هل يجوز الدعاء على عموم الكفار بالهلاك ؟؟
قال الشيخ محمد بن أحمد الفيفي - حفظه الله - في رسالته " الاعتداء في الدعاء :
من صور الإعتداء في الدعاء ( الدعاء على عموم الكفار بالهلاك والاستئصال) ، ويدل لهذا :
* أولا : أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت أنه دعا على عموم الكفار وإنما دعا على قبائل أو أشخاص بأعيانهم ، بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال : لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
بل إنه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ )
وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال (( إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة)).
* ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار إلى يوم القيامة، بل إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأيضا ربما سيترتب على هذا تعيطل باب الولاء والبراء ، وباب الجهاد.
* ثالثاً: أنه ليس للمسلم أن يدعو بالإستئصال على من أذن الله له بأن يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها ، وامتن عليهما بقوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) [ الروم 21 ] فهل المودة والرحمة تقتضي أن يدعو عليها بالهلاك ؟
أم كيف يستقيم أن يدعو الولد المسلم على والديه بالهلاك إن كانوا كافرين ، والله جلّ وعلا يقول عنهما (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً )[ لقمان 15] .فإن الدعاء على عموم الكفار يشملهما ، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف ؟
* قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب التوحيد عند : باب قوله تعالى ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ )[ الأعراف191] :
أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالهلاك، بل قال: "اللهم! عليك بهم، اللهم ! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"، وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه. فالمهم أنَّ الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه ا.هـ.
* وقال ابن تيمية: 8/336 : ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .
* وقال الشيخ الفوزان : المشروع في القنوت وغيره الدعاء على المعتدين من الكفار على المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَنَتَ يدعو على الكفار خَصَّ المعتدين منهم ولم يدع على جميعهم فقال: اللهم العن فلاناً وفلاناً والقبيلة الفلانية ولم يعمم الكفار. ( مجلة الدعوة العدد1869ـ 16 رمضان1423هـ).
* وقد أفتت اللجنة الدائمة 24/275 : مانصه :
وقول الكاتب : (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود ، اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود ، اللهم أفنهم فناءك عادا وثمود ). والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء ؛ لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة ، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ا.هـ .
* وقال معالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية :
"هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة في دعائهم على الكفار أن يكون دعاءً خاصاً على المعتدي، على الظالم، على من حارب الإسلام وأهله، كما في دعاء عمر في القنوت: اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون أولياءك، .(رواه البيهقي في السنن2/210)، أما الدعاء على اليهود والنصارى جميعاً بالإستئصال ، فإنه لا يجوز شرعاً. وهو من الاعتداء في الدعاء ؛ وذلك لأن الله جلّ وعلا أخبرنا أنّ اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن خروج المسيح الدجال، فإذا دعا أحد بأن يستأصلهم الله جلّ وعلا الآن قبل نزول المسيح الدجال فهو إعتراضٌ على ما أجرى الله حكمته وقدره الكوني ببقائهم إلى آخر الزمان؛ ولهذا لم يؤثر عن أحد من السلف ولا من أئمة الإسلام أنه دعا بهذا الدعاء العام على اليهود النصارى، وإنما يُدعى بالدعاء الخاص لمن قاتل، لمن حارب ، لمن آذى المؤمنين ونحو ذلك"ا.هـ(محاضرة أسباب الثبات على الدين)
كتبه : محمد بن أحمد الفيفي
عضو الدعوة بوزارة الشؤون الاسلامية
قال شيخ الإسلام - رحمه الله- في مجموع فتاويه :
( ومن الاعتداء في الدعاء : أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله )