أعز خلق الله لكم جزيل الشكر والتقدير حتى ترضون على مروركم العطر ومداخلاتكم الكريمة التي هي محل الفخر والإعتزاز ..
ها نحن أيها الأخوة الكرام ولكأننا في سوق عكاظ ونحن في موقع قبائل ربيعة ولكأننا بأهل الفخر والمجد والذين نفخر بمآثرهم من أبطالٍ وفرسان وهم الذين أفضوا ومضوا إلى وجه ربهم الكريم وبمفاخرهم نرفع رؤسنا في كل نادٍ وكل مجلس ومن باب أولى أن نعلي ذكر أهل الفعل المجيد والقول الحميد الذين بين ظهرانينا ونعدد مآثرهم وخصالهم الكريمة ..
وأبو عبدالله مثالاً على كل ذلك فمن تلك القصص والتي أعلم أنه لا يريد ذكرها أو الإتيان عليها، قصتنا لهذه الليلة يا أعز خلق الله والتي حدثت مع أحد أبناء قبيلة عنزة حينما كان في ضائقة لا تعلوها ضائقة وكربةٌ هي من أشد كرب الدنيا.
وهنا نتذكر حديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، فعن أبي هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فرج عن اخيه المسلم كربةً من كرب الدنيا ، فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر على أخيه المسلم ، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله عز وجل في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..
فصاحب قصتنا هو محمد بن عرنان من كبار قبيلة الفدعان، فقبل ما يقارب العشرين عاماً تعرض محمد لمكيدة ولمظلمه كادت أن تدمر مستقبله ، وقيل له إذا أتيت إلى مدينة حفر الباطن فإسأل عن متعب الفققي فهو الذي سيقدم لك العون إن إستطاع ولن يتأخر حتى لو لم تكن تعرفه أو يعرفك مسبقاً .
وعندما أتى إلى مدينة حفر الباطن وسأل عن متعب الفققي وجده كما قيل له، فهو الذي قدم له يد العون وفزع له دون تردد وأزال الظلم عنه من بعد أن قدره الله على ذلك، ومن حسن الطالع أو إن أردتم أن تقولوا أنها من طرائف الأمور التي تحدث مع المرء أحياناً ، أنه كان يسأل متعب عن متعب وهو لا يعرفه ولم يكن قد تقابل معه قبل ذلك اليوم، فقال له الشيخ متعب وهل تعرف متعب قال: لا ، فرد عليه: أنا هو متعب وأبشر بما يقدرني الله عليه وأعتبر أن أمرك مقضياً بإذن الله ، وبعد مدة زاره محمد العرنان وقد تغيرت هيئته وشخصه على متعب الفققي ولم يتذكره، فعرفه بنفسه وهو بأحسن حالٍ يحبها الأخ لأخيه وإبن العم لإبن عمه ، فسلم عليه وسلّمه ورقة تحتوي على الأبيات التالية :
يالله يـالـلـي مــــن تــرجــآك مــــا خــــاب *** يــــا عــايــدٍ لــــلأرض عــقــب المـحـيـلـه
يــا محـيـي عـظــام رمـيـمـه مـــن تـــراب *** جـــــلّا جــلالـــك يـــــا ولـــــي الـفـضـيـلــه
مــن مـحـمـد الـعـرنـان مـرســوم بـكـتـاب *** لمتـعـب ولـــد هـــادي قـــال يـهــدي لـــه
حــرٍ يـنـول مــن الـجـزيـلات مـــا طـــاب *** صــيـــده سـمــيــن ولايـصــيــد الـهـزيـلــه
مــــدحٍ مــهــو نــفــاق ولا قــيــل كـــــذاب *** مبـطـي لـهـم بالطـيـب قـبـل ألتـجـي لــه
ولا قالوا إن الطيب من السوق ينجاب *** كـــلٍ لـــه أصـلــه مـاشــيٍ ويـحـكـي لــــه
سـتـرتـنــا عــنـــد الــقــرايــب والاجـــنـــاب *** وزوحـــــت عــنـــي يـالـسـنـافـي مـلـيــلــه
شعر / محمد بن عرنان
فإن أردت أن تقول هذه هي المشيخة فنعم هي تلك لا من يتعيش على أرسامٍ إِعتلتها القبور وأجسامٍ أبلاها التّراب وأكلها الدّود، ولا همّ لبعضهم إلا أن يقتطع من لحمه ويرمي ولكأنه إن رأى بني عمومته أصبح كالوحش المسعور الذي لا ترى منه إلا ما هو نتن، ولا يصبح جاسراً ولا كاسراً إلا على رحمه وبني عمومته الأقربون أمّا عند غيرهم فإنه يصبح كالتّابع السَّليب الذَّليل، وإن أردت أن تقول هذا هو فعل إبن العم الكريم فهو والله لكذلك ، وإن أردت أن تقول أنّها الحميّة الإسلاميّة العربيّة الصّادقة فهي بيت القصيد لكل ما حدث وورد في قصتنا هذه ومع هؤلاء الكرام الذين جسدوا لنا أعظم وأروع مثال لما تعنيه ..
فأصحاب قصتنا هذه ضربوا لنا أروع مثال بكل ما تتحلى به الأخلاق الإسلاميّة العربيّة الشّريفة، فكم وكم نفتقد لمثل هذا الإنموذج في عصرنا هذا ، وكم هُم الذين يَعتلون أعلى المناصب ولا يُراعون في بني عمومتهم إلاً ولا ذمة حتى أن بعضهم إن أتته قضيةٌ لإبن عمٍ له أخذ بتعقيدها وتجريم وتجريح إبن عمه عند القاصي والداني ، ناهيك عن بعض المشائخ الذين يسلبون بني عمومتهم أموالهم ولكأنهم مُلك أيمانهم ، لمجرد منحهم ورقةً صغيرة وختم وهبهم إياه الله ثم أبناء عبدالعزيز لتسيير أمور خلق الله لا للتعالي عليهم وتعقيد شئونهم وقضاياهم ..
ولكننا نعلم جيداً أيها الأحبة الكرام ، أنهم لم ولن تنفعهم رتبهم ولا مناصبهم التي يتقلدونها ولا أولئك الشيوخ الذين ورثوا مشيختهم عن آبائهم وأجدادهم وهم ليسوا لها بأهل ولا بكفؤ ولا لحمل أمانتها بجديرون، مالم يتحلّوا بالخُلق الإسلامي والعربي الأصيل الذي أوصى به نبي الرحمة المهداه صلوات الله وسلامه عليه ، ويشدّد على إتباعها ولاة أمرنا أعزهم الله وقد أبرؤوا الذمة ، وعلى رأسهم إمام المسلمين وخادم الحرمين الشريفين - أعزه الله وأيده بنصره - وإخوانه البررة حفظهم الله ، فمثل هذه الأمور لا تخل بوطنية المواطن الشريف بل تزيده عند الله ومن ثم عند ولاة الأمر وعند خلق الله وتفرحهم أجمعين .
وتقبّلوا كل الشكر والتقدير مرةً أخرى وحتى ترضون ..
وكونوا دائماً وأبداً برعاية الله عز وجل وحفظه أينما كنتم ..