من اقوال الشيخ الالبانى رحمه الله
الإحتجاج بقول نيتي طيبة أو نيتي سليمة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف الذي أوله: "إن الحلال بين والحرام بين..." إلى آخره، في الأخير قال: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"( ).
فأقول لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لإصلاح القلوب، ولكنه لم يأتي فقط لإصلاح القلوب، بل ولإصلاح الظواهر أيضاً.
ذلك لأن هذه الظواهر تُنبئ عن البواطن، في ذلك يقول العلماء: (الظاهر عنوان الباطن).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي يربط فيه العمل وهو ظاهر للقلب وهو باطن لا يعلم ما في القلوب إلا الله عز وجل، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم
تعبيراً عن هذه الحقيقة: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
وبهذه المناسبة أقول: من الخطأ الشائع والفاحش أن يقال في بعض المناسبات: (أن العبرة بما في القلب)، لا، هذا كلام ناقص، (العبرة بما في القلب وما في العمل)، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث السابق: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
فلذلك كما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لإصلاح القلوب، جاء أيضاً لإصلاح الأعمال، بدليل تلك النصوص.
ولا شك ولا ريب أن الأقوال من جملة الأعمال.
وإذ الأمر كذلك فينبغي أن تكون أقوالنا في حد ذاتها صالحة كالعمل.
وكما أنه لا يجوز لمسلم أن يأتي بعمل ثم يظهر أن هذا العمل مخالف للشرع، فيُرَقِّعُونه بحجة أن نيته طيبة، هذا ترقيع.
ذلك لأنه لا يشرع للعمل الطالح النية الصالحة.
أي إذا كان العمل مخالفاً للشرع، وكانت النية صالحة، هذه النية الصالحة لا تقلب العمل الطالح المخالف للشرع إلى عمل صالح.
كما أنه على العكس من ذلك تماماً، لو كان العمل صالحاً، وكانت النية فاسدة، فهذا العمل الصالح لا يقلب النية الفاسدة فيجعلها صالحة.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
المقصود بالهجرة هنا هو الجهاد في سبيل الله، فيقول عليه الصلاة والسلام: "فمن كانت هجرته" أي جهاده في سبيل الله، فهو العمل الصالح.
"ومن كانت هجرته": أي جهاده لأمر مادي، كامرأة يصيبها أو دنيا، فحينئذ عمله يصبح فاسداً.
وعلى هذا إذا كان لا بد من أن يكون العمل صالحاً مع صلاح القلب، وكانت الأقوال فيها من الأعمال، فلا بد من أن تكون الأقوال صالحة كالأعمال.
فوجود النية أو القصد الصالح كما ذكرنا آنفاً لا يجعل العمل الفاسد صالحاً.
كذلك وجود النية الصالحة لا يجعل القول الفاسد المخالف للشرع صالحاً.
وعند ذا نصوص وأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى فيها اهتمامه صلى الله عليه وسلم بإصلاح الألفاظ كما اهتم بإصلاح الأعمال.
من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وهذا مبدأ عام وعظيم جداً: "إياك وما يُعتذر منه"،
وأوضح من هذا قوله عليه السلام: "لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس" هذا هو التأويل.
ويزيد الأمر وضوحاً ومعالجة فعلية منه عليه الصلاة والسلام لبعض الأقوال التي صدرت من بعض الأصحاب خطأ، فما نظر النبي صلى الله عليه وسلم حينما نظر على فساد تلك الأقوال التي ستسمعون بعضها، ما نظر إلى صلاح قلوب قائليها، وإنما توجه إلى إصلاح تلك الأقوال، لأنه مكلف من رب العالمين أن يصلح الأعمال والأقوال مع القلوب.
من ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام احمد رحمه الله في (مسنده) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوماً فقام رجل من الصحابة فقال: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام بشيء من الانزعاج والغضب: "أجعلتني لله نِداً؟ قل: ما شاء الله وحده".
وفي الرواية الأخرى: "قل: ما شاء الله ثم شئت".
ما أكثر ما نسمع الآن عدم التجاوب من كثير من المسلمين مع هذا التوجيه النبوي الكريم في هذا الحديث، ذلك لأن كثيراً من العرب المسلمين عادوا كالعجم المسلمين، يعني ما يعرفون لغتهم العربية، ولا يفرقون بين قول القائل: (ما شاء الله ثم شئت)، وبين قول القائل: (ما شاء الله وشئت).
ويكاد كثير من الناس حينما يقرؤون هذا الحديث أو يسمعونه لا يفهمون السر في كون الرسول غضب من ذاك الصحابي حينما قال: (ما شاء الله وشئت)، وعاد الرسول عليه السلام بالإنكار، وأصلح العبارة وقال: "قل: ما شاء الله ثم شئت".
والفرق أن (الواو) في اللغة العربية تفيد الجمع، إذا قال القائل: جاء الملك والوزير، معناه جاءوا معاً.
أما إذا قال القائل: جاء الملك ثم الوزير، معناه أن الملك جاء متقدماً، ثم الوزير جاء متأخراً,
لهذا السبب أنكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قول ذلك القائل: (ما شاء الله وشئت)، لأنه قرن مشيئة النبي صلى الله عليه وسلم وجمعها مع مشيئة الله.
والله يقول: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير.
فمشيئة الله هي الغالبة، ومشيئة عباده هي من مشيئة الله، وبعد مشيئة الله تبارك وتعالى.
لو رجعنا إلى ذلك القائل: (ما شاء الله وشئت)، ودققنا في قوله عليه السلام: "أجعلتني لله نداً"، أي شريكاً، وسألناه: هل أنت تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ند وشريك مع الله؟
لقال: أعوذ بالله، أنا ما أمنت به نبياً ورسولاً إلا فراراً من الإشراك بالله تبارك وتعالى.
مع ذلك فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم تلك اللفظة، لأنها تُشعر بخلاف ما يريد المتكلم.
وهنا بيت القصيد كما يقال من هذه الكلمة العاجلة.
بيت القصيد أن المتكلم ذاك لا يريد أن يجعل نبيه شريكاً مع الله في الإرادة والمشيئة.
بمعنى: أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئة الله ومشيئة رسول الله حاشا هذا الصحابي، بل حاشا أي مسلم أن يعني هذا الشرك الصريح، لكن اللفظ توهم هذا عربيا.
من هذا القبيل أيضاً: ما جاء في حديث آخر صحيح، وفيه عبرة لمن يعتبر، وهو ((أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاء صباح يوم إليه فقال: يا رسول الله رأيت البارحة في المنام وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة لقيتُ رجلاً من اليهود، فقلتُ له في المنام: نِعم القوم أنتم معشر يهود، لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عزير بن الله، فعارضه اليهودي في المنام أيضاً وقال: نِعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد.
ثم مضى فلقي رجلاً من النصارى فقال: نِعم القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: عيسى بن الله، فعارضه النصراني بمثل ما عارضه اليهودي فقال: نِعم القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد.
فقال عليه السلام لهذا الرجل الرائي تلك الرؤية في المنام: "هل قصصت رؤياك على أحد؟" قال: لا، فوقف عليه الصلاة والسلام خطيباً في أصحابه وقال ما معناه قال:"ما كنت أسمع أحدكم يقول: ما شاء الله وشاء محمد، فأستحي منكم"، يعني يصعب عليه أن يكشف عن خطأ هذه الكلمة منهم لعلمه بحسن طوياهم.
لكن الآن جاء وقت البيان وقال: "لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل ما شاء الله وحده"( ).
هذا الحديث والذي قبله، والذي قبله وقبله كل ذلك لإصلاح الألفاظ.
ولا يغتر الإنسان بقوله: والله أنا نيتي طيبة.
يا أخي بارك الله فيك في نيتك الطيبة، لكن ألا تريد أن يبارك الله في قولك الطيب أيضاً؟
يجب أن يقترن القول الصالح كما قلنا مع العمل الصالح.
لقد وصلت عناية النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه المسلمين إلى إحسان الكلام بالتلفظ به إلى أمر عجيب جداً يغفل عنه جماهير المسلمين، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن لَقِسَت"( ) شو معنى: لقست؟ خبثت. لغةً المعنى واحد .
لكن اللفظ الخبيث خبيث في عرف الناس، ولذلك قد يقول بلفظة تؤذي بنفس المعنى، ولكن تكون اللفظة في ذاتها ألطف لفظاً وعرفاً.
مثاله من واقع الناس: بدل ما يقول الرجل: زوجتي قالت لي كذا ، امرأتي قالت لي كذا ، يقول: قالوا لي في البيت ، المعنى واحد ، ولكن بدل ما يذكر زوجته أمام رجل غريب وِخَلِّي( )الذهن يشتغل بهذه اللفظة ، يبعد في اللفظ ، ويُقرب في التعبير والمعنى ، فيقول: قالوا في البيت.-
هذا مثال يُقرب كل ما سبق الكلام عليه آنفاً.
الشاهد من هذا الحديث الأخير: المسلم كما جاء في بعض الأحاديث كالسنبلة تأتي الرياح فتميل بها أحياناً يميناً ويساراً، وأحياناً تستقيم.
هذا الميل كناية عن الميل مع الأهواء والشهوات.
فهنا يشعر الإنسان في هذا الميل بـأن نفسه أصابها شيء من الخباثة، فهو يريد أن يُعبر عنها، فلا يقول، ولا يكون التعبير بلفظ: (خَبُثَت)، ولكن بلفظ (لَقِسَت).
إذا كان هذا شأن الإسلام في توجيه ألفاظ أتباعه حتى فيما يتعلق بنفوسهم الخبيثة، فكيف يجوز للمسلم أن يأتي بلفظة تتعلق بدينه، بنبيه وبربه.
أولى وأولى ألا يكون هذا جائزاً.
قلنا آنفاً إنه عليه السلام كما جاء لإصلاح القلوب والأعمال فأيضاً جاء لإصلاح الأقوال.
وأن النية الصالحة لا تُغني عن هذه الأمور الأخرى، وهي الأعمال والأقوال الفاسدة.
كثيراً من الناس مثلاً نراهم يأتون إلى بعض القبور منسوبة بأنبياء أو صالحين، فيدعون عندها، وقد يصلون إليها، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك
أشد النهي فقال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد"( ) ، "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ( ) ، وقال: " لا تجلسوا على القبور"( ) لما فيه من إهانتها ، وهذا إكرام من الرسول للميت وهو في قبره.
لكنه بالمقابل أيضاً قال: "ولا تصلوا إليها"( )، لأن في الصلاة إليها تعظيم لها أكثر مما يجوز شرعاً.
فنجد بعض الناس يفعلون هذه الأمور المخالفة للشريعة.
نجد بالمقابل ناس ينكرونها، ولكننا مع الأسف، لا نعدم من يقول: اتركه يا أخي هذا نيته طيبة، نيته طيبة.
إذاً هذا الذي يقول هذا الكلام، هذه الأحاديث كأنه ما قرأها، ولا سمعها، أو أنه قرأها وسمعها، ثم مر عنها كما يقال: مر الكرام.
وإلا كيف يعتمد على هذه الكلمة (دعه نيته طيبة) وهو يراه يخالف الشرع.
وقد ذكرنا آنفاً أن ذاك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت"، ما قصد أن يجعله شريكاً، مع ذلك صلح له لفظه.
فمن المخالفة للشرع أن ندع الناس يخالفون الشرع بدعوى أن قلوبهم صالحة.
علماً أننا لا نستطيع أن نكشف عن ما في القلوب، هل هي حقيقة صالحة، هل هي حقيقة صالحة أم طالحة، هذه علمها عند ربي.
فإذاً ما ربطنا آنفاً بين قوله عليه السلام: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله"، حينئذ نستطيع أن نجعل عمل المسلم دالاً على ما في قلبه.
ذلك لأن الظاهر مرتبط مع الباطن، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة حينما كان يأمر أصحابه، حينما ينهضون لعبادة الله وحده لا شريك له، كان يقول لهم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"( ).
فإذاً الإخلال العملي بتسوية الصفوف، يؤدي إلى الإخلال لإصلاح القلوب.
ولذلك تعجبني كلمة بقولها بعض أهل العلم رداً على بعض من ينتمون إلى التصوف بحق أو بباطل، يقول هؤلاء العلماء رداً عليهم: (الظاهر عنوان الباطن).
لهذا يجب على المسلمين، أقول في ختام هذه الكلمة، يجب على المسلمين أنهم قبل أن يتكلموا أن يزنوا كلمتهم.
فقد ابتدأنا هذا الكلام بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس".
ما لازم تحكي كلام بعدين تندم عليه، و تضطر إلى إيش؟ إلى تأويله، لا، فكر ثم قل.
لذلك جاء في بعض الأثر: (عقل المؤمن قبل كلامه، وكلامه وراء عقله، وعقل المنافق بعد الكلام) يتكلم ثم يفكر، المسلم ليس كذلك، يفكر ثم يتكلم.
هذا كله لنفهم أن قول القائل: (أدامك الله) هذا الكلام ظاهر، لأنه لا يدوم إلا الله عز وجل، هذه عقيدة يعرفها المسلمون جميعاً.
لكن ممكن تأويلها: (أدامك الله) يعني حياة قررها ربنا لهذا البشر، مثل ما قال الرسول عليه السلام: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقلَّ من يجوز ذلك"( ).
(أدامك الله) يعني هذه المدة، موش معنى (أدامك الله) يعني أبقاك الله إلى الأبد، لأن هذه خصلة مزية تفرد
بها ربنا عز وجل دون خلقه، فهو الأول والظاهر والباطن سبحانه وتعالى.
هذا الذي أردنا بيانه حول هذه الكلمة.
انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار