أعراف قبيلة الفقراء عنوان لفصل من كتاب الفه بالفرنسية (جوسان, وسافينياك) وهما عالمان فرنسيان أتيا الى منطقة مدائن صالح اوائل القرن العشرين المنصرم وذلك للتنقيب عن الاَثار والنقوش الحجرية المشهورة بتلك المنطقة وقد نشر هذا الكتاب عام 1920م فى باريس تحت عنوان coutumesdes- fuqarوقام بترجمته الى العربية الدكتور محمود سلام زناتي ونشرته مجلة العرب على ثمانية أجزاء إبتداءَ من جزئيها التاسع والعاشر السنة 17- لعام 1413هـ1992م ويحتوى هذا الكتاب على الكثير من المعلومات التى تخص قبيلة الفقرا وبعض القبائل الأخرى وقد جاء على عدة فصول مرتبة وهى كالتالى: القبيلة والأسرة , المرأة , الزواج , الطلاق , السلطة الأبوية , العبيد , القصير الجار , المحالفة , اليمين , الغزو , الأسرى , الحياة الفردية , الأمراض , الغذاء , الحياة الدينية , الزمن والشهور , الأضاحى , الختان , الشعر , الموت , الروح , الأشجار والنباتات , الجمل , الفرس , الجراد , وسوف نقوم بنشر ماجاء بالفصل الأول من الكتاب دون تصرف أو تعقيب وسيكون التعقيب على الحواشي للمؤلف ولناشر هذا الكتاب الشيخ العلامة حمد الجاسر رحمه الله ثم يلي ذلك تعقيب للإستاذ الباحث عبدالله بن عبار حول ماورد فى هذا الكتاب .
"مقدمة المترجم"
هذه ترجمة لكتاب قاما بتأليفه رجلان فرنسيان من رجال الدين المسيحي ينتميان الى المذهب الكاثوليكي أتيا أوائل القرن الحالى للتنقيب عن الاَثار فى منطقة *(مدائن صالح) وانتهزا الفرصة للقيام بدراسة لأعراف قبيلة الفقراء التى تقيم فى نفس المنطقة وقد كانت لجوسان خبرة سابقة بعادات وتقاليد عدد من القبائل العربية التى تقطن شرق الأردن وفلسطين, وأصدر فى بداية هذا القرن كتاباَ عنها بعنوان(أعراف عرب مؤاب) وإذا كانت ترجمة كتاب( أعراف قبيلة الفقراء) قد أُتيحت لها فرصة الخروج الى حيز الوجود فالفضل فى ذلك مرجعه الى الأخ العزيز والزميل الفاضل الدكتور فهد بن محمد الدغيثر الذى ماإن عرف إهتمامي بدراسة أعراف القبائل العربية المعاصرة حتى سارع الى وضع كل مافى مكتبته الخاصة من مؤلفات فى هذا الموضوع تحت تصرفي وكان من بينها هذا الكتاب, الذى ماإن انتهيت من مطالعته حتى اختمرت فى ذهني فكرة ترجمته الى العربية وقد أغراني بترجمته إعتباران: أولهما صغر حجمه وثايهما: قلة المراجع باللغة العربية عن أعراف القبائل العربية المعاصرة ولاسيما تلك التى تقطن بالمملكة العربية السعودية, وإنى لكبير الأمل فى أن يجد قراء العرب فى هذه الترجمة شيئاَ من الفائدة وأن يتقبلوها بقبول حسن.
"الجزء الأول" "مقدمة الكتاب"
هذه الصفحات حول أعراف القبيلة العربية (الفقراء) تشتمل على ملاحظات (اتنولوجية) تم جمعها خلال رحلتنا الأخيرة فى شبه الجزيرة العربية وكان المفروض أن تأخذ هذه الملاحظات مكانها فى الجزء الثانى كتابنا( مهمة تنقيب عن الاَثار) لكن هذا الجزء الثانى اشتمل على أكثر من 600صفحة فضلاَ عن الرسومات وكان من الممكن زيادته بصورة مفرطة وفضلاَ عن ذلك فقد بدأ من الأفضل طبع هذه المعلومات عن الفقراء فى كراسة منفصلة, كي يسهل على أولئك الذين يهتمون بهذه الأمور الحصول على هذا الكتاب الصغير بدلاَ أن يتجشموا شراء مؤلف ضخم مخصص لعلم الاَثار وعلم النقوش وقصة الرحلة, ولاتشكل هذه الصفحات إزدواجاَ مع كتاب( أعراف العرب فى مؤاب) بل أنها تفترض معرفة هذا الكتاب من أجل المفاهيم العامة حول الحياة البدوية ومن يسرنا أن نحيل القارىء اليه, وفضلاَ عن ذلك فإن الكتاب يروي عادات قبيلة تقيم على مسافة تتراوح بين 400و500ك جنوب شرق الكرك ومعان وهى قبيلة لها عاداتها وتقاليدها المتميزة, ولها استقلالها وحياتها الخاصة وهو يشتمل على معطيات جديدة ويمد القارى بمجموعة من العلومات عن هذه القبيلة والمنطقة التى تسكنها, وهو تكملة للجزء الثانى من مؤلفنا (مهمة تنقيب عن الاَثار فى الجزيرة العربية) ورجاؤنا أن تُعد هذه الملاحظات مجرد مساهمة متواضعة فى دراسة العرب دون أي إدعاء اَخر خلال ذلك الذى يتعلق بالدقة والصدق, وعندما يتم جمع قدر كبير من المعلومات يصبح الوقت ملائماَ للتفكير فى تاليف كتاب مكتمل ومنسق على نحو أفضل أما الاَن فنحن نروي وقائع فى بعض الأحيان غير مترابطة شأنها شأن مسيرة البدوي فى فيافي الصحراء.
الفصل الأول: "القبيلة والأسرة"
1- قبيلة الفقراء: يشكل الفقراء فى الوقت الحاضر تجمعاَ متميزاَ ومتجانساَ بين بدو شمال الجزيرة العربية ويشار اليهم رسمياَ فى السجلات الحكومية بإسم(عشيرة الفقير) ويُعرفون فيما بينهم وبين جيرانهم بإسم عربان الفقير أي الذين ينتمون الى الفقير أو الذين يتبعونه, ويتجمع هؤلاء العربان حول شيخ يسمى فى الوقت الحاضر( مطلق) الذى يبسط سلطته على القبيلة بكاملها وتتوزع هذه القبيلة على تسع هي: الشفيقه, الحمدان, الجمعات, المغاسب؟ الزوارحة؟ الشرايدة, الحجور, الصقرة, الخماعلة, وتنقسم الحمولة الى (اَل) أسرة فيقال اَل فلان أو بالأحرى فلان واَله, والكلمة القديمة (بطن) التى تطلق على القبيلة غير معروفة لكنهم يستعملون كلمة( فخذ) وجمعها أفخاذ للدلالة على الوحدات الأصغر, ومن الصعب تحديد جوهر هذه وتكوينها تحديداَ دقيقاَ فكل شى فى ذهن البدوى غامض غير محدد, ومع ذلك فقد حاولت هذه المدارك غير المثقفة أن تخلق لنفسها تاريخاَ؟ أو على الأقل جمع تقاليدها, فقد روى لنا قفطان محدثنا فى شىء من السرور نسبه (1) على النحو التالى: قفطان بن خلف بن عثمان بن رميح بن مبارك بن خبير بن صالح بن عمدان؟ بن شفيقة بن راشد بن خميعل بن حجاج بن منبه بن وهب بن مسلم بن عناز بن وائل بن اَدم!!.
وهكذا فطبقاَ لهذا التقويم يعتقد الفقراء أنهم فى الجيل الثامن عشر منذ أبي البشر؟ وفى اعتقادهم أن راشد بن خميعل هو الفقير الأول وهو الذى أسس قبيلة الفقراء, غير أن ثمة رواية أخرى تذكر أن الفقراء وولد على وبني شعلان لهم جد مشترك هو مسلم بن عناز, فقد كان لمسلم ثلاثة أولاد صار كل منهم أصلاَ لإحدى القبائل: منبه جد الفقراء, وعلى جد ولد على(2) وجلاس جد بني شعلان(3) وتوجد مقبرة الجد(4) راشد فى مدائن صالح وكانوا يشيرون اليها على مقربة من القصر,غير أن إقامة خط السكة الحديدية تسبب فى تغطيتها وفى الواقع لايُعرف موقعها بدقة.
ومع ذلك يبدوا أن ذكراها كانت حية للغاية فى بين أعضاء القبيلة ففى كل مرة يأتى الفقراء الى(الحِجْر) بعد غيبة طويلة يقدمون أضحية تكريماَ لسلفهم وعند ذبح الأضحية يقولون: يالله هذه ذبيحة من أجل(راشد) ومن أجل كل موتانا, ويرش الدم على الأرض ويوزع اللحم الذى يُطهى فى نفس المكان على الفقراء والمساكين, وكان راشد فقيرا حقاَ(5) أي ولياَ فى صلة دائمة بالله فقد كان باستطاعته شفاء الأمراض بمجرد لمسة من يديه وأُطلقت ذريته على نفسها لقب(الفقراء) لكنهم لم يحوزوا مثل سلفهم القدرة على اتيان الكرامات (الله لم يشأ ذلك).
ويطلق إسم السلف (راشد) على أفراد القبيلة دون أدنى نفور ويعرف محدثنا خمسة أو ستة يحملونه فى الوقت الحاضرغير أن الفقراء فى الظروف الصعبة فى الحرب أو فى الغزو لايلتمسون نجدة سلفهم راشد على نحو مايفعل بنو صخر والحويطات(6) ويُعتقد أن جد الفقرا كان يقيم أصلاَ فى (هدية) فى جنوب العلا لأن منطقة مدائن صالح على نحو ماأكدوه لنا كان يشغلها فى ذلك الوقت عرب اَخرون وطبقاَ للرواية المأثورة كان السكان الأولون يُسمون الظفير, وكانوا قدموا من الجنوب واستقروا فى الحِجِرْ لكنهم لم يستطيعوا مقاومة هجوم بنى هلال الذين طردوهم واضطروهم الى الفرار تجاه العراق حيث تعيش ذريتهم الى الاَن كما يقال تحت إسم ابن سويط .
وعاش بنو هلال سعداء فى مدائن صالح إلا أن حدثت مجاعة قاسية فرقت البشر وأهلكت الحيوان وفى مواجهة هذه الكارثة امتطى( ابو زيد) الشهير فرسه واتجه نحو الغرب وفى مسيرته السريعة بلغ تونس حيث أدهشته خصوبة الأرياف وبسرعة كبيرة عاد الى قبيلته وقال لعربانه فى تونس يسود الخير والنعيم إذا تغلبتهم على أهلها ملكتم البلد كلها وإذا لم تستطيعوا إحراز النصر عشتم مع أهلها فسوف يستقبلونكم) ورَد العرب قائلين: البلد التى نحن فيها تهْلك نسائنا واطفالنا ومواشينا نريد تركها للسير تحت قيادتك) .
ورحلوا واستولوا على تونس حيث استقروا وخلفوا فى الجزيرة العربية شهرة عظيمة بالحكمة والشجاعة(7) وخلَف بنى هلال بنو صخر الذين ظلوا فى المنطقة حتى اليوم الذين استطاعوا فيه الإستيلاء على الأراضي التى يشغلونها فى الوقت الحاضر, وطرد الفقراء سادة الحِجرْ الشرارات الذين حلوا محل بنى صخر(8) ومن الممكن القول بأنها مركز عملياتهم رغم أنها فى أحد إقليمهم وتتمثل حدود هذا الإقليم طبقاَ لأقوالهم من ناحية الشمال فى (خشم صنع) بين الدار الحمراء والمعظم ومن الشرق تيماء ومن الجنوب خيبر ومن الغرب الحرَة وهو مجال ضيق نسبياَ للتنقلات المستمرة لقبيلة بدوية .
لكن الفقراء ليسوا كثيري العدد فخيامهم تصل الى 120 خيمة وعلى فرض أن كل بيت يشتمل على متوسط من أربعة الى خمسة أشخاص فالعدد الإجمالى للقبيلة كلها يصل الى ستة مئة نفس, ومع ذلك فإن كثيراَ من الفقراء يؤكدون لنا أنهم يتجاوزون الف شخص ويصدم هذا التأكيد بشكل ظاهر محدثنا المألوف( قفطان) الذى ينهي المناقشة بالصيغة الشائعة العلم عند الله) ورغم عددهم القليل فى ذاته إذا قورن بعدد القبائل القوية المحيطة, فإن الفقراء لهم مكانة بين البدو ويتمتعون بقدر من الشهرة بالشجاعة وهم بطبعهم ميالون أكثر من جيرانهم بالسلب والنهب .
وينفذون الغزو بسرعة وجسارة جعلتم موضع خشية, وهذه الشجاعة ذاتها تخدمها بطريقة رائعة طبيعة الإقليم الذين يقطنون فيه لأنه مجاورات مدائن صالح تشتمل على مخابىء لايملكون العثور عليها على مغارات لصوص حقيقية حيث لايستطيع أي عدو المجازفة دون التعرض لكارثة محققة وكان مرشدنا محمد يحملنا على ملاحظة ذلك, وقد بدت عليه علامات الإرتياح أثناء رحلتنا الى تيماء فكان أثناء عبورنا الأخاديد العميقة التى تلتف حول (الحِجرْ) يقول لنا: هنا نحن فى حمىَ من أعدائنا هنا لانخاف حتى من جيوش السلطان .
غير أن محمد الرجل الطيب كان يبالغ ففى هذه المتاهات المفزعة من الأخاديد العميقة والوديان المتعانقة لانقابل مراعى كافية من أجل القطعان ولا مياهاَ كافية من أجل البشر والماشية وكنا نذَكره بأن الجوع يدفع الذئب الى الخروج من الغابة, وصِدقْ هذا المثل كان يبرز الى العيان لحظة وجودنا بين الفقراء فقد دمر الجفاف الطويل رؤوس الأعشاب بل حت الأشجار التى تنمو فى باطن الأودية, ولم تكن الإبل تجد طعاماَ كافياَ فى أي مكان, وكانت مخازن المياه الطبيعية المحفورة فى الصخر والتى تحفظ ماء المطر جافة منذ وقت طويل, وكانت القبيلة فى حالة قلق وكان الشيخ ( مطلق) يبحث عن مراعِ فى أماكن بعيدة .
وكان أحد أحفاده شهب؟ قد رحل الى مسافة ستة أيام باتجاه شرقى تيماء عند عنزة بحثاَ عن الغذاء الضرورى لإبله, وموضوع المراعى(9) له بالنسبة للفقراء كما بالنسبة للقبائل الأخرى أهمية قصوى,إذ أن لديهم العديد من الإبل كما انهم يربون أيضاَ الماشية الصغيرة الخراف والماعز, والهضبة المرتفعة التى تمتد بين مدائن صالح وتيماء لاتخلوا من أرض معشبة وسهول وقيعان ينمو بها العشب بقدر وافر الى حدِ ما, وحتى فى الوادى القديم الذى يمتد بين مدائن صالح الى (العُلا) يوجد عشب أقوى وأوفر تشتهي القطعان الرعي فيه أياماَ طويلة, لكن خصوبة الأرض هذه تتوقف على المطر.
فعندما يتأخر نزول المطر مدة ثمانية عشر شهراَ أو سنتين تجف الأرض الرملية تماماَ ولاتلبث الخضرة أن تختفى وعندئذِ يبدأ شقاء الفقراء الذين يجدون أنفسهم وقد حرموا من البان قطعانهم ولهذا يضطر الكثيرون منهم الى المعاناة معاناة مريرة, بل أن العديد منهم يمكن أن يلقي حتفه بسبب الجوع ولو لم يكن باستطاعتهم مواجهة احتياجاتهم عن طريق اَخر للدخل وهو زراعات خيبر, فثمة أمر من الواجب مراعاته عند دراسة بدو الجزيرة العربية ذلك أن قلة قليلة من القبائل تعيش على قطعانها فقط (10) فكل تلك التى تعرفنا عليها بصورة مباشرة تعتمد قليلاَ أو كثيراَ على الزراعة, ونحن نأخذ هنا كلمة الزراعة بأوسع معانيها وليس علينا فى الوقت الحالى تقديم الدليل على هذا القول بخصوص كل قبيلة لكن يسعدنا التحقق من انطباقه على الفقراء, فكما هو الشأن بالنسبة لكل المعلومات الأخرى نحن نثق بأقوالهم إذ لم يكن باستطاعتنا مشاهدة هذه الوقائع بأعيننا .
" يتبـــع"