكب حدا، وهو مذموم، لكن الخلاف هل هذه الواجبات هل هي من الإيمان أو ليس من الإيمان؟.
قال الجمهور: من الإيمان، وقال الأحناف: ليست من الإيمان، فالخلاف لفظي؛ لأنهم اتفقوا على أن الواجبات واجبات، والمحرمات محرمات، وأن من فعل الواجبات، أثابه الله، وهو ممدوح ومن فعل المحرمات يعاقب، ومستحق للوعيد، ويقام عليه الحد، لكن الخلاف إنما هو في التسمية، هل نسميها إيمانا؟ قال بذلك الجمهور، أولا نسميها إيمانا؟ واجب آخر قال بذلك الأحناف، هكذا قال شارح الطحاوية، يريد أن يجمع بين القولين، يقول: الخلاف في اللفظ ليس له ثمرة، بمعني أنه لا يترتب عليه فساد في العقيدة، صحيح لا يترتب عليه فساد في العقيدة، لكن الصواب أن الخلاف له آثار تترتب عليه غير اللفظ.
من هذه الآثار أولا: جمهور أهل السنة والجماعة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، فإن نصوصا كثيرة أدخلت الأعمال في مسمى الإيمان، جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، وأما الأحناف ومرجئة الفقهاء فوافقوا الكتاب والسنة في المعنى، وخالفوهما في اللفظ ولا يجب للإنسان أن يخالف النصوص حتى في اللفظ، بل يجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص مع كتاب الله وسنة رسول الله، يتأدب فلا يخالف النصوص لا لفظاً ولا معنى.
فأهل السنة تأدبوا مع النصوص، ووافقوا النصوص لفظا ومعنى، ومرجئة الفقهاء لم يتأدبوا مع النصوص وافقوا النصوص في المعنى، لكن خالفوهما في اللفظ هذه ثمرة.
ومن ثمرة الخلاف فتح الباب للمرجئة المحضة؛ لأن المرجئة كما قلت لكم طائفتان، المرجئة المحضة وهم من؟ الجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة بالقلب، والأعمال ليست واجبة، والمحرمات ليست محرمات، إذا صدق بقلبه، ولو فعل جميع المحرمات، وارتكب جميع المحرمات، وترك الواجبات لا يضره، هو كامل الإيمان، ويستردها من أول وهلة، مرجئة الفقهاء يقولون: الإيمان هو التصديق، لكن الأعمال واجبة الواجبات واجبات والمحرمات محرمات، يعاقب الإنسان ويذم.
من الثمرة الثانية أن مرجئة الفقهاء، وهم الأحناف فتحوا بابا للمرجئة المحضة، فدخلوا معهم، فتحوا بابا لم يستطيعوا إغلاقه وسده لما قال مرجئة الفقهاء: إن الأعمال ليست من الإيمان، فتحوا الباب للمرجئة المحضة، فقالوا: إن الأعمال ليست مطلوبة من أساسه، الواجبات لا ليست مطلوبة، والمحرمات لا يجب تركها، والواجبات لا يجب فعلها، من الذي فتح لهم الباب؟ مرجئة الفقهاء هذه من الآثار.
الثمرة الثالثة من آثار الخلاف بين الجمهور والأحناف: أن الأحناف ومرجئة المحضة فتحوا بابا للفسقة والعصاة، فدخلوا معهم، لما قال الأحناف: الأعمال ليست من الإيمان، قالوا: أن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد، إيمان الأنبياء وإيمان الفساق واحد، فيأتي السكير العربيد، الذي يفعل الفواحش والمنكرات، فيقول إيماني كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر، فإذا قلت له أبو بكر يعمل الصالحات ويجتنب المحرمات وأنت تفعل ذلك قال هذا ليس محلا للخلاف محل الخلاف غير هذا ليس في الأعمال أنا مصدق وأبو بكر مصدق، فإيماننا واحد، أما كوني أفعل المحرمات، وأترك الواجبات، هذا شيء آخر، هذه مسألة أخرى غير الإيمان. من الذي فتح الباب لهم؟ مرجئة الفقهاء.
الثمرة الرابعة والمهمة: مسألة الاستثناء في الإيمان، وهو أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فمرجئة الفقهاء من الأحناف يقولون: لا يجوز لك أن تستثني، حرام أن تقول أنا مؤمن إن شاء الله، لأنك تشك في إيمانك، تعرف نفسك أنك مصدق، فكيف تشك؟ فإذا قالوا: إن من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك في إيمانه، من قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فهو شاك في إيمانه؛ لأن الإيمان هو التصديق أن تعرف نفسك أنك مصدق كما تعرف نفسك، أنك تحب الرسول، وأنك تبغض اليهود، هل تشك في إيمانك؟ هل تشك في الشيء الموجود ؟.
قالوا: لا يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، ومن قال أنا مؤمن إن شاء الله، فهو شاك في إيمانه، ويسمون أهل السنة الشكاكة، أما أهل السنة والجماعة، هم قالوا: المسألة فيها تفصيل، يجوز الاستثناء في الإيمان في بعض الأحوال، ولا يجوز في بعض الأحوال، فإذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وقصده الشك في أصل إيمانه، وهو التصديق فهذا ممنوع.
أما إذا قال: إن شاء الله، وقصده الاستثناء راجع إلي الأعمال أعمال الإيمان، الواجبات كثيرة، والمحرمات كثيرة، فلا يجزم الإنسان بأنه أدى ما أوجب الله عليه، ولا يجزم الإنسان بأنه ترك كل ما حرم الله عليه، ولا يزكي نفسه، فهو يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأن الأعمال متشبعة كثيرة، لا يجزم بأنه أدى كل ما عليه، بل هو محل للتقصير والنقص، ولا يجزم بأنه ترك كل ما حرم الله عليه، بل قد يقترف شيئا من ذلك، فهو يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه لا يزكي نفسه؛ ولأن أعمال الإيمان متشعبة، فلا بأس أن يقول: إن شاء الله، كذلك إذا قال أنا مؤمن إن شاء الله، وقصده تعليق الأمر بمشيئة الله للتبرك باسم الله، فلا حرج، وكذلك إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وأراد عدم علمه بالعاقبة، فلا بأس أما إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وقصده الشك في أصل إيمانه، فهذا لا يجوز.
وبهذا يتبن أن الخلاف بين الأحناف والجمهور له ثمرة، كذلك أيضا مما يتعلق بالإيمان مسألة الإسلام أيضا الإسلام، والخلاف في مسماه، الناس اختلفوا في مسمى الإيمان على ثلاثة أقوال:
طائفة قالت: الإسلام هو الكلمة، أي الشهادتان، وهذا مروي عن الزهري، وبعض أهل السنة قالوا الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، المذهب الثاني: طائفة قالوا الإسلام والإيمان مترادفان، وهذا مروي عن بعض أهل السنة، ويتزعمهم البخاري، وهو أيضا ذهب إليه الخوارج والمعتزلة.
المذهب الثالث: أن الإسلام هو العمل والإيمان هو التصديق والإقرار، جعلوا الإسلام هو الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل، والصواب في المسألة أن الإيمان والإسلام تختلف دلالتهما بحسب الإفراد والاقتران، فإذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا اجتمعتا، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، فإن جبريل لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأعمال الباطنة.
هذا هو الصواب أن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، أما الأدلة والمناقشات يأتي الكلام عليها إن شاء الله.
قلنا إن الناس في مسمى الإسلام لهم أقوال: القول الأول: من يقول: إن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل، يقول: مسمى الإسلام هو الكلمة، يعني الشهادتين، وهذا مروي عن الزهري وبعض أهل السنة، قالوا الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج هؤلاء بقول الله تعالى:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ قالوا فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه هو المقتصد، هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم.
والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، ولكن وجهة نظر الزهري هي أن من أتي بالشهادتين صار مسلما، يتميز عن اليهود والنصارى، تجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين. والزهري لم يرد أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدها؛ فإن الزهري أجل من أن يخضع لذلك، ولهذا فإن أحمد -رحمه الله- في أحد أجوبته لم يجب بهذا، خوفا من أن يظن أن الإسلام ليس هو إلا الكلمة، وقد رد محمد بن نصر على من قال بهذا القول، فقال من زعم أن الإسلام هو الإقرار، وأن العمل ليس منه فقد خالف الكتاب والسنة، فإن النصوص كلها تدل على أن الأعمال من الإسلام كحديث جبريل، وفيه بني الإسلام على خمس، وذكر الأعمال الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج.
وأما الاستدلال بالآية
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فليس فيها ما يدل على أن الإسلام هو مجرد الشهادة، وإنما فيها تقسيم الناس إلي مسلم ومؤمن ومحسن، فهذا موافق لحديث جبريل.
المذهب الثاني القول الثاني القائلون من يقول: إن الإسلام مرادف للإيمان، وهذا يروي عن طائفة من أهل السنة ومنهم البخاري -رحمه الله- ذهب إلي هذا في صحيحه في كتاب الإيمان، وذهب إلي هذا أيضا الخوارج والمعتزلة، وعلى هذا فيكون يشمل الأعمال كلها، فالإسلام والإيمان عندهم واحد، وعلي هذا القول يذهب التفاوت والمقامات، احتج هؤلاء بقول الله تعالى:
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وجه الدلالة أن الله وصفهم بالإيمان والإسلام، وهم أهل بيت واحد، فدل على أنهما مترادفان، وأجيب بأن الآية لا حجة فيها لأن البيت المخرج كانوا متصفين بالإسلام والإيمان، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما، وقالوا: إن حديث جبريل لما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام قال:
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله قالوا: معني أن تشهد أن لا إله إلا الله، قالوا: على التقدير تقدير شعائر الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله لا مسماه، لكن يجاب بأن الأصل عدم التقدير.
ومما أيضا يناقش به أهل هذا القول أنهم قالوا: الإسلام والإيمان مترادفان، ثم قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب، وقالوا: الإسلام والإيمان شيء واحد؛ فيكون الإسلام هو التصديق، وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة.
ومن شبههم أنهم قالوا: إن الله سمى الإيمان بما سمى به الإسلام، وسمى الإسلام بما سمى به الإيمان كما في حديث جبريل، وحديث وفد عبد القيس، فحديث جبريل فسر الإسلام بالأعمال، وفي حديث عبد القيس فسر الإيمان بالأعمال، فإنه سأل ما الإيمان؟ قال:
الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده، شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأجيب بأن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الأعمال، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الأعمال، أما إذا اجتمعا فيفرق بينهما.
ومما يدل مما يشمل الفرق بين الإسلام والإيمان قول الله تعالى:
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا فنفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام، وهذا يدل على الفرق، وأما تسمية أحدهما بمسمى الآخر، فإنما يكون عند إفراد أحدهما، فيدخل فيه الآخر، وعند اجتماعهما يفرق بينهما، وأيضا يشهد الفرق بينهما حديث جبريل، فإنه فرق بينهما.
وأما اعتراضهم على الآية آية الحجرات على الاستدلال بالآية، بأنما نقول: أسلمنا انقدنا ظاهرا، فهم منافقون في الحقيقة؛ لأن الله نفى عنهم الإيمان، هذا أحد قولي المفسرين في هذه الآية، وهو جواب البخاري -رحمه الله- أجاب بأن هذه الآية في المنافقين، لكن أجاب الجمهور بأن القول الآخر في الآية، وهو أرجح من القول الذي أخرجوه أنهم ليسوا مؤمنين كاملي الإيمان، بل هم ضعفاء الإيمان، لا أنهم منافقون كما نفي الإيمان عنهم، كما نفى عن القاتل والزاني والسارق ومن لا أمانة له.
ويؤيد هذا القول سياق الآية من وجوه، فإن سورة الحجرات من أولها إلي هنا في النهي عن المعاصي وأحكام بعض العصاة ونحو ذلك، وليس فيها ذكر المنافقين، وكذلك أيضا ما قبل الآية وما بعدها حيث إن الله -سبحانه وتعالى- أثبت لهم الإيمان وأثبت لهم وقال:
لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ أثبت لهم طاعة لله ولرسوله
وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ
والمنافقون ليس لهم طاعة، لا تعتبر طاعة وليس لهم عمل حتى ينقص ثوابهم، ثم قال في آخر الآيات
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا فأثبت لهم الإسلام ولو كانوا منافقين لما أثبت لهم الإسلام.
القول الثالث المذهب الثالث: قول بعض العلماء جعلوا الإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل حينما أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن الإسلام والإيمان حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأصول الخمسة، وأجيب بأن هذا عند الاقتران عند اقتران الإسلام بالإيمان.
والراجح والصواب في هذه المسألة أن مسمى الإسلام ومسمى الإيمان يختلف مسماهما عند الأفراد وعند الاقتران، فإذا قرن أحدهما بالآخر، فإنه فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر كما في حديث وفد عبد القيس إذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا أطلق الإسلام وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، كما حديث جبريل.
هذا هو الصواب وهو الراجح، وهذا هو التحقيق في هذه المسألة أن الدلالة تختلف بالتجريد والاقتران، ومن فهم هذا انجلت عنه إشكالات كثيرة في كثير من المواضع التي حاد عنها كثير من الطوائف، فإن الإسلام أصله هو الانقياد والطاعة والإيمان، أصله هو ما في القلب من الاعتقاد وحقيقة الفرق أن الإسلام دين، والدين مصدر دان يدين دينا، إذا خضع وذل.
ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، والإسلام هو الاستسلام لله وهو الخضوع له والعبودية له، هكذا قال أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم فالإسلام في الأصل من باب العمل عمل القلب وعمل الجوارح، وأما الإيمان فأصله التصديق والإقرار، أصله تصديق وإقرار ومعرفة، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب.
والأصل فيه التصديق والعمل تابع له، فلهذا فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان بإيمان القلب وخضوعه وفسر الإسلام بالأعمال