مورس ورفاقه في مضارب قبيلة السبعة الوائلية
اسم الكتاب : البحث عن الحصان العربي (مأموريّة إلى الشرق) .
تاريخ الرحلة : 1323هـ / 1905م .
ترجمه من الإسبانية وعلّق عليه : د. عبدالله بن ابراهيم العمير.
الناشر : دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1428هـ.
قبيلة السبعة من عنزة ..!
في هذه المهمة أمضينا وقتاً طويلاً يتراوح بين ثماني ساعات
وتسع، حتى أعمل فينا الحر عمله في الحادية عشرة صباحاً،
عندها وصلنا إلى مضارب السبعة الواقعة في منخفض ضيق من الأرض - وإن كان
ممتداً في طوله - ويسمى خطأ بالوادي وهو المعروف بمنخفض العويسية Ahuayes،
وهو واد لا أودُّ حتى مجرد تذكّر اسمه...!!
ويضيف في نفس السياق : في ذلك المنخفض أقامت أسر هذه القبيلة العظيمة ما يقرب من
أربعة آلاف خيمة (بيت)، شاغلة مساحة تصل إلى مد البصر في هذه المضارب الكثيرة
السكان. وحين أصبحنا داخل هذه المنطقة تابعت قافلتنا مسيرتها في طابور عبر الدروب التي
تكونت بين تلك الخيام التي نسجت من وبر الجمل وشعر الماعز القاتم دون أن نلحظ أي
استغراب أو فضول من جانب السكان لحظة مرورنا بهم.
لا الرجال ولا النساء، ولا حتى الأطفال الذين مررنا بهم في طريقنا أبدوا أدنى اهتمام
بوجودنا، متابعين طريقهم أو عملهم دونما اكتراث بنا. لا شئ من تلك النظرات العدوانية ولا
الاستطلاعية؛ إن تعبيرات وجوههم كانت أشبه بتلك التي تبدو عليهم حين يمر بهم أحد
جيرانهم.
استمر بنا المسير عبر دروب تلك المضارب ذات الخيام القاتمة السوداء ما يقرب من ثلاثة
أرباع الساعة حتى وصلنا إلى خيمة كبير القوم التي كانت منصوبة في أحد أطراف المخيم.
كان شيخ القبيلة عجوزاً في الخامسة والستين من عمره، يسير بصعوبة، ومع ذلك، فإنه خرج
في لطف لاستقبالنا بمجرد أن وطئت أقدامنا التراب وأخذ خوسيه يقدمنا إليه، فصافحنا
مباشرة، فسلّم على القائد، ثم عليّ وعلى ضابط الإدارة العسكرية والطبيب البيطري، وذلك
على غرار ما يمكن أن يفعله الحاجب الأكبر لبلاط ملكي عظيم.
بعد ذلك جلسنا على يمين الشيخ تحت ظل خيمته المفروشة بالسجاد والوسائد، في الوقت
الذي بدأ رجال القبيلة يتوافدون علينا متجهين إلى زعيمهم للسلام عليه بإعزاز وإكبار قبل
أن يفترشوا الأرض، في حين أخذ عبدٌ أسود يمعن الدق بطرقة تنم عن مهارة فائقة بيد
المهراس (النجر) الذي يطحن فيه القهوة التي سيقدمها لنا. ولقد ذكر لنا خوسيه أن هذه
الدقات تطلق على شرف كبار الزوار من الضيوف. ولأنني سبق أن تكلمت مراراً عن هذه
القهوة بشيء من الازدراء والجفاء، فلنشاهد كيف يعدها ويقدمها هؤلاء البدو لضيوفهم.
فعلى مقربة من الخيمة وأمام ناظرينا أخذ العبد حفنة من حبوب البن التي ما إن وضعها في
محماس من الحديد، حتى بدأت تنبعث منها رائحة ذكية، لولا أن الدخان المنتن الصادر من
ذلك الوقود الوحيد في الصحراء يعمل على تعكير تلك الرائحة. ففي هذه الصحراء يصبح بعر
الجمل الأكثر صلابة من روث الجواد، البديل الوحيد للخشب أو الفحم اللذين يغيبان عن
الساحة تماماً.
وما إن تنتهي عملية حمس البن حتى يُنقل إلى المهراس (النجر) حيث يُظهر هنا العبد
مهاراته في إطلاق دقات يد المهراس (النجر) ذات الإيقاع الموسيقي المتعدد، وذلك حسب
الدرجة التي يتمتع بها الزوار من الضيوف.
وبعد ذلك يوضع البن في مرجل نحاسي (دلّة) فيه ماء يغلي، ويترك على هذه الحالة مدة عشر
دقائق، ثم يقدم بعدها للحاضرين. ولا يضاف السكر إلى القهوة إطلاقاً، بل يوضع بدلاً منه قليل
من حبات بذرة مُرّة ولاذعة يسمونها الهيل، أو قليل من الزعفران وذلك لجعل مذاقها أكثر
قبولاً. ومما يلحظ أن هذا المشروب المرّ يعجب الأتراك والعرب على حدٍ سواء، وفي الوقت
نفسه فإنهم يجهلون الشاي ويحتقرونه، وفي المقابل فإن المغاربة الذين يطلق عليهم الكثير
خطأ العرب( ) يشربون الشاي بشكل كبير.
ولقد تناولنا أربعة فناجين أو خمسة كانت نصيبنا خلال تلك الدورات الكثيرة التي مرّ بها العبد
بيننا حتى يفرغ محتوى الدلّة. وتجدر الإشارة إلى أن أول من كانت تقدم له القهوة هو رئيس
الخيمة وذلك حتى يبرهن للجميع أنها لا تحتوي على السم.
وعلى مدى هذا الاستقبال الطويل الذي يحضره كل أشراف القبيلة دارت محادثات أعربوا فيها
عن سعادتهم باستقبالنا، وعن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه، وعن أن السلام
الإلهي يكون مع الملائكة، ونحو ذلك. وعلى أية حال فقد دار الحديث عن الكثير من الأمور
عدا ما جئنا نبحث عنه. ومترجمنا حاذق يعرف جيداً هذه العادات، ولن يقبل أي شيء في
الدنيا مقابل كسر هذا النظام العرفي
.
يتبع