يرى ابن خلدون ان البداوة هي أصل الحضارة والعمران والأمصار مدد لها، وان احوال الحضارة ناشئة عن أحوال البداوة وأنها أصل لها، وأن تطور البداوة الى المدنية أمر طبيعي، والسبب ان البداوة أقرب الى الفطرة وتتميز بخصائص خاصة بها بعيدة عن الترف والشهوات كما تتصف بالشجاعة والعصبية. ويقول القلقشندي كانت مساكن العرب في ابتداء الأمر بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمور، واعدل أماكنه وأفضل بقاعه حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الانام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما حول ذلك من الأماكن، وجزيرة العرب متسعة الأرجاء ممتدة الأطراف يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقاء، إلى أيلة، ثم بحر القلزم الآخذ من أيلة حيث العقبة الموجودة بطريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن، حيث طيّ وزبيد وما داناهما. ومن جهة الجنوب بحر الهند المتصل به بحر القُلزم من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة، من ظفار وما حولها. ومن جهة الشرق بحر فارس الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين، ثم إلى أطراف البصرة، ثم إلى الكوفة من بلاد العراق. ومن جهة الشمال الفرات آخذاً من الكوفة على حدود العراق إلى عانة، إلى بالس من بلاد الجزيرة الفراتية، إلى البلقاء من برية الشام. وتترامى متوغلة فى الشمال على حدود فلسطين وسوريا غربا والعراق وبلاد الجزيرة شرقاً. والجزيرة هي الإقليم الممتد بين منابع دجلة والفرات في أحواضهما العليا لأن أعالي هذين النهرين كانت تكتنف سهولها وكان هذا الإقليم ينقسم إلى ديار ثلاث وهي: ديار ربيعة في الشرق وديار مضر في الغرب وديار بكر في الشمال وكان يحكمه الساسانيون فعرف كل من هذه الديار بقبيلته التي كانت تنزل بها في الجاهلية وكانت الموصل على دجلة أجلّ مدن ديار ربيعة والرقة على الفرات قاعدة ديار مضر وآمد في أعالي دجلة أكبر مدن ديار بكر ويطلق اسم الجزيرة على مدينة في ذلك الإقليم تقع على نهر دجلة وتعرف بجزيرة ابن عمر نسبة إلى الحسن بن عمر التغلبي بانيها وكانت دجلة تحيط بهذه المدينة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال فدعيت الجزيرة. يقول الحموي دِيارُ ربيعة: بين الموصل إلى رأس عين نحو بقعاء الموصل ونصيبين ورأس عين ودنيسر والخابور جميعه وما بين ذلك من المدن والقرى، وربما جمع بين ديار بكر وديار ربيعة وسميت كلها ديار ربيعة لأنهم كلهم ربيعة، وهذا اسم لهذه البلاد قديم، كانت العرب تحله قبل الإسلام في بواديه، واسم الجزيرة يشمل الكلّ. اقيمت ثلاث مناطق ادارية سُميت بحسب انتشار القبائل، غرب الخابور ديار مضر، والمنطقة التي وراءها ديار ربيعة، اما منطقة الجبال في الشمال وعاصمتها القديمة آمد فحملت اسم سكانها الجدد وسميت ديار بكر. وهذه المناطق شكلت مجتمعة محافظة الجزيرة. ان الاسماء المتداولة بين العرب منذ صدر الاسلام لاقسام الجزيرة [الجزيرة الفراتية] التي ثبتها البلدانيون والمؤرخون العرب القدامى بعد ذلك في مؤلفاتهم هي ديار ربيعة وديار مضر وديار بكر، ويشير اسمها الى أصل ساكنيها، وهو دليل واضح على ان العرب يشكلون اكثرية سكانية منذ القدم. وقد تواصلت هجرات القبائل العربية الحجازية العدنانية ربيعة ومضر وبكر من شمال شبه جزيرة العرب الى الجزيرة الفراتية لأحوال واسباب متعددة، بدءاً من القرن الثالث حتى القرن السادس الميلادي، وغدت ارض الجزيرة دياراً لها وسميت باسماء تلك القبائل وقد سبقها منذ الالف الرابع قبل الميلاد هجرات عربية اخرى كان مصدرها جميعاً شبه الجزيرة العربية وكان الآراميون آخر تلك الاقوام العربية التي استوطنوا في الجزيرة سنتي (1500-1200 ق.م).

وهناك عدة نظريات حول تحديد الموطن الاول لأقوام شبه الجزيرة العربية. قال نولدكة انها افريقية، وقال فون كريمر انها الهضبة المركزية في اسيا، وقال جون بيترس انها ارمينيه، وقال المستشرق جويدي انها بلاد بابل جنوب العراق، اما شبرنكر وسايس ودي كويه وبروكلمان وفليبي وكيتاني فقالوا ان موطن اقوام شبه الجزيرة العربية الاول هو شبه جزيرة العرب وان اختلفوا على تحديد الموقع الذي يقيمون فيه منها، وان اكثر النظريات التي قيلت بشأن الموطن الاول لأقوام شبه الجزيرة العربية قبولاً هي النظرية التي تقول ان شبه الجزيرة العربية هي ذلك الموطن، وان الظروف التي مرت عليها دفعت تلك الاقوام للهجرة الى المناطق المجاورة ولاسيما منطقة الهلال الخصيب بهجرات متتابعة منذ أقدم العصور وحملت تلك الاقوام اسماء مختلفة ترتبط غالباً بالمناطق التي حلت بها، لذا لابد ان تكون التسمية البديلة مرتبطة بشبه الجزيرة العربية وبالاقوام التي كانت لاتزال تعيش فيها. وهناك عدة اراء حول تحديد المكان الذي انطلقت منه هذه الهجرات من شبه الجزيرة العربية، فقال بعضهم: وسط شبه الجزيرة وبخاصة منطقة نجد، هي الموطن الأول الذي انطلقت منه الهجرات السامية إلى حيث استقرت في العصور التاريخية كون هذه المنطقة تمثل الصفات الأساسية التي تجمع بين الشعوب السامية؛ وقال البعض أن اليمن هي الموطن الذي انطلقت منه هذه الهجرات. وهناك من قال منطقة البحرين في شرقي الجزيرة باعتبار أن الفينيقيين "وهم فرع من الكنعانيين، أحد الشعوب السامية" قد هاجروا إلى المدن الفينيقية من هذه المنطقة. وهناك رأي يقول أن الحافة الشمالية لشبه الجزيرة العربية هي منطلق هذه الهجرات والرأي في حد ذاته منطقي من حيث إنه لا يصطدم بصعوبات جغرافية في وصول هذه الهجرات إلى منطقة وادي الرافدين أو المنطقة السورية. والمسلّم به ان جزيرة العرب كانت وطن الأمم السامية القديمة ومنها هاجروا لضيق الأرض بهم أو حباً بالفتوح والتوسع الى العراق وسوريا وشرق الأردن وفلسطين بل قد يكون الى مصر أيضاً. ويؤيد ذلك قول اوبنهايم ان الجزيرة العربية مهد البدو، انطلقت الهجرات منها نحو الشمال والشمال الشرقي، ووصلت الى داخل بلاد فارس.


ملاحظة: البحث علمي موثق بالمراجع والمصادر التاريخية كمقدمة لما سيأتي من حديث عن قبيلة عنزة. أتمنى أن أسمع اراءكم.
الملاحظات الهامشية لم تظهر (الموقع لم يأخذها)