قبائل ضنا بشر من عنزة ليس لها علاقة في بشر النمري
( مقدمة البحث )
بالعصر الجاهلي نشب صراع بين ( قبيلة عبدالقيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ) وبين قبيلة ( النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة ) بسبب : قيام أفراد من بني عامر بن الحارث بن انمار بن وديعة بن لكيز بن افصى بن عبدالقيس ، بجناية قتل (عامر الضيحان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط ) وهو سيد ربيعة وصاحب مكانة في قومه فثارت ثائرة بنو قاسط وكانت الرياسة فيهم ثم اتفق الطرفان بنو النمر بن قاسط وبنو عبد القيس على أن يدفع بنو عبدالقيس إلي بني النمر بن قاسط دية الرئيس عن قتلهم عامر الضيحان وفي اتفاقهم اشترط بنو قاسط أن يأخذوا معهم تسعة رجال من بني عبد القيس كرهائن حتي سداد الدية وتقرر أن يتحمل بنو عامر وحدهم نصف الدية لأنهم هم الذين قاموا بجناية القتل ، وأن تتحمل باقي فروع بني عبدالقيس النصف الآخر وفي ظل أجواء الحرب وافق بنو عبد القيس علي تسليم تسعة رجال كرهائن ضمان لهذه الدية حيث اختاروا خمسة من بني عامر بن الحارث وأربعة من ابناء غيرهم من بني عبد القيس فادت بنو عامر المستحق عليهم وهو نصف الدية وفكوا رهائنهم اما سائر عبدالقيس فتأخروا في دفع نصف الدية الضرورية لافتكاك باقي الرهائن فضاقت صدور بنو النمر بن قاسط لهذا المطل فعدوا علي الرهائن فقتلوهم فغضب بنو عبدالقيس لهذا الجرم الذي أصاب أبناءهم وقالوا : اعتديتم يا قومنا أخذتم الأموال وقتلتم الأنفس .
ونشبت معركة رهيبة كانت الغلبة فيها لبني عبدالقيس والفناء والهلاك لبني النمر بن قاسط وتفرقت ربيعة بعد تلك الحرب وبعد أن كادت تفنا قبيلة بنو النمر من عادة القبيلة إذا ضعفت أو قلّت تدخل مع أقرب قريب لها فدخلت بنو النمر بن قاسط بن هنب في أبناء عمهم بنو تغلب بن وائل بن هنب وصارت جزء من تغلب ألا أن نسبهم معروف أنهم من بني النمر
وقد انتشرت في وقتنا الحاضر أشاعة يدعوّن الذين أشاعوها أن قبيلة بشر من عنزة ترجع إلى بنو البشر من بني النمر بن قاسط الذين دخلوا في تغلب ويدعي البعض أن جدهم بشر بن قيس النمري وهذا كلّه وهم وغير صحيح وهم يستندون إلى تطابق الأسم ومعروف أن الأسماء تشابه ومصدرهم أبيات من الشعر الشعبي قالها رجال معاصرين أو قريبين عهد وهذه لست مصادر يؤخذ بها وقد وجد أحد الأخوة في شرح ديوان الشاعر النصراني غيّاث بن غوث التغلبي المعروف ( ب الأخطل ) عبارة تقول ( البشر بطن من تغلب ) وحيث أنه من الملاحظ أن الذين يسمّون أنفسهم باحثين يبحثون عن الشبهات في نسب عنزة لقصد الخروج من قبيلة عنزة والرغبة في الدخول بنسب بكر وتغلب وهم إذا وجدوا اسم من قبيلة بكر أو تغلب يطابق لأسم من أسماء بطون عنزة حاولوا يجعلونه دليل أن عنزة هي بكر وتغلب متجاهلين قول الله سبحانه وتعالى ( أدعوهم لآبائهم ) ومتجاهلين حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ( لعن الله من أنتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه ) والأحاديث كثيرة فيما يخص تزوير النسب ومتجاهلين جميع المصادر التي فصّلت أنساب هذه القبائل ومتجاهلين تاريخ عنزة عبر العصور ومتجاهلين موروث الأجيال الذين ورثوا أصلهم أب عن جد
والطامة الكبرى فهم قد جلبوا لقبيلة عنزة جد مستعار وهو وائل بن قاسط وأنكروا أنه ما يوجد بعنزة جد يخصها اسمه وائل وفي زعمهم أن أي وائل عنزي ما يصلح أن يكون جد لعنزة ويزعمون أن أجيال عنزة المتعاقبة منذ تسعة عشر قرن عقموا عن أنجاب جد اسمه وائل مما أرغمهم إلى أختيار وائل بن قاسط الجد الذي يرون أنه معظّم ومشهور بينما هو جد مثل أبوه وجده وقد فات عليهم أن الشهرة لأبناءه بكر وتغلب وعنز حيث صاروا عمود نسب قبائل والذين حوروا وزوروا نسب عنزة وهم يرغبون الدخول بالجد المشهور حسب زعمهم وهم قد تجاهلوا أنه ما يجوز تغيير النسب وأختيار الجدود وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( لا ترغبوا عن آباءكم فمن رغب عن أبيه فالجنة عليه حرام ) وقال ( الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يهدى ولا يباع ) ومع ذلك يوجد جد لأشهر قبائل عنزة بالعصر الجاهلي ولا يزال يعرف عناصر من ذريته بالأسم المشهور القديم وهو ( وائل بن هزان بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة ) وقد برز بعض من تجاوز خوف الله والحياء من خلقه فصار يحقّر بهذا الجد وينفى ذريته وينسبهم لقبيلة من العرب البائدة وهم طسم وجديس بموجب وجود ذكر لفرع من قبيلة حمير الذين حاربوا طسم وجديس يقال لهم بني هزان وتمسّكوا بهذا الخبر وتركوا جميع المصادر التي تنسب بني هزان من عنزة ولا يزال من عرف من بني هزّان معروفين عند المحيطين بهم أنهم من عنزة دون شك والعابثين بنسب قبيلة عنزة والطاعنين في قبائل منها كيف وجدوا أن بني هزّان من العرب البائدة بينما العرب البائدة لم يذكرون المؤرخين لهم باقية وهم : عاد وثمود والعماليق وطسم وجديس وأميم وعبيل وجرهم وحضوراء وبنوعبيد
ولكي نزيل اللّبس ونشرح لمن غرّه الكتابات الشاذة التي شككّت في نسب عنزة وخلطتها مع قبائل هي وجدت قبلها بعصور وأدخلوها في جد لا تمت له بصلة وهي عنزة بن أسد بن ربيعة وشرح عنها في جميع المصادر والفرع الذي احتفظ باسم ( عنزة ضنا مسلم وضنا بشر ) لهم جد عنزي اسمه وائل وهو عزوتهم ولم ينتسبون لأحد بالحلف ولم يتغيّر اسمهم وهذه أبيات الشاعر الأخطل التي يريدونها دليل على الحاق قبيلة بشر من عنزة من بشر النمري وهي أبيات غزلية يتغزّل في فتاة من بني بشر من بني هلال من النمر بن قاسط الذين التحقوا في تغلب وهم ليس من تغلب كما يزعمون
أبيات من شعر الأخطل التغلبي
أَلا يا إِسلَمي بِالسَعدِ يا أُختَ دارِمِ *** وَلَو شَتَّ صَرفٌ مِن نَوىً لَم تُلائِمِ
هلالِـيَّـةٌ حَـلّـَت بِخَـبـتٍ وَأَوطَـنـتَ *** مَصيفاً مِنَ البُهمى وَقَيظَ الصَرائِمِ
فَـقَـد كـانَ يَحلـو لي زَماناً حَديثُها *** وَلَيسَ بِـنَـزرٍ كَاِختِـلاسِ المُصارِمِ
فَحالَت قُرومٌ مِن بَني البِشرِ دونَها *** وَمـا الـوَصـلُ إِلّا رَجعُها لِلمُسالِمِ
وَلَـو حَمَّلَتني السِرَّ دَوسَرُ لَم تُضِع *** مَـقالَـةَ ذي نُصـحٍ وَلِـلسِـرِّ كـاتـِمِ
وَأُسـنِـدَ أَمـرُ الـحَـيِّ بَـعـدَ اِلتِبـاسِهِ *** إِلـى كُـلِّ جَـلـدٍ مُبـرَمِ الأَمرِ حازِمِ
وَإِنّـي وَإِن شَـطَّـت نَـواهـا بِـوِدِّهـا *** لَصُلـبُ التَعَـزّي مُستَمِرُّ الشَكائِمِ
وَكُـنـتُ إِذا زَيّـَنـتُ أَوجُـهَ مَـعـشَــرٍ *** أَنارَت وَإِن أَشتُم تَصِر كَالعَظالِمِ
وللمعلومية فأنه يوجد من قبيلة النمر بن قاسط فخذ يقال لهم البشر من بني هلال من النمر الذين دخلو في تغلب وهم سلالة ( بشر بن قيس بن عقّة بن أبي عقّة بن قيس بن البشر بن هلال بن البشر بن قيس بن زهير بن عقّة بن جشم بن هلال بن زيد مناه بن عوف بن صعب بن أوس مناه بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة بن نزار )
ويجتمعون مع عنزة في أسد بن ربيعة وعقّة النمري جد بشر بن قيس النمري هو الذي حارب جيش المسلمين مع الفرس في عين التمر وكان نصراني وقبض عليه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقتله وصلبه وقتل الجيش الذي الفه عقّة من أهل عين التمر من تغلب وبنو النمر بن قاسط ومن معهم وحفيده بشر بن قيس هو الذي غزاه الجحاف السلمي في جبل البشري وقتله وبقر بطون نسائه واخرج الأجنة ثم قتل النساء لكي يقطع ذريته والعياذ بالله وقصتة مدونة في المصادر ومع الأسف أجد من يضعه جد لقبيلة ضنا بشر من عنزة بموجب تطابق الأسم ولو صح هذا الزعم فأن قبيلة بشر ما يحق لها الأفتخار في ذي قار لأن بنو النمر حاربوا مع الفرس كما أن بني النمر لست بوائل بن قاسط أبو بكر وتغلب وعنز الذي انتشرت دعايات مضلله أنه عزوة عنزة بينما الصحيح عزوة عنزة وايل عنزي والمعروف أن بشر بن قيس عاش في عصر بني أمية ولا يوجد أي مصدر يشير إلى أنه جد بشر من عنزة وكيف يكون جد بشر وهو نمري وضنا بشر من عنزة في جميع المصادر وبشر العنزي عرف بعد القرن السادس الهجري اثناء وجود عنزة في خيبر بينما بشر بن قيس وجد بالعصر الأول للإسلام لذلك فأن الذين يتخبطون ويعبثون بأنساب عنزة ويبحثون عن الشبهات يجب أن لا يخوضون بمالا يعرفون وهذه قصّة عقّة النمري وقصّة حفيده بشر بن قيس النمري
معركة عين التمر حسب ما تذكر المصادر
بعد أن فتح الله عزَّ وجل معظم بلاد العراق للمسلمين، وذلك في أربعين يومًا فقط، وبعد أن فُتحت الحيرة" عاصمة الفرس العربية، وأهم مدينة بالعراق بعد المدائن"، جاء الأمر من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لـ خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يتوجه سريعًا لإنقاذ المسلمين المحاصرين في منطقة دومة الجندل .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد كلف كلاً من : خالد بن الوليد من ناحية الجنوب، وعياض بن غنم من ناحية الشمال، ليوجد بذلك حالة من التنافس بينهما، حيث جعل من يصل أولاً هو القائد العام، فتقدم خالد بن الوليد، وتعثر عياض بن غنم ومن معه، وحوصروا في منطقة "دومة الجندل"، حاصرتهم أعداد ضخمة من القبائل العربية الموالية للفرس، وكان القائد خالد بن الوليد تواقًا لأن يَهجم على المدائن عاصمة الفرس؛ لينهي الوجود الفارسي تمامًا في العراق، ولكنه امتثل لأوامر قائده العام الخليفة أبى بكر الصديق رضي الله عنه.
النظام والانضباط والجدية، وطاعة أولي الأمر في غير معصية الله تعالى من أهم عوامل النجاح، والله سبحانه علم أمة الإسلام درسًا عظيمًا في عاقبة مخالفة الأوامر، وذلك يوم أحد، وبين ذلك بقوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
خطر الحاميات الفارسية :
كان القائد الحربي خالد بن الوليد مِنَ الطراز النادر في إدارة العمليات الحربية، بل ربما هو نسيج وحده، فقد رأى قبل التوجه لإنقاذ المسلمين المحاصرين "بدومة الجندل" ضرورة تأمين وضع المسلمين في المدن المفتوحة، خاصة في ظل وجود حاميات فارسية قوية في المناطق المحيطة بمدينة "الحيرة" أهم مدن العراق، وعاصمة الفرس العربية، والتي كان لسقوطها في أيدي المسلمين دويّ كبير في أركان البيت الفارسي وكانت هذه الحاميات تتركز في منطقتين هما: منطقتا الأنبار" و"عين التمر"، وبالفعل قرر "خالد" الهجوم على تلك الحاميات، وإزالة التهديد الفارسي للوجود الإسلامي بالحيرة.
لم يكن "خالد بن الوليد" من القواد الذين ينتظرون المفاجآت، بل كان يعمل دائمًا على بث عيونه واستخباراته قبل خوض أية معركة، وقد نقل له سلاح الاستطلاع أوضاع المدينة من حيث موقعها، وموقفها التحصيني، وكانت هذه المدينة شديدة التحصين مما يجعل مسألة السيطرة عليها أمرًا صعبًا، وذلك لعدَّة أسباب منها:
موقع هذه المدينة على الشاطئ الشرقي لنهر "الفرات"، مما يجعل بين المسلمين والفرس حاجزًا مائيًّا يهابه المسلمون .
ومنها وجود أسوار منيعة حول المدينة، هذا غير وجود خندق عميق متسع يحيط بالمدينة من كل ناحية، ولكن كل ذلك لم يفت في عضد المسلمين وخطتهم الجهادية، وكان معظم أهل المدينة من النصارى، وعليهم قائد فارسي اسمه "شيرازاد"، وقد جُعل خالد بن الوليد قائدًا على هذه المعركة، وهو الصحابي "الأقرع بن حابس"،
رغم أنه ليس من السابقين في الإسلام، ولكنه صاحب كفاءة حربية ممتازة.
الحكمة تقتضي أن يتولى قيادة العمل مَن عنده الخبرة والكفاءة اللازمة لذلك العمل، فالأصلح قد يكون ليس هو الأفضل دينيًّا، ولقد علمهم ذلك الرسول صلى الله عيله وسلم عندما ولى عمرو بن العاص قيادة جيش فيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، ولم يكن مرَّ على إسلام عمرو بن العاص أربعة أشهر.
ذات العيون :
بدأ المسلمون زحفهم على المدينة الحصينة، فبدءوا أولاً باجتياز نهر الفرات على الرغم من فيضان مائه في ذلك الوقت، وعلى الضفة الأخرى كان الرعب مستوليًا على أهل المدينة، فلم يجرؤ أحد على الخروج من المدينة لصد العبور الإسلامي، وذلك للسمعة الكبيرة للمسلمين وفتوحاتهم السريعة والهائلة في أيام معدودات، والتي جعلت الجميع مكتوفي الأيدي.
وبعد أن عَبَرَ المسلمون ظهرت أولى محاولات المقاومة عندما قامت مجموعة مِن أهل المدينة بارتقاء أسوارها، ورشق المسلمين بالسهام، وكان هذا الرمي وبالًا عليهم، إذ اكتشف القائد الفذ خالد بن الوليد أنَّ هؤلاء المقاتلين سُذج لا يعرفون شيئًا مِن فنون القتال والرمي، ولا خبرة لهم بالحرب.
أمر خالد بن الوليد كتيبة خاصة في الجيش الإسلامي مكونة من أمهر رماة العرب برمي المحاربين رميًا واحدًا كثيفًا، ويركزون على عيون المحاربين، وبالفعل انطلقت تلك السهام كالطير الأبابيل، وأصابت هدفها بدقة بالغة، وفقأت قرابة الألف عين؛ فصاح أهل المدينة جميعًا: "ذهبت عيون أهل الأنبار", وسمي هذا اليوم بذات العيون، وصاحوا وماجوا، وعمتهم الفوضى وخرج "شيرازاد" يسأل عن الخبر، فلما علم أسرع لعقد صلح مع المسلمين، ولكنه اشترط شروطًا لا يقرها الإسلام في الحرب، فلم يوافق خالد بن الوليد عليها.
ليس كل صلح يوافَق عليه، وليست كل معاهدة يُصدق عليها، دون النظر لأوامر الإسلام، وكم من معاهدة واتفاقية أخذت مطية لسلب الحقوق، واغتصاب الأرض المسلمة.
جسر الجمال :
كان الخندق المائي يمثل مشكلة حقيقية للمسلمين؛ لأنه عميق ومتسع، ويحيط بالمدينة من كل مكان، ولكن ذلك لم يكن ليمنع الأسد الضاري خالد بن الوليد صاحب العقلية العسكرية الفذة، حيث قام بالدوران حول سور المدينة لدراسة هذا الخندق جيدًا، حتى وقف عند نقطة معينة من الخندق وتأملها طويلاً، ثم تفتق ذهنه عن فكرة عبقرية، حيث وقف على أضيق نقطة في الخندق، وأمر بذبح كل الجمال الهزيلة والمريضة، وإلقائها عند هذه النقطة، فردم تلك النقطة بصنع جسر من الجمال، واستطاع المسلمون أن يعبروا بسهولة، وأصبح الجيش المسلم محيطًا بأسوار المدينة من كل مكان استعدادًا لاقتحامها، فأسرع "شيرازاد" وطلب الصلح من خالد بن الوليد بشروط الإسلام، على أن يخرج "شيرازاد" سالمًا بأهله وماله إلى مكان آمن، فوفى له خالد ذلك الشرط، وأبلغه مأمنه، ودخل المسلمون المدينة وأمن الناس على معايشهم .
الوفاء بالعهد أصل قرآني حافظ عليه المسلمون في كل موطن، وكان سبب إسلام كثير من الناس .
عندما عاد "شيرازاد" إلى قائد الفرس العام على العراق "بهمن جاذويه" مهزومًا من الأنبار لامه "بهمن" بشدة على مصالحة المسلمين، والتفريط في هذه المدينة الحصينة رغم ضخامة قواته، وكان "شيرازاد" رجلاً عاقلاً فقال: "إن هؤلاء القوم - يعني أهل الأنبار- قد قضوا على أنفسهم بالهزيمة عندما رأوا جيش المسلمين، وإذا قضى قوم لأنفسهم بالهزيمة كاد هذا القضاء أن يلزمهم", ففهم "بهمن" كلامه واقتنع به.
وصدق شيرازاد فيما قاله، فإن الهزيمة النفسية هي الهزيمة الحقيقية، هي الهزيمة التي تحطم القلوب، وتفل العزائم، وتخور معها الهمم، فلا يستطيع صاحبها معها أن يتقدم ولو خطوة واحدة للأمام، بل يظل عمره أسير ضعفه، ورهين وهمه، فهلا تدبر ذلك المسلمون؟!.
الغرور الصليبي :
كانت الحامية الأخرى متمركزة في مدينة عين التمر، وكانت على طريق "دومة الجندل" تراقب الأوضاع عن كثب، وكانت الحامية الموجودة "بعين التمر" مكونة من قوتين كبيرتين: قوة فارسية بقيادة "مهران بن بهرام"، وقوة عربية نصرانية مكونة من خليط من قبائل "تغلب" و"إياد" بقيادة "عقة بن أبي عقة النمري"، وكان أحمقًا مغرورًا، دفع ثمن هذا الحمق والغرور غاليًا، حيث طلب هذا الصليبي الحاقد المغرور "عقة بن أبي عقة" من القائد الفارسي "مهران" أن يخلي الساحة؛ ليقاتل هو المسلمين وحده دون مساعدة من الفرس، وقال له: "إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدًا"..
ولنا أن نفهم النفسية المريضة التي دفعت " عقة بن أبي عقة " لهذا الطلب الغريب، فالغرور والحقد والرغبة في الفخر والزهو، وتحقيق الأمجاد بالانتصار على المسلمين، وقائدهم خالد بن الوليد صاحب الراية الميمونة، والانتصارات الباهرة, كل ذلك دفع " عقة بن أبي عقة " لهذا الطلب، بل تمادى في غيه وغروره، وقرر الخروج لقتال المسلمين خارج المدينة, في الصحراء المفتوحة، كأنه بذلك يسعى لحتفه بقدميه كما يقولون؛ لأن الصحراء المفتوحة هي أصلاً ميدان المسلمين المفضل في القتال، وعندما سمع "مهران" هذا الكلام من "عقة بن أبي عقة" قال له: "صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم مثلنا في قتال العجم، دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم".
وكان "مهران"قد بيت في نفسه أمرًا، وهو الانسحاب من أمام المسلمين لعلمه أنهم لا يقهرون، وقد انتقد قادة الفرس ذلك الأمر من "مهران" وقالوا له: "ما حملك على أن تقول هذا القول لهذا الكلب" يعنون عقة، فقال لهم "مهران": "دعوني، فإني لم أرد إلا ما هو خير لكم وشر لهم، إنه قد جاءكم من قتل ملوككم، وفل حدكم، فاتقيته بهم، فإن كانت لهم على خالد بن الوليد فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا، فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء".
إن أعداء الدين مهما حاول أحد خدمتهم -ولو بروحه- فلن يعدوا قدره عندهم إلا قدر الكلب، كما قالت الفرس عن أعوانهم من العرب، وهكذا وصل أعداء الإسلام لمآربهم الخبيثة قديمًا وحديثًا على أكتاف طابور طويل من الكلاب، وما أكثرهم!!
أسرع هزيمة في التاريخ :
خرج عقة بن أبي عقة المغرور ومن معه من العرب المتنصرة من المدينة للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غرورًا منه لمبادرة المسلمين بالهجوم، ووصل إلى منطقة "الكرخ" وعبأ قواته النصرانية، ووصل المسلمون إلى أرض المعركة وعبأ خالد بن الوليد الجيش بسرعة، واستعد للقتال، ولم يكن خالد رضي الله عنه قد رأى عقة بن أبي عقة من قبل، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير بنفوس المحاربين، فعلم أن هذا الرجل شديد الغرور.. فقرر القيام بحيلة بارعة شجاعة، جريئة في نفس الوقت، وهي خطف القائد عقة بن أبي عقة نفسه في عملية فدائية أشبه ما تكون بعمليات الصاعقة، فانتخب مجموعة خاصة من أبطال المسلمين، وأطلعهم على الفكرة الجريئة، فوافق عليها الجميع، فالكل أبطال،وبالفعل انقض خالد رضي الله عنه ومجموعته الفدائية على صفوف العدو -وهم يقدرون بعشرات الآلاف- كما ينقض الأسد على فريسته، وكان "عقة" مشغولاً بتسوية الصفوف، واندهش العدو من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم على عشرات الآلاف، ولم يفيقوا من هول الصدمة وإلا و خالد رضي الله عنه قد أسر "عقة" وحمله بين يديه كالطفل الصغير وعاد به إلى صفوف المسلمين، وعندها تجمدت الدماء في عروق العرب المتنصرة، وركبهم الفزع الشديد، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفًا واحدًا في أسرع هزيمة في التاريخ.
واصل المسلمون سيرهم بعد هذه الضربة الخاطفة حتى وصلوا إلى أسوار المدينة، وكان "مهران"وحاميته الفارسية قد عرفوا بما حل للمغرور "عقة" ومن معه، ففروا هاربين تاركين أعوانهم النصارى لمصيرهم المحتوم, عندها أسقط في يد النصارى في المدينة فأرسلوا لطلب الصلح مع خالد بن الوليد، ولكن خالدًا علم أن هؤلاء الذين يطلبون الصلح هم المحاربون الذين انهزموا في أرض المعركة وهم بالتالي لا يستحقون الأمان والصلح، وإنما أجبرهم على ذلك قرب أجلهم، ودنوا هزيمتهم.. فرفض خالد بن الوليد الصلح معهم، إذ لا أمان مع هؤلاء الخونة الكفرة، الذين باعوا أنفسهم للمشركين الأصليين عباد النار، وقاتلي بني جلدتهم وأهل كتاب مثلهم، لا لشيء إلا بدافع الحقد والحسد.
أصر خالد رضي الله عنه على عدم الصلح حتى ينزلوا على حكمه، وهذا معناه في عرف الحروب أن يكون خالد مخيرًا في فعل أي شيء معهم: يقتلهم، يسبيهم، يعفو عنهم، المهم أنهم تحت حكمه وأمره.
فلمَّا يئس المتنصرة من نجدة الفرس لهم نزلوا على حكم خالد بن الوليد، فألقى القبض على جميع من يقدر على حمل السلاح ثم حكم في الحال بإعدام المحاربين، وبدأ بزعيمهم الأحمق "عقة" وسبى الذرية والأموال.
ليس في ذلك قسوة ولا غدر كما يظن البعض ممن يتعاطفون مع المنهزم وينسون إجرامه، فما حدث لهم جزاء وفاقًا لهؤلاء المحاربين الذين خرجوا وفي نيتهم استئصال المسلمين بدافع من الحقد الصليبي المحض، كما أن هذا الحكم هو حكم الله عزوجل كما حدث يوم أن حكم الصحابي سعد بن معاذ بنفس الحكم على إخوانهم في الحقد والشقاء يهود بني قريظة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات".
وقد وجد المسلمون بمدينة "عين التمر" كنيسة يتعلم فيها أربعون صبيًّا الإنجيل،فلم يتعرض لهم خالد رضي الله عنه بالقتل، بل اعتبرهم من جملة السبي، وذلك من عدل الإسلام، فلم يأخذ هؤلاء بجريرة بني جلدتهم المقاتلين، وكان من بينهم شاب اسمه "نصير" هو أبو الفاتح الكبير "موسى بن نصير" فاتح الأندلس، وأيضا "سيرين" أبو عالم زمانه، ومفتى الأمة في عصره "محمد بن سيرين".
وبتلك المعركة استطاع المسلمون إخلاء المنطقة الواقعة بين الحيرة ودومة الجندل من أية قوات معادية للمسلمين، وهي مساحة تقدر بخمسمائة كيلومتر مربع.
شرح المعركة في مصدر آخر
وقعت تلك المعركة في العراق ما بين قوات المسلمين بقيادة خالد بن الوليد والقوات الساسانية ومعها جموع من قبائل العرب النصارى. وتقع عين التمر غربي الأنبار وهي منطقة أسسها الفرس لحماية حدودهم[1]. فبعد سقوط الحيرة على يد خالد بن الوليد عام 633 ميلادي توجه إلى الحامية الفارسية الكبيرة التي كانت في عين التمر الواقعة على الطريق إلى دومة الجندل، وكان يقطنها العرب النصارى الموالين للفرس. وكانت الحامية مؤلفة من قسمين الأول فارسي تحت قيادة القائد الفارسي مهران بن بهرام والثاني عربي من قبائل النمر وتغلب وإياد بقيادة عقة بن أبي عقة. تميزت هذه المعركة الغريبة بسرعة انتهائها، حيث لاذ العرب النصاري بالفرار قبل أن تبدأ المعركة فعلياً.
يبدو أن عقة هذا كان مغروراً ومتعجرفاً ويبدو أن الرغبة تملكته لحيازة الفخر والمجد بالانتصار على المسلمين هو وحده، فقد طلب من القائد الفارسي 'مهران' أن يخلي الساحة ليقاتل هو المسلمين وحده دون مساعدة من الفرس، وقال له: 'إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالداًوقد علم ما حقق خالد من انتصارات قبل ذلك.
وعندما سمع 'مهران' هذا الكلام من 'عقة' قال له: 'صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم مثلنا في قتال العجم، دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم'. وكان 'مهران' قد أراد تجنب قتال المسلمين لعلمه أنهم لا يقهرون بعد انتصاراتهم المتلاحقة في العراق في ذلك الوقت. وقد انتقد قادة الفرس ذلك الأمر من 'مهران' واستنكروا قوله لـ"عقة"، فقال مهران: دعوني فإني ماأردت إلا خير لكم وشر لهم! إنه قد جاءكم من قتل ملوككم وفل حدكم فاتقيته بهم، فإن غلبوا خالداً فهو لكم، وإن غُلبوا قاتلنا خالداً وقد ضعفوا ونحن أقوياء، فاعترفوا له بفضل الرَّأي عليهم[2].
خرج 'عقة' المغرور ومن معه من العرب المتنصرة من عين التمر للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غروراً منه لمبادرة المسلمين بالهجوم، ووصل إلى منطقة 'الكرخ' وعبأ قواته، ووصل المسلمون إلى أرض المعركة وعبأ 'خالد' الجيش بسرعة، واستعد للقتال.
ولم يكن 'خالد' قد رأى 'عقة' من قبل، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير بنفوس المحاربين، فعلم أن هذا الرجل شديد الغرور، فقرر القيام بحيلة بارعة شجاعة، جريئة في نفس الوقت، وهى خطف القائد 'عقة' نفسه في عملية فدائية أشبه ما تكون بعمليات الصاعقة، فانتخب مجموعة خاصة من أبطال المسلمين، وأطلعهم على الفكرة الجريئة.
وكانت الخطة تقضي بأن يبدأ جناحا جيش المسلمين بالمناوشات البسيطة دون شن هجوم كبير لإشغال الطرفين المقابلين من جيش العرب النصارى، بينما بقي القلب في سكون حتى يعطي خالد إشارته بشن الهجوم. وهذا ما جعل عقة يستغرب من تأخر قلب جيش المسلمين عن الهجوم، وكان خالد ومرافقيه في مقدمة الجيش.
ولكن ما حدث في اللحظات التالية هو أن الجنود اندهشوا من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم عليهم وهم عشرات الآلاف، ولم يفيقوا من هول الصدمة إلا و'خالد' قد أسر 'عقة' وحمله بين يديه كالطفل الصغير[3] وعاد به إلى صفوف المسلمين، وعندها تجمدت الدماء في عروق العرب المتنصرة، وركبهم الفزع الشديد، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفاً واحدا.
استكمال الهزيمة وإحراز النصر[عدل] فلمَّا بلغ مهران هزيمة عقَّة وجيشه، وكان قد أرسل الاستطلاع لمراقبة مجريات المعركة، نزل من الحصن وهرب مسرعاً مع حاميته بإتجاه قطسيفون أو المدائن، وترك الحصن بدون حماية.
ورجعت فلول العرب إلى الحصن فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم أشد الحصار، فلمَّا رؤوا ذلك سألوه الصُّلح فأبى إلا أن ينزلوا على حكم خالد، فجعلوا في السَّلاسل، وتسلَّم الحصن، ثمَّ أمر فضربت عنق عقَّة ومن كان أسر معه، والذين نزلوا على حكمه أيضاً أجمع عقة بن أبي عقة اسم لزعيم أصبح ذكره يضرب فيه المثل، فهو من الذين خانوا العرب لحماية عروشهم فاستعانوا، ماضياً وحاضراً، بعدو أمتهم، فحل عليه وعلى من اتبعه العقاب العادل، ولحقهم العار إلى يومنا هذا، إنه تذكير لمعركة «عين التمر» التي خاضها عقة بعد أن خان بني جلدته، فواجه فيها أسرع هزيمة في التاريخ، فماذا حصل في تلك المعركة؟ فبعد أن فتح العرب معظم العراق في أربعين يوماً، أمر الخليفة أبو بكر الصديق خالد بن الوليد بأن يتوجه فوراً لإنقاذ مسلمين محاصرين في منطقة دومة الجندل، فرأى خالد بن الوليد القائد العبقري ضرورة تأمين سلامة قواته في المدن التي فتحها قبل التوجه إلى «دومة الجندل» لوجود حاميات فارسية قوية في المناطق المحيطة بمدينة «الحيرة»، عاصمة الفرس العربية، وكانت أهم مدن العراق المفتوحة، فقد كان لسقوطها في أيدي المسلمين تأثير نفسي كبير على الفرس، وكانت هذه الحاميات الفارسية موجودة في منطقتي «الأنبار» و«عين التمر»، فقرر خالد مهاجمتها، وكان ذلك في سنة 633م. توجه خالد إلى الحامية الفارسية الكبيرة في «عين التمر» غربي «الأنبار» الواقعة على الطريق إلى «دومة الجندل»، وكان يقطنها عرب موالون للفرس، وكانت الحامية مؤلفة من قسمين، الأول فارسي تحت قيادة مهران بن بهرام، والثاني عربي بقيادة عقة بن أبي عقة. كان معروفاً عن عقة هذا غروره وعجرفته، فتملكته رغبة في أن يحوز الفخر والمجد بانتصاره وحده على جيش خالد، فطلب من عقة بن أبي عقة اسم لزعيم أصبح ذكره يضرب فيه المثل، فهو من الذين خانوا العرب لحماية عروشهم فاستعانوا، ماضياً وحاضراً، بعدو أمتهم، فحل عليه وعلى من اتبعه العقاب العادل، ولحقهم العار إلى يومنا هذا، إنه تذكير لمعركة «عين التمر» التي خاضها عقة بعد أن خان بني جلدته، فواجه فيها أسرع هزيمة في التاريخ، فماذا حصل في تلك المعركة؟ فبعد أن فتح العرب معظم العراق في أربعين يوماً، أمر الخليفة أبو بكر الصديق خالد بن الوليد بأن يتوجه فوراً لإنقاذ مسلمين محاصرين في منطقة دومة الجندل، فرأى خالد بن الوليد القائد العبقري ضرورة تأمين سلامة قواته في المدن التي فتحها قبل التوجه إلى «دومة الجندل» لوجود حاميات فارسية قوية في المناطق المحيطة بمدينة «الحيرة»، عاصمة الفرس العربية، وكانت أهم مدن العراق المفتوحة، فقد كان لسقوطها في أيدي المسلمين تأثير نفسي كبير على الفرس، وكانت هذه الحاميات الفارسية موجودة في منطقتي «الأنبار» و«عين التمر»، فقرر خالد مهاجمتها، وكان ذلك في سنة 633م. توجه خالد إلى الحامية الفارسية الكبيرة في «عين التمر» غربي «الأنبار» الواقعة على الطريق إلى «دومة الجندل»، وكان يقطنها عرب موالون للفرس، وكانت الحامية مؤلفة من قسمين، الأول فارسي تحت قيادة مهران بن بهرام، والثاني عربي بقيادة عقة بن أبي عقة. كان معروفاً عن عقة هذا غروره وعجرفته، فتملكته رغبة في أن يحوز الفخر والمجد بانتصاره وحده على جيش خالد، فطلب من مهران أن يتركه يحارب المسلمين من دون مساعدته، فوافقه مهران فوراً، وقال له: إن احتجتم إلينا أعناكم، فقد أراد مهران تجنب قتال خالد بعد انتصاراته المتلاحقة في العراق، إلا أن قادة الفرس استنكروا فعلة مهران، فرد عليهم بأن: دعوني فإني ما أردت إلا خيراً لكم وشراً لهم، فقد جاءكم من قتل ملوككم فاتقيته بهم، فإن غلبوا خالداً فهو لكم، وإن غُلبوا قاتلنا خالداً وقد ضعفوا ونحن أقوياء، فوافقوه على هذا الرأي. خرج عقة ومن معه من حصن «عين التمر» لمواجهة جيش خالد، وهو لحمقه لا يعلم بما يخبئه له ذلك القائد الفذ، فوصل إلى منطقة «الكرخ»، فوجد جيش المسلمين في انتظاره، لم يكن خالد قد رأى عقة من قبل، إلا أنه استطاع بفراسته الاستدلال عليه، فقرر القيام بحيلة جريئة، وهي خطف عقة من بين أيدي جيشه. كانت الخطة أن يبدأ جناحا جيش خالد بمناوشات من دون شن هجوم كبير لإشغال جيش عقة، وترك الوسط، وكان خالد ومجموعة صغيرة في مقدمة الجيش، وفي حركة مفاجئة هجمت هذه المجموعة على وسطهم، فاستهانوا بها، ولم يفيقوا من هول الصدمة إلا وخالد قد أسر عقة، وعاد به إلى صفوف جيشه، فأصابهم الرعب ففروا من أرض المعركة من دون أن يسلوا سيفاً واحداً، فلما بلغ مهران هزيمة عقة ترك حصنه وفر هو الآخر إلى المدائن. رجعت فلول المنهزمين إلى الحصن، فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فحاصرهم خالد، فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا «دومة الجندل» لوجود حاميات فارسية قوية في المناطق المحيطة بمدينة «الحيرة»، عاصمة الفرس العربية، وكانت أهم مدن العراق المفتوحة، فقد كان لسقوطها في أيدي المسلمين تأثير نفسي كبير على الفرس، وكانت هذه الحاميات الفارسية موجودة في منطقتي «الأنبار» و«عين التمر»، فقرر خالد مهاجمتها، وكان ذلك في سنة 633م. توجه خالد إلى الحامية الفارسية الكبيرة في «عين التمر» غربي «الأنبار» الواقعة على الطريق إلى «دومة الجندل»، وكان يقطنها عرب موالون للفرس، وكانت الحامية مؤلفة من قسمين، الأول فارسي تحت قيادة مهران بن بهرام، والثاني عربي بقيادة عقة بن أبي عقة. كان معروفاً عن عقة هذا غروره وعجرفته، فتملكته رغبة في أن يحوز الفخر والمجد بانتصاره وحده على جيش خالد، فطلب من مهران أن يتركه يحارب المسلمين من دون مساعدته، فوافقه مهران فوراً، وقال له: إن احتجتم إلينا أعناكم، فقد أراد مهران تجنب قتال خالد بعد انتصاراته المتلاحقة في العراق، إلا أن قادة الفرس استنكروا فعلة مهران، فرد عليهم بأن: دعوني فإني ما أردت إلا خيراً لكم وشراً لهم، فقد جاءكم من قتل ملوككم فاتقيته بهم، فإن غلبوا خالداً فهو لكم، وإن غُلبوا قاتلنا خالداً وقد ضعفوا ونحن أقوياء، فوافقوه على هذا الرأي. خرج عقة ومن معه من حصن «عين التمر» لمواجهة جيش خالد، وهو لحمقه لا يعلم بما يخبئه له ذلك القائد الفذ، فوصل إلى منطقة «الكرخ»، فوجد جيش المسلمين في انتظاره، لم يكن خالد قد رأى عقة من قبل، إلا أنه استطاع بفراسته الاستدلال عليه، فقرر القيام بحيلة جريئة، وهي خطف عقة من بين أيدي جيشه. كانت الخطة أن يبدأ جناحا جيش خالد بمناوشات من دون شن هجوم كبير لإشغال جيش عقة، وترك الوسط، وكان خالد ومجموعة صغيرة في مقدمة الجيش، وفي حركة مفاجئة هجمت هذه المجموعة على وسطهم، فاستهانوا بها، ولم يفيقوا من هول الصدمة إلا وخالد قد أسر عقة، وعاد به إلى صفوف جيشه، فأصابهم الرعب ففروا من أرض المعركة من دون أن يسلوا سيفاً واحداً، فلما بلغ مهران هزيمة عقة ترك حصنه وفر هو الآخر إلى المدائن. رجعت فلول المنهزمين إلى الحصن، فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فحاصرهم خالد، فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا الصلح، فأبى خالد إلا أن ينزلوا على حكمه، فوافقوه، وفتحوا له أبواب الحصن، فكان حكمه أن ضربت أعناقهم. المفاجأة أن خالداً وجد في كنيسة الحصن أربعين غلاماً كانوا رهائن، كان من ضمن الغلمان سيرين، فاشتراه أنس بن مالك الأنصاري وأعتقه، وهو والد الفقيه المعروف محمد بن سيرين. أما الغلام الثاني، فكان نصير، وهو والد الفاتح موسى بن نصير. أما الغلام الثالث، فكان يسار، وهو جد محمد بن إسحاق كاتب سيرة «المغازي». فابن أبي عقه واجه قصاصه العادل لخيانته أمته، وهو قصاص ينتظر كل من كان على شاكلته، فالويل ثم الويل لمن كان منهم.
المصادر:
-تاريخ الرسل والملوك.
-تاريخ الخلفاء.
-فتوح البلدان.
-المنتظم.
-محاضرات في الأمم الإسلامية.
-الكامل في التاريخ.
-البداية والنهاية.
-موسوعة التاريخ الإسلامي.
-التاريخ الإسلامي.
الموقع : عين التمر- شمال غرب الحيرة، العراق
النتيجة انتصار المُسلمين
المتحاربون : دولة الخِلافة الرَّاشدة والإمبراطورية الساسانية المناذرة
القادة خالد بن الوليد وعقة بن أبي عقة ومهران بن بهرام جوبين
القوة 500 - 600 (حسب البلاذري) غير معروف
الخسائر : قليل جدا كثير
الأنبار على خريطة العراق الأنبار
الفتح الإسلامي لفارس
وهذه قصّة موقعة البشر
( قصّة بشر بن قيس النمري وأيقاع الجحاف بتغلب والنمر بن قاسط )
يشير بعض من تنقصه الدراية عن أنساب قبيلة عنزة أن قبيلة بشر العنزية تنتسب إلى بشر بن قيس بن عقّة بن أبي عقة النمري حيث أنه وضعه جد لقبيلة بشر من عنزة وأدعوا أنها تعود لتغلب وتنسب لبشر بن قيس وهذا الكلام بني على غلطتي في الطبعة الأولى من كتابي عندما ذكرت هذا الخبر وكنت غير ملم وهذه الغلطة أساسها كتاب شيخنا حمد الحقيل ولكن انتساب بشر القبيلة العنزية لبشر بن قيس النمري ما يصح لأن بشر بن قيس بن عقة بن أبي عقّة بن هلال هو رجل من بني النمر بن قاسط الذين دخلوا في تغلب ولا علاقة نسب له بتغلب ولا في عنزة وهو ليس بوائل بن قاسط الجد الذي يريدون دخول عنزة به وفي أحد المجالس سمعت رجل من كبار القبيلة قبل خمسة عشر سنه يتحدّث عن موقعة البشر ويدعي أن قبيلة بشر العنزية جدهم بشر بن قيس بن عقّة بن أبي عقّه بن هلال النمري وتعود لتغلب ولكن انتساب بشر القبيلة العنزية لبشر بن قيس النمري كما أشرنا ما يصح لأن بشر بن قيس بن عقة بن أبي عقّة بن هلال رجل من بني النمر بن قاسط الذين دخلوا في تغلب وهم أبناء عم تغلب بحيث يجمعهم قاسط ولا علاقة لتغلب في عنزة وبنو النمر ليس بوائل بن قاسط الجد الذي يريدون دخول عنزة به وقد شرحنا قصّة عقة بن أبي عقّة بن هلال حسب ما ورد بالمصادر
أما قصة موقعة البشر فقد شرحت في عدد من المراجع وقد بسطت أخبار هذه المعركة في أمهات الكتب ولم يكن معهم من عنزة أحد لذلك فأن ربط بشر القبيلة العنزية في بشر بن قيس النمري أو في معركة البشر ليس له مصدر ولا سند علماً أن كتابي موثق على المصادر الصحيحة والثابتة وهذه قصة موقعة البشر وليس فيها أي إشارة إلى أنتساب قبائل بشر من عنزة إلى تغلب لأن البشر منطقة جبلية من بلاد الأموريون أو العموريون أو العمورو وباللغة السومرية المارتو، مجموعة ساميون تشير أقدم المصادر المسمارية إلى أنهم بدؤوا منذ نهاية الألف الثالث ق.م. بالانتشار في حواضر بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام على شكل موجات، من مناطق البادية العربية.
وعندما أوقع الجحاف السلمي في تغلب في عصر الأمويين فلا علاقة لهذه الحادثة بعنزة وهذه القصة كامله كما وردت في جميع المصادر وقد ذكرت بكافة فصولها :
جاء في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني المجلد الثاني والعشرون الصفحة 195عن خبر الجحاف بن حكيم السلمي وموقعة البشر :
قال : كان السبب في ذلك فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قال : حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبن الأعرابي وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن أبن قتيبة وأخبرنا أحمد بن عبدالعزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبّة وقد جمعت روايتهم وأكثر الخبر لأبن حبيب
أن عمير بن الحباب لما قتلته بنو تغلب بالحشّاك – وهو إلى جانب الثرثار وهو قريب من تكريت - أتى تميم بن الحباب أخوه زفر بن الحارث فأخبره بمقتل عمير وسأله الطلب له بثأره فكره ذلك زفر فسار تميم بن الحباب بمن تبعه من قيس وتابعة على ذلك مسلم بن أبي ربيعة العقيلي فلما توجهوا نحو بني تغلب لقيهم الهذيل في زراعة لهم , فقال أين تريدون ؟ فأخبروه بما كان من زفر فقال : أمهلوني الق الشيخ فأقاموا ومضى الهذيل فأتى زفر فقال : ما صنعت والله لأن ظفر بهذه العصابة أنه لعار عليك ولأن ظفروا أنه لأشد قال : زفر فأحبس علي القوم وقام زفر في أصحابه فحرضّهم ثم شخص واستخلف عليهم أخاه أوساً وسار حتى أنتهى إلى الثرثار فدفنوا أصحابهم ثم وجه زفر أبن الحرث يزيد بن حمران في خيل فجاء إلى بني فدوكس من تغلب فقتل رجالهم واستباح أموالهم فلم يبق في ذلك الجو غير أمرأة واحدة يقال لها حميدة بنت أمريء القيس عاذت بأبن حمران فأعاذها وبعث الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلاً ذريعاً وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرع في القتل
وبلغ ذلك بني تغلب واليمن فأرتحلوا يريدون عبور دجلة فلحقهم زفر بالكحيل – وهو نهر أسفل الموصل مع الغرب – فاقتتلوا قتالاً شديداً وترجّل أصحاب زفر أجمعون وبقي زفر على بغل له فقتلوهم من ليلتهم وبقروا بطون ما وجدوا من النساء الحوامل وذكر أن من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف وأن الدم كان في دجلة قريباً من رمية سهم فما زالوا يقتلون من وجدوا حتى أصبحوا فذكر أن زفر دخل معهم دجلة وكانت فيه بحّة فجعل ينادي ولا يسمعه أصحابه ففقدوا صوته وحسبوا أن يكون قتل فتذامروا وقالوا لأن قتل شيخنا لما صنعنا شيئاً فأتبعوه فإذا هو في دجلة يصيح بالناس – وتغلب قد رمت بأنفسها تعبر في الماء فخرج من الماء وأقام في موضعه فهذه الوقعة تسمى الحرجية لأنهم أحرجوا فألقوا أنفسهم في الماء
ثم وجه يزيد بن حمران وتميم بن الحباب ومسلم بن ربيعة والهذيل بن زفر في أصحابه وأمرهم ألا يلقوا أحد ألا قتلوه فانصرفوا من ليلتهم وكل قد أصاب حاجته من القتل والمال ثم مضى يستقبل الشمال في جماعة من أصحابه حتى أتى رأس الأثيل ولم يحل بالكحيل أحداً والكحيل على عشرة فراسخ من الموصل فيما بينها وبين الجنوب فصعد قبل رأس الأثيل فوجد به عسكر من اليمن وتغلب فقاتلهم بقية ليلتهم فهربت تغلب وصبرت اليمن وهذه الليلة تسميها تغلب ( ليلة الهرير ) ففي ذلك يقول زفر بن الحارث :
ولمـا نـعى النـاعـي عـميـراً *** حسبت سماءهم دهيت بليل
وكان النجم يطـلع في قـتـامٍ *** وخاف الذل من يمن سهيل
وكـنت قـبيـلها يـا أم عـمـرو *** أرجـل لـمـتي وأجـر ذيلـي
فلوا نبش المقابر عن عمير *** فيخبر من بلاء أبي الهذيل
غـدات يقارع الأبطال حـتى *** جرى منهم دم مرج الكحيل
قبـيـل ينهـدون إلـى قـبـيـل *** تساقي الموت كيلاً بعـد كيل
وقال جرير يعيّر الأخطل التغلبي :
أنسيت يومك بالجزيـرة بعـدمـا *** كانـت عـواقـبـه عليك وبالاً
حملت عليك حماة قيس خـيلها *** شعثاً عوابس تحمل الأبطالا
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم *** خـيلاً تكـر عـلـيكـم ورجـالا
زفر الرئيس أبو الهذيل أبادكم *** فسبى النساء وأحرز الأموالا
فلما كانت سنة ثلاث وسبعين وقتل عبدالله بن الزبير هدأت الفتنة وأجتمع الناس على عبدالملك بن مروان وتكافت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة وظن كل واحد من الفريقين أن عنده فضلاً لصاحبه وتكلّم عبد الملك في ذلك ولم يحكم الصلح فيه فبينماهم على تلك الحال إذ أنشد الأخطل عبدالملك بن مروان وعنده وجوه قيس قوله :
ألا سائـل الحـجـاف هـل هـو ثـائراً *** بقـتـلا أصيبـت من سليم وعامر
أجـحـاف أن نهـبـط عـليـك فتلتقي *** عـليك بحـور طاميات الـزواخـر
تكن مثل أبداء الحباب الذي جرى *** به البحر تزهاه رياح الصراصر
فوثب الجحاف يجر ردائه وما يعلم من الغضب فقال عبدالملك للأخطل ما احسبك ألا كسبت قومك شراً فأفتعل الجحاف عهداً من عبدالملك على صدقات بكر وتغلب وصحبه من قومه نحو من الف فارس فثار بهم حتى بلغ الرصافة قال : وبينها وبين شط الفرات ليلة وهي في قبلة الفرات ثم كشف لهم أمره وأنشدهم شعر الأخطل وقال لهم إنما هي النار أو العار فمن صبر فليقدم ومن كره فليرجع قالوا : ما بانفسنا عن نفسك رغبة فأخبرهم بما يريد فقالوا نحن معك فيما كنت فيه من خير وشر 0
فأرتحلوا فطرقوا صهين بعد رؤبة من الليل وهي في قبلة الرصافة وبينهما ميل ثم صبحوا عاجنة الرحوب في قبلة صهين والبشر وهو واد لبني تغلب فأغاروا على بني تغلب فقتلوهم وبقروا من النساء ممن كانت حاملاً ومن كانت غير حامل قتلوها فقال عمرو بن شبّة في خبره فهو يوم البشر ويقال أيضاً يوم عاجنة الرحوب ويوم مخاشن وهو جبل إلى جنب البشر وهو مرج السلوطح لأنه بالرحوب وقتل في تلك الليلة أبناً للأخطل يقال له أبو غياث
قال : أبن شبّة سمعت أبي يقول صعد الجحاف الجبل وجعل ينادي من كانت حاملاً فإلي فصعدن إليه فجعل يبقر بطونهن ثم أن الجحاف هرب بعد فعله وتفرّق عنه أصحابه ولحق بالروم فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبي دون الدرب فكر عليه الجحاف فهزمه وهزم أصحابه وقتلهم ومكث زمناً في الروم وقال في ذلك :
فأن تطردوني تطردوني وقد مضى *** من الورد يوم في دماء الأراقم
لدن ذر قرن الشمس حتى تلبست *** ظلاماً بركض المقربات الصلادم
ولما سكن غضب عبدالملك كلمته القيسية في أن يؤمنه فلان وتلكأ فقيل له إنا والله لا نأمنه على المسلمين أن طال مقامه بالروم فأمنه فأقبل فلما قدم على عبدالملك لقيه الأخطل فقال له الجحاف :
أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني *** عـلى القـتـل أم لامـني لك لائمي
أبـا مالـك أنـي أطعـتك في الـتي *** حضضت عليها فعل حران حازم
فأن تدعني أخرى أجبك بمثلهـا *** وأنـي لطـب بالـوغـى جـد عـالم
وقال الأخطل في أحد قصائده :
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة *** إلى الله منها المشتكى والمعوّل
فسائل بني مروان ما بـال ذمة *** وحـبـل ضعـيف لا يـزال يوصل
فألا تغـيـرهـا قـريـش بملـكهـا *** يكن عن قريش مستراد ومزجل
فقال عبدالملك حين أنشده هذا : إلى أين يا أبن النصرانية ؟ قال : إلى النار قال : أولى لك لو قلت غيرها ورأى عبدالملك أنه أن تركهم على حالهم لم يحكم الأمر فأمر الوليد بن عبدالملك فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب وضمن الجحاف قتلا البشر وألزمه أياها عقوبه له فأدى الوليد الحمالات ولم يكن عند الجحاف ما حمل فلحق بالحجاج بالعراق يسأله ما حمل لأنه من هوازن فسأل الأذن على الحجاج فمنعه فلقي أسماء بن خارجة فعصب حاجته به
تم نشر قصة موقعة البشر التي أشار لها الشيخ ليرى الجميع أن هذه الموقعة لا علاقة لها بنسب قبيلة بشر من عنزة وبشر بن قيس ليس جد لقبيلة بشر من عنزة ولا يجوز أخذ الروايه الشفهية في حدث أو نسب قديم دون الرجوع للمصادر والرواية إذا لم يدعمها خبر مكتوب ما تعتبر
وهذه روايه أخرى عن وقعة البشر
في عهد الخليفه الأموي مروان بن الحكم وابنه الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان كانت الفتنة القبلية في أشدها وزادت حدتها بين القبائل القيسية المتمثلة في عامر وسليم وبين قبيلة بني تغلب وكان الجحاف السلمي معتزل لهذه الفتنة وكان من جلساء عبدالملك بن مروان فدخل الشاعر الأخطل التغلبي على عبدالملك بن مروان وقال مفتخرا بعد أنتصار التغلبيون على القيسين في يوم الثرثار الأول
لما رأونا والصليب طالعـا = ومار سرجيس وسمّاً ناقعا
والخيل لا تحمل إلاّ دارعا = والبيض في أيماننا قواطعا
خلّوا لنا الثرثار والمزارعا = وحنطةً طيساً وكرماً يانعا
( الشاعر الأخطل من الشعراء المشاهير وقد كان في زمان الشاعرين جرير والفرزدق وقال الأخطل بعد أنتصار التغلبيون على القيسيين في يوم الشرعبية
ولقد بكى الجحاف لما أوقعت. **** بالشرعبية إذ رأى الأهوال
والجحاف ساكت ولايجيبه وقال الأخطل بعد ذلك يذكر وقعت الحشاك التي قتل فيها عمير بن الحباب السلمي
بـني أُمـيـّة َ، قـدْ نـاضَلْـتُ دونَـكُـــــــمُ *** أبـنـاءَ قـومٍ، هـمُ آووا وهُمـْم نـصــروا
وقـيس عـيـلان، حـتى أقـبلـوا رقـصـاً *** فـبـايـعـوكَ جـهـاراً بـعـدمـا كـفــــــروا
فـلا هـدى الـلـَّهُ قَـيسـاً مـِن ضَـلالـتِهِـمْ *** ولا لـعـاً لـبـنــي ذكـوانَ إذا عـثـــــروا
ضجّوا من الحرب إذا عضَّت غوارَبهمْ *** وقـيسُ عـيلان مـن أخلاقهـا ضـجـروا
بعد ذلك دخل الأخطل وقال :
ألا سـائـلِ الجـحـافَ هـل هـو ثـائـرٌ *** بقـتـلى أصبـتْ مـنْ سـليـم وعـامـِر
أجحافُ إنْ تصطكَّ يوماً، فتصطدمْ *** عَـلَـيْـكَ أواذيُّ الـبُـحـورِ الـزَّواخِـــرِ
تكُنْ مثلَ اقذاء الحبابِ الذي جرى *** به الماءُ أو جاري الرياحِ الصراصرِ
لقد حانَ كل الحينَ من رامَ شاعراً *** لدى السَّوْرَة ِ العُلْيا عـلى كلّ شاعِـرِ
يصولُ بمَجْرٍ لَيْسَ يُحْصى عـديـدُه *** ويَـسْـدَرُ مـِنْـهُ، ساجِـيـاً، كـلُّ نـاظِـرِ
كان الجحاف يأكل رطب فجعل النوى يتساقط من يده من شدة الغضب فقال الجحاف
بلى سوف نبكيهم بكل مهندا …. وننعي عميرا بالرماح الشواجر
ثم قال له : يا ابن النصرانية ماكنت أظن أنك تتجترأ علي بمثل هذه فخاف الأخطل ومسك بثوب عبدالملك بن مروان وقال هذه مقام العائذ بك ثم خرج الجحاف من عند عبدالملك وقال عبدالملك بن مروان للأخطل ما أراك الا جررت على قومك شرا طويلا , فبعد ذلك تلطف الجحاف لبعض كتاب ديوان عبدالملك بن مروان حتى اختلق له عهدًا على صدقات تغلب وبكر بالجزيرة وقيل بل زور على لسان عبدالملك أنه ولاه صدقات بني تغلب وقام بملئ أجربة بالتراب وأدعى أنها أموات وذهب بعد ذلك وأخبر قومه أنه ولي صدقات بني تغلب وأن هذه الأموال التي أعطي أياها فتبعه قومه طمعا في المال والولاية فلما وصل قرب ديار بني تغلب قطع الكتاب ونثر التراب وقال ما من ولاية وأخبرهم عن الذي حدث له عند عبدالملك بن مروان وأفتخار الأخطل على القيسيين فثارت بهم الحمية وذهبوا مصممين على الأخذ بالثأر فهجموا على بني تغلب وأوقعوا بهم وقعة عظيمة وذبحوا الرجال وبقروا بطون النساء ( يبقرون بطون النساء أي أن المرأة الحامل يفتحون بطنها ويخرجون حملها من بطنها ) ويقال أنه وصل عدد القتلى الى آلاف وأسر أحد رجال الجحاف الأخطل وقال له من أنت فقال أنا عبد من عبيد بني تغلب وكان العرب لايقتلون العبيد فأطلقه فهرب الأخطل وأختبئ في بئر ثم لما ذهب الجحاف وقومه ذهب الأخطل الى عبدالملك بن مروان وقال :
لقـد أوقـع الجحاف بالبشر وقعـة *** إلى الـلـه منها المشتكى والمعول
فـإن لم تغـيرهـا قـريـش بمـلـكهـا *** يكن عن قريش مستماز ومزحـل
فقام عبدالملك بطلب الجحاف لأخذ القصاص منه ولكن الجحاف هرب عند ملك الروم وأرسل بقصيدة للأخطل يقول فيها
أبا مالكٍ هل لمتني إذ حضضتني *** على القتل أم هل لامني كـل لائم
ألـم أفـنكـم قـتـلاً وأجـدع أنوفكم *** بفتيان قيسٍ والسيوف الصوارم
بـكـل فـتى يـنعى عـميـرًا بسيفه ** إذا اعـتصـمـت أيـمانهـم بالـقـوائـم
فـإن تطـردونـي تـطـردوني وقـد***جرى بي الورد يومًا في دماء الأراقم
نكحـت سيفي في زهـيـرٍ ومالـكٍ ** * نـكـاح اغـتصـابٍ لا نـكـاح دراهم
ولم يزل الجحاف يتردد في بلاد الروم إلى أن مل المقام في بلاد الروم فقام وبعث إلى بطانة عبد الملك من قيس حتى أخذوا له الأمان فآمنه عبد الملك فقدم عليه فألزمه ديات من قتل وسعى فيها فأتى الحجاج بن يوسف الثقفي من الشام فطلب منه لأنه من قيس فقال له الحجاج : متى عهدتني خائنًا فقال له : ولكنك سيد قومك من قيس ولك عمالة واسعة. فقال : لقد ألهمت الصدق فأعطاه مائة ألف درهم وجمع الديات فأوصلها. وقيل : إن سبب عودته كان أن الجحاف أكرمه ملك الروم وقربه وعرض عليه النصرانية ويعطيه ما شاء ، فقال : ما أتيتك رغبة عن الإسلام ويقال أنه لقي الروم تلك السنة عساكر المسلمين صائفة ، فانهزم المسلمون ، وأخبروا عبد الملك أنهم هزمهم الجحاف ، فأرسل إليه عبد الملك يؤمنه ، فسار وقصد البشر وبه حي من بشر ، وقد لبس أكفانه وقال : قد جئت إليكم أعطي القود من نفسي . وأراد شبابهم قتله ، فنهاهم شيوخهم ، فعفوا عنه , وبعد ذلك تاب الجحاف إلى الله وذهب إلى الحج ، فسمعه عبد الله بن عمر وهو يطوف ويقول : اللهم اغفر لي ، وما أظنك تفعل ؟ فقال ابن عمر : لو كنت الجحاف ما زدت على هذا . فقال : أنا الجحاف ) ( وهذا دليل على عظم المجزرة التي قام بها الجحاف في ذلك الزمان حيث أنه أكثر القتل في بني تغلب ولذلك قال له عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لو كنت الجحاف مازدت على هذا ) .
الجحاف بن حكيم بن عاصم بن سباع بن خزاعي بن محارب بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي الفاتك المشهور وهو القائل
هذه المعلومات عن بشر بن قيس وجدّه عقّه هل يعقل أن يكون جد بشر العنزيون من بني النمر ؟