تقول مس بيل السكرتيرة الشرقية للحاكم السياسي البريطاني في العراق منذ احتلال بغداد عام 1917 ، في كتابها الموسوم تاريخ العراق القريب ( ترجمة الدكتور جعفر الخياط ) عن عنزة :
بأنهم مجموعة موحدة من القبائل البدوية تقطن بادية الشام الممتدة بين الفرات والحدود السورية ، وهم يصلون في ترحالهم شمالاً الى حلب ، وفي هذه المنطقة الشمالية يعبرون الفرات فيحتلون المراعي الغنية بالعشب حوالي البليخ والخابور ، حيث يدل خط من التلول العالية المنتشرة بين القرى الأثورية على رخاء البلاد وثروتها في السابق ، وتكون في الجنوب الرمال المتموجة في صحراء النفود (النفود الكبير) ، الحدود الاعتيادية لهجرة قبائل عنزة ، لأن النفود هي المراعي الشتوية لقبائل ابن رشيد الشمرية .
وفي الشمال الشرقي ايضاً نجد عنزة من أي مكان تعبر الفرات شمر الى جانبها ، ولكن شمر في هذه الديار تتبع اسرة جربا وليس اسرةابن رشيد .
وتنطوي اسباب انحصار عنزة بين القبائل الشمرية من جهات مختلفة في تاريخ هجرتهم من جزيرة العرب . ففي منتصف القرن الثامن عشر طغى سيل شمر على حدودها في الحافة الشمالية من النفوذ واكتسح بادية الشام دافعاً امامه شاغلي هذه السهوب المملوءة بالعشب او منحيا اياهم الى جانبي البلاد المعمورة .
وبعد خمسين سنة اصاب شمر الشماليين ما اصاب غيرهم من قبل على ايدي بني عنزة التي تدفقت جموعها من منازلها الواقعة وراء الزاوية الجنوبية من النفود (نجد وشمال الحجاز) ، حيث ما زالت مقيمة هناك بعض فروعها دافعة امامها من تقدمها من العشائر الشمرية إلى الجانب الاخر من الفرات ، وهناك في الجزيرة ايضاً حرمتها الاتصال بالخابور والبليخ ولما انعزلت قبائل شمر في الجزيرة عن اقاربها المقيمين حول حائل في نجد ، شيخت عليها رؤساء من اسرة جربا ، لكنها بقيت متعلقة نظريا باتباع ابن رشيد ، الا ان بعض الشيوخ كانوا يرحلون في مناسبات مختلفة إلى مراعي الجزيرة العربية الاصلية من دون معارضة .
ونجد من جهة اخرى انه اينما كانت تتصل شمر بعنزة كان يعقب ذلك الاتصال الانفجار لان الخصومة بين القبيلتين لا يمكن ان تنطفئ بالكلية مطلقاً
وقد يبلغ عدد العنزيين في بادية الشام والجزيرة معا ربع مليون نسمة ، ولاشك ان التقدير مبني على اضعف المعلومات ، اذ لم يحاول احد التفكير باحصاء خيم البدو . وهم ينقسمون بصورة عامة إلى جمهرات ثلاث :
فهناك العمارات الذين يدعون بأنهم من سلالة جد اسطوري يدعى (بشر) . وهم يحتلون برئاسة فهد (بيك) آل هذال الزاوية الجنوبية الشرقية من بادية الشام ، ويمضون الصيف بالقرب من الفرات .
وهناك جمهرة الرولة التي يترأسها نوري الشعلان وهم جيران متقابلون للعمارات ينزلون في الجهة السورية من البادية ، ويلتجأون إلى الشام في الاكتيال والتبصع . كما يقصد العمارات كربلاء والنجف .
والجمهرة الثالثة هم جمهرة مختلفة تتألف من الفدعان والسبعة ، والفريقان ينحدران من (بشر) ، كما ينحدر العمارات منه ولذلك فهم يدعون أحيانا كلهم بأسم بشر ، ويتبع الفدعان اسرة المهيد ،
وابرز الشيوخ بين السبعة ابن مرشد وابن قعيشيش
ويدّعي فهد بن هذال (البيك) انه الشيخ الاعلى لعنزة بأجمعها ، ولكن حقوقه الشرعية او القانونية مهما كان شأنها هنا فأنه من السلطة الواقعية لاظل لسلطته على الرولة . كما ان الفدعان والسبعة لا يكادون يعتروفون به الا اعترافا ضئيلا ولا يمكن ان يعتبر ذلك خضوعا له وحتى اقاربه شيوخ العمارات لايطيعونه او يعيرونه اذنا صماء الا تبعا لما تقتضيه مصلحتهم .
فالمشيخة عند البدو اصطلاح غير دقيق ، ومع ذلك فان ابن هذال يعتبر اعظم شيوخ البدو في حدود العراق الغربية .
وقد حاول الاتراك ادخاله في جهازهم الاداري بتعيين الشيخ فهد بن هذال (قائم مقام) للبادية الواقعة بين واحة شثاثة وكربلاء حيث يملك في نهاية جدول يتفرع من الفرات عدة افدنة من الاراضي الصالحة للزراعة يقوم بزراعتها فلاحون من سكنة المناطق النهرية .
وقد ورث عنه ابنه (محروت آل هذال) هذه الارض واللقب التركي ايضا .
فكان هذا اكبر تدبير من تدابير العثمانيين الظاهرية ، الا انه لم يكن في مقدوره ان يسبغ على الشيخ البدوي ابعد الشيه بالافندي التركي .
وليس لفهد بك مسكن ثابت ، حيث انه في اواخر الشتاء وفي الربيع يمكن ان يوجد مخيما في الوديان الضحلة المملوءة بالعشب من وديان بادية الشام تحيط به حوالي مائتي خيمة تنتشر انتشارا متسعا منعا لما قد يجري من هجوم مباغت عليه . وترتع قطعان ابله إلى مسافة عدة اميال من طول المخيم ، كما يقوم هجانته المزهوون بجباية الأتاوي من كل قافلة تمر من ذلك الطريق .
ويعطي هذا الشيخ المسن حينما يجلس فوق السجاد النفيس في خيمة ضيوفه ومن وراءه الصقر وكلب الصيد صورة من صور الهيبة العشائرية لا يمكن ان تضاهيها صورة من المدن المسورة والقصور الشامخة التي يسكنها امراء اواسط الجزيرة العربية وجموع عبيدهم المسلحين .
وبعد الاحتلال بشهرين زار ابن هذال بغداد فقابلته السلطات البريطانية بأحترام وتبجيل ، وعقدت معه اتفاقية حسب الخطة المعتادة ، فخصصت له منحة مالية وتعهد بالمحافظة على السلم على طول حدودنا وبمعاملة اعداءنا كما يعامل اعداءه ، ومنع مرور البضائع عبر البادية .
اما التعاون العسكري الفعال ضد الاتراك وحلفائهم فان عنزة لم تقم بشيء منه بالنظر لسوء الضبط العشائري المعروف لكنهم قاموا بتحريض من الحاكم السياسي في البادية ، (الكولونيل ليجمن) الذي يعد قائدا للغزوات احسن من شيوخهم انفسهم ، بمصادرة عدد لا يستهان به القوافل التي كانت تتجه إلى دمشق او حائل ، وربما كانت قيمة البضائع المصادرة تزيد على مبلغ المنحة التي كانت تمنح لفهد ولقد جنت عنزة في شتاء 1917 / 1918 اتم المنافع من علاقتها الودية مع الادارة البريطانية ، فأن خطر المجاعة الذي كان مخيما على العراق لم تكن تستثني منه البادية لكن عشيرة فهد تسلمت من عندنا كميات كبيرة كانت ترسل بانتظام من الحبوب والتمور ، بينما كان الاتراك والالمان يعاملون السبعة والفدعان المحادون لاراضي العدو معاملة تختلف تمام الاختلاف عن ذلك .
وبذا كانت الجموع الجائعة تعبر بادية الشام ملتجئة إلى فهد فكانت تعطي اليهم وغلى قبائل الاصلية نصيبهم الشحيح من المواد الغذائية . وما حل كانون الثاني حتى كان مائة الف بدوي يخيمون على مقربة من (شثاثة) . ولما كانوا وادعين سهلي الانقاذ فأنهم لم يحدثوا أي اضطراب بل قبلوا بمئة المؤونة التي زودوا بها . وعندما ملا العشب ضروع نياقهم الحلابة في الربيع اخذوا يرجعون إلى ديارهم من واد مجدب إلى واد ممروع ونسوا في غمرة خصوماتهم الداخلية المستديمة الدور الذي خصص لهم خلال الحرب في مناوئة الاتراك .
ويقول جعفر الخياط مترجم كتاب تاريخ العراق القريب انه ورد في (دليل جزيرة العرب) السري اذي نشرته وزارة الحرب البريطانية باللغة الأنكليزية سنة 1916 :
ان جمهرة قبائل عنزة الكبرى ربما تعد اكبر جمهرة قبائلية بين قبائل العرب البدوية وهي تشغل مثلثا يتكون من بادية الشام والحماد تستند قاعدته على منطقة النفود (النفود الكبير) في حوالي درجة طول ثلاثين ويقترب رأسه من حلب حوالي درجة طولى 36 . وتعتبر المراعي الكائنة شمالي دير الزور في الجهة الشرقية من الفرات على طول نهر الخابور من ديار عنزة كذلك . بينما تقطن مجموعة اصغر من القبائل التي تمت بصلة إلى عنزة حول تيماء ما بين سكة حديد الحجاز وحدود النفود (النفود الكبير) الجنوبية الغربية . ويقال ان ابن سعود ينتمي إلى عنزة (( الحسنة )) .
وتنتسب عنزة إلى (( اهل الشمال )) من العرب .
كما يعتقد المؤرخون ان هذه القبائل تنحدر من نسل عنزة بن اسد المتفرع من ربيعة احدى الدوحتين الكبيرتين اللتين تنتسبان إلى نزار غير ان الرجل العنزي الحديث ينتسب دوما إلى وائل الذي يتبع إلى فروع اصغر من فروع المجموعة الاسدية ويقول ان ابنه عنز هو الذي تسمت بأسمه القبيلة .
على ان قبائل عنزة لا يجمعها رئيس واحد بل تتقسم إلى فروع عدة كبيرة يقف كل منها موقفا وديا تجاه الأخرين ، من دون ان يخلو ذلك من الغزوات والاختلافات الشخصية بين الشيوخ الصغار .
وخصم عنزة الوراثي هي قبائل شمر . ولذلك فأن تاريخ البدو في جزيرة العرب كانت خلال المئة والخمسين سنة الاخيرة تسيطر عليه اخبار الخصومة المحتة بين هذين الفريقين .
ويبدو ان مقر شمر الأصلي كان يمتد في شمال وادي الرمة ، على طريق الحج ما بين البصرة والمدينة ، وحتى إلى ابعد من ذلك جنوبا في اتجاه اليمين . وبدافع من العوامل الغامضة التي كانت تدفع سكان الجزيرة العربية خلال الحقب التاريخية المتعاقبة إلى الهجرة نحو الشمال ، اخذت هذه القبائل تقلق وضع عنزة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، فصارت تقتفي اثر شمر نفسها في السهوب الشمالية التي يقل جدبها من جدب الفرات في اواسط الجزيرة حيث تتميز بكميات اكبر من الامطار الواصلة .
والظاهر ان العمارات والسبعة وولد علي جاءوا بعد هؤلاء ثم تبعتهم قبائل الرولة في اواخر القرن الثامن عشر .
كما ان قبائل عنزة التي كانت تنزل حول دير الزور تنتمي إلى الفدعان وتمتد منازلهم على ما يذكر في ( دليل جزيرة العرب 1916 ) من حلب على الدير على ضفتي الفرات ثم الخابور فتكاد تصل إلى سنجار تقريبا .
وقد كان يرأس هؤلاء ابن مهيد وابن قعيشيش فيكون اتباعها حوالي 3500 خيمة . ولعل شيوخ الفدعان هم الذين كانوا معادين لفهد بن هذال شيخ مشايخ العمارات من عنزة التي تعد حوالي 3000 خيمة . وكان ابن هذال هذا رجلا غنيا يملك بساتين النخيل في الرزازة على مقربة من كربلاء وفي البغدادي فيما يقرب من هيت وفي جهات اخرى من الفرات وزيادة في الايضاح انه كان يكره الاتراك لانهم زجوه في السجن مدة من الزمن ولذلك انحاز إلى الانكليز حالما احتلوا العراق وافادهم فائدة جلى خلال الحرب