قلعة الحجر (مدائن صالح) :
أثرت بموضوعي هذا إعطاء القارئ نبذه تعريفية وتنويراً لهذه القلعة العظيمة التي لم تأخذ حقها من التاريخ لما قامت به من خدمات جليلة خدمت فيها درب الحجاج والبدو عبر السنين ولما تعرضت لها من الإهمال وقلة المعلومات والمعرفة حولها . وكبداية لهذا الموضوع نتعرف على مؤسسها ولما بنيت والقصص الجميلة التي حدثت فيها عبر السنين ...
البداية :
مؤسس هذه القلعة وهو حاكم والي دمشق أسعد إسماعيل باشا العظم والمشهور بأسعد باشا العظم حيث هذه الأسرة العريقة عينت من قبل السلاطين العثمانية وكانت مسؤولة عن درب الحج الشامي وسلامة حجاج بيت الله الحرام وسلامة قوافلهم وتأمين الراحة والأمان لهم.وامتدت فترة حكمه14 سنه.....(1156هـ -1170هـ) وفي آخر فترة حكمه تم نفيه الى كريت ثم قتل في أنقرة أثر خلاف مع السلطان العثماني محمود الأول, واشتهرت فترة حكمه ببناء القلاع وازدهار الشام ودرب الحج الشامي ومن ضمنها القلعة الإسلامية (الحجر) بنيت عام 1160هـ ولها من العمر الآن ما يوافق 273 سنة كم هو مبين على النقش بلوح التأسيس على واجهة القلعة والتي ألت يد التخريب والإهمال في طمس معالمها وكانت قبيلة الفقرا (المنابهة) تسمي تلك القلعة بالبويضا وذلك بسبب لونها واختلافها عن باقي القلاع وكانت تحت حماية ونفوذ تلك القبيلة .
أسعد باشا العظم حاكم دمشق وأمير درب الحج الشامي
من أشهر من زار هذه القلعة وأقام فيها المستشرق البريطاني تشارلز داوتي المعروف بـ(خليل) عام 1294 هـ
تشارلز داوتي المعروف بـ(خليل)
الإنجليزي تشارلز داوتي له قصة طويلة مع هذه القلعة حيث عاش فيها فترة طويلة تحت حماية المغاربة المكلفين بحفظها ورغم أن هدفه كان زيارة آثار ثمود إلا أنه كان لماحاً إلى الحالة الاجتماعية والسياسية للمنطقة وقد ذكر تفصيل ذلك في كتابه ,(Arabia Deserta) وبخاصة قبيلة الفقرا (المنابهة) كانت له مواقف مضحكة وأوقات عصيبة وأوقات ممتعة ,وبالإضافة إلى شخصيته الشاذة فقد كان الحراس المغاربة ذوي مزاج حار وهذا مما أسفر عن نزاعات وفي إحدى المرات ضربه الأغا محمد علي حتى أدماه ,الطريف أنه كان عندما يريد أن يعود الوفاق لسكان القلعة يقوم بعمل شاهي ويكثر من السكر ويدعو الجميع للتصالح ,وقد ترك القلعة فيما بعد وعاش مع قبيلة الفقرا (المنابهة )وكان صديقاً للشيخ زايد الفقير .
يقول داوتي: ثم يجتمعون العصر مرة أخرى ويفتحون الباب الحديدي للضيوف من شيوخ البدو أو الزائرين وعند المساء يطرد الجميع ,من غير سكانها ويغلق الباب الحديدي ,ويسمر سكان القلعة عند وجار القهوة على الغليون والقهوة والحكايات المتكررة لاحظ داوتي النخلات الثلاث اللاتي كان يرعاهن الحاج نجم ويسقيهن ويدفع عنهن الجراد عندما يأتي وقت الربيع والطريف أن تلك النخلات طال بهن العمر ويمكنك أن تراهن عيدانات في الصورة التي التقطت بعد 30 عاماً رحم الله الحاج نجم ولا نعرف ما مصيره ,ومن المرجح موته في القلعة لكبر سنه.
قلعة الحجر كما رسمها داوتي (لاحظ دقة رسمه للقلعة)
سوق الجردة:
هذا سوق شهير موسمي مؤقت يقام عند قلعة الحجر كل عام حين عودة قافلة الحج من مكة شمالا كما تاتي الى هنا قافلة ثانية قادمة من دمشق تسمى قافلة الجردة.
وقافلة الجردة أيضاً يصحبها كثير من التجار الاشوام فتنشأ هنا سوق موسمية عظيمة وذكر داوتي سنة 1294 هجري أنه كثير من البدو ومن تيماء يأتون لإبتياع حاجاتهم الموسمية من القهوة والقماش والبهارات والأواني وبأسعار تصل خمسة أضعفها في دمشق وتصبح القلعة مشغولة من الزوار وذكر أيضا انه قدم عليهم مبعوث من محمد بن رشيد مستصحبا فرس هدية لأمير الحج.
كانت الجردية تصل بصحبة اغا شامي وفي وقته كان محمد طاهر افندي بصحبته 40 فارس ومدفع واحد .كان الهدف الأساسي لقافلة الجردة هو حمل تموينات ومساعدة لقافلة الحج الراجعة الى الشام.
كانت السوق عبارة عن صف من الخيام على شكل شارع طويل بجانب القلعة وبالإضافة للتجار الاشوام كان بعض اهل العلا ياتون بمنتجاتهم من التمر والليمون وغيره هذه السوق يستفيد منها عرب المنطقة فيأتي المشترون من قبيلة الفقرا وولد علي والمواهيب وبلي وجهينة وبشر وأهل تيماء والعلا.
زارها التونسي أيضا سنة 1300 هجري – 1883 م
سماها المدائن وقال :ودخلنا بين ديار ثمود المنحوتة في الجبال ووصلنا الى القلعة في الساعة السادسة فوجدنا موفد الشام المسمى بالجردة نازلا هناك وهو عبارة عن معسكر تحت امرة قائم مقام وهو شاكر افندي ومعه بريد مكاتب الحجاج وهدايا اهلهم وكثير من باعة مأكول واللباس اعانة للوافدين وربما اقبل بعض اقرباء الحاج او احبته الى ذلك بحيث ان عموم الشامية على كل حال يستفيدون احوال من خلفهم في تلك المنزلة فيكون ذلك اليوم يوم سرور عام ومن هناك تتجه الماكتيب مع بريد الدولة على يد المكلف بها في خفر من الحراسة .وهناك اقبل باعة من بلد يسمى العلا على بعد ساعتين مجاوراً بليمون حامض وحلو والحلو منه على شكل غير معروف لنا بحيث انه كبير جدا أملس متساوي الجهات في التكوير ,ولا رأس له وقشر رقيق جداً (قلت لعل التونسي يقصد الاترنج).
اوتنج مر بالقلعة 1301 – 1884 م وكان الحاج نجم ومصطفى لا زالا موجودين ولاحظ الثلاث نخلات المشهورة قرب القلعة.
ثم في عام 1907م – 1325 هجري – مر الفرنسيان جوسن وسفينياك بها وأيضا التقى بالشيخ مطلق الفقير وحين مرورهما بالقلعة لم يكن الحج حسن موجود بالطبع لكن الحديقة التي بدأت بالنخلات الثلاث التي رعاها الحج نجم الفاسي صارت حديقة جيدة بها 15 نخلة ..
من المآسي التي حصلت:
يروي داوتي انه عندما غادرت قافلة الحج من الحجر الى مكة وجلس هو في القلعة مع الحراس لزيارة آثار ثمود يقول انه بعد عدة ايام وفي اخر الليل سمعوا طرقا على الباب ولماعرفوا من صياحه انه حاج فتحوا له الباب فاذا به حاج مسكين من الاناضول جاء يمشي على قدميه كل هذه المسافة كان يتابع القافلة لكنه مرض في محطة المدورة بالاردن فلبث بها اياما ثم تابع رحلته وحيداً يمشي من قلعة الى قلعة وقد قطع مالايقل عن 1500 كم كان يرتجف من البرد وكان عاريا الا من سراويله فقد شلحه العرب من ثيابه على مسافة ساعتين من الحجر قام المحافظ بكسوته وتدفئته واطعامه بعد 3 ايام اعطوه قربة صغيرة وطعام ودلوه على الطريق الى المدينة وان يتتبع خطا قافلة الحج يقول داوتي انه بعد مضي ايام كثيرة مر بنا بدو وسالناهم عن الحاج ووصفن ملابسه لهم فاخبرونا انهم شاهدوا جثته قبل قلعة الصورة منكبا على وجهه ويبدو انه مات من العطش .كل عام ترى على جنبات درب الحج جثث الحجاج متناثرة كانت ضباع المنطقة تحوم على الحجاج وهو يسلمون ارواحهم ببطء قبل ان تلتهمهم.
اشكر اخي الباحث سعد الدوسري وعبدالله عبدالعزيز السعيد من فريق الصحراء بتزويدي المعلومات المتعلقه بهذه القلعه والذي لهم الفضل بعد الله بكشف خباياها واسرارها التاريخية.
المصادر:
فريق الصحراء.
الاثار الاسلامية في شمال غرب المملكة تاليف د/ علي غبان.