قال العلامة ابن خلدون رحمه الله:
(إن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، و كان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص). مقدمة ابن خلدون.
لدينا عدة أخبار تتحدث عن نشأة بريدة، أهمها هي الأخبار التالية:
1- قال الرحالة داوتي: (أُسست بريدة قبل ثلاثة أو أربعة قرون).
Boreyda was founded three to four centuries ago. Travels in Arabia Deserta.
ومعرفة تاريخ رحلته التي زار بريدة خلالها يعني قوله بتأسيس بريدة في القرن العاشر الهجري، أو قبله بقليل.
2- قال ابن عيسى : (آل أبي عليان من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم خرجوا من بلد ثرمداء في الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة، وسكنوا ضرية ورئيسهم إذ ذاك راشد الدريبي، وكانت بريدة إذ ذاك ماء لآل هذال المعروفين من شيوخ عنزة، فاشتراها منهم راشد المذكور وعمرها وسكنها هو ومن معه من عشيرته وذلك في سنة 985 تقريباً، وراشد المذكور هو جد حمود بن عبدالله بن راشد الدريبي، الذي فتك في عشيرته آل عليان، وقتل منهم ثمانية رجال في مسجد بريدة، وذلك سنة 1155هـ كما هو معروف في تواريخ نجد، وحمود هذا هو أبو راشد بن حمود ابن عبدالله بن راشد) عقد الدرر. (ضمن حوادث سنة 1292).
3- قال القاضي: (أول نشأة بريدة عام 948 وكانت مورداً لآل هذال فاشتراها راشد الدريبي من آل عليان وقام بعمارتها فسكنها) تاريخ نجد.
4- قال مقبل الذكير: (أمراء (بريدة) آل أبي عليان، وهم الذين أسسوها، فإن جدهم راشد الدريبي اشترى موضعها من آل هذال شيوخ عنزة، وكانت في ملكهم، ثم عمرها سنة 985 هـ) مخطوطة مطالع السعود في تاريخ نجد وآل سعود. (نقلاً عن معجم بلاد القصيم للعبودي، وهذا النص غير موجود في مطالع السعود المطبوع ضمن الخزانة النجدية، وقد ذكر في مطالع السعود المطبوع: (وفي سنة 958 هـ: أسست بلد بريدة).
5- قال ابن بليهد عن بريدة: (الذي اكتشفها الدريبي من أهل ثرمدا من العناقر، إكتشفها في النصف الأخير من القرن العاشر تقريباً ) صحيح الأخبار.
وقال أيضاً: (لم تُبعث إلا بين القرنين القرن التاسع والقرن العاشر) صحيح الأخبار.
وأشمل هذه الأخبار، وأكثرها قابلية للنظر والتمحيص هو خبر ابن عيسى.
فلننظر في هذا الخبر ولنمحِّصه، مع ربطه ببقية الأخبار وعدم إهمالها.
أ- قال ابن عيسى: (آل أبي عليان من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم خرجوا من بلد ثرمداء في الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة، وسكنوا ضرية) عقد الدرر.
وقال ابن بليهد : (الدريبي من أهل ثرمدا من العناقر) صحيح الأخبار.
قلت: آل أبي عليان من العناقر، وثرمداء ومرات وضرية هي بلدان نشأت قبل بريدة، فلن نطيل في الكلام عن هذه الجزئيات من الخبر.
ويهمنا هنا:
التحقق من صحة القول بوقوع حروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة، ومعرفة زمن هذه الحروب - إن كانت قد حدثت فعلاً -
المطالع للتواريخ النجدية يجد عدة حوادث عن العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات، ومن هذه الحوادث:
الحادثة الأولى
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1084: (وفيها شاخ راشد بن ابراهيم في مرأة) تاريخ ابن ربيعة.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1084: (وفيها تولى راشد بن ابراهيم في مراة، وأظهر ذباح) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون. (جمع وتقديم وتحقيق وتعليق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون. وجملة: (وأظهر ذباح) لم ترد في تاريخ ابن لعبون المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1084: (وفيها تولى راشد بن ابراهيم في بلد مرات القرية المعروفة في ناحية الوشم) السوابق.
الحادثة الثانية
قال ابن عباد في حوادث سنة 1095: (قتل راشد بن إبراهيم العناقر، وشاخ عبيكة) تاريخ ابن عباد.
وهي عند ابن لعبون في حوادث سنة 1093: (وفيها قتل راشد بن ابراهيم راعي مرات، وتولى عبيكة بن جارالله) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون.
وعند الفاخري في حوادث سنة 1093: (وفيها قتل راشد بن ابراهيم صاحب مرات وتولى فيها عبيكة بن جارالله) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1093: (وفيها قتل راشد بن ابراهيم صاحب مرات القرية المعروفة في ناحية الوشم، وتولى فيها عبيكة بن جارالله) السوابق.
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1093: (وفيها قتل راشد ابن ابراهيم رئيس بلد مرات من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، وتولى في بلد مرات عبيكة بن جارالله من العناقر) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
الحادثة الثالثة
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1096: (قتل عبيكة بن جارالله) تاريخ ابن ربيعة.
وهي عند ابن عباد في حوادث سنة 1098: (عبيكة بن جارالله قتل في ثرمداء) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1096: (وفيها قتل عبيكة بن جارالله) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون.
وعند الفاخري في حوادث سنة 1096: (وقتل فيها عبيكة بن جارالله، رئيس بلدة ثرمدا) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1096: (وفيها قتل عبيكة بن جارالله صاحب مرات) السوابق.
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1096: (وفي هذه السنة قتل عبيكة بن جارالله العنقري رئيس بلد مرات) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
ملاحظات
- وصف عبيكة تارة بـ(رئيس بلدة ثرمدا) وتارة بـ(صاحب مرات) أو (رئيس بلد مرات).
- مقتل عبيكة في ثرمداء.
- عدم تسمية من خلفه في الرئاسة، سواء في مرات أو في ثرمداء - إن صح القول برئاسته على ثرمداء -.
وتذكر التواريخ النجدية أن رئيس ثرمداء في سنتي 1082 تقريباً و 1100 هو: عبدالله بن ابراهيم بن خنيفر العنقري. وأنه قد توفي سنة 1100 وخلفه أخوه ريمان.
فهل اتصلت رئاسة عبدالله لثرمداء بين هاتين السنتين أم انقطعت برئاسة عبيكة ؟
ولم أر - فيما اطلعت عليه - ذكراً لأي رئيس بعد عبيكة على مرات حتى سنة 1115.
فهل بقيت مرات بعد عبيكة بلا رئيس حتى 1115 ؟
وعلى كل حال، فالحوادث الثلاث - عند النظر إليها في سياقها التاريخي - قاطعة الدلالة على حدوث حروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة.
الحادثة الرابعة
قال ابن عباد في حوادث سنة 1115: (ملك ابراهيم بن جارالله مرأة) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1115: (وفيها رجع ابن جارالله لمرات) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1115: (ملك ابراهيم بن جارالله بلد مرات المعروفة في الوشم) السوابق.
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1115: (استولى ابراهيم بن جارالله العنقري على بلد مرات) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
الحادثة الخامسة
قال المنقور في حوادث سنة 1116: (قتل ريمان، وشاخوا آل ناصر في ثرمدا) تاريخ المنقور.
وهي عند ابن عباد في حوادث سنة 1115: (قتل في آخرها ريمان) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1116: (قتل ريمان بن ابراهيم بن خنيفر راعي ثرمدا. وشاخوا آل ناصر فيها. وابن رصيع في مراة) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون (جمع وتقديم وتحقيق وتعليق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون).
وعند الفاخري في حوادث سنة 1116: (قتل ريمان بن إبراهيم بن خنيفر العنقري راعي ثرمدا، وملكها آل ناصر) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1116: (وفيها قتل ريمان بن إبراهيم بن خنيفر رئيس بلد ثرمدا وملكوها آل ناصر) السوابق.
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1116: (وفيها قتل ريمان بن إبراهيم بن خنيفر العنقري رئيس بلد ثرمدا، قتلوه آل ناصر بن إبراهيم بن خنيفر العنقري، واستولوا على ثرمدا) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
الحادثة السادسة
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1121: (قتل عياف وراشد العناقر، وظهر جارالله من مراة، وشاخ فيها مانع بن ذباح) تاريخ ابن ربيعة.
وهي عند ابن عباد في حوادث سنة 1122: (قتل عياف، وربط من معه من أهل مرأة، وشاخ ذباح في مرأة) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1121: (وفيها قتل عياف وراشد العناقر. وظهر ابن جارالله من مرات، وتولى مانع بن ذباح فيها) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون (جمع وتقديم وتحقيق وتعليق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون).
وعند الفاخري في حوادث سنة 1121: (وفيها ظهر إبراهيم بن جارالله العنقري من بلد مرات وتولى فيها مانع بن ذباح) تاريخ الفاخري.
وعنده في حوادث سنة 1122: (وفيها قتل عياف وربع معه من أهل مرات) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1121: (وفيها خرج جارالله من مرات البلد المعروف، وتولى فيها مانع بن ذباح) السوابق (تحقيق عبدالله المنيف، و (جار) سقطت من طبعة الدارة).
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1121: (ظهر إبراهيم بن جارالله العنقري، رئيس بلد مرات منها، واستولى عليها مانع بن ذباح العنقري) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
الحادثة السابعة
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1124: (ذبحة آل ناصر، وملك جارالله مراة ثانياً) تاريخ ابن ربيعة.
وهي عند ابن عباد في حوادث سنة 1125: (ذبحوا أهل ثرمدا أهل مرأة يوم الظهيرة وتولى ابن جارالله في مرأة، وقتل مهنا بن بشر) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1124: (وفيها مقتل آل ناصر، وملك ابن جارالله لمراة ثانيا) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون (جمع وتقديم وتحقيق وتعليق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون).
وعند الفاخري في حوادث سنة 1124: (وفيها وقعة الظهيرة بين آل ناصر العناقر وأهل مرات) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1124: (وفيها مقتلة جرت بين آل ناصر العناقر وبين أهل مرات وتسمى وقعة الظهيرة، وملك ابن جارالله مرات ثانية وقتل مهنا بن بشر) السوابق.
ملاحظات
ذكر في الحادثتين: السادسة والسابعة، جارالله تارة، وابن جارالله أخرى، ويمكن أن يستنتج من ذلك أحد ثلاثة أمور:
- خطأ ذكر جارالله كرئيس في الحادثة السابعة، ويكون المقصود هو ابنه. أو
- مشاركة جارالله لابنه إبراهيم في رئاسة مرات. أو
- خطأ ذكر ابراهيم بن جارالله كرئيس في الحوادث الثلاث: الرابعة والسادسة والسابعة، ويكون المقصود هو أبوه.
وتذكر بعض التواريخ النجدية أن رئيس مرات سنة 1116 هو: ابن رصيع.
فمن هو ابن رصيع ؟ وكيف صار رئيساً ؟ وكيف انتهت رئاسته ؟ ومتى ؟
وعلى كل حال، فالحوادث السابقة - عند النظر إليها في سياقها التاريخي - قاطعة الدلالة على حدوث حروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة.
الحادثة الثامنة
قال ابن عباد في حوادث سنة 1136: (قتل إبراهيم بن جارالله، وقتل ذباح وسلطان وأخوه وولده) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن يوسف في حوادث سنة 1136: (في ربيع الأول، قتلة سلطان ابن ذباح وولده وأخيه وبن جارالله، قتلهم إبراهيم بن سليمان) تاريخ ابن يوسف.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1136: (وفيها في ربيع الأول قتل ابراهيم بن سليمان صلطان بن ذباح وابن أخيه وولده وأخاه وابن جارالله) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون.
وعند الفاخري في حوادث سنة 1136: (في ربيع الأول قتل سلطان بن ذباح وولده وأخوه ابن ابراهيم ابن جارالله رئيس بلد مرات؛ وهم من رؤساء العناقر، قتلهم ابراهيم بن سليمان بن ناصر بن خنيفر العنقري) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1136: (قتل آل ذباح سلطان وأخاه وقتلهم ابراهيم بن سليمان صاحب ثرمداء) السوابق.
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1136: (وفيها في ربيع الأول قتل سلطان بن ذباح هو وولده وأخوه وابراهيم بن جارالله، رئيس بلد مرات، وهم من رؤساء العناقر، قتلهم ابراهيم ابن سليمان بن ناصر بن ابراهيم بن بن خنيفر العنقري، رئيس بلد ثرمدا) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
الحادثة التاسعة
عند ابن يوسف في حوادث سنة 1151: (قتل إبراهيم ابن سليمان عيال بداح) تاريخ ابن يوسف.
وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1151: (قتل إبراهيم بن سليمان أولاد بداح) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون.
عند ابن بشر في حوادث سنة 1151: (وفيها قتل إبراهيم بن سليمان العنقري أولاد بداح) السوابق.
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1151: (قتل ابراهيم بن سليمان العنقري رئيس بلد ثرمدا عيال بداح العنقري في ثرمدا) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
النتيجة
القول بوقوع حروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة هو قول صحيح قطعاً، وهذه الحروب قد وقعت بين سنتي 1095 و 1137 على سبيل القطع
يتبع - إن شاء الله -
-2-
قلنا سابقاً:
(القول بوقوع حروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة هو قول صحيح قطعاً، وهذه الحروب قد وقعت بين سنتي 1095 و 1137 على سبيل القطع).
والقطع بهذا الأمر لا يعني بالضرورة القطع بتخطئة القول بوقوع حروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة بين 1083 و 1096 وكذلك بين 1136 و 1152.
لكن قول ابن شمسي: (حكم بريدة كان في آل أبي عليان منذ أيام راشد الدريبي آخر القرن العاشر) يلزم منه أحد أمرين لا مفر له من القول بأحدهما:
- وقوع حروب بن العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة في القرن العاشر. وهو قول يحتاج إلى دليل صحيح لإثباته. أو
- تخطئة قول ابن عيسى بخروج آل أبي عليان من بلد ثرمداء في الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة.
وكلا القولين خطأ قطعاً !!.
يتبع - إن شاء الله -
-3-
قال البقاعي رحمه الله:
(القاعدة التي سمعت شيخ الإسلام بن حجر ينقلها عن قاضي القضاة ولي الدين عبدالرحمن بن خلدون، وهي أنا إذا شككنا في نسب، حسبنا كم بين من في أوله ومن في آخره من السنين، جعلنا لكل مائة سنة ثلاثة أنفس، فإنها مطّردة عادة، وإن أخرمت فبالزيادة. قال شيخ الإسلام بن حجر: ولقد اعتبرنا بها أنساب كثير ممن أنسابهم معروفة فصحّت، وأنساب كثير ممن يتكلم في أنسابهم فانخرمت). نظم العقيان في أعيان الأعيان للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي.
وقال العلامة ابن خلدون:
(كذلك تأخذ عدد السنين من عددهم إذا كان محصّلاً لديك، فتأمله تجده في الغالب صحيحاً) مقدمة ابن خلدون. (راجع شرحاً علمياً رصيناً لهذه القاعدة في (دليل إنشاء وتحقيق سلاسل الأنساب)).
ب- قال ابن عيسى: (آل أبي عليان من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم خرجوا من بلد ثرمداء في الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة، وسكنوا ضرية ورئيسهم إذ ذاك راشد الدريبي، وكانت بريدة إذ ذاك ماء لآل هذال المعروفين من شيوخ عنزة، فاشتراها منهم راشد المذكور وعمرها وسكنها هو ومن معه من عشيرته) عقد الدرر (ضمن حوادث سنة 1292).
وقال القاضي: (وكانت مورداً لآل هذال فاشتراها راشد الدريبي من آل عليان وقام بعمارتها فسكنها) تاريخ نجد.
وقال مقبل الذكير: (أمراء (بريدة) آل أبي عليان، وهم الذين أسسوها، فإن جدهم راشد الدريبي اشترى موضعها من آل هذال شيوخ عنزة، وكانت في ملكهم، ثم عمرها) مخطوطة مطالع السعود في تاريخ نجد وآل سعود. (نقلاً عن معجم بلاد القصيم للعبودي، وهذا النص غير موجود في مطالع السعود المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
قلت:
- وصف ابن عيسى راشداً الدريبي بالرئيس في تلك الفترة.
- قال الثلاثة إن راشداً الدريبي اشترى بريدة من آل هذال، مما يستلزم معاصرته لهم.
- كانت هذه المعاصرة في فترة الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة.
ويهمنا هنا:
التحقق من صحة القول بإمكانية(1) رئاسة راشد الدريبي (الجد) على قومه مع معاصرته للشيوخ: آل هذال زمن الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة
أسر الإمارة والمشيخة تُعرَف سلاسل أنسابها - عادة - بشكل دقيق، وشيخ الشيوخ: هذال بن عدينان (جد أسرة آل هذال شيوخ عنزة) هو جد (راعي الحصان) الشيخ: جديع بن منديل بن هذال. (راجع: شجرة أسرة الهذال http://www.rofof.com/img2/3druzp4.jpg).
وكان عموم مشيخة الشيخ: هذال بن عدينان سنة 1111.
وقد عاصر الشيخ: جديع بن هذال الأمير: راشد بن حمود بن عبدالله بن راشد الدريبي
قال ابن بشر في حوادث سنة 1189: (فبعث أمير البلد راشد الدريبي إلى جديع بن هذال يستنجده) عنوان المجد في تاريخ نجد. (راجع سلسلة نسب راشد في عقد الدرر (ضمن حوادث سنة 1292)).
وراشد الدريبي (الجد) ذكره ابن عيسى فقال: (وراشد المذكور هو جد حمود بن عبدالله بن راشد الدريبي، الذي فتك في عشيرته آل عليان، وقتل منهم ثمانية رجال في مسجد بريدة، وذلك سنة 1155هـ كما هو معروف في تواريخ نجد) عقد الدرر (ضمن حوادث سنة 1292).
قلت: الحادثة معروفة في تواريخ نجد، ولكن المعروف هو وقوعها قبل 1155 بسنتين أو أربع سنوات.
قال ابن يوسف في حوادث سنة 1153: (قتل حمود الدريبي رفاقته، آل ابن عليان، قتل منهم ثمانية) تاريخ ابن يوسف.
وهي عند ابن لعبون في حوادث سنة 1151: (وفيها قتل حمود الدريبي رفاقته آل عليان، قتل منهم ثمانية) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون (جمع وتقديم وتحقيق وتعليق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون. والخبر غير موجود في تاريخ ابن لعبون المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1151: (وفيها قتل حمود الدريبي رفاقته آل ابن عليان في بريدة قتل منهم ثمانية رجال) السوابق.
وعند ابن عيسى نفسه في حوادث سنة 1153: (قتل حمود الدريبي رئيس بريدة بني عمه آل حسن، في مسجد بريدة، قتل منهم ثمانية رجال) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
النتيجة
القول بإمكانية رئاسة راشد الدريبي (الجد) على قومه، مع معاصرته للشيوخ: آل هذال زمن الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة هو قول صحيح قطعاً
يتبع - إن شاء الله -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ليس المراد بالإمكان هنا مجرد الإمكان العقلي المطلق؛ فبابه واسع للغاية، بل المقصود هو الإمكان العادي المتّسق مع النواميس الطبيعية، وأحوال الناس وعوائدهم في نجد في ذلك الزمن. (راجع مقدمة ابن خلدون).
-4-
قلنا سابقاً:
(القول بإمكانية رئاسة راشد الدريبي (الجد) على قومه، مع معاصرته للشيوخ: آل هذال زمن الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة هو قول صحيح قطعاً).
والقطع بهذا الأمر لا يعني بالضرورة القطع بتخطئة القول بأن راشداً الدريبي (الجد) هو من جيل والد الشيخ: هذال بن عدينان.
لكن قول ابن شمسي: (حكم بريدة كان في آل أبي عليان منذ أيام راشد الدريبي آخر القرن العاشر)، يستلزم أحد أربعة أمور، لا مفر له من القول بأحدها:
- وجود نقص في السلسلة التي أوردها ابن عيسى ما بين: حمود بن عبدالله الدريبي، وراشد الدريبي (الجد)، وقدوم راشد إلى بريدة رئيساً على قومه. أو
- وجود نقص في السلسلة التي أوردها ابن عيسى ما بين: حمود بن عبدالله الدريبي، وراشد الدريبي (الجد)، و(وصول) راشد إلى بريدة دون رئاسته على قومه - حين (وصوله) -. أو
- شذوذ هذه السلسلة عن القاعدة الخلدونية، وقدوم راشد إلى بريدة رئيساً على قومه. أو
- شذوذ هذه السلسلة عن القاعدة الخلدونية، و(وصول) راشد إلى بريدة دون رئاسته على قومه - حين (وصوله) -.
والأقوال الأربعة لا دليل عليها، وهي خطأ قطعاً !!.
ويبدو لي - وأرجو أن أكون مخطئاً - إن ابن شمسي قد أجهد نفسه فركب الصعب والذلول لـ(إيصال !) راشد الدريبي إلى بريدة قبل آل هذال. فلا بد - عنده - من (وصول !) راشد الدريبي إلى بريدة قبل انصرام القرن العاشر، ولو بـ(أيّام !) مهما كان الثمن !!.
(وصول !) وكفى !!.
يتبع - إن شاء الله -
فائدة
قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {من بعثنا من مرقدنا} (يس: 52) :
(قال أبي بن كعب، ومجاهد، والحسن، وقتادة: ينامون نومة قبل البعث. قال قتادة: وذلك بين النفختين. فلذلك يقولون: {من بعثنا من مرقدنا}) تفسير القرآن العظيم. (وللمزيد، راجع تفاسير أهل السنة للآية، وكذلك: (الزمر: 68)).
والله أعلم.
-5-
قال العلامة ابن خلدون:
(الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط) مقدمة ابن خلدون.
جـ - مر بنا في الأخبار السابقة ذكر آل هذال وآل أبي عليان وبريدة في فترة الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة، وذكرهم جميعاً أو بعضهم في القرن العاشر، بل ربما تأسيس بريدة قبل القرن العاشر.
فلو استثنينا الأخبار السابقة، فإن:
أول ذكر لابن هذال في التواريخ النجدية
قال ابن بشر في حوادث سنة 1172: (طلبوا من عريعر لهم مدداً، فأمدهم بآل عبيدالله من بني خالد وفرقاناً من عربان عنزة مع ابن هذال) عنوان المجد في تاريخ نجد.
وأول ذكر لشخصية من آل أبي عليان في التواريخ النجدية
قال الذكير في حوادث سنة 1117: (في هذه السنة مات مقرن الحجيلاني، وهو من آل أبي عليان أمراء بريدة) مطالع السعود (المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
وأول ذكر لبريدة في التواريخ النجدية
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1109: (فكوا آل أبي غنام وآل أبي بكر منزلتهم من فوزان بن حميدان، وأظهروه من عنيزة سنة فضية بريدة وبوقته فيهم) تاريخ ابن ربيعة.
وعند ابن عباد في حوادث سنة 1110: (طلع فوزان راعي عنيزة) تاريخ ابن عباد.
وهي عند ابن لعبون في حوادث سنة 1107: (وفيها استنقذوا آل أبو غنام وآل بكر منزلتهم من فوزان بن حميدان وأظهروه من عنيزة بعد فضيته بريدة وغدره فيهم) تاريخ حمد بن محمد بن لعبون. (جمع وتقديم وتحقيق وتعليق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون. وجملة: (وآل بكر) لم ترد في تاريخ ابن لعبون المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
وعند الفاخري في حوادث سنة 1107: (وفيها استنقذ آل أبي غنام وآل بكر منزلتهم من فوزان بن حمد ابن حسن الملقب ابن معمر من آل فضل آل جراح من أهل عنيزة وأظهروه من عنيزة بعد فضيته بريدة وغدره فيهم) تاريخ الفاخري.
وعند ابن بشر في حوادث سنة 1107: (وفيها استنقذ آل أبوغنام وآل أبو منزلتهم من فوزان بن حمد، وأظهروه من عنيزة بعد وقعة بريدة وغدره فيهم) السوابق (تحقيق عبدالله المنيف).
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1109: (وفيها فضى فوزان بن حميدان أمير عنيزة بلدة بريدة) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
وفي حوادث سنة 1110: (سطوا آل أبو غنام والبكر على فوزان بن حميدان بن حسن الملقب بابن معمر من آل فضل آل جراح أهل عنيزة، سطوا عليه في المليحة، واستنقذوا منه منزلتهم، وأخرجوه من بلدة عنيزة بعد وقعة بريدة وغدره فيهم، ورأيت في بعض التواريخ أن ذلك كان سنة ألف ومائة وسبع) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
وبعد الحادثتين السابقتين لم أقف على أي خبر لفوزان المذكور، حتى:
إستيلاء الجبور على عنيزة
قال ابن عيسى في حوادث سنة 1115: (قتل أمير عنيزة فوزان بن حميدان بن حسن، الملقب ابن معمر من آل فضل آل جراح أهل عنيزة، وذلك في آخر يوم من جمادى الآخر من السنة المذكورة، واستولوا آل جناح على عنيزة كلها، وآل جبور خوالد) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
وعند الذكير في حوادث سنة 1115: (في هذه السنة حصل خلاف بين فوزان وبين الجبور، أدى إلى قتال قتل فيه الأمير فوزان بن حميدان، واستولى الجبور على عنيزة كلها بأقسامها وتوحدت إمارتها) مطالع السعود (المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
ويهمنا هنا:
التحقق من صحة القول بإمكانية عمارة بريدة زمن الحروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة
عمارة البلدان النجدية
إذا قيل في التواريخ النجدية(2) : في سنة كذا عمر بلد كذا وكذا، أو شيئاً من هذا القبيل، فلا يعني ذلك بالضرورة أن هذا البلد قد عمر لأول مرة في تلك السنة، بل يمكن أن يكون:
- قد عمر لأول مرة في تلك السنة. أو
- قد عمر قبل تلك السنة، وبقي عامراً حتى جدد عمرانه في السنة المذكورة. أو
- قد عمر قبل تلك السنة، ثم تعطل، ثم جاء من جدد عمرانه في السنة المذكورة.
النتيجة
القول بإمكانية عمارة بريدة زمن الحروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة هو قول صحيح قطعاً
يتبع - إن شاء الله -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) كلامي هو عن المجموع وليس عن الجميع.
فائدة
قال مقبل الذكير في سياق حديثه عن عمارة أحد بلدان نجد:
(لا أعلم هل هذا أول عمرانه أو أنه قد أسس قبل ذلك وخرب، أو أن هذا تحديد لعمرانه الأخير كما هي الحال في أكثر قرى نجد، فإنها تعمر وتسكن ثم يرتحل أهلها ويتركوها لسبب من الأسباب، ثم يأتي بعدهم من يسكنها ويجدد عمرانها) مطالع السعود (المطبوع ضمن الخزانة النجدية، حوادث سنة 1079).
وقد نقل عنه الشيخ ابن خميس النص المذكور أعلاه كالتالي:
(لا أعلم هل هذا أول عمرانه أو أنه قد أسس قبل ذلك وخرب، وأن هذا تجديد لعمرانه الأخير كما هي الحال في أكثر قرى نجد، فإنه عمر وسكن ثم أرتحل أهلها وتركوها لسبب من الأسباب، ثم يأتي بعدهم من يسكنها ويجدد عمرانها) تاريخ اليمامة.
فائدة
ذكر في الحوادث السابقة: (فضية بريدة)، وقيل في بعضها: (وقعة بريدة)، وهذا القول - مع كونه تعريفاً بالأعم - هو قول صحيح بلا شك.
وقد قال مقبل الذكير في حوادث سنة 1110: (لم نقف على تفصيل وقعة بريدة التي أشار إليها ابن بشر) مطالع السعود (المطبوع ضمن الخزانة النجدية).
لكن ما معنى كلمة: (فضية) وما شابهها عند مؤرخي نجد ؟
مع تأكيدي على أن لكل حادثة خاصية - أو عدة خصائص - تفارق بها غيرها من الحوادث، وعدم وقوفي على تفاصيل (فضية بريدة)؛ فقد بحثت في التاريخ النجدي عن أشباهها، فخرجت بالحصيلة التالية من الحوادث:
الحادثة الأولى
قال ابن يوسف في حوادث سنة 1058: (فضى رميزان الروضة) تاريخ ابن يوسف.
قال محقق تاريخ ابن يوسف، د. عويضة الجهني: (هكذا في الأصول، بالألف المقصورة، وهي من (فضّ) بمعنى: نثر وفتح، والمقصود هنا: إستولى على، ملك).
وقال: (من الفعل (فضّ)، أي فرق ونثر وفتح، وهو الاستيلاء على البلدة وأخذها عنوة في الحرب).
الحادثة الثانية
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1095: (فضوا أهل حريملاء القرينة) تاريخ ابن ربيعة.
قال محقق تاريخ ابن ربيعة، د. عبدالله الشبل: (فضا: يجوز أن يكون من فضّ الكتاب إذا فتحه - ومنه فضّ البكارة - وفضّ المرأة إذا افترعها، (القاموس باب الضاد، فصل الفاء)، وأياً كان الأصل اللغوي فالمعنى أن أهل حريملاء هاجموا القرينة واستباحوها).
الحادثة الثالثة
قال ابن عباد في حوادث سنة 1098: (أحمد بن زيد الشريف فضا العقيلية في عنيزة) تاريخ ابن عباد.
قال محقق تاريخ ابن عباد، د. عبدالله الشبل: (فضا: أي استباح العقيلية بعد أن هاجمها).
وعند ابن عيسى في حوادث سنة 1097: (ظهر الشريف أحمد بن زيد بن محسن إلى نجد، ونزل بلد عنيزة وفضى العقيلية وهدمها، وفعل بهم من القبح والفساد ما لا يعلمه إلا الله) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
الحادثة الرابعة
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1097: (فضا ابن معمر العمارية) تاريخ ابن ربيعة.
الحادثة الخامسة
قال ابن عباد في حوادث سنة 1100: (فضية عشيرة لا أدري في تمام المئة أو في الأولى بعدها) تاريخ ابن عباد.
قال محقق تاريخ ابن عباد، د. عبدالله الشبل: (فضية عشيرة: يعني استباحتها ونهبها، ويشير بهذا إلى محاصرة قبيلة عنزة لعشيرة ثم نهبها، كما يذكر ذلك المنقور وابن ربيعة).
الحادثة السادسة
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1123: (فضوا أهل حريملاء ملهم) تاريخ ابن ربيعة.
الحادثة السابعة
قال ابن ربيعة في حوادث سنة 1142: (فضا التويم بآل ظفير ونهبوه) تاريخ ابن ربيعة.
الحادثة الثامنة
قال ابن عباد في حوادث سنة 1168: (وفيها فضية أهل العارض لحريملاء) تاريخ ابن عباد.
وعند ابن يوسف في حوادث سنة 1168: (فضيت حريملا، يوم فضي المسلمين لها) تاريخ ابن يوسف.
قال محقق تاريخ ابن يوسف، د. عويضة الجهني: (فضيت: مبني للمجهول من الفعل (فضّ) بمعنى: فرق ونثر وفتح. وهو أخذ البلد عنوة في الحرب).
وقال: (من الفعل (فضّ)، أي فرق ونثر وفتح، وهو الاستيلاء على البلدة وأخذها عنوة في الحرب).
قلت: راجع (ف ض ا)، و (ف ض و) في معاجم اللغة، ثم راجع تفاصيل الحوادث السابقة في التواريخ النجدية يتضح لك معنى كلمة: (فضية) وما شابهها عند مؤرخي نجد أكثر وأكثر.
والله أعلم.
أسأل الله تعالى أن يتم علينا نعمة الأمن والإيمان.
إتفاق مستغرب !!
في لسان العرب: (الفضية: الماء المستنقِع).
وفيه: (نقع الماء في المسيل ونحوه ينقع نقوعاً واستنقع: إجتمع. واستنقع الماء في الغدير أي: اجتمع وثبت. ويقال: استنقع الماء إذا اجتمع في نهي أو غيره. وكذلك نقع ينقع نقوعاً).
وفيه كذلك: (قالَ الأزهري: والأنْقُعُ جمْعُ النقع، وهو كل ماءٍ مستنقِعٍ من عدٍّ أو غديرٍ يستنقِعُ فيه الماء).
وقد مر بنا سابقاً قول ابن عيسى : (كانت بريدة إذ ذاك ماء لآل هذال المعروفين من شيوخ عنزة) عقد الدرر.
وقول القاضي عن بريدة: (كانت مورداً لآل هذال) تاريخ نجد.
ولست أحتج بهذا الاتفاق.
والله أعلم.
-6-
[justify]قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(الصدق له دلائل مستلزمة له تدل على الصدق، والكذب له دلائل مستلزمة تدل على الكذب، ولا يجوز الحكم بصدق مخبر ولا بكذب مخبر إلا بدليل، وما لم يُعلم صدقه، ولا كذبه، ولا ثبوته، ولا انتفاؤه: فإنه يجب الإمساك عنه، ويقول القائل: هذا لم أعلمه، ولم يثبت عندي، ولا أجزم به، ولا أحكم به، ولا أستدل به، ولا احتج به، ولا أبني عليه مذهبي واعتقادي وعملي، ونحو ذلك. لا يقول: هذا أقطع بكذبه وانتفائه، وإن كنت أقطع أن من أثبته تكلم بلا علم، فالقطع بجهل مثبته، المعتقد له، غير القطع بانتفائه، فمن قطع فيه بلا دليل يوجب القطع قطعنا بجهله وضلاله وخطئه وإن لم يُقطع بانتفاء ما أثبته في نفس الأمر، كمن حكم بشهادة مجروح فاسق أمر الله بالتثبت في خبره، فمن حكم وقطع بخبره، من غير دليل يدل على صدقه، حكمنا بأن هذا متكلم حاكم بلا علم، وإن لم يُحكم بكذب الشاهد المخبر، لكن لا يجوز للإنسان أن ينفي علم غيره، وقطع غيره، من غير علم منه بالأسباب التي بها يعلم ويخبر، فإنه كثيرا ما يكون للإنسان دلائل كثيرة، تدل على صدق شخص معين، وثبوت أمر معين، وإن كان غيره لا يعرف شيئا من تلك الدلائل.
وهذا - أيضا - مما يغلط فيه كثير من الناس ينظرون في أنفسهم، ومبلغ علمهم، فإذا لم يجدوا عندهم ما يوجب العلم بذلك الامر، جعلوا غيرهم كذلك، من غير علم منهم بانتفاء أسباب العلم عند ذلك الغير، وقد يقيمون حججاً ضعيفة على أنه غيرهم لا يعلم ذلك، مثل ما يفعله كثير من الناس بالنظر والاستدلال والاعتبار، ومن لم يساوهم في نظرهم وأدلتهم وقوة أذهانهم لا يعلم ما علموه، وكثير من الناس يعلم بالأخبار والنقل والاستدلال بذلك أمورا كثيرة، ومن لم يشاركهم فيما سمعوه وفيما عرفوه من أحوال المخبرين والمخبر وكمال معرفتهم بذلك لا يعلم ما علموه.
فلهذا كان لأهل النظر العقلي طرق لا يعرفها أهل الأخبار، ولأهل الأخبار السمعية طرق لا تعرف بمجرد العقول) الجواب الصحيح.
ولكن:
(ليس في صريح المعقول ما يناقض صحيح المنقول) درء تعارض العقل والنقل.[/justify]
د - بتلخيص الأخبار الخمسة السابقة تتضح لنا النقاط التالية:
1- مع قول ابن عيسى بملكية آل هذال لبريدة، وببيعها على راشد الدريبي، ثم عمارتها بعد خروج آل أبي عليان من بلد ثرمداء في الحروب التي وقعت بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة، يقول بوقوع هذه الحوادث سنة 985 تقريبا !!.
2- القاضي والذكير يقولان كذلك بملكية آل هذال لبريدة، وببيعها على راشد الدريبي ثم عمارتها في القرن العاشر.
3- يقول ابن بليهد بأن الدريبي إكتشف بريدة في القرن العاشر.
4- يفهم من كلام داوتي قوله بتأسيس بريدة في القرن العاشر أو قبله بقليل.
وبعد النظر والتمحيص تبينت لنا النتائج التالية:
1- مع كون خبر ملكية آل هذال لبريدة، وبيعها على راشد الدريبي، وعمارة راشد الدريبي لبريدة صحيحاً ثابتاً قطعاً قبل هذه الأخبار وبعدها؛ فقد ذكره ثلاثة من المؤرخين هم: ابن عيسى، والقاضي، والذكير، وغيرهم كثير - ممن يعتد بقوله - يقولون به.
2- فيما يخص زمن الحوادث المذكورة في الخبر، هناك قولان: الأول يقول بوقوعها في القرن العاشر - مع اختلاف في تحديد السنة -، والثاني يقول بوقوعها زمن الحروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة.
3- تبين لنا بشكل قاطع أن شراء راشد الدريبي لبريدة من آل هذال كان زمن الحروب بين العناقر في ثرمداء وفي بلد مرات لطلب الرئاسة.
4- تخطئة هذا الخبر، أو التشكيك فيه، أو القول بوجود راشد المذكور، أو آل هذال في القرن العاشر جميعها ناشئة عن إفتراضات خاطئة(3)، أو روايات غير دقيقة، أو تشابه أسماء(4)، أو غير ذلك. وعلى كل حال، فجميع ما سبق مردود على القائل به كائنا من كان.
5- جزم ابن شمسي ببطلان القول بملكية آل هذال لبريدة قبل (وصول) راشد الدريبي إليها مبني:
- على عدم وجود دليل قاطع على عدم (وصول) راشد الدريبي إلى بريدة قبل ملكية آل هذال لها !(5). أو
- على ظن. أو
- على الأمرين معاً.
6- عند التدقيق الشديد في خبر شراء راشد الدريبي بريدة من آل هذال ثم عمارتها عند كل من ابن عيسى والقاضي والذكير - إذا استثنينا الاختلاف في تاريخ الخبر - يتبين لنا وجود بعض الاختلاف في التفاصيل(6).
خاتمة
لم يكن غرضي من كتابة هذا التعقيب إثبات ملكية آل هذال شيوخ عنزة لبريدة قبل بضعة قرون، فتاريخ آل هذال الكرام أكبر بكثير كثير من ملكية عين ماء هنا أو بلدة هناك.
كذلك، لم يكن غرضي من التعقيب إثبات ملكية أسرة آل أبي عليان التميمية لبريدة وعمارتهم لها قبل بضعة قرون، فدور هذه الأسرة الكريمة قد تجاوز هذه المرحلة بكثير.
وهذه الحوادث صحيحة متواترة(7) قبل هذا التعقيب وبعده.
وإنما أردت بيان الزمن الصحيح لوقوع هذه الحوادث.
وقد تركت التعقيب على كثير مما أورده الشيخ العبودي لظهور ضعفه عند أدنى تأمل.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) حتى لو سلمنا بكون هذه الافتراضات قد بنيت على معلومات صحيحة.
(4) قال الإمام ابن حزم رحمه الله:
(الأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد: اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال) الإحكام في أصول الأحكام.
(5) فلو قال قائل لابن شمسي: إن ظاهر كلام ابن عيسى يدل على ملكية آل هذال لبريدة قبل (وصول) راشد الدريبي إليها.
فلربما قال ابن شمسي: هذا الأمر لا يعني بالضرورة عدم (وصول) راشد الدريبي لبريدة قبل آل هذال، وأقطع أن من قال بملكية آل هذال لبريدة قبل (وصول) راشد إليها قد تكلم بلا علم، ولا يلزم من قولي القطع بانتفاء ما ذكرتَه في نفس الأمر. ولا يلزم من قولي كذلك نفيي لملكية آل هذال لبريدة أو إثباتها !.
(6) إختلاف بعض الرواة في التفاصيل الدقيقة لخبر ما لا يستلزم بالضرورة توهين أصل الخبر، بل لا يمنع في أحيان كثيرة من القطع بصحة أصل الخبر، بل وبصحة بعض تفاصيله كذلك.
للفائدة: راجع فتح الباري للإمام الحافظ ابن حجر، الباب الرابع من كتاب الشروط، والمفهم للإمام القرطبي، الباب الثاني والثلاثين من كتاب البيوع، ومقدمة التفسير في الجزء الثالث عشر من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(7) حول التواتر وأنواعه، راجع: الجزء الثامن عشر من مجموع الفتاوى، والجزء الأخير من الجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية.