إمارة الشيخ هذال الحقيقة الغائبة!!
أسرة اّل هذال من الأسر الكريمة والعريقة عند قبائل العرب ذات مجد وسيادة وشرف محتد المشهود لها بالأصالة ومكارم الأخلاق والشجاعة وعراقتها هى إمتداداَ لأصالتها العربية فهى من أشهر الأسر التى تولت زعامة قبيلة عنزة على مدى الثلاثة قرون والنصف فسيرتهم مبسوطة فى الكتب والمصادر التاريخية فقد ذكرهم الرحالة والمستشرقين فى مذكراتهم وزارهم المؤرخين والمهتمين بالتاريخ فى ديارهم ونقلواعنهم الكثير من ماَثرهم وأمجادهم وكذلك أطنب فى ذكرهم والتحدث عنهم مؤرخي ونسابة العرب المتقدمين منهم والمتاخرين فلا يكاد يخلوا مصدراَ تاريخياَ من ذكرهم أو نصاَ مدوناَ من الإشارة اليهم لما لهذه الأسرة من مجِد غابر وشرفاَِ حاضر ومنزلَة إجتماعية بين قبائل عرب الجزيرة فقد أنجبت الفرسان الشجعان وبرز منهاالأبطال المغاوير والشعراء الفحول حتى سمت شهرتها وعلا صيتها اَفاق الجزيرة العربية فهم بلا شك من بيوت العرب المشهورة قد علمها القاصي والدانى .
وفى موضوعنا هذا سوف يدور الحديث حول محور واحد وجزئية محددة وهى الروايات التى قيلت عن أسباب تولى الشيخ هذال بن عدينان زعامة ومشيخة قبيلة عنزة دون الدخول فى تفاصيل أُخرى كون هذه الجزئية لم تُذكر بالكتب التاريخية من قبل ولم ياتى على ذكرها فى المصادر المدونة بل ولم تثبت حتى بالمصادر الشفوية المنقولة عن طريق الرواة بشكل قطعى ومؤكد! بإعتبار أن المصادر الشفوية رافداَ من روافد التوثيق وعاملاَ مهماَ من عوامل كتابة التاريخ القائم أساساَ على الرواية ؟ وهذا لاشك يُعتبر قصوراَ وتقصيراَ يقع على كاهل ومسئولية باحثي ومثقفي هذه القبيلة على وجه الخصوص؟ إذ من غير المعقول أن جميع هذه المصادرالتاريخية رغم كثرتها وإختلاف مشارب مؤلفيها وتوجهاتهم تصمت عن هذه القضية ولانجد من تحدث عنها ! خصوصاَ وأنها من القضايا الجوهرية والمهمة فى تاريخ هذه القبيلة تندرج ضمن إرثها وموروثها وتاريخها .
ومن باب الحقيقة والإنصاف القول أن هناك من أشار الى هذه القضية منذ سنوات ولو بشكل سريع ومختصر وهو بذلك يعتبر من أوائل من لفت الإنتباه لها حيث دونها وأثبتها فى إصداراته وكتبه وهو الأستاذ القدير الباحث عبدالله بن عبار من خلال موسوعته التاريخية [ أصدق الدلائل] وذلك عندما علَق على نص إبن بشر فى كتابه عنوان المجد وذكر الأخير أحداث عام1111هـ 1696م قائلاَ [ وفى هذه السنة سجن الشريف سعد بن زيد أمير مكة مائة شيخ من شيوخ عنزة عنزة ] بعدها علق الإستاذ أبومشعل بقوله [ ونستنتج من هذه الحادثة أنه تم تتويج الشيخ هذال بن عدينان شيخ مشائخ عنزة وذلك مقارنةَ بالرواية المنقولة من رواة عنزة] والحقيقة كم تمنيت على الإستاذ أبومشعل لو أنه توسع بهذه القضية قليلاَ وأفرد لها باباَ مسقلاَ مع ذِكره جميع الروايات المنقولة من رواة القبيلة أوغيرهم على إختلاف رواياتهم ومصادرهم خصوصاَ وأنه يملك من المعلومات الشىء الكثير عن هذ القضيةَ كونه حريصاَ على جمع كل مايخص هذه القبيلة من موروث تاريخى ومخزون تراثى واسع ؟ والحق بأننا كنا نعتقد سابقاَ أن مصدر هذه الرواية التى ذكرها بن بشر فى تاريخه هو الشيخ أحمد المنقور التميمى 1067هـ 1125هـ 1656م 1713م الذى يُعد تاريخه مذيلاَ لتاريخ أحمد بن محمد بن بسام المتوفى عام 1040هـ1630م الذى لم يصل الينا ويعتبر فى عداد الكتب المفقوده وهو أول من أعاد محاولة كتابة التاريخ النجدى من جديد علماَ بأن حفيده الخامس عبدالله بن محمد البسام فى تاريخة تحفة المشتاق قد أغفل عن ذكر هذه الرواية ومن جاء بعد المنقور كإبن بشر 1210هـ 1288هـ 1795م 1871م والفاخري 1186هـ 1277هـ1772م1860م وغيرهم قد نقلواعنه هذه القصة؟ إلا أن الأستاذ الباحث فايز البدرانى قد ذكر نصاَ نقله من مخطوطة قديمة لمؤلف إسمه عبدالهادى الطاهر المكي عنوانها[ الدر الفاخر] جاء فيها أن الشريف سعد بن زيد شريف مكة قد إستغل وجود بعض مشائخ عنزة فى مكة وامر بسجنهم خوفاَ من أن يمنعوا الحاج الشامي ويأخذوه بسبب عدم دفع الشريف مخصصاتهم فى تلك السنة وكان يعانى من ضائقة مالية وأن سبب سجنهم هو شيخاَ من عنزة يُدعى الكلبي قد أخذ الشريف سعيد إبن شريف مكة قبل ذلك ] وهنا يتبين أن الشيخ المنقور رحمه الله بصفته الأقدم زمنياَ قد أطلع على هذه المخطوطة ونقل هذه الحادثة فى تاريخه ولم يذكر مصدرها ولاأعلم هل حُققت هذه المخطوطة أم لا ؟ يبقى أن نذكر أن الشريف سعد بن زيد تولى إمارة مكة بعد تنازل والده الشريف زيد وكانت على ثلاث فترات الأولى من 1077هـ1666م حتى 1083هـ 1682م والثانية من1104هـ 1692م حتى 1105هـ1693م والثالثة من 1106هـ 1694م حتى 1113هـ1701م .
[ الرواية الأولى ]
يقول الباحث النشط الأستاذ خلف بن حديد فى كتابه القيم [ اَل هذال زعماء العرب الوائليون] وهى مادة علمية تاريخية ومعلومات ثرية قدمها لنا مشكوراَ عن هذه الأسرة الجليلة التى نكن لها كل محبة وتقدير ونحن بدورنا نثمن للمؤلف هذا الجهد المشهود غير أننا لاننشد من وراء هذا إلا البحث التاريخى المجرد وذلك للفائدة العامة يقول تحت عنوان[ اَل هذال وبيت الإمارة ] مايلى : وماهو محفوظ يُذكر أن استلام هذال للزعامة جائت بسبب مصادماتهم مع شريف مكة فى ذلك العهد حيث يقوم الشريف من كل عام بفرض ضريبة سنوية على كل قبيلة تتمثل بخيار الإبل بما يُعرف [* بالشعثاء والنعامة] وكالعادة جائت الرُسل الى قبيلة عنزة وأبلغتهم بما عليهم من ضرائب لكن زعماء عنزة فى ذلك الوقت كان موقفهم أقرب الى الرفض من التأييد, وباجتماعهم كثُر الهرج وتعالت الأصوات ولم يُعرف الطول من العرض وتأزم الموقف وكيف السبيل؟ عندها برز بين الجمع هذال وصاح بالقوم حيث قال: الرأي عندى! وقال القوم بما اهتديت؟ فقال هذال نبعث برسول الى الشريف نطلب منه العفو والسماح هذه السنة نتيجة للجدب الذى حلَ بديارنا, فقال القوم: من الذى يُعرض نفسه للهلاك ويذهب الى الشريف دون أن يدفع الضريبة السنوية؟ كذلك نحن نعرف بأن الشريف لايتنازل عن الضريبة ولامساومات لديه حول ذلك فقال هذال إذا كنتم متخوفين من الذهاب فانا أذهب بشرط أن تبعثوا معي كتاباَ موقعاَ بأسماء شيوخ عنزة وبأنني مفوضاَ عنكم ولسانكم المتحدث أمام الشريف... وتشاور القوم فيما بينهم وقالوا لنعطيه مايريد ولنرسله كبش فداء! فحصل هذال على مايريد من زعماء عنزة وهو يُضمر فى نفسه قلب أسد واتجه نحو الشريف وقابله وشرح له وضع قبيلة عنزة بعد أن عرًفه بنفسه وذكر أنه حصل على زعماء عنزة باعتراف الأُمراء مانريده من شريف مكة إلا أن يصادق على هذا القرار ومايطلبه الشريف من عنزة حسب العرف بين القبائل يتم تنفيذه دون تردد فعندها إقتنع شريف مكة بمنطق الرجل وصادق على الوثيقة وبعدها طلب هذال من الشريف بأن يرسل معه قوة من رجال الشريف للذهاب الى عنزة وإبلاغهم بالخبر وبما حصل وتم له ذلك واعترف به زعيماَ [ إنتهى ]
ولى هنا عدة ملاحظات على ماورد فى هذا النص وهى كالأَتي:
أولاَ:أن هذه الرواية لايمكن قبولها من حيث المنطق والسياق التاريخي لأحداثها من عدة جوانب كون المصادر التاريخية لم تذكر أن لقبيلة عنزة أحداث أو مصادمات ومواجهات مع أشراف مكة تحديداَ؟ بل العكس هو الصحيح فقبيلة عنزة قد تكون القبيلة الوحيدة المستثاه من بين القبائل الحجازية والنجدية على حد سواء التى لم تصطدم مع الأشراف إصطدام مباشر وفعلي فهناك الكثير من القبائل وفى مختلف الأماكن المناطق وعلى مر التاريخ قد اصطدمت مع أشراف الحجاز بشكل عام وكانت لها معهم مواجهات وحروب ذكرتها كتب التاريخ ودونها المؤرخون فى مصادرهم كجهينه وبلي وحرب وعدوان والبقوم والعوازم وعتيبة ومطير وغيرهم من الحواضر والأقاليم فى تلك الفترة فجميع المصادر التى ذكرت تاريخ الأشرف ودونت أخبارهم لم تاتى على ذِكر أو خبر بإحتكاك قبيلة عنزة مع أشراف مكة أو التصادم معهم وهذه حقيقة ثابته تسترعى الإنتباه والتوقف عندها ! وأعتقد والله أعلم أن مرد هذا هو بسبب الخؤولة التى تربط عنزة بالشريف الحسن بن قتادة بن إدريس شريف مكة اَنذاك 618هـ 623هـ وهو الجد الأعلى للشريف سعد بن زيد المذكور ولم يرد هذا إلا فى ماذكره العصامى فى تاريخة سمط النجوم العوالى ت 1111هـ1696م وهو مؤرخ الأشراف ومتتبع أخبارهم والذى أورد نصه الاستاذ عبدالله بن عبار فى أصدق الدلائل فقد ذكر ثلاث غزوات للأشراف على قبيلة عنزة وليست مصادمات أومواجهات بل هي حملات يقومون بها ضمن غزواتهم العامة على القبائل بشكل عام فالأُولى كانت عام 1008هـ1599م قام بها الشريف حسن بن بركات بن أبى نمى شريف مكة على عربان عنزة والظفير؟ والثانية وقعة للشريف حمود بن عبدالله بن حسن على عنزة فى منطقة قفار بحائل عام 1080هـ1669م والفارق بين الوقعتين 72سنة؟ ثم كانت الوقعة الثالثة عام 1097هـ 1685م والتى قام بها الشريف أحمد بن زيد بن محسن على عنزة حيث قال العصامى : وفى يوم الثلاثاء عاشر ربيع الثانى سنة 1097هـ برز الشريف أحمد فى موكب عظيم قاصداَ الشرق ومنه الى بلاد عنزة فأقام بالمنحنى ثمانية أيام وفى يوم الخميس تاسع عشر من شهر ربيع الثانى بعد شروق الشمس توجه الى حيث قصد وفى يوم الخميس سادس عشر شوال السنة نفسها وصل الشريف أحمد الى مكة المكرمة عائداَ من بلاد عنزة؟ ويعلق الإستاذ عبدالله بن عبار متسائلاَ أن العصامي لم يوضح سبباَ لذهاب الشريف أحمد الى بلاد عنزة ومكوثه هناك سبعة أشهر! وواضح من طول مدة هذه الغزوة أنها غزوة عامة وشاملة على الكثير من القبائل ومن ضمنها قبيلة عنزة فيمكننا القول أنه لاتوجد مصادمات أومواجهات بين قبيلة عنزة وأشراف الحجاز بشكل عام وأُمراء مكة على وجه الخصوص تصادم فردي واضح وجلي .
ثانياَ: يبدوا أن الإستاذ خلف قد تأثر بمسلسل الزير! وذلك عندما ذهب كليب بن ربيعة لعامل الملك الكندى يطلب منه إعفاء بكر وتغلب عن ضريبة هذا العام؟ ومن ثمَ أسقط هذه الحادثة على عنزة وقصتهم مع شريف مكة؟ وكأن الشريف سعد مقيم فى بلاد ماوراء النهرين لايعلم أن هناك جدباَ وضنكاَ وضيق عيش تعانى منه القبائل التى هى تحت حكمه ! فهذه الحكاية لاتستقيم والمنطق لوجود كثير من الخلل والجوانب السلبية فيها وذلك لتناقضها وتعارضها لطبيعة وطباع تلك المجتمعات القبيلة ومن ضمنها قبيلة عنزة؟ فالتاريخ يحدثنا أن الأشراف رغم قوتهم والجيوش التى تحت إمرتهم وتسلطهم أحياناَ وبطشهم إلا أنهم قد هُزموا فى أكثر من موقعة؟ وأكثر من مرة! وعلى أيدي قبائل مع تقديرى لهم هم دون قبيلة عنزة بكثير من حيث القوةَ والعدة والعدد وكثرة فرسانها وشهرتهم؟ فعنزة ليست إستثناءَ من هذه القبائل كما إنها ليست بالقبيلة الضعيفة ولا بالمستكينة حتى تبعث للشريف من يستجديه ويستعطفه كي يعفيها من الضرائب والأتاوات المستحقة عليها! فطالما الشريف بهذه القوة والسطوة والجبروت فلماذا إذن لم يتركوا ديارهم ويهاجروا الى غيرها من البلدان حتى يتخلصوا على الأقل من هذه الضرائب وهذه الأتاوات! فقد رحلت هذه القبيلة وتركت ديارها فى عهد عبدالله بن هذال وأخيه منديل وما ذلك إلا بسبب القحط والجدب الذى أصاب ديارها .
ثالثاَ: القول بأن عنزة قد فوضت الشيخ هذال بالتكلم على لسانهم والتفاوض نيابة عنهم فهذه من حيث المبدأ لاغبار عليها فكما قيل بالأمثال مايقلط من الرجال إلا خيارها والشيخ هذال لاشك كان من خيار رجال القبيلة فى تلك الفترة ومن رجالها المعدودين وبغض النظر عن صحة هذه الرواية من عدمها ولكن السؤال هو أين مشائخ قبيلة عنزة عن هذه الحادثة؟ وماهو دورهم فيها ؟ أيعقل أن قبيلة بهذه المكانة والقوة وهذه الشهرة والشجاعة أن يجُُبن مشائخها وفرسانها ويذُل شجعانها وأبطالها من مواجهة هذا الشريف والتفاوض معه! وهم من هم بين هذه القبائل والتى شهد لهم الجميع بالأنفة والشجاعة وقوة البأس؟ أما القول بأن هذه الرواية هى من المحفوظ إلا أنها لم تحفظ لنا إسم هذا الشريف! ولا عن هذا الكتاب الموقع من قبل شيوخ عنزة ! ولا حتى هذه الوثيقة المختومة والممهورة! فالأمر إذن لايعتبر من المحفوظ كون المحفوظ هو الشىء المادي والملموس كوجود وثيقة مثلاَ أوسيفاَ أو أي أثراَ اَخر؟ وإلا كيف بحدثاَ كهذا الحدث المهم والحيوى أن لايتم فيه الإحتفاظ بهذا الكتاب أوبهذه الوثيقية ذات القيمة التاريخية المهمة إذا كان هذا حقاَ من المحفوظ .
رابعاَ: جاء فى الرواية أن شيوخ قبيلة عنزة قد أعطت هذال كتاباَ موقعاَ بصفته المتحدث الرسمي بإسمائهم والمطالب المفوض نيابةَ عنهم تتلخص بإعفائهم هذه السنة من الضريبة المفروضة عليهم بسبب الجدب والقحط الذى يعانون منه؟ ولم يذكروا بالكتاب بنداَ يخص المشيخة أوالزعامة إطلاقاَ ؟ ومن هنا جاء الخلل والتناقض بالرواية فالمسألة هنا فيها جانب أخلاقى يتعلق بالشيخ هذال بصفته الشخصيه! إذ لايمكن لهذا الرجل وبهذه المقومات والصفات التى يتمتع بها أن يُفوض من قبل قبيلته بأمر خاص ومحدد ثم يقول للشريف بأن قد حصل على مشيخة وزعامة عنزة باتفاق أمرائها وزعماءها! والغريب فى الأمر أن يطلب الشيخ هذال من الشريف أن يصادق على هذا الكتاب الذى يحمله من قبيلته خصوصاَ وأن الكتاب فيه طلبات ومطالب القبيلة كالضرائب والأتاوات فعلى ماذا يصادق الشريف! فهى ليست شروط أو بنود إتفاق بين الطرفين حتى يصادق عليها الشريف! وهذا قطعاَ من الخلل الواضح والتناقض البين الذى يعتري هذه الرواية والأغرب من هذا أن يطلب الشيخ هذال من الشريف أن يُرسل معه قوة من رجاله لإبلاغ هذا الخبر الى قبيلته! وهذا أيضاَ مدعاة للدهشة إذ بإمكانه وباستطاعته الذهاب الى قومه وحده دون إصطحاب هذه القوة ومن ثم يعرض عليهم هذا الكتاب بتعيينه وتنصيبه شيخاَ وزعيماَ عليهم؟ طالما أن قبيلته قد أقرت له بزعامتها سلفاَ كما جاء بكتاب التفويض! أو أن يقوم الشريف مثلاَ بإرسال رجلاَ من خاصته يقرأ عليهم كتابه ومرسومه وينتهى الأمر عند ذلك فماالداعى إذن لهذه القوة .
[ الرواية الثانية ]
قام بنشرها أحد كتاب الصحف المهتمين بالتاريخ والموروث وأنساب القبائل تحت عنوان [ فهد بن هذال البيك أخو بتلا الدواي] فراويته قد تكون تتفق بالمضمون والتفاصيل مع الرواية الأُولى ولكنها تختلف بالأسباب والمسبب؟ وإن كانت أقرب للمنطق نسبياَ من الرواية الأولى وملخصها أن أحد ولاة مكة من الأتراك قد أرسل بطلب حضور الشيخ المسئول عن قبيلة عنزة لإطلاعه على ماتقوم به قبيلته بقطع سبل المواصلات والتعديات المتكررة على الحملات التركية القادمة الى الحجاز وعُقد بناء على هذا الطلب جلسة تشاورية بين شيوخ قبيلة عنزة وكبارها لترشيح من يذهب لمقابلة الوالي ولكن كل من عُرض عليه الأمر يرفض الذهاب بحجة أن الذاهب مصيره معروف مسبقاَ بالقتل؟ فبادرهم هذال بن جعيثن بأنه على استعداد لمقابلة الوالي إذا زودوه بكتاب موافقتهم على قيامه بذلك وتقويضه بالتباحث مع الوالي فوافقوا جميعاَ على ذلك وأعطوه كتاباَ يفيد بأنهم ينيبونه عنهم بكل مايهم أمر القبيلة! فالتقى هذال بالوالى التركى وسلمه الكتاب الذى يحمله فقال لماذا رفض قومك الحضور وجئت أنت ؟ قال فوضونى بالمجىء اليك قال الست خائفاَ من القتل؟ قال أنا لم أفعل شيئاَ يستحق العقاب فأعجب الوالى بنباهته وشجاعته فخلع عليه خلعة سلطانية وكتب له أمراَ بقبوله شيخاَ لمشايخ عنزة وانه سيبقى المسئول الأول عن تعديات قبيلته على الأمن وأن يتعهد بحفظ القوافل والحملات المارة فى ديار قبيلته وجرى منذ ذلك اليوم تسميته شيخ شيوخ قبيلة عنزة . [ إنتهى ]
أولاَ: رغم أن هذه الرواية أكثر تماسكاَ كمادة ومضمون من الرواية الأولى إلا أنها أيضاَ لاتخلوا من الأخطاء التاريخية والجوانب الإجتماعية فمكة شرفها الله وعلى مَر التاريخ لم يتولاها أحداَ من الأتراك وخصوصاَ منذ الوجود العثمانى بالمنطقة فجميع ولاتها وحكامها هم من الأشراف أنفسهم وهذا ثابت تاريخياَ؟ أما مسألة التعديات المتكررة على الحملات التركية سواءَ بالحجاز أوغيرها وقطع الطرق والتعرض لقوافل الحجاج فهذا ديدن جميع قبائل المنطقة دون إستثناء والشواهد على ذلك كثيرة فقبيلة عنزة ليست بِدعاَ من هذه القبائل وليست حالة إستثنائية من بينهم؟ فهى كغيرها من القبائل اَنذاك تعيش الظروف نفسها من ضنك وشدة فى العيش؟ بل أننا نجد الكثير من هذه القبائل والتى تعيش بمناطق وأماكن جغرافية أكثر رفاهية وسعة من الناحية المعيشية قد تعرضت للقوافل العثمانية وحملات الحجاج وقطع الطرق وسلب السيارة رغم الريف الدائم والماء الوافر!
ثانياَ: لايمكن من الناحية المنطقية ولا الأخلاقية ولاحتى الإجتماعية أن يطلب والياَ أو ملكاَ أوحاكماَ ما أياَ كانت أسباب هذا الطلب ودواعيه أن يتخاذل هذا الشيخ المطلوب عن أداء واجبه ويجبن من هذه المقابلة ثم يوافق بعد ذلك أن تُرشح القبيلة رجلاَ بديلاَ عنه كي يذهب لمقابلة هذا الوالى خصوصاَ وأن أسباب هذا الطلب معروفة سلفاَ؟ وهى لمناقشة هذه التعديات على القوافل والحملات العثمانية ولم يكن بها تهديداَ أو وعيداَ بالقتل أو السجن ؟ فهل من المعقول أن جميع مشائخ قبيلة عنزة وعلى تفاوت شجاعتهم وشهرتهم أن لاينبري رجلاَ واحداَ منهم للقيام بهذه المهمة .
[ الرواية الثالثة ]
وهذه الرواية هى الأكثر تداولاَ وشهرةَ وتواتراَ بين قبيلة عنزة وهى بإختصارأن أحد أشراف مكة إستعصت عليه تحصيل زكاة إحدى القبائل وأحتار فى أمرها وهنا يبرز الشيخ هذال ويتعهد للشريف بأن يجلب له زكاة هذه القبيلة وفعلاَ تم له ذلك ومن هنا تم تعيينه شيخاَ عاماَ على قبيلة عنزة وأعطيَ الختم والصرَة .
وللفائدة أن هذه الرواية تُروى من عدة أوجه مع الإتفاق والإجماع على السبب والمضمون وهى بسبب تحصيل الزكاة من هذه القبيلة وجلبها للشريف ولنا هنا أن نتسائل دون تشكيك ولاتكذيب ولكن للإستفهام والبحث عن الحقائق عن قيام الشيخ هذال بهذه المهمة وأسبابها وذلك لإختلاف الروايات فيما بينها ونقول أين تكمن الرواية والقصة الحقيقية ؟ هل كانت للشيخ هذال علاقة شخصية أومعرفة وصلة بالشريف؟ هل هو من قام بعرض هذه الخدمة من تلقاء نفسه أم أن الأمر عُرض عليه ؟ لماذا لم يتم حفظ الرواية الحقيقية لهذه القصة بشكل ثابت ومؤكد دون إختلاف ؟
أسئلة كثيرة وأحداث مجهولة وغامضة بشأن تفاصيل هذه القضية لانعرف عنها شيئاَ ! لكن مما لاشك فيه بأن الرجل كان ذو شأن وحضور بين أفراد قبيلته ولم يكن شخصاَ عادياَ حينها وأن أمراَ كهذا جعله يتبوء مشيخة هذه القبيلة ويتولى زعامتها قطعاَ لم يأتى من فراغ بل جاء نتيجة جهد عظيم وعمل بطولي جبار قام به هذا الرجل إستحق عليها بعد ذلك مشيخة وزعامة وقيادة هذه القبيلة العريقة .