" تاريخ مشيخة البدور" الجزء الثانى
نتابع فى هذه الحلقة من تاريخ قبيلة البدور حيث نستعرض لتاريخ مشيخة البدور منذ نشأتها وإلى اليوم حيث نتابع فى هذا الفصل تسلسل المشيخة والأدوار التاريخية التى مرت عليها منذ مايقرب الأربعة قرون, فعندما عبر البدور شط الفرات وتوطنوا فى أراضى القطيعة على ضفاف نهر الكار المنفذ الثانى الى شط الفرات كان شيخهم زويد بن متعب بن فايز وبالرغم من أنه أخوهم الأصغر لكنهم قلدوه المشيخة لما عرفوا عنه من خصال حميدة وعنده الحظ والبخت وعندما كبُر فى السن اشترى له مطيه
ويسمونها(شهرية) وكانت فى ذلك الوقت يركبها الأمراء وذات يوم والبدور فى البادية الجنوبية وقت الربيع أصابهم ظمأ شديد وبحثوا عن الماء ولم يجدوه ووصلت بهم الحالة الى قرب الهلاك فقام الشيخ زويد وثبَت يده على التراب وصلى ركعتين وتضرع الى الله سبحانه وتعالى وبعد قليل أبرقت السماء بالغيوم وهطلت المطار فحمدوا الله واثنوا عليه ومنذ تلك الحادثة سمُي زويد ابوشهرية وقاد الشيخ زويد عشيرته قيادة حكيمة ويظهر لنا انه كان من المعمرين وعند وفاته اَلت المشيخة الى ولده الأكبر مرشد
ثم عجاج المرشد ولم يوفق الى إدارة العشيرة ولذلك رحلت المشيخة من المرشد الى ابن عمخ حمد بن الرشيد الملقب بالمجيهيل لعدم اكتراثه بالرجال ساعة النزال والتفت تحت قيادته كافة عشائر البدور وعند وفاته خلفه ولده عودة الفارس المقدام وفى مشيخة عودة انضمت تحت رايتهم أفخاذ من باقى العشائر منهم من عشائر عقيل من أفخاذ ربيعة ومن أهازيجهم( حنا عقلاتك ياعودة) ولكن الشيخ عودة لم يبقى طويلاَ فى المشيخة حيث انه تزوج بإمرأة من الطاهر عنوةَ ورحل بها الى قلعة سُكر وانجب منها ولدين
وثلاث بنات وعند غيابه استلم المشيخة ابن عمه عرفج بن زويد بن راشد بن زويد وعند وفاته وأخيه عطشان بقى أولادهما بسبب صغر سنهم عند أخوالهم الطاهر ولما كبر الشيخ شحم انتزع المشيخة من ابن عمه عرفج الراشد عنوة وترأس عشائر البدور وانضوت تحت رايته كافة عشائر البدور وغيرها من عشائر الجنوب وبدأت مشيخة الشيخ شحم منذ أواسط القرن التاسع عشر تقريباَ وهو الشيخ المهاب الذى يحمل الكثير من الصفات الى تؤهله الى قيادة عشائر البدور فقد كان كريماَ وشجاعاَ وسياسياَ مناوراَ
يجيد الشعر بكافة أنواعه وفى بداية مشيخته غزا على الطوقية والمراشدة منفرداَ وهو فى أهوار المايعة وهى من أخصب الأراضى فبارزهم وانتصر عليهم وواعدهم الى الصيف المقبل عند عودة البدور من البادية الجنوبية الحنية والدبدبة وفعلاَ حشد عليهم البدور عند عودتهم من ديارهم الثانية الحنية والدبية؟ اجبروهم على الرحيل ومن اهازيجهم( من ليَة وعادن جيناهم – فن اريسهم يحماهم) ومن كثرة حنقهم على عشيرة الطوقية والمراشدة اخذوا يرددون هذه الأهزوجة وشنوا هجوماَ عاصفاَ على الطوقية وهرب ماتبقى منهم
ناجين بأنفسهم تاركين بيوتهم ومواشيهم بيد فرسان البدور وبعد هذه الوقعة استولى البدور وشيخهم شحم العودة على كافة أراضى القطيعة من الدراجى الى العرجاء قرب مدينة الناصرية فى ذلك الوقت ثم عزم الشيخ شحم على توزيع الأراضى على عشائره ونصب الكرادة والنواعير على ضفة نهر الفرات اليسرى لزراعة الحنطة والشعير وكان يكنى أبوفرحان ومدحه أحد الشعراء من البدور واسمه ابوحميد من عشيرة النجم فخذ العويلين بقصيدة منها: يابوحمد سلم لى على الدواوين – وخص لى ابوفرحان وذم له أحوالى – عسى الردى مايفاديه – استار ربعه يوم هبة شمالى"
وفعلاَ هذه صفات الشيخ شحم العودة استار العشيرة عند هبوب العواصف حتى لاذت به بعض العشائر فمنهم من عقد معه حلفاَ مثل عشيرة العبودة ودارت معركة بين العبودية وخفاجة اشترك فيها البدور وكانت الدائرة على خفاجة وهذه الوقعة تتناقلها الألسن الى يومنا هذا ويسمونها وقعة يوم (الجاون) وكذلك عشائر البوطبر والبوعلى والبونواد والبدر وكل هذه العشائر تحالفت مع الشيخ شحم وانضوت تحت رايته وجعلت له رسماَ سنوياَ على كل فرد من هذه العشائر مقابل حمايتها من الغرات المعادية من باقى العشائر
وكان له وكيل اسمه ابوصوية يجمع له المحصول سنوياَ من هذه العشائر وفى أواخر مشيخة الشيخ شحم ترك الرسم الذى يُجبى له من هذه العشائر التى كانت فى الحهة الأخرى من الفرات احتراماَ الى طلب صديقه وحليفه المخلص زبن شيخ البوطبر وكذلك عزمه على أدراء فريضة الحج وشد الرحال على ظهر راحلته وترك كل الأمور الدنيوية, هذا وللبدور حلف مع المحسن شيوخ بنى حكيم فى أيام سعدون المحسن ومن بعده عاجل الدبى رؤساء بنى حكيم كل هذا التوسع والإنفتاح يعود الى شخصية الشيخ شحم العودة
الذى قفز بعشائر البدور حتى أصبحت تنافس مشيخة السعدون ويأوي اليه من يريد أن يأمن على نفسه ون مفاخر الشيخ شحم البطولية حمايته لعشائر الأجود عندما هجم عليهم الإخوان بقيادة الدويش(1) ونهبوا ماعندهم من الإبل والأغنام وكانوا ينزلون فى البادية الجنوبية وكان الشيخ شحم قريباَ من منازلهم عندما سمع أصوات البنادق وطبول الميدان* فهزته الأريحية وحمل على الدويش واعاد مانهبوا من الإبل والأغنام الى أهلها وكان رئيس العشائر المنهوبة من الأجود الملقب الرجيبة وهو من الشخصيات البارزة
الذى اهدى للشيخ شحم ابنته فى هودجها ومعها عدد من الإبل وخادمة سوداء وتزوج الشيخ شحم ابنة الرجيبة وأنجب منها ولدين هما الفارس قاطع وأخيه فيصل والفارس قاطع هو أحد الشيوخ الخمسة المفقودين فى قلعة المايعة(2) وقد انشد أحد شعراء البدور وهو الشاعر بطى السحيلان من النجم من فخذ الخليفة فقال: ياراكب حرِ من الهجن منقاف - متهكملِ الراعى وضارب مسيرة – صموط الخرى طفاح من مشية أصلاف – مامسه المشعاب مثل السعيرة – عليه مرد يبد الدرب ماخاف – ماطبق الجفنين عينه سهيره – يلفى على سعدون للضيف رداف – يضحك حجاجة فوق نفس صغيرة – وان جيت كاسر البى؟ تقل خراف – فطح ولحم الأباعر خشيرة – وزوز عليك ابليس بالقلب خياف – واغواك كثر *الماطلى والذخيرة – جتنا بكثر التهامى بلا خاف – ياما وقع من بينه من كم غريرة – ذياب عن الدار للراس تلاف – فوق ذكر الله شقرا نظيرة – وقاطع للمراكيب نواف – يرمى عشا الطير تالى الجريرة"
وقد أنجب الشيخ شحم عدة أولاد وهم الشيخ فرحان والشيخ ذياب والشيخ شرشاب والحاج سرحان والفارس قاطع وفيصل ومسير وجراد وعند وفاة والدهم الشيخ شحم كانوا صغار السن وكانت المشيخة تنصب من قبل الحكومة العثمانية وكان الذى يجمع لهم الأتاوة هو الشيخ؟ فسلموا خرج الكودة الى الشيخ منشد العرفج شيخ الراشد من الزويد ولم تبقى المشيخة عنده وقت طويل وعندما كبر اولاد شحم وأولاد عطشان طالبوا الشيخ منشد بشيختهم وارجاعها لهم ولم يرضى أن يرجعها لهم لأن الحكومة التركية
كانت فى جانبه وذات يوم ذهب الشيخ منشد العرفج ومعه مرافقون الى عشيرة الفواز لجمع الأتاوة وكان أولاد الشيخ شحم وعطشان كامنين للشيخ منشد العرفج للإنقضاض عليه واخذ الخراج منه وعند مرور الشيخ منشد فى منطقة محاذية الى شط الكار أغار عليه أولاد شحم وعطشان وهم فرحان الشحم وذياب الشحم وقاطع الشحم وجابر العطشان وعندما شعر بهم الشيخ منشد ارخى عنان فرسه وتوجه الى عشيرة الفواز علماَ أن الشيخ فواز من الفرسان الشجعان لكنه لايرغب فى المجابهة مع أولاد شحم وعطشان وهم
أولاد أخيه وعل كل حال كانت فرس الشيخ منشد من الخيل الأصايل التى طارت به الى بيوت الفواز وقبل الوصول لبيوت انقض عليه الفارس جابر العطشان وكاد أن ينتزعه من على ظهر جواده لولا أن فرسان الفواز هرعوا اليه واستنقذوه من الهلاك فشاروا عليه رجال الفواز أن يترك المشيخة ويسلمها الى اهلها فقبل الشيخ منشد المشورة ودفع الخرج ومافيه الى أولاد شحم وعطشان فأخذوا الخرج ومافيه يتباهون بشيختهم وعند وصولهم الى منازلهم نصبوا فرحان الشيخ شحم شيخاَ على عشائر البدور كونه كبير أولاد الشيخ شحم
وقال شاعرهم: أم العلا عيوبها اليتمان – نقالة الشلفا الشطير – نبى نطارد عمنا – خل ينفعه حكي المدير" يقصد فيه الشاعر مدير الحكومة التركية لأن الشيخ منشد عُين من قبل الحكومة التركية هذا وكان الشيخ فرحان مقداماَ ولكن لم يبق طويلاَ فى المشيخة إلا ثلاث أو أربع سنوات حيث دارت معركة بين البدور والجيش التركى وكان الشيخ فى مقدمة فرسان البدور فقتله الجيش التركى ثم اَلت المشيخة الى*الشيخ ذياب الشحم وكانت مشيخة ذياب مملوءة بالحوادث لأن الوالى مدحت باشا الذى حكم العراق
بتاريخ 1879م – 1882م أصدر قانون(2) الطابو وإن كل من له أرض يأخذ بها طابو بثمن قليل ولكن عشائر البدور يكرهون أن يتقربوا الى الحكومة التركية وهم بدو رُحل لايعرفون الطابو ويقضون نصف السنة فى الحنية والدبدبة فقام الشيخ عجمى باشا واخوه ثامر بك بشراء أراضي القطيعة من الحكومة العثمانية والبدور فى النجعة فى ديار الحنية والدبدبة لاعلم لهم وفجأة نزل أولاد سعدون فى المايعة وبنوا فيها قلعة حصينة واستولوا على أراضى البدور وكان سعدون وأولاده يسيطرون على لواء المنتفق بأكمله
وتساعدهم الحكومة التركية ثم نصب له وكلاء من قبله على كل منطقة ونصَب على أراضى الأشياب وكيل اسمه السمين يشرف على جميع المحاصيل الشتوية والصيفية ولكون عشائر البدور بدوية من قبيلة عنزة لاتقبل أن يتأمر عليها أحد وهذه طبيعة البدوى وخاصة العنزى حيث وصفهم صاحب كتاب"البداوة والإستقرارص995يقول بالنص: لايعرف البدوى الكذب أو الغش أو الشغب المألوفة فى المجتمعات الحضرية فصفاته مقابل واجباته الإجتماعية هى حرية الكلام وحرية الإنتقام وعدم الإنصياع للقوة والإهانة
ففى إحدى الليالى تجمع رهط من فرسان البدور مع الفارس قاطع الشحم وهجموا على مقره؟ ونهبوا مافيه وعادوا الى بيوتهم وهم على حذر وعند الصباح تجمعت عشائر السعدون وأغاروا على البدور وقبل أن يصل رجاله رحل البدور الى أراضى الفرطوس من بنى حكيم فى موقع اسمه المقاد وكان موسم فيضان وبعدها جمع السعدون كافة عشائر المنتفق الأجود وبنى مالك وبنى سعيد وحتى من عشائر ربيعة ودار على البدور من مدينة الرفاعى فى الجزيرة ومعه أعداد كثيرة حتى قال أحد شعراء البدور فى نهاية الوقعة يصف كثرة المهاجمين والشاعر هم بطي السحيلان: إجانا بقوم كثرة ولاعليها حساب – عبودة وخفاجة ورده بن ركاب – أو مينه عليها وحظر داحى الباب – ردت شاردة والمعط بقفيها"
وعندما وصلت عشائر السعدون الى المقاد التقت مع البدور التى تراجعوا فى البداية ثم انقلبت الوقعة لصالح البدور وهى مشهورة إذ وصف شاعر البدور هذه الوقعة بوصف كامل حيث قال الشاعر مري الصويان البدرى هذه القصيدة: صارت بالمقاد العنصرة ودنة – مثل غيم المطير الـ ترعد أمزنه – والله يارفاقه للعمر جلاب – وعلى يوم القطيعة عيب أعزنه – إجانا بقوم ماجرت ورى بن سعود – عيال المنتفق لباسة الماهود – نبنى قلاع بالديرة وندق حدود – ونذبح دونها ميه باثر ميه – كلب ذياب مضرى مايقد الروس – يدرعه من وسط يطلع كلاوية – هذا والعذر عندك يبدرية – تظل روس النشاما حذاك مرمية"
والقصيدة طويلة وهى تعبر عن نفسها كما وصفها شاعر بدرى ثانى يقول الشعر عقال الصويان البدرى من قصيدة بدوية منها: يذياب يوم الحمولة نفونا – ملفانا رب البيت دقام الحراب – راود شلعة ودنا وكرهونا – الله خيب ظنهم بالعون مافاد – ياعونة الله للمقاد الحقونا – توايقوا بوجوه تلعات الأرقاب – قالوا وين رجالكن وقالن يجونا – صويبهم دون المظاهير ماطاب" وقال أحد رجال سعدون عندما سأله عن البدور أن خياَلهم كالدرزى وكلمة الدرزى التى وصفها الشيخ شبرم هى عشيرة الدروز مشهورة بالشجاعة والفروسية
وخصهم الكاتب حمد الحقيل يقول فى كتابه كنز الأنساب ومجمع الاَداب (الدروز مركزهم فى قرية كفراء فى لبنان قرب شميلات وكان للدروز مواقف عنيفة وعناد قوي وشديد ولهم ميل الى الحرية واقتناء السلاح والشجاعة) ومن نظمهم قول صياح بيك على ديرته: ياديرتى مالك علينا لوم – لاتعتبى لومك على من خان – حنا روينا سيوفنا من القوم – مانرخصك مثل الردى باثمان – وان ماتعدل حقنا المهظوم – ياديرتى ماحنا لك سكان" (3)
"يتبــع"