السوق آداب وتوجيهات عامة
الحمد لله حمدا يليق بعظيم سلطانه والصلاة والسلام على من غض بصره وحفظ أهله وعلى آله وصحبه الذين انتهجوا نهجه وبعد
عباد الله : قال رسول الله r ( أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ) ، إن الحديث عن السوق حديث طويل ،لكثرة مسائله وجهل الناس بمعظمها ،ولحاجة الناس اليومية ، من دخولهم إلى الأسواق، للبيع أو الشراء ، السوق قديم قدم هذا الإنسان ، فقد وجدت الأسواق منذ أن كثر الناس على سطح المعمورة ، وازدحمت وضاقت بهم البلدان ، وعندما جاء الإسلام ، أولى للسوق اهتماماً خاصاً فقد دعى هذا الدين إلى العمل بالتجارة ، واكتساب المال عن طريقها ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) وقال جل وعلا (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) 0
أيها المسلمون : لقد كان النبي r يرتاد الأسواق كسباً للرزق وطلباً للمعاش ، حتى عاب المشركون عليه ذلك بقولهم ، كما حكى ذلك القرآن (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ) ، هذا وقد اقتدى به r أصحابه ، فكانوا يرتادون الأسواق ، ويتجرّون فيها بأموالهم ، ولا يرون في ذلك بأساً ، كان أبو بكر الصديق t يغدو إلى السوق فيبيع ويبتاع ، إلى أن فُرض له عطاءً بعد أن تولى الخلافة ، وكان عمر بن الخطاب t ، يعلل خفاء أحكام بعض المسائل الشرعية عليه بانشغاله بالصفق في الأسواق، وعبد الرحمن بن عوف t يقول لعبد الرحمن لسعد: بارك الله لك في مالك وأهلك وإنما دلني على السوق ،لأتجر فيها ، فدله سعد عليها فغدا إليها ،فأتى بأقط وسمن ، وباع واشترى حتى فتح الله عز وجل عليه 0
أيها المسلمون: لقد حظي السوق في عهده rباهتمامه ورعايته ، فتعهده بالإشراف والمراقبة ، ووضع له ضوابطاً ، وسن له آداباً ، وطهره من كثير من بيوع الجاهلية المشتملة على الغبن والغرر والغش والخداع والربا ، كما منع عليه الصلاة والسلام، بيع المحرمات فيه ، ومنع إنشاد الأشعار والتفاخر بالأحساب والأنساب فيه ، وقد داوم رسول الله rعلى تفقد أحوال السوق بنفسه ،أو مع بعض أصحابه ، ومراقبة الأسعار ، ومنع أي احتكار أو استغلال قد يقع فيه ، فعن أبي هريرة t أن رسول الله r،مرّ على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال ( ما هذا يا صاحب الطعام ، فقال: أصابته السماء يا رسول الله ، قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ، من غشنا فليس منا ) 0
عباد الله : هذه خمسة توجيهات أو آداب متعلقة بالسوق،أقدمها بين يديك لتأخذ بها ، وتراعيها عند دخولك وخروجك من السوق :
أولاً: دعاء دخول السوق ، فينبغي علينا جميعاً أن نحفظه ، قال رسول الله r ( من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت ، وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، وبنى له بيتاً في الجنة ) ، إن السوق في الغالب ، مكان غفلة عن ذكر الله ، فهو موضع سلطنة الشيطان ، ومجمع جنوده ، لهذا شُرع للمسلم الذكر ليقاوم غلبة الشيطان 0
ثانياً : لا تكن سخاباً بالأسواق ، والسخب هو رفع الصوت بالخصام واللجاج ،ورد في وصف النبي r( أنه ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ) ، السخب مذموم في ذاته ، فكيف إذا كان في الأسواق ،التي هي مجمع الناس من كل جنس، إنه لا يليق بالرجل العاقل الرزين أن يكون سخاباً يستفزه أقل إنسان ، من أجل ريالات معدودات ، فالعقل العقل والحلم الحلم أخي المسلم 0
ثالثاً: غض البصر : قال تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) إن كثرة تردد العبد على الأسواق ، يعرضه لرؤية ما لا يرضي الله عز وجل ، فإن الأسواق قلّ ما تسلم من مناظر محرمة ، خصوصاً ما نراه من تسكع نساء هذا الزمان في الأسواق ، والتبرج وإظهار الزينة بدون حياء ، فعليك أخي المسلم إذا دخلت السوق أن تغض بصرك بقدر ما تستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، إن الله تعالى جعل العين مرآة القلب ، فإذا غض العبد بصره ، غضّ القلب شهوته وإرادته ، وإذا أطلق العبد بصره ، أطلق القلب شهوته وإرادته، قال رسول الله r ( إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فالعين تزني وزناها النظر ، واللسان يزني وزناه النطق ، والرجل تزني وزناها الخطى ، واليد تزني وزناها البطش ، والقلب يهوي ويتمنى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )، فبدأ بزنى العين ،لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج،وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها ،لأنها تستمتع به0
رابعاً : كثرة الحلف ، قال النبي r ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، المسبل إزاره ،والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) ، وقالr ( الحلف منفقة للسلعة ، ممحقة للكسب ) ، والمعنى أن البائع قد يحلف للمشتري أنه اشتراها بكذا وكذا ، وقد يخرج له فواتير في ذلك ، فيصدقه المشتري ، ويأخذها بزيادة على قيمتها ، والبائع كذاب ، وإنما حلف طمعاً في الزيادة ، فهذا يعاقب بمحق البركة ، فيدخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة التي أخذها من حيث لا يحتسب ، بسبب حلفه الكاذب 0
اعلم أخي التاجر أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي ، فإن عاقبتها اضمحلال وذهاب وعقاب ، فعن عبد الله بن أبي أوفى t أن رجلاً أقام سلعته وهو في السوق ، فحلف بالله : لقد أُعطى بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزل قول الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم والحمد لله رب العالمين
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وبعد
التوجيه الخامس : خاص بالمرأة المسلمة ، ودخولها للأسواق ، قال النبي r( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث ، والرَّجَلَةُ من النساء ، ومدمن الخمر ) 0
أيها المسلمون : لا أشد ولا أعظم مما يشاهد من أوضاع بعض النساء في الأسواق في هذا الزمان ، من التبرج والسفور والاختلاط بالرجال ، وقلة الحياء ، والمصيبة أنه على مرأى ومسمع من الأزواج وأولياء الأمور ، تنزل المرأة للسوق ، وفي كثير من الأحيان لغير حاجة ، فقط أنها تشعر بملل في المنزل ، والحل الذهاب لقضاء عدة ساعات في الأسواق، خراجة ولاجة بين المحلات ، وتسّعر بعض البضائع ، وهي لا تريد الشراء ، وفي الغالب يفوح منها رائحة الطيب ، يقول النبي r ( أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل ) هذا إذا كان خروجها إلى المسجد للصلاة ، فما بالكم بالسوق ، يقول النبي r ( أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ، وكل عين زانية ) ، فأين غيرة الأزواج ، وحرمة أولياء الأمور على محارمهم ، وإليكم أمثلة سريعة من واقع السوق السيئ :
منها أن تدخل المرأة للمحل، وتبدأ تساوم صاحب المحل بكل جرأة ووقاحة ، ودون حشمة ولا حياء ، ووليها للأسف جالس في السيارة ينتظرها مع الأولاد ، وقضية ثانية: أنك قد تشاهد سيارة محمّلة بمجموعة من النساء مع السائق أو سيارات وباصات الطلب والمشوار، تقف السيارة وسط السوق ، ثم تنزل منها هذه الحمولة ، فتنفلت في السوق ، كل واحدة منهن تذهب في جهة ، والموعد بعد ساعة أو ساعتين أو عند الأذان ، أو في المكان الفلاني ، أو الجوال بيننا ، شاهدته بأم عيني ، كما ذكر لي ذلك بعض أصحاب الباصات ، أما عن المعاكسات والمغازلات في الأسواق فحدث ولا حرج ، بدأً بالبائع في المحل ، ذلك الرجل الأنيق الجميل ، وانتهاءً بهذا الشباب المراهق الفارغ ، العاري من الدين والخلق والحياء 0
فاتقوا الله أيها الآباء ، ويا أيها الأزواج ، تابعوا نساءكم ، لا تتساهلوا في خروجهن للسوق إلا لحاجة ، فإن كان هناك حاجة فلا تذهب إلا وأنت معها ، فإن الذئاب كثر ، والدين رقيق، والنساء ناقصات عقل ودين ، وليس كل النساء على هذه الشاكلة فمن نسائنا من تعدل الرجال عقلا ودينا وخلقا وشرفا 0
اللهم فاستر عوراتنا ، وآمن روعاتنا، واحفظنا ، اللهم وأصلح زوجاتنا ، وبناتنا ، وأبنائنا و وجميع نساء المسلمين ، اللهم ووفق ولي أمرنا خادم الحرمين ونائبه لطاعتك ، واجعل عمله في رضاك ، وجميع ولاة أمور المسلمين ، اللهم واغفر لأمهاتنا وآبائنا يارب العالمين ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك وحبيبك ونبيك محمد بن عبد الله وعن صحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد وقوموا للصلاة يرحمني ويرحمكم الله 0
هذه الخطبة مختصرة ومستقاة من خطبة الشيخ ناصر بن محمد الأحمد - السوق آداب وتوجيهات عامة