( من قصص الشاعر الفارس فيصل الجميلي )
وتفسير المثل ( رمح الجميلات بفرسهم )
يسرني أن أواصل نشر القصص والقصائد في هذا الموقع بعد أن لمست رغبة الأخوة للأطلاع فمن خلال بحوثي عن كل ما يخص قبيلة عنزة من تراث فقد قمت بجولة على مناطق قبيلة عنزة المذكورة في التاريخ في العصر الجاهلي وهي المجازة ونعام والحريق والمفيجر والأفلاج وبرك وبريك وماوان والهدار والبديع وهي في هذا الوقت تقطنها بادية قبيلة الدواسر وعوائل من الحاضرة من جميع القبائل ومن سكانها قبيلة الهزازنة العنزية وقبيلة الجميلات الذين دخلوا بالحلف مع قبيلة الدواسر بشقيها الأزدي والتغلبي وقابلت رجال من الجميلات وصورت قصر صبحي الجميلي في الهدار المنسوب لجد أسرة الصباح وقصر البديع المنسوب لفيصل الجميلي وكانت تلك الجولة عام 1400هـ وتلقيت قصائد وقصص فيصل الجميلي من كبار السن من النتيفات بالمشافهة فنشرت بحث في كتابي ( لقطات شعبية قصص وأشعار ومواقف وآثار ) وهذا الكتاب نفد ولم أعيد طباعته وقد أضفت بعض القصص الواردة به في قطوف الأزهار ومن تلك الحصيلة عن فيصل الجميلي كتبت ما نصّه :
* أما الفارس فيصل الجميلي من الجميلات اهل الهدار فهو من نوادر الرجال وله قصص وقصائد معروفه وقد زرت منطقة الهدار للبحث عن تراث هذا الفارس ونقلت بالمشافهة من رواة النتيفات الذين هم من سلالة عامر بن فيصل الجميلي كما يتوارثون وهو ينتسب إلى الجميلات من البجايدة من السلقا من العمارات من عنزة عاش فيصل الجميلي في القرن الحادي عشر الهجري وتنقل في عدد من بلاد الله الواسعة كما تدل على ذلك قصائده وهو رجل كريم وشجاع وكثيراً ما يعتز بكرمه وعفته وترفعه عن الفحش والفجور وهو يمثل قيم العربي النبيل أما عن نسبه فقد أشار له في احد قصائده التي لم نعثر على بقيتها ومنها قوله :
يـقـول الجـميـلي والجميـلي فيصـل *** أنـخـا وتـسمعـنـي منـاعـيـر وايـل
جميليـة تسـقي اعـداهـا مـن الكـدر *** وهي شربها عذب من الما زلايـل
ومعروف أن النتيفات اطلق عليهم هذا اللقب بعد أن هاجروا الجميلات وبقي منهم عدد قليل يقال نتيفات عرب وهم ينحدرون هم وآل صباح والكبرى والغررة والقديمات وعدد من العوايل جميعهم من الجميلات وقد دخلوا بالحلف مع قبيلة الدواسر ومن بقايا أثارهم قصر صبحى في الهدار وقصر سلمى في البديع ويقال أن هذه الأثار كانت لبني الحريش القبيلة العامرية المعروفة التي سكنت هذه الديار في الجاهلية وصدر الإسلام أما الشاعر والفارس فيصل فكان له أخوه منهم : هجرس وحماد وله أبناء منهم : عامر وحماد ويروى أن حماد ذريته الغررة وينسب لأبناء فيصل المثل القائل ( رمح الجميلات بفرسهم ) وقد سألت عن قصة هذا المثل الراوي عامر بن مقعد النتيفي رحمه الله والراوي أبن مهدي رحمه الله وعدد من رجال النتيفات وأفاد أن فيصل الجميلي سافر إلى العراق وأحب أمرأه من العرب اسمها جهم ورغب بالزواج منها ولكن أهلها لا يعرفونه فصار فداوي عند أهل الفتاه ويقول المثل الشعبي (من لا يعرفك ما يثمنك) وكانوا يتساءلون عن هذا الرجل الغريب وعن نسبه وديرته ثم في أحد الأيام أغاروا قوم على أبل العرب الذين يسكن عندهم فيصل الجميلي فلحقوا أهل الأبل ولم يحالفهم الحظ في فكاكها ثم أن فيصل أراد أن يبرهن لهم أنه فارس فركب فرسه ولحق القوم وفك الأبل وجاب الخيل قلايع ورمى الفرسان فأصبح له اعتبار بحيث طلب الزواج من جهم وتزوجها وأنجبت له ثلاثة أولاد ثم أن شيخ القوم الذين صار معهم قد أنتحس منه وأراد قتله فعلمت زوجته بخطة المذكور فأخبرت فيصل ونوى الرجوع لقومه ولكن المرأة رفضت مغادرت قومها وأصرت على عدم الرجوع معه فقال لها لابد أن تكوني مطلقه لكي لا تطول مدة غيابي ثم أكسب خطاك وقبل الطلاق أرغب أن أوصيك فقالت هات ماذا تريد أن تقول فقال قصيدة طويلة حفظ منها قوله :
يـا جهـم لا شامـت بـنـا مـن كـنيـه *** حـذار مـن دحـوش الـرجـال حـذار
لا تـاخـذيـن غــرٍ غـريــر مــدقـــر *** يــمــر عــيــد ولا عـلـيــك اخـــدار
ولا تـاخـذين قـن عـلى شـان مالـه *** مـالـك عـلـى مـال الـقـمـوح اقــدار
ولا تاخذين عـودٍ إلـى اقـفا شبابـه *** يـمـوت وورعـانـه عـليـك اصـغـار
ولا تـاخذيـن يـا جـهـم الا مـجـرب *** افـعـالــه غــب الـكـايـنـات اغـــزار
فقالت جهم :
يا فيصل عيالك صغـار كما القـطـا *** وفـروخ الـقـطـا مـا ينجـعـون لـدار
فقال فيصل مجاوباً جهـم على الفور :
يـا جهـم أن الحـر لا مسـه القـوى *** تـخـلـخـل مـا بـيـن الـحــرار وطـار
فرجع فيصل إلى ديرته تاركاً زوجته وأبناءه وبعد أن كبروا الأبناء رجعوا لقومهم وعندما اقتربوا من ديار والدهم شاهدوا أمامهم أبل سارحه في الفلاة فظنوا انها لقوم فاخذوها وكانت هذه الأبل أبل اخوتهم من ابيهم الذين لا يعرفونهم فهبوا أهل الأبل لفكاكها منهم وقام أحدهم بطعن فرس أخيه بالرمح فقتلها وعندما لحق فيصل الجميلي عرف الأبناء وعرفوه فصاح بأبناءه قائلاً ( رمح الجميلات في فرسهم ) فذهبت مثلاً ومن مميزات شعر فيصل أنه كثيراً ما يبدأ القصيدة بأسمه ونسبه ومن شعره هذه القصيدة قالها في أول وصوله إلى العراق وهو لا يعرف أحد :
يـقـول الجـميلي والجـميـلي فيصـل *** والـراس مـن تحـت العمامـة مـال
قعـدت في سـوق العـراقين جـالـس *** لا مـسـائـل حــيٍ ولا مــنــســـــال
وجدي على ربعي على كوار ضمر *** عــلـى ذالــهــات كـنـهــن اجـمـال
عليهـن مـن اولاد الجميلات غلمـه *** عشـريـن مـنـهـم يـنطحـون حـلال
يـبغـون طـرش مـا يعـوض لصـادر *** يـتــلـيـه قـب كـنــهـــن اســيــــال
لا قاضوا المقياض بنوا عروشهـم *** بـنـوا لـهـم بـكــوارهــن مــقــيــال
لـهـن ضـلال بـالـضـحـى طـارداتـه *** ومـستـقـفـيـات بـالـعـصيـر ضـلال
تـرى ديـرتي يـا جـاهـليـن بديـرتي *** عـنـهـا الجـبـال الـنـايـفـات شمـال
كــم مــرة وردت فـيـهــا فـاطـــري *** لا لـجـلـجـوا فـي طـيـهـا الـمـحـّال
مـلـكـت بـالـهـدار تـسعـيـن عـيـلـم *** مـسـايـلـهـا بـالـريـف يـوم اتـسـال
والـيـوم جـفـتـنـي وجـفـت غـيـري *** وهــذي تـصاريـف الـزمـن مـيّــال
يا نفس عـزي مـن تعـزيـن عـنـده *** لــو كــان راعــي كــفــة واحــبــال
ويـا نفس ذلـي مـن تـذليـن عـنـده *** لــو كـــان راعــي مـجـلـس وأدلال
ومن قصائد فيصل الجميلي هذه القصيدة قالها يتوجد على أخيه هجرس الذي قتل بلدغ حيه فيقول :
يقـول الجـميـلي والجـميلي فيـصـل *** وأنا موقفٍ والدمع جـاري وحايـم
وقفت وعاج الربع لي روس ضمّـر *** ونصفيـن منهـم عـاذلٍ لـي ولايـم
يا راعي القبر الـذي فـوقه الحصى *** عساك فـي خـلـد الجـنـان النعـايـم
جـنيـت الجـنـايـا ثـم خـليتـنـي لـهـا *** عـلى الدار مضهود كثيـر الجرايـم
أبـكي عـلى هجـرس إلـى ما ذكرتـه *** تـزيـد عـبـراتـي بكـثـر الهضـايـم
الا وأخوي عند أزغـر العيـن جالـه *** قريص الأفـاعي دافـقـات السمايـم
لـيـتـه كـفـانـي شـر بـقـعـا ولـيتـني *** كـفـيـتـه قـبـور مـظلـمـات هـدايــم
يا موت خذني مثل ما خذت هجرس *** يـارب تـلحـقـني بـراعي العـزايـم
ولا تـقـل هـو قـاد السبايـا ولا غـدا *** عـقـيـد ويـتـلـونـه كـبـار العـمـايـم
أخـوي مـا يـجـزا بـجــزواه غـيـره *** ولا بـات مضيوم على الضيم نايـم
تصوم رحي البدوا لا غاب هجرس *** وتفطر إلـى جـاء هجرس بالغنايـم
حشـاش لا حـشـوا ورواي لا رووا *** وغـزاي وأن دنـوا بـكـار هـمـايـم
وشجاع بالميدان في حومت الوغى *** وريـف لـربعـه بالسنيـن العـظايـم
تهومنا العدوان من عقـب هجـرس *** كـلـن يـثـاري بـالـديــون الـقـدايـم
واستنوا العدوان من عقب هجرس *** كمـا أستن بالبيـداء قـوي القوايـم
أبكي على عضدي وزندي وساعدي *** موري جموع القوم سود الهزايـم
وقال فيصل الجميلي هذه القصيدة عندما قيّد راحلته بقيد نكث فانقطع وذهبت الذلول فقال :
يـقـول الجميـلي والجميـلي فيصـل *** والـراس مـن لـوي الـعـمـايـم بــاد
يـبـيـد الـفـتى مـا بـيـن يـوم وليـلـه *** الـعـــمــر يـنـقـص والأيــام تـــزاد
الأيــام بــادنــي وبــادن هــجــرس *** وشــداد بــادنــه وبـــادن عـــــــاد
نـهـاره ولـيـلـه ذا لـهـذا طـــــروده *** غــدن بــلــذاتــي وهــن اجــــــداد
محى الله يا صبيان مخلي قـلوصـه *** مـن الـعــقـل ولا بـالـيـديـن قــيــاد
محى الـلـه قيد غـرني من زمـالـتي *** منـايـن واتـري حـدا المنـايـن بـاد
تناوشتها وأنـا من المـوت خـايـف *** وإلـى أن اخطاها عن اخطاي بعـاد
أنـا سبب قـتلي عـلى الماء حمامـه *** مـخـضـبــةٍ ورقـــاء ربـــــوت واد
أنـا كـل مـا خـايلـت بالعيـن مـربـع *** إلــى أنـــه قـبـلـي لـلـرجــال مــراد
إلـى قـلـت هـذا مـربـع مـا يجـونـه *** إلــى ذيــك أثـرهــم درس وأجــداد
أنـا صـادرٍ عـلـقـت دلـوي بمنكـبي *** وخـلـيــتـهـا لـلـي يــطــول الــمــاد
وأن كـانـت الـدنـيـا مـثـلـهـا لــنـــا *** عــزي لــكـم يـا الــلـي لــهــا وراد
وأن مت حطوني عـلى جال منهـل *** عـذي الـجـبـا دب الـلـيـال ايـــــراد
وحطوا عـلى قبري ثمان الصفايح *** يـبـيـد الـزمن ورسومـهـن مـا بـاد
بـاغـي إلـى مـرت عـلـيـه ضعايـن *** ضعـايـن واهـلـهـن قـاصديـن بـلاد
يقولون قبرراعي الجود والصخى *** وراعي الصخى دب الـزمـان ايعـاد
ومن شعـر فيصل الجميلي هذه القصيدة يسند على أخيه حماد صاحب البديع ويتوجد على ديرته ويتذكر أيام صباه ويشكي من الكبر والعجز وقد تجاوز المائة سنه ويذكّر بمكارم الأخلاق ويعتـز بأفعاله الطيبه فيقول :
يقول الجميلي والذي بات ما غـفـا *** عينه غمر رمش المواقي دموعها
عـلى ديـرة بـيـن الـوطـاه وخرطـم *** لعـل الحيا والسيل يسقي جذوعهـا
سقاهـا الحيـا مـن مزنـة عـقـربيـه *** تحدر مسيله من عـوالي فـروعهـا
اقمنـا بهـا خـمس وتسعـيـن حجـه *** وصبرنا على ميلاتها مع اهزوعها
لـو كـان مـا سـويـت فيـهـا تجـاره *** أخيـر الليـالي لـيـلـة فـي ربـوعـهـا
لمـحـلا قـولـي لـلأصحـاب سلـفـوا *** وعيراتهـم مـا حـط عنها نسوعهـا
عـلى قـروة من حمـد ربي عبيتهـا *** تـداوي بها الربع المراميل جوعها
يدعاعليها الضيف والجاروالخوي *** واسلوم أهلنـا ما خفتـنا اسنوعهـا
ذا ضـاهـرٍ مـنـهـا وذا داخـل بـهــا *** وذا قـاعـدٍ يبي العشا من طلـوعهـا
الشيمـة الشمـاء بـنـا مـا تـغـيـرت *** تضوي لـنـا عبـر القدايم اشموعها
قـلـتـه وأنـا مـا بـقـت للجـار غـره *** ولا حـرمتـه في تالي الليل أروعها
لـك الـلـه مـا عسيتهـا طـول ليلـهـا *** الا بـمـصـامـيـح كـبـار قـطـوعـهـا
الا بصحـون فوقهـا السمـن سايـل *** يقطرويذرف من طوارف انطوعها
ترقـد عليهـا الـلـه وأمانـه بنومهـا *** وخيار المعاني قـد بنينـا شروعهـا
فـلا لاطـمٍ جــاري بـكـفـي تـعــمّــد *** ولا صوبه البنـدق نشبب اقموعهـا
وأن داس مـنـا تــايــه الـراي زلـه *** نشوم عـن الـلي هضايم ضلوعهـا
وخــلاف ذا يــا راكـب عـيــدهـيــه *** عمليـة صـك السرى مـا يصوعهـا
سـرهـا وتـلقـا مـن عـزانـا قـبـيـلـه *** جميليـة جمـع العـدا مـا يـروعـهـا
مـلـفـاك حمـادٍ ذرى هـاشـل الخـلا *** لا حـكـرت حضر القـرايـا زروعهـا
قـله تـرى الرجلين مني قـد انحنت *** والأذنين مني قـد تـدانـا اسموعهـا
وشلت العصا عقب القنا ياهل النقا *** وابـرابـهـا اقـدام كـثيـر اوقـوعـهـا
فـلا ضـدنـا تـالـي زمـانـه نـضـــده *** والكبد عافـت عقـب هـذا قـدوعهـا
أبـكي عـلى حـالي وابـكي رفـاقـتي *** وابكي نزول فـرق الـلـه انجوعهـا
نفوس مضرات عـلى العـز والنقـا *** ولا خـربـت عسر الليالي اطبوعهـا
لا شافـت الـزاد الخـبـيـث تـرفـعـت *** ولا بـد لها من شبعة عقب جوعها