المجــــــــ نفاق وكذب أم مداراة بأدب ـــــــاملة
التعريف
في لسان العرب : والمُجاملة المُعاملة بالجَمِيل ، الفراء : المُجَامِل الذي يقدر على جوابك فيتركه إِبقاءً على مَوَدَّتك ، والمُجَامِل الذي لا يقدر على جوابك فيتركه ويَحْقد عليك إِلى وقت مّا ؛ وجامَل الرجلَ مُجامَلة : لم يُصْفِه الإِخاءَ وماسَحَه بالجَمِيل ، والمجاملة في اللغة هي من جَمل : وهيالملاطفة في أدب الكلام والمعاشرة ، وقيل : المجاملة هي التسليك للأشخاص وإرضائهم بكلام معاكس لما في عقلك وقلبكلكي لا تجرحهم، وقيل هي أسلوب يلجأله بعض الناس لكسب القلوب 0
أنواعه المجاملة
المجاملة من وجهة نظري تنقسم إلى قسمين هما :
1- مجاملة حسنة : وهي التي لا يكون فيها كذب ، ولا نفاق ، ولا أكل ، أو هضم ، أو ظلم لأحد ، والأهم أن لا تكون مسيئة للدين 0
2- مجاملة سيئة : وهي التي لا تخلو من الكذب أو النفاق أو ظلم الآخرين ، ولا تخلوا من التزلف لذوي الجاه والمكانة والمناصب رغبة في مكاسب دنيوية حتى لو كانت على حساب الدين أو الأخلاق أو أي أمر طيب 0
الفرق بين المجاملة والمداراة
هما بمعنى واحد ، قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم : وأما المداراة : فهي المداجاة والملاينة ، كما في مختار الصحاح ، وقال ابن الأثير في غريب الحديث : المداراة ملاينة الناس وحسن صحبتهم ، واحتمالهم لئلا ينفروا عنك ، وفي المصباح المنير للفيومي : داريته مداراة : لاطفته ولايَـنْـتُـه 000000 فالمحب يُجامل ويُداري محبوبه 0000 فالمجاملة والمدارة والمصانعة مطلوبة ، وقال أيضا : والمداراة : بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معاً وهي مباحة وربمااستحسنت ، ووردت فتوى تحمل الرقم ( 1173 ) صادرة عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات : والمُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) ، والمجاملة فيما لا ضرر فيه على الدين أو النفس أو الصحة تعتبر نوعاً من المداراة وهي مرغّب فيها ودليل حسن خلق الإنسان ، وفي موقع الإسلام سؤال وجواب : أما المُدَارِي( وهو المُجَامِلُ أيضا ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولافي باطن ، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحبالخلق السيئ ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل، ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة ، وذكرالعلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير، قال ابنبطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وقد أنشأ البخاريرحمه الله في صحيحه بابا بعنوان ( باب المداراة مع الناس ) ، وقد كتب أهل العلم فصولا في المداراة حتى أفرد ابنأبي الدنيا جزءً بعنوان مداراة الناس ، فذكر عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراةصدقة تُخرج فيما بينهم، وعن الحسن قال : التودد إلى الناسنصف العقل ، وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله أي أحمد بن حنبل يقول : والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ،وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه
الفرق بين المداراة والمداهنة
بينما فرق وهما متناقضتان ، ففي موقع الإسلام سؤال وجواب : قال الحافظ ابنحجر رحمه الله في فتح الباري : وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنةفغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة منالدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها : معاشرةالفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهلفي التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هوفيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك، وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم : الفرق بين المداهنة والمدارة : أن المُداهنة والإدْهان : المصانعة واللين ، وقيل : المداهنة إظهار خلاف ما يضمر ، والإدهان الغش ، ودهن الرجل إذا نافق ، كما يقول ابن منظور في لسان العرب ، وفي التوقيف على مهمات التعاريف : المداهنة أن ترى منكراً تقدر على دفعه فلم تدفعه ، حفظا لجانب مرتكبه ، أو لقلة مبالاة بالدين ، وأما المداراة : فهي المداجاة والملاينة ، كما في مختار الصحاح ، وقال ابن الأثير في غريب الحديث : المداراة ملاينة الناس وحسن صحبتهم ، واحتمالهم لئلا ينفروا عنك ، وفي المصباح المنير للفيومي : داريته مداراة : لاطفته ولايَـنْـتُـه ، فالأول وهو المداهنة تكون مع عدم طيب النفس ، ويكون مع عدم المحبة ، وقد تكون المداهنة في أمر مُحرّم ، بل قد يكون في الكفر عياذاً بالله ، ولذا قال عز وجل ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) ، قال ابن عباس فيها : ودوا لو تكفر فيكفرون ، قال ابن العربي في أحكام القرآن : وحقيقة الإدهان ؛ إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة ، فإن كانت المقاربة باللين فهي مداهنة ، وإن كانت مع سلامة الدين فهي مداراة ، أي مدافعة ، قال ابن زيد في قوله تعالى ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) قال : الركون الإدهان ، وقال عليه الصلاة والسلام : مثل الْمُدهِنِ في حدود الله والواقع فيها ، مثل قوم استهموا سفينة ، فصار بعضهم في أسفلها ، وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمرّون بالماء على الذين في أعلاها ، فتأذّوا به ، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم . رواه البخاري ، والرواية الأخرى عند البخاري : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، فالمحب يُجامل ويُداري محبوبه ، والمُبغِض يُنافق مبغوضه 0
الفرق بين المجاملة والنفاق والكذب
وردت فتوى تحمل الرقم ( 1173 ) صادرة عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات :النفاق أكبر وأصغر ، وهو محرم بنوعيه لما فيه من الشر والإضرار بالناس وخداعهم ، والمجاملة مداراة الناس والرفق بهم ، ولا حرج فيها إلا إذا ترتب عليها إقرار على معصية أو معاونة عليها ، وأن الفرق بين النفاق والمجاملة أن الأول نابع عن خوف وجبن والثاني نابع من تحقيق مصلحة دينية راجحة ، لا من خوف وجبن 0
حــــكم المجاملة
المجاملة من سمات الخلق الرفيع ، طالما بقيت في الحدود التي لا يترتب عليها إضرار بمصلحة العمل أو حقوق الآخرين ، وأسلوب وذوق طالما لا يترتب عليها أي مشاكل أو كذب فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله : إن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمالولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا أعلم حرجا في ذلك ، وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم : ومِن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه رجل قال : ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام . قالت عائشة رضي الله عنها : قلت : يا رسول الله قلتَ الذي قلت ، ثم ألنت له الكلام ، قال : أي عائشة إن شرّ الناس من تركه الناس - أو ودعه الناس - اتقاء فحشه - رواه البخاري ومسلم ، وكان مِن مُداراة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يواجه الناس بما يكرهون ، وإذا غضب عُرِف ذلك في وجهه ، ووردت فتوى تحمل الرقم ( 1173 ) صادرة عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات : المجاملة هي معاملة الناس بما يرضيهم ويحمد عندهم في العرف ، والمُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) لا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن ، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل ، والمجاملة فيما لا ضرر فيه على الدين أو النفس أو الصحة تعتبر نوعاً من المداراة وهي مرغّب فيها ودليل حسن خلق الإنسان ، خاصة من تولى للناس ولاية مثل المديرين والمسؤولين وغيرهم ، وكل عمل يتعلق بالجمهور فلا بد لصاحبه من أخلاقيات معينة تسمى في العصر الحديث بأخلاق المهنة ، ومنها هذه المجاملة التي لا تحوي مفسدة في الدين أو الأخلاق ، قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله : قال ابن بطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة ، قال أحمد بن حنبل : والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه ، واعلم أخي: أن المجاملة لا حرج فيها إلا إذا ترتبت عليها معصية كإقرار على معصية أو مشاركة فيها فتحرم حينئذ ، أما المجاملة على حساب الدين مرفوضة تماماً ، ومنهي عنها شرعاً ، ويدل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ) رواه الترمذي 0
كتبه
محمد فنخور العبدلي