الغيبة
مجلة الدعوة العدد 1667 - ص 46 - 23/7/1419هـ 12نوفمبر 1998م
بحارنا ومحيطاتنا وأسماكها وحيتانها وكائناتها الحية تعفنت وهزلت , ولؤلؤها ومرجانها وجواهرها ذهب رونقها وصفائها ونضارتها , وماؤها تكدر وأمواجها هاجت ترجو النجاة ولكن أين المفر؟
لاحظ المختصون في الطبيعة هذا فاتجهوا بعدتهم وعتادهم إليها ينظرون ما أصابها وغير أحوالها , فعلى ضفافها وشواطئها المريضة نصبوا الخيام وبين طياتها السقيمة أبحرت السفن العاتية وفي باطنها المتقرح غاصت الغواصات وخاضت غمارها , أمدوها بالمضادات الحيوية فلم تفلح , ففيروساتها اعتادت على مثل هذه الاستطبابات الضعيفة ، والقوات أحاطت بها من كل شاطئ موجهة إليها أعتى وأنكى الأسلحة فلم يرتد لها طرف , وخاطبها الفلاسفة وعلماء النفس فلم يقنعوها بأن تعزف أو ترجع 0
وهيئوا لها الظروف الاجتماعية فلم يركن إليها وبينوا لها الآثار الاقتصادية المتردية فلم ترحم و00 و 00 ثم رجعوا بخفي حنين 0
قال تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) ، قال ابن عباس رضي الله عنه هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا, قال النحاس وهو أحسن ما قيل في الآية 0
قال تعالى ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي شديد ) فكما تدين تدان ولكل فعل رد فعل مساو له في القوة مضاد له في الاتجاه , والأشياء بأضدادها تعرف 0
قالت عائشة رضي الله عنها للمصطفى صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا ( تعني قصيرة ) فقال صلى الله عليه وسلم لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته 0
فقوله لمزجته أي غيرت أحوال البحر وماءه ولماتت كائناته وتأثرت حياته وما ذلك إلا لعظم الغيبة وأثرها على المجتمع وهي كلمة واحدة فما بالك بالكلمات التي تصدر تباعا لو مزجت بالبحار والمحيطات ماذا حصل؟
المغتاب عندما كأنه يأكل لحم أخيه ميتاً مكروهاً , فهذا تشبيه تتقزز منه النفوس وتشمئز ، فكيف إذا قيل له كل من الجيف قال تعالى ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) قال النووي : اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة, ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه ، لأنه قد يجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه , وذلك كثير في العادة ، والسلامة لا يعدلها شيء , والله الموفق 0
محمد فنخور العبدلي
المعهد العلمي في القريات