ثلاث نكبات لقبيلة عنزة عبر التاريخ
النكبة الأولى :
جاء في كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب تأليف المؤرخ أحمد بن عبدالوهاب النويري المتوفي سنة 733هـ ذكر في عهد الحجاج بن يوسف الحروب بين أصحاب شبيب الشيباني وقبيلة عنزة قال : ثم لقي شبيب سلامة بن سيار التيمي ، تيم شيبان ، بأرض الموصل ، فدعاه إلى الخروج معه فشرط عليه سلامة أن ينتخب ثلاثين فارساً ينطلق بهم نحو عنزة ليوقع بهم ، فإنهم كانوا قتلوا أخاه فضالة ، وكان فضالة قد خرج في ثمانية عشر رجلا حتى نزل ماءً يقال له الشجرة وبه عنزة نازلون ، فنهضت عنزة فقتلوه ومن معه وأتوا برؤوسهم إلى عبد الملك فأنزلهم بأنقيا ، وفرض لهم وكان خروج فضالة قبل خروج صالح ، فأجابه شبيب فخرج حتى انتهى إلى عنزة ، فجعل يقتل المحلة بعد المحلة حتى انتهى إلى فريق منهم فيه خالته قد أكبت على ابنٍ لها وهو غلامٌ حين احتلم ، فأخرجت ثديها إليه وقالت : أنشدك ترحم هذا يا سلامة . فقال : لا والله ما رأيت فضالة مذ أناخ بأرض الشجرة لتقومن عنه أو لأجمعنكما بالرمح فقامت عنه فقتله وهذه نكبة لأن عنزة تغلّبوا عليهم الخوارج من بني شيبان وأوقعوا بهم وقعة شنيعة .
النكبة الثانية :
جاء في كتاب الكامل في التاريخ تأليف الإمام العلامة عمدة المؤرخين عز الدين أبي الحسن علي بن الكرم محمد عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري المتوفي سنة 630هـ فقد ذكر فتنة بأعمال الموصل سنة 253هـ كانت حرب بين سليمان بن عمران الأزدي وبين عنزة وسببها أن سليمان أشترى ناحية من المرج فطلب منه إنسان من عنزة أسمه برهونة الشفعة فلم يجبه إليها فسار برهونة إلى عنزة وهم بين الزابين فاستجار بهم وببني شيبان واجتمع معه خلق كثير فنهبوا الأعمال وأسرفوا وجمع سليمان لهم بالموصل وسار إليهم فعبر الزاب وكانت بينهم حرب شديدة قتل فيها كثير وكان الظفر لسليمان فقتل منهم بباب شمعون مقتلة عظيمة سدت رؤس الرجال مجرا الماء فقال حفص بن عمر الباهلي قصيدة يذكر فيها الوقعة:
شهـدت مـواقـفـنـا نـزار فاحـمـدت *** كــرات كــل ســمـيــذع قــمــقــــام
جــاؤا وجـئـنـا لا نـفـيـتـم صـلـنــا *** ضـربـاً يـطـيـح جـمـاجـم الأجـسـام
وهذه نكبة ومصيبة لأنه أبيد عدد من رجال عنزة وبعدها رحلهم الخليفة من ديارهم بالعراق إلى بلد خيبر ليبعدهم عن أعدائهم .
النكبة الثالثة :
جاء في كتاب العبر أن قبيلة عنزة بن اسد بن ربيعة كانت ديارهم عين التمر على ثلاث مراحل من الأنبار ثم انتقلوا عنها إلى جهات خيبر ، وورث بلادهم غزية من طي وكان اهلها وسكانها بني جعفر بن أبي طالب الطيار رضي الله عنه ، وكانت ذات نخيل وزروع وانهار ، فقصدهم عنزة وجرى بينهم حروب وضيقوا عليهم فصالحوهم على شطر الثمار ، فصاروا ينزلون عندهم في القيظ ، ثم يرحلون ثم صاروا يتزودون عليهم ثم قالوا لابد أن نبقي عندكم قوماً منا ياخذون لنا ما أردنا منكم فلم يروا من ذلك بدّاً فأنزلوا عندهم رجلاً يقال له : لعيب في أربعمائة رجل من عنزة فضيقوا عليهم وساموهم الهوان ، ولم يبقوا في أيديهم إلا القليل فتراجعوا وقالوا : ياقوم الموت أهون مما نحن فيه فأتفق رايهم على القبض عليهم فما طلع الفجر حتّى أحاطوا بهم فلم يفلت منهم أحد ، ثم تشاوروا على قتلهم ، ثم قتلوهم أجمع فبلغ ذلك عنزة فأقبلوا وحصروا البلد فتحصنوا عنهم وكانوا يخربون في حروثهم وزروعهم ، فقالوا أهل البلدان : أن أردتم اعطيناكم الفوس فاقطعوا النخل فتراجع عنزة ورأوا أن الصلاح في الأبقاء فصالحوهم ورجعوا إلى مشارطتهم الأولى .
وهذا الخبر ورد في شرح مخطوطة ديوان ابن المقرب الشاعر أبو الحسن علي بن المقرّب بن منصور بن المقرب بن الحسن بن عزير بن ضبار بن عبدالله البحراني العيوني الربعي المتوفي سنة 629هـ شاعر له ديوان طبع في مكة المكرمة سنة 1307هـ وطبع بالهند سنة 1311هـ قال الشارح في تفسير قصيدة ابن المقرب الهمزية قال :
تـركـوا لـعــيـبـاً فـي مـئـيـن أربـع *** جــزراً قـبـيــل تـنـــور ابــن ذكـــاء
فهـنـاك طـابـت خيـبـراً واستبدلـت *** مـن بـعـــدهــا الـضــراء بالســراء
قال شارح الديوان : لعيب رجل من عنزة وابن ذكاء الصبح رجل من عنزة وخيبر بلد يسكنها بنو جعفر الطيار ابن أبي طالب وكان من الحديث في وقتنا هذا أن قوماً من بني أسد بن ربيعة أكثروا الغارات على خيبر وهي أرض ذات أنهار ونخيل وزروع وظهروا عليها لكثرتهم وقوتهم ومل أهلها الحرب ودخل عليهم خراب الثمار فصالحوهم على شطر من ثمار نخلها فصاروا ينزلون عليها مدة القيظ وأقاموا ذلك مدة مديدة ثم صاروا كل عام يحولون بينهم وبين الثمار حتى لايزيد لهم شيء فما زال ذلك دأبهم حتى لم يبق لبني جعفر إلا القليل ثم أنهم لم يرضوا منهم بذلك فحاربوهم حرباً حالوا فيه بينهم وبين الثمار وصاروا يصبحونهم الحرب ويراوحونهم فقالوا ياسبحان الله ماذا تطلبونه عندنا فقالوا : نطلب عندكم أن نجعل فيها رجلا يكون معكم من قبلنا فاجتمع بعضهم ببعض وتشاوروا في أمرهم فلم يجدوا من ذلك بداً فبعثوا إليهم أن حباً وكرامة لما دعوتم إليه فولوها رجلا منهم يقال له لعيب وجعلوا معه أربعمائة رجل من مقاتليهم وشجعانهم ورحلوا حتى تباعدوا لطلب المرعى لمواشيهم ثم أن بني جعفر مشى بعضهم إلى بعض وتشاكوا ذلك الأمر فيما بينهم وقال بعضهم لبعض الموت أسهل وألذ مما نحن فيه وهل تطيب حياة لمن يملكه عدوه وضربوا للقيام على لعيب وأصحابه ميعاد في يوم عرفوه فلما طلع فجر ذلك اليوم أحاطوا بلعيب وأصحابه فقبضوا عليهم فلم يفلت منهم إنسان ثم أنهم تشاوروا على قتلهم فقتلوهم أجمع فبلغ الخبر عنزة فأقبلوا حتى دخلوا البلد فتحصنوا عنهم بنو جعفر فمالوا إلى الزروع يخربونها فأرسلوا إليهم أن أردتم خرابها اخرجنا لكم الفئوس لتقطعوا نخلها فصالحوهم ودفنوا ماكان بينهم .
وهذه أيضاً نكبة لأنهم قتل من رجالهم أربعمائة رجل صبراً .
أوردت هذه النكبات لأن التاريخ ما يرحم فهو يذكر النصر والكسيرة وقد تتبعت تاريخ قبيلة عنزة منذ بداية نشأتها في مطلع القرن الثاني الميلادي إلى أن جاء عصر وسائل التواصل فنسف تاريخ عنزة ومسح نسبها ومنذ تسعة عشر قرن وهي عنزة ثم نقلوها المزورين ومن شجعهم إلى بكر وتغلب وصارت من أبناء وائل بن قاسط وأصبحت عنزة بن أسد أخ رابع لبكر وتغلب وعنز في زعم المزورين وهي من أبناء وائل عنزي وهذه الأحداث تدل على أن تاريخ عنزة مدون وتدل على أن القبيلة التي هاجرت من عين التمر وسكنت خيبر هي عنزة وهذا ثابت وملموس ومحسوس ولا تزال املاكها بخيبر ولا أدري متى صارت هي بكر وتغلب ومتى قبيلة عنزة ألحقت في بكر وتغلب وصنفت قبائل بشر من تغلب وصنفت قبائل ضنا مسلم من بكر وهذا كذب وأفتراء والمؤسف أنه صار يكتب كل ماهب ودب ولا وجدت من يشير لأي مصدر ذكر هذا التحوّل بالنسب حسبنا الله ونعم الوكيل .