بسم الله الرحمن الرحيم
( مباحث في الحلف والتحالف )
الحاقاً لما سبق من التوضيحات حول ما كتب مؤخراً ورسخ بأذهان من تأثر بالكتابات وحديث بعض المجالس ومفاده أن عنزة قد اعتزت بوائل بن قاسط الجدلي بموجب حلف ( اللهازم ) أود أن أوضح أكثر ملابسات هذه الظنون التي بنيت على السراب الخادع والأقوال المزيفة التي بثّت عبر بحوث من بعض الأشخاص الذين أردوا أن يكحلونها فأعموها وللحقيقة والتاريخ نبصّر من لا يزال يعوم في بحر الأوهام ويصدّق التكهنات التي قد تكون عكس الحقيقة فأقول مستعيناً بالله
هنا نذكر القليل من أحلاف العرب لأخذ العبرة والعظة ولكي تزال الأوهام مما أطلعت عليه وسمعت عنه وقرأت في العصور القديمة والعصور القريبة ومن الطبيعي أنه إذا اجتمعت بطون من العرب وقرروا التحالف سواء حلف داخلي ضمن أبناء الجد الواحد والذي سنبينه لاحقاً في هذا المقال أو الحلف الخارجي بين قبائل أو بطون متباعدة في النسب فأن هناك حلف بين فرع من تميم وبطون من أبناء أد أخو تميم حيث غمسوا أيديهم في رباب من الطين وأطلق على هذا الحلف أسم الرباب وبقي كل فرع على أسمه في النسب ولم يتسمى أحد في أحد بل شملهم جميعاً أسم هذا الحلف ومن الأحلاف في قبائلنا المعاصرة فقد اجتمع عدد من بطون عنزة وبطون من قبائل أخرى وتواصلوا في حبل وأطلق عليهم أسم واصل وهم القبيلة المعروفة من مطير وكل فخذ عرف باسم جدّه الصحيح ولم تتسمى قبيلة باسم الأخرى وهناك قبيلة من القبائل المتحضرة في منطقة الرياض تسمى القرينية وهم من أرومة شتى بحيث منهم من شمّر ومن بني ضبّة ومن قحطان ويقال أنهم تحالفوا على قرن وعل كل منهم مسكه وأقسم أنه له ما لهم وعليه ما عليهم وحملوا أسم القرينية ولم يدخل أحد بنسب أحد بل الكل يعرف بنسبه ولكنهم شملهم أسم الحلف وكذلك حلف يسمى حلف عتبة بين عوائل من عنزة وعوائل من غير عنزة وكل عائلة عرفت بنسبها ولم تنسب عائلة للأخرى وإنما جمعهم اسم الحلف كما يوجد في قبيلتنا عنزة تحالفات داخلية بحيث سبق وأن شرحت أن كل ما يقال لهم المحلف أو المثلوثة فهم عبارة عن حلف داخلي ومن هؤلاء : المحلف من الجلاس ويضم الأشاجعة والسوالمة والعبادلة ومع أنهم قد أطلق عليهم اسم المحلف فهم لم يضعون ياء النسب في الحلف حيث لا يعرف أحد منهم باسم المحلفي بل يقال الأشجعي والعبدلي والسالمي وكذلك لا يمكن أن يقال للأشجعي سالمي أو للعبدلي أشجعي وهناك المحلف من العلي من الدهامشة ويضم هذا الأسم العياش والمذاودة ومع ذلك لا يقال للمحيني أو الشليخي أو الذايدي الذين هم المذاودة لا يقال لأحد منهم العياشي بل ينتسب لجده الصحيح وهناك المحلف من المواقة من السبعة وهو تحالف بن عدد من البطون وكل بطن يعرف بجده ولا يجمعهم ألا الحلف ويوجد في عنزة عدد من الأفخاذ تسمى المثلوثة بحيث أن قبيلة الساري من الفدعان بها بطون يقال لهم المثلوثة وكل فرع ينسب لجده ولم يدخل بجد الفرع الآخر وكذلك المثلوة من الروس من الفدعان وايضاً مثلوثة الجميشات من الدهامشة والأمثلة على التحالف كثيرة ،أما غير التحالف فأن الرجل الذي يحمّل غرم في جناية عند جماعته ويجلي ويدخل على قبيلة ويعيش معها وينجب ذرية وتبقى ذريته مع هذه القبيلة وتنتسب للقبيلة فهذا يسمى مربا وليس حليف وتقول العرب بأمثالها ( المربا غلب الأصل ) وهذا التداخل يوجد بكثرة عند القبائل فلا تجد قبيلة قوية ومنيعة الجانب ألا ومعها جاليات من الأسر وسواء الحليف أو المربا فهو يعد ضمن القبيلة ولكن إذا رجع لقومه أو تكاثر نسله وقويت شوكت الحليف وحصل سبب لاستقلاله عن القبيلة فهو قد يشكّل قبيلة ويبرز باسمه الصحيح وهناك قبائل أو أسر تقل أو تضعف في فترة من فترات الزمن فتنضم إلى أقرب قريب لها وتنسب له ولكنه يعتبر نسب مؤقت وكثيراً من الأسر في عصرنا الحاضر تباركت وكثرت وكانت تعد ضمن فرع معيّن وهي تعلم أنها لست من هذا الفرع قد كتبوا لي وأبلغوني أنهم فرع وحدهم مستقل ولا يريدون البقاء في وضعهم السابق ولولا الإحراج لشرحت عن عدد من هذه الأسماء وأني قد ذكرت هذه المقدمة لكي أوضح لمن يريد بقاء عنزة في حلف اللهازم الذي عقد بالعصر الجاهلي وأنتها في صدر الإسلام وكل المحاولات التي جرت لحشر عنزة في هذا الحلف هي لقصد إدخال عنزة في وائل بن قاسط والهروب والعزوف عن وائل بن هزّان مما يثير العجب ؟
( حلف اللهازم )
تحدثنا المصادر الموثقة أن عجل بن لجيم البكري قد جمع بنيه وقال لهم أغدوا لهازم واللهازم باللغة عظام الحنك أي تماسكوا وتكاتفوا بينكم فأطلق على بني عجل لقب ( اللهازم ) وحيث أن قوله يقصد به الحث على الاجتماع والتعاضد وبحكم أن بني ذهل يمثلون عصبة قوية من بني بكر وكذلك بني يشكر وأيضاً بني ضبيعة فقد أنظم مع للهازم بنو قيس بن ثعلبة من بكر وبنو عبداللات بن ثعلبة من بكر ثم دخلت عنزة بن أسد في هذا الحلف المتكاتف ومع ذلك لم ينتسب القيسي عجلي ولا العجلي قيسي ولا العنزي عجلي بل كل منهم ينتسب لجده الصحيح كما أن اسم اللهازم لم يضاف له ياء النسب بحيث لا يقال فلان اللهزمي وأقول وأوضح وأشرح لمن يجهله الواقع أن قبيلة عنزة لا تستطيع الدخول بوائل بن قاسط ألا عن طريق اللهازم أولاً ومن ثم تنسب لوائل وطالما أن الرابطة في وائل بن قاسط هو الحلف فأنني لا أجد عنزي عبر القرون المنصرمة يذكر اللهازم لا بالشعر ولا بالمصادر ولا بالروايات والسؤال الذي يجب أن يطرح نفسه هو ( كيف طمرت عنزة اسم اللهازم وتعلقت بوائل بن قاسط مباشرة وهي لا تستطيع الوصول إليه ألا عن طريق الحلف ) ؟ وأين حلف اللهازم من المؤرخين الذين تتبعوا تاريخ عنزة ولم يهملوها فكما ذكرت في مقالات سابقة لا تمضي عشر أعوام من الزمن ألا ويرد ذكر لقبيلة عنزة في الزمان والمكان والشيء الثابت أن عنزة تعتزي بوائل وأنا أقول بالتأكيد أن وائل جد عنزي لا يشك به أحد وليس هو وائل بن قاسط والمعروف أن عنزة لم تسمى في عجل ولا في قيس ولا في عبداللات القبائل التي يتألف منها الحلف بل دخلت في اللهازم كاسم وليس عزوة وقد اختفى أسم اللهازم عن جميع أعضاء هذا الحلف ؟ وهاهم بنو عجل في العراق يقال لهم العجلية ولا يقال لهم اللهازم وقد ذكر بعض المؤرخين أن بني حنيفة قد تلهزمت وكذلك لا يعرف أي حنفي اسم اللهازم منذ صدر الإسلام وهذا دليل قاطع على بروز الأسماء الصحيحة لمن دخل في هذا الحلف بالأخص قبيلة عنزة ومع كثر ما بحثت مع رواة عنزة لم أجد من يعرف اللهازم بل يضربون المثل باسم مقارب حيث سمعت من يقول يشبع اللهامزة أو يروي اللهامزة فقد يرد المثل إذا سأل رجل هل الماء كثير أو هل الطعام كثير فيقول الآخر يشبع أو يقول يروي اللهامزة وهذا يضرب للكثرة ولا أدري لو كان الاسم مصحّف أو محرّف ويقصد به اللهازم وهو على كل حال يضرب للكثرة وغير كلمة اللهامزة لم أسمع أحد يذكر اللهازم وأني استغرب كيف عرفوا هؤلاء الأخوة الذين أدخلوا عنزة في وائل بن قاسط وهم لا علاقة لهم به ألا عن طريق اللهازم وهل يصح أنهم ينتحلون نسب بكر وتغلب لكي يدخلون في وائل بن قاسط ؟ وكيف يقبل رجل سليم العقل أن يمسح أسم عنزة ويتسمى في بكر وتغلب ؟ وهل نحن نكذب على أنفسنا ؟ وماذا يزيدنا من فخر العزوف عن نسبنا وانتحال نسب غيرنا ؟ وهل بكر وتغلب أفضل نسب من عنزة ؟ وهل وائل بن قاسط أفضل من وائل بن هزّان ؟ يجب أن تدور هذه الأسئلة بخلد كل رجل معه ذرة من عقل ويجب أن يقف مع نفسه فيتدبر الأمر قبل أن يأخذ بالمهايطات الفاضية التي تطلق عبر القنوات من الشعر أو الخطب الرنانة أو الأخذ بأقوال الذين يدعون كذباً أن عنزة كذا وعنزة كذا من تحريف نسب القبيلة والتسمي باسم قبائل أخرى أو ضم مشاهيرها على أنهم من عنزة ولو أفتخر أحد بالزير يجب أنه ينسبه لنسبه الصحيح ويفتخر به لقرب النسب كونه من ربيعة أو يفتخر رجل من عنزة بالأحنف بن قيس كونه من نزار أو يفتخر رجل بحاتم الطائي أو بعنتر أو بمعدي يكرب الزبيدي كونهم من العرب وهكذا ولكن من غير المعقول أن ينسبهم لقبيلته وهم لهم نسب صريح ومعروف وأخيراً آسف على الإطالة وما كتبت هذا التوضيح ألا أنني أشعر أن بعض الأخوة لا يزال يخوض ويتخبّط في نسب هذه القبيلة وللأمانة التاريخية تم التوضيح والله على ما أقول شهيد