لحوم العلماء مسمومة
الحمد لله جاعل العلماء ورثة الأنبياء والصلاة والسلام على خير الرسل والأنبياء نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأطهار الأتقياء أما بعد
إذا ما مات ذو علم وتقــــوى فقد ثلمت من الإسلام ثلـــمـة
وموت الحاكمِ العدلِ المـولـّى بحكم الأرض منقصة ونقمـة
وموت فتى كثير الجود مـَحْلٌ فإن بقائه خصب ونعمــــــــة
وموت العابد القوام لـــــــــيلٌ يناجي ربه في كل ظلمـــــة
وموت الفارس الضرغام هدمٌ تشهد له بالنصر عزمــــــــة
فحسبك خمسة يبكى عليــــهم وباقي الناسِ تخفيف ورحـمة
وباقي الخلقِ همجٌ رِعـــــــاعٌ وفي إيجادهم لله حـــــــــكمة
عباد الله : لحوم العلماء مسمومة ، ومكانتهم في الإسلام عظيمة ، فيجب علينا توقيرهم وإجلالهم ، وقد تساهل بعض الناس في هذا الأمر ، قال تعالى ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) وقال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) ويقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) وأولو الأمر هم الأمراء والعلماء ، ويقول ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) وقال النبي r ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) و قال النبي r ( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر، العلماء هم ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به ؛ فقد أخذ بحظ وافر ) ومن عقيدة أهل السنة والجماعة ( أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة ) ، قال الحسن ( كانوا يقولون : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ) ، وقال الأوزاعي ( الناس عندنا أهل العلم ، ومن سواهم فلا شيء ) ، من هذه النصوص الكريمة ، والأقوال المحفوظة ؛ تتبين لنا المكانة العظيمة ، والدرجة العالية ، التي يتمتع بها علماء الأمة ؛ ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات ، وما أبلغ قول بعض العلماء ( أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم ) ، وإن مما يدل على خطورة إيذاء العلماء قولَ النبي rقال الله- عز وجل- في الحديث القدسي ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )
أيها المسلمون : أسباب أكل لحوم العلماء كثيرة ومتعددة أذكرها باختصار وهي :
1- الغَيرَة : قال الذهبي ( كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به،لاسيما إذا كان لحسدٍ أو مذهب أو هوى) 0
2- الحسد : والحسد يُعْمي ويُصمّ ، ومنه التنافس للحصول على جاه أو مال، فقد يطغى بعض الأقران على بعض ، ويطعن بعضهم في بعض ؛ من أجل القرب من سلطان ، أو الحصول على جاه أو مال0
3- الهوى: قال تعالى { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( صاحب الهوى يُعْميه الهوى ويُصمه ).وكان السلف يقولون: ( احذروا من الناس صنفين، صاحب هوى قد فتنه هواه ، وصاحب دنيا أعمته دنياه ) 0
4- التقليد: في سب العلماء ، قال الإمام أحمد ( من قِلة علم الرجل أن يقلِّد دينه الرجال ) 0
5- التعصب: والباعث على التعصب هو الحزبية لمذهب أو جماعة أو قبيلة أو بلد ، الحزبية الضيقة التي فرقت المسلمين شيعاً 0
6- التعالم : لقد كثر المتعالمون في عصرنا ، وأصبحت تجد شاباً حدثاً يتصدر لنقد العلماء، و لتفنيد آرائهم وتقوية قوله ، وهذا أمر خطير ؛ فإن منْ أجهل الناس منْ يجهل قدر نفسه ، ويتعدى حدوده 0
7- النفاق وكره الحق : قال تعالى عن المنافقين ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )0
8- تمرير مخططات الأعداء كالعلمنة ونحوها: لقد أدرك العلمانيون - أخزاهم الله – أنه لا يمكن أن تقوم لهم قائمة، والعلماء لهم شأن وهيبة فأخذوا في النيل من العلماء ، وشرعوا في تشويه صورة العلماء ، وتحطيم قيمتهم، بالدس واللمز، والافتراء والاختلاف 0
أيها المسلمون : للوقيعة في العلماء عواقب وخيمة ، ونتائج خطيرة ، وآثاراً سلبية ، تترتب على أكل لحوم العلماء ، والوقوع في أعراضهم ، يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع ، ووسع أفقه ، وأبعد نظره ، وإليك أهمها :
1- إن جرح العالم سبب في رد ما يقوله من الحق 0
2- أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه وهو ميراث النبي r 0
3- أن جرح العلماء سيؤدي إلى بعد الناس عنهم 0
4- أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة 0
5- أن تجريح العلماء مدخل لتمرير مخططات الأعداء 0
أيها المسلمون يجب علينا أن نحفظ للعلماء مكانتهم و فاعليتهم في قيادة الأمة وأن نتأدب معهم ، وأن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصم الله ، وهم الأنبياء والملائكة ، فالعالم معرضٌ للخطأ ، فنعذره حين يجتهد فيخطئ، و أن ندرك أن الخلاف موجود منذ عهد الصحابة t وإلى أن تقوم الساعة لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء ، فلكل واحد منهم فهمه ، ولكل واحد إطلاعه على الأدلة ، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور ؛ فمن الطبيعي أن يوجد الخلاف بينهم ، وأن نفوت الفرصة على الأعداء، و ننتبه إلى مقاصدهم وأغراضهم، وأن ندافع عن علمائنا ، وأن نحمل أقوال علمائنا وآراءهم على المحمل الحسن، و ألا نسيء الظن فيهم ، وأن ننتبه إلى أخطائنا وعيوبنا نحن، وننشغل بها عن عيوب الناس عامة، وعن أخطاء العلماء خاصة 0
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع أخواننا المسلمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
أيها المسلمون : لا بد أن نتعرف على السبيل السليم لبيان الحق ، بدون الوقوع في العلماء ، فبعض الناس اليوم وقعوا بين إفراط وتفريط ، ففريق يطعنون في العلماء ويتهمونهم كلما قالوا شيئاً ، وفريق آخر ، إذا سمعوا عالماً أو طالب علم يُبين الحق بدليله قالوا : إنه يقع في أعراض العلماء ، ويُحدث فتنة ، وكلا الفريقين مجانب للمنهج الصحيح 0
أيها المسلمون : لسلوك المنهج الصحيح علينا إتباع ما يلي :
1- التثبت من صحة ما ينسب إلى العلماء فقد ُتشاع عن العلماء أقوال ، فيجب التأكيد مما يُنقل عن العلماء ،فقد يكون غير صحيح ، ولا أساس له ، وكم سمعنا من أقوالٍ نُسبت إلى كبار علمائنا، ولما سألوا عنها تبين أنهم بُراءُ منها 0
2- أن نعرف أن عدم الأخذ بقول العالم ، وأن مناقشته والصدع ببيان الحق، يختلف تماماً عن الطعن في العلماء، فالفرق بين الأمرين عظيم جداً ، يجوز لنا ألا نأخذ بالفتوى إن لم توافق الدليل، ولكن لا يجوز لنا الطعن في العلماء0
3- أن يقصد المتحدث بكلامه وجه الله - جل وعلا - فيستحضر الإخلاص، ويحذر من الأغراض الشخصية العارضة كالهوى ، والتشفي ، وحب الظهور( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) 0
4- الإنصاف والعدل : المتأمل في واقع بعض طلاب العلم يجدهم إما أن يأخذوا كل ما يقوله العالم ، أو يردُّوا كل ما يقوله، وهذا خلاف ما أمر الله – تعالى – به من العدل والإنصاف ، قال تعالى ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) والعدل الإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة 0
5- أن نعلم أن خطأ العالم على نوعين : خطأ في الفروع ، وخطأ في الأصول ، أما مسائل الفروع فهي مسائل اجتهادية ، يجوز فيها الخلاف ، وأما مسائل الأصول ( العقيدة )، فيبيَّن القولُ الصحيح فيها ، ويحذر من أهل البدع في الجملة، وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته ، بدون إفراط ولا تفريط 0
6- إذا أمكن الاتصال بمن وقع منه الخطأ- سواء في الأصول أو الفروع، لعله يرجع إلى الصواب ، فهذا أولى ، لأن الحق هو المقصود، وفي رجوع المخطئ بنفسه عن قوله وإعلانه ذلك للناس خير كثير0
عباد الله أدعوا الله أن يعز الإسلام والمسلمين وأن ينصر عباده الموحدين المجاهدين ، في فلسطين والعراق وبلاد الأفغان ، اللهم انصر أخواننا في غزة على وجه الخصوص وفي فلسطين على وجه العموم ، اللهم فك الحصار عنهم وانصرهم وكن معهم يا عزيز يا كريم ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا واكفنا شر سفهائنا وأهد ضالنا يا رب العالمين ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
راجع أصلها للدكتور ناصر العمر