هذه القصة الشعبية التراثية تبين أن الجمال قد يكون نقمة على صاحبه
وقبل أن نحكي قصتنا سوف نمر بسرعة على قصة نصر بن حجاج فلا بد أنكم سمعتم بها هذا الشاب الذي كان يعيش بالمدينة المنورة وكان جميلا بحيث أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب .. سمع امرأة تتغنى بجماله .. وتقول :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
.................. أو هل من سبيل إلى نصر بن الحجاج
أنظر إلى السحر يجري في نواظره
.................. وأنظر إلى دعج في طرفه الســاجي
وقص شعره فزاده هذا جمالا وحسنا ..
فقالت :
حلقوا رأسه ليكسب قبحا
............... غيرة منهم عليه وشـحا
كان صبحا عليه ليل بهيم
............... فمحو ليله وأبقوه صـبحا
فطلب منه الخليفة عمر مغادرة المدينة بدون ذنب جناه سوى الخوف من فتنة النساء بجماله .
أما قصتنا فهي لشاب اسمه فهد الهتيمي وكان يعمل لدى أمير حائل عبد العزيز بن متعب بن رشيد .. وكان شابا وسيما طوالا لديه من الجاذبية والملاحة ما لدى نصر بن حجاج إن لم يكن أكثر ..
فكر بن رشيد في التخلص من هذا الشاب فقرر أن يرسله في مهمة إلى قبيلتي صخر والحويطات وكان بين مقر الأمارة بحائل وبين القبيلتين صحراء قاحلة ومميتة لشدة الحرارة بها ولعدم وجود المياه فيها ..
طلب بن رشيد من فهد أن يغادر إلى مضارب القبيلتين بصفة سرية تامة بحيث لا يدري به أحد حتى ولا أهله .. وذلك من أجل أن يحصل على معلومات وافية عنهم لأنه يريد أن يغزوهم ..
فهد لم يجد مفرا من القيام بالمهمة رغم معرفته بأخطار الطريق..
اختار بن رشيد له مطية يزعجها ظلها نفور جفول ..
امتطي فهد الناقة بعد أن تزود بالزاد ومضى في طريقه ..
وبعد مضى خمس أيام حتى توسط هذه المفازة الخطرة فرأي سرب من الغزلان فتاقت نفسه لأكل لحمها فنزل من ناقته .. وذهب إليها وصوب بندقيته على أحدها وأصابه وأخذ يسحبه نحو ناقته ..
ولما رأت الناقة قرني الغزال جفلت وهربت فترك فهد الصيد وجرى بأثر ناقته .. وكلما أقترب منها نفرت بعيدا وأشتد عدوها ..
بلغ فهد من التعب و الضما والجوع مبلغه ولم يجد بدا من أن ينحر الناقة فكل زاده عليها .. فأطلق عليها النار ..
وأمضى أياما في هذه الصحراء الموحشة .. وهو يترقب حتى نفذ ما لديه من ماء وطعام فأستسلم لقدره بعيدا عن أهله ..
وبينما هو على وشك الموت سمع صوت طلق ناري .. فتنبه ذهنه واستيقظ إحساسه فإذا بصوت طلق ناري آخر .. فأنطلق نحو الصوت بجهد جهيد حتى وصل .. فإذا برجلين يسلخان
ضبيا بجانبي راحلتيهما ..فزعا الرجلان منه وصوبا سلاحهما نحوه ..
فلم يدر بخلدهما قط أن يكون بهذه المنطقة شخص بمفرده وبدون مطية أو ماء ..
فصاح بهما بعد أن عرفهما من سحنتهما .. ألستم من آل غنم أنا من رجال بن رشيد ..
فتراجعا عنه ثم أقبلا عليه مرحبين به وعرفا قصته مع ناقته .. ومن ثم ذهبا به إلى دحل لهم قريب فشرب وأكل ولما عرف أنه نجا استعرض الموقف الذي مر به فقال :
عزّيل من مثلي ذلوله تخليه
..............قفت كما الربدا وأنا اركض باثرهـا
قشّي عليها يوم هي جلّعت فيه
............... لا وا حفا رجلي ولا وا جمــرها
في سهلة ما فيه زول أراعيه
...............ولا مزنة ارجي الرّوي من مطرها
قعدت له باللي ظريف مسويه
............... ليما قطعت بطانها مع نظـرهـا
راحت تخب الخرج والدم غاشيه
.............. عز الله انه من يميني عـــثرها
قام آل الغنمي بإيصال فهد إلى عبد العزيز بن رشيد والذي استمع باهتمام إلى قصته وكيف أن الله أنجاه..
وهكذا تكون ملاحة فهد سببا في محاولة ابعاده وتعريضه للهلاك .. ولم تكن له يد في ذلك
وكل ذي نعمة محسود وكم نعمة جلبت نقمة ..
والله المستعان
معاني لبعض الكلمات لمن لا يعرفها
الدحل : تجويف صخري كبير داخل الأرض له فتحة تدخل منها السيول فتختزن فيه لفترة طويلة.
عزيل : عزي لمن هو مثلي
الربدا : النعامة
قشي : أغراضي وحاجاتي
منقول