في هذا المقال الموثق يتبين للقارىء الكريم أن مواقف المملكة العربية السعودية الممثلة بالملك عبدالعزيز اَل سعود كانت دائماَ مواقف عروبية وإسلامية تنطلق من مبدأ مناصره الشعوب العربية والداعمة لحركات التحرر العربي ضد الإستعمار الأجنبي والمسانده للثورات العربية في بداية القرن العشرين وهناك الكثير من الكتب والوثائق والرسائل المحفوظة العربية والغير مترجمة تتحدث باسهاب عن هذه المواقف العروبية وهذا رداَ على بعض المشككين والأصوات النشاز التي تدعي خلاف ذلك... "أبومشاري الرفدي"
[ أوراق من ذاكرة التاريخ ] بقلم: قاسم بن خلف الرويس
اطلعت على كتاب عنوانه (أوراق من ذاكرة التاريخ ) وهذه الأوراق كما ذكر مؤلف الكتاب الدكتور عبدي صياح الأطرش تحكي سيرة حياة والده كما وصفه ( المجاهد الكبير صياح الأطرش ثائرا وشاعرا مابين ( 1898- 1977م) يقع الكتاب في قسمين الأول: صياح الأطرش ثائراً؛ ويتضمن هذا القسم مجموعة فصول هي البدايات والاستعداد للمواجهة -صياح في الثورة العربية - صياح في الثورة السورية الكبرى أما القسم الثاني صياح الأطرش شاعراً، حيث عرض مجموعة من قصائدهالعامية في مناسبات مختلفة والكتاب يقع في 302صفحة وقد صدر عن دار الطليعة الجديدة بدمشق.
والحقيقة أن الكتاب يوثق لأحداث الثورة السورية ضد الفرنسيين بقيادة سلطان الأطرش 1920من خلال مذكرات أحد قادتها وهو صياح الحمود الأطرش من واقع يومياته التي كتبها بخط يده ورغم أهمية هذه المذكرات في التأريخ للثورات العربية بصفة عامة والثورات السورية بصفة خاصة إلا أن المؤلف كان انتقائيا في سرد هذه اليوميات فقد أورد منها ثلاثمائة وعشرين يوما فقط موزعة على السنوات من 1926م إلى 1934م في حين لفت نظري تجاوز العام 1931م ولم يورد من يومياته شيئا !!مما يعني تجاوزه بعض الأحداث.
ولكني بعد ذلك لاحظت في الكتاب بعض العبارات والإشارات التي تهدف إلى التقليل من شأن الملك عبدالعزيز ودوره في دعم القضايا العربية رغم أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي آوت الثوار الدروز الذين لجأوا إليها بعد أن ضاقت بهم السبل وتخلى عنهم الجميع بل أن الأمر تعدى إلى التشكيك في مواقفها ووضعها في موضع التآمر مع المستعمرين وسيكون محور كلامي هنا هو علاقة المملكة العربية السعودية بهؤلاء الثوار ومناقشة ما جاء في الكتاب فيما يتعلق بهذا الجانب وبيان المغالطات و التناقضات في هذه اليوميات مع الاستشهاد بأقوال أبناء سورية المعايشين لأحداث الثورة السورية والمشاركين في الحركة الوطنية.
سلطان الأطرش في بيت الشعر
أولا: موقف الملك عبدالعزيز من الثورة السورية:
من المعروف تاريخيا أن أراضي نجد والحجاز في فترة العشرينيات من القرن العشرين تكاد تكون البلاد العربية الوحيدة المستقلة التي لم تستعمرها القوى الأجنبية في المنطقة ولذا كان الملك عبدالعزيز حريصا غاية الحرص على استقلال بقية الدول العربية ومؤيدا لكل عمل يضمن لها حريتها ويحفظ كيانها ولم يألو جهدا في المساعدة والدعم لجميع البلاد العربية على كافة المستويات قال عنه الأمير شكيب أرسلان أحد ملهمي الثورة السورية الكبرى تلك الفترة عام 1925م: "ثم إنني بعد ذلك اطلعت على بعض مراسلات سرية أكدت لي أن ابن سعود لا يفرط في حقوق العرب وانه باذل الجهد في تقليص النفوذ الأجنبي في الجزيرة".
وقال أيضا في عام 1930م:"ولولا أن قيض الله عبدالعزيز بن سعود لصيانة الاستقلال العربي في قلب الجزيرة العربية لكانت سيوف الإفرنج تعمل الآن في رقاب العرب بيآ@L{ح0بين حائل وال! 0وبين الكويت والإحساء.."
1.والحقيقة التي لا تخفى أن الملك عبدالعزيز قد أبدى اهتماما بأحداث الثورة السورية الكبرى التي تفجرت في منتصف العشرينات وخاصة بعد أن أدى تضييق الفرنسيين وضغطهم على قوات الثورة إلى اضطرار المجموعات الثورية وقياداتها وعلى رأسها سلطان الأطرش إلى الخروج من الأراضي السورية واللجوء في بادي الأمر شرق الأردن قبل رحيلهم بضغط من السلطات البريطانية إلى الأراضي السعودية قال المؤرخ السوري أمين سعيد في كتابه تاريخ الدولة السعودية ص 297عن الملك عبدالعزيز: "ونالت ثورة سورية الكبرى سنة 1925 1927على فرنسا الكثير من مساعداته المادية وفتح أبواب بلاده الشرقية والقريبة من الحدود وهي الجوف وسكاكا وقريات الملح للمجاهدين السوريين فنزلوها آمنين ". ويقول نبيه العظمة أحد رجالات الحركة الوطنية السورية: "أما رجالات الحركة الوطنية السورية الذين التقوا حول عبدالله بن الحسين واستقروا في شرق الأردن لجعل الأردن مركز تجمع الوطنيين العرب ومن ثم الانطلاق من هناك لاستعادة سورية وإنقاذها ولكن الأمير اكتفى بإمارة شرق الأردن وكان اكتفاؤه بها...هو سبب الخلاف بين الأمير ورفاقه السوريين هذا بالإضافة إلى سعيه للتساهل مع الفرنسيين والتفاهم مع الانكليز وكانت المناطق الحدودية الواقعة بين سلطنة نجد وإمارة شرق الأردن قد شهدت غزوات متكررة بين العشائر المتجاورة بتشجيع من الأمير عبدالله..." من هنا بدأت العلاقة بين الشخصيات الوطنية في بلاد الشام والملك عبدالعزيز كما قال نبيه العظمة: "بعد أن قطعوا الأمل في إدارة وسياسة الملك الحسين وأولاده اتجهت آمالهم نحو الملك الجديد القوي ابن سعود من اجل الاستعانة به لتوحيد العرب في دولة عصرية منظمة" حتى قال عادل العظمة أحد أبناء الثورة السورية عن الملك عبدالعزيز في عام 1927م "إذا أضعنا هذا الرجل نبقى أشلاء".
سلطان باشا الأطرش الثالث من اليمين مع زعماء الدروز
ثانيا: ملابسات خروج الثوار من شرق الأردن الى المملكة العربية السعودية
أشارت اليوميات إلى أن الثوار خرجوا من منطقة الأزرق في الأردن في الساعة السادسة من مساء الاثنين 22حزيران عام 1927م مرغمين غير مختارين متجهين إلى (النبك) في وادي السرحان بالمملكة العربية السعودية
بالقرب من القريات مع عائلاتهم وأطفالهم وعددهم يقارب الألف نسمة بعد أن وصلتهم موافقة الملك عبدالعزيز بقبولهم في البلاد لاجئين سياسيين حين أوصدت في وجههم أبواب الدول الأخرى وتلقوا من لدن الحكومة السعودية
كافة التسهيلات والمساعدات فاستقروا في هذا الموقع المحاذي للحدود العراقية الأردنية لأكثر من سنتين ثم انتقل القائد العام مع بعض رفاقه في صيف 1929م إلى (الحديثة) التي تبعد عن النبك 35كم جهة الحدود الأردنية؛ حيث قال صاحب اليوميات ما نصه ص94"وفي أعقاب ذلك نزحنا إلى الأراضي السعودية بعد أن جاءتنا برقية من الملك عبدالعزيز أن ادخلوا على الرحب والسعة...فتركنا الأزرق مكرهين واتجهنا إلى العمري ثم انتقلنا إلى الحصيدات بالسعودية ثم إلى النبك في وادي السرحان بالسعودية ثم إلى الحديثة في وادي السرحان أيضا...." ورغم ما نص عليه صاحب اليوميات بخروجهم مكرهين فإن مؤلف الكتاب يرى ص 101أن هذا المنفى للثوار كان اختياريا وهو ما تنفيه ثنايا اليوميات ويؤكده كلام صاحبها الذي قال أيضا ص94"ولما تفاهم الفرنسيون مع الانكليز الذين بدأوا بالضغط علينا بالتهديد وقوة السلاح ...فمنعونا من ورود الماء ولاسيما في فصل الصيف الشديد الحرارة ...وخيرونا إما الاستسلام للفرنسيين أو مغادرة الأزرق نهائيا" وأقول: والخيار الثالث هو الموت ظمأ؛ ولتوضيح الصورة أكثر نذكر كلام الأمير شكيب ارسلان في هذا الشأن حيث قال: " ولما أنذر الانكليز الثوار السوريين بمغادرة الأزرق أو يستسلموا إلى الفرنسيين اضطر نحو ألف نسمة إلى الاستسلام؛ ولكن شقيقي عادل وسلطان باشا الأطرش وغيرهما من القواد أبوا الاستسلام وقالوا للانجليز:" نحن قاصدون إلى ارض ابن سعود فليس لكم أن تلحقونا إلى هناك وليس لكم في ارض ابن سعود أدنى يد علينا "فساروا إلى وادي السرحان وانتجعوا واحة النبك وتفيأوا في ظلال تلك الراية العربية الحقيقية وكانوا نحو ألف وخمسمائة نسمة ولولا ظل ابن سعود لما قدروا أن يستقروا في مكان ولضاقت عليهم الأرض بما رحبت فلا يقدرون أن يدخلوا سورية إلا إذا طلبوا الأمان من الفرنسيس ولا فلسطين ولا شرق الأردن ولا العراق تقدر أن تقبلهم وليس لهم سبيل إلى اليمن 2".
فكان من الواجب على مؤلف الكتاب أن يوضح الحقيقة المرة وهي أن الأبواب قد أوصدت على الثوار وكان مصيرهم الاستسلام للفرنسيين لولا الله ثم موقف الملك عبدالعزيز بقبولهم لاجئين في بلاده فرغم علاقة الثوار الوثيقة بالهاشميين في العراق والأردن إلا أن هؤلاء كانوا تحت الحماية البريطانية يحاولون كسب ودها للبقاء بغض النظر عن الأمور الأخرى ؛وبقي هؤلاء الثوار في المملكة العربية السعودية كلاجئين سياسيين إلى شهر تموز عام 1932م أي أن مدة بقاءهم تتجاوز الخمس سنوات ومع ذلك فقد كان صاحب اليوميات مقتضبا في بيان موقف الملك عبدالعزيز في نصرتهم وإيوائهم أو الثناء عليه بما هو أهل له ؛ بل ان هؤلاء الثوار لم يبدو رغبة في مقابلة الملك عبدالعزيز لشكره على فتح أبواب بلاده لإقامتهم إلا بعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة على ذلك ويظهر أن هذه المقابلة لم تتم أيضا فهل لنا أن نتساءل عن سر ردة الفعل الباردة نحو هذا الموقف الجليل لابن سعود من قبل صياح الأطرش ورفاقه
سلطان الأطرش أيام الثورة 1925م
ثالثا : الأحداث المصاحبة لوجودهم على الأراضي السعودية زمانا ومكانا:
وأما الآن سنوضح بعض الأحداث التي مرت على المملكة العربية السعودية خلال سنوات بقاء ثوار الدروز ومن معهم في أراضي المملكة العربية السعودية وهي 1927، 1928، 1929، 1930، 1931، 1932م وخاصة في منطقة الحدود العراقية الأردنية التي يقيم فيها الثوار حتى نعرف مقدار الأزمات والمشكلات السياسية التي ظل الملك عبدالعزيز يعالجها وما واجهه من إحراج بسبب هؤلاء الضيوف ووجودهم على حدود بلاده الأمر الذي يشكل تهديدا وخطرا على بلاده من هذه الأحداث
على صهوة جواده
1 تعرض القوافل التجارية النجدية والحجازية المتجهة لدمشق والقادمة منها لأعمال السلب والنهب المستمرة في الأراضي الأردنية وهذا الأمر جعل الملك عبدالعزيز يطالب في مؤتمر الكويت بأن تكون حدوده متصلة بصفة مباشرة مع الحدود السورية وهذا يفسر رسالة الملك عبدالعزيز إلى سلطان الأطرش في 10آذار 1929م والتي يطالب فيها إعادة المنهوبات التي حصلت من الثوار من حين دخولهم لأراضيه وعدم تكرار أعمال النهب في المستقبل واللجوء للشرع عند الاختلاف ورغم أن الثوار انكروا هذه الاتهامات إلا إن السلطات السعودية ليست الوحيدة التي اتهمتهم بذلك فقد سبق أن اتهمهم أصدقاؤهم الهاشميون في الأردن بذلك أيضا حيث نجد في يوميات صياح الأطرش 13آب1928م إشارة إلى نية الحكومة الأردنية في قطع الطريق الذي يوصل عمان بالنبك بسبب اتهامها للثوار بنهب محتويات سيارة الحكومة في طريق بغداد ليس ذلك فحسب بل ان صاحب اليوميات ذكر ص 130بأن هناك بعض الأشخاص القاطنين معهم يريدون القيام بالغزو ولكن سلطان الأطرش زجرهم ؛ ولكن على أية حال من يملك الرغبة في الغزو وهو لاجئ لا يمكن زجره وربما يغزو خفية ولن يفرق بين رعايا الأردن أو رعايا السعودية .
الأطرش وأتباعه من الثوار
2 وفي خلال تلك الفترة كانت القبائل الأردنية تقوم بالتعدي على الحدود السعودية والغزو ضد رعايا الملك عبدالعزيز والقبائل النجدية بصورة مستمرة بدعم الهاشميين في الأردن ومنها قبيلة بني صخر ورئيسها حديثة الخريشة الذي يصفه صياح بالصديق ويلتقي به ومنها لقاؤه به في 7نيسان 1928م وكانت قبيلته قبل هذا اللقاء وبعده بمدة قصيرة قد تعدت على قبائل نجد في الحدود السعودية فهل كان ذلك مجرد مصادفة إذا علمنا أن قافلة للخرشان حضرت إليهم في الحديثة داخل الحدود السعودية 9نيسان 1930م كما جاء في اليوميات !! وكان الملك عبدالعزيز ساعيا للسلم بالتباحث مع البريطانيين المسيطرين على الأردن للحد من هذه التصرفات ثم أرسل عبدالعزيز بن زيد إلى عمان لمناقشة مسألة المنهوبات مع الحكومة الأردنية في آب 1930م .
3 فتنة الأخوان خلال الفترة من 1927م إلى 1930م حيث ان الأخوان قاموا خلال هذه السنوات بالإخلال بالأمن الداخلي في الجزيرة العربية كما قاموا بأعمال الغزو والمناوشات المستمرة على الحدود العراقية والأردنية المتبادلة مع القبائل أو الحكومات ؛ ولذلك فإننا نجد في ثنايا اليوميات ما يؤيد ذلك مثل وصول رسول من ابن ضبيعان "أحد رجالات الملك عبدالعزيز" في 2أيار 1929م ينذرهم ويحذر من غزو الأخوان بقيادة به ابن مشهور على هؤلاء الثوار .ثم نجد في 4أيار 1929م رسالة من أمير كاف يخبرهم بانتصار ابن سعود على الأخوان والقضاء على حركتهم في معركة السبلة وكذلك القضاء على ابن مشهور الذي كان يشكل خطرا على الثوار اللاجئين فلولا حرص
الحكومة السعودية على مصلحة هؤلاء اللاجئين لما أخبرتهم بشيء من ذلك وخاصة أن ذلك شأن داخلي مع العلم أن مسألة الأخوان لم تنته تماما إلا في عام 1930م مع لجوء بقاياهم للهاشميين في العراق وبقاء الخوف من تسللهم عبر الحدود العراقية والحدود الأردنية كذلك ولذا أرسل الملك عبدالعزيز قوة لمراقبة الوضع الأمني في الحدود مع شرق الأردن والتصدي للمتسللين من الأخوان المنشقين وكانت هذه القوة بقيادة إبراهيم النشمي وجعل الجوف مركزا لهذه القوة .
سلطان باشا بن مصطفي بن ذوقان الأطرش في أواخر أيامه
4 ثورة حامد بن رفادة شيخ قبيلة بلي الذي انطلق من شرق الأردن فهاجم القوافل وعبث في الأمن متمردا على الحكم السعودي وساعيا لزعزعة استقرار الجزيرة العربية وذلك بتشجيع وتحريض ودعم الأمير عبدالله بن الحسين أمير شرق الأردن الذي يحتفظ بعلاقة متينة مع الثوار اللاجئين في أراضي الملك عبدالعزيز وعلى حدوده مع الأردن هذه العلاقة نراها جلية في يوميات صياح الأطرش التي بين أيدينا ولكن تمكن الملك عبدالعزيز بعون من الله بإخماد هذه الفتنة في مهدها في وقعة جبل شار 1351هـ/3/26
رابعا :علاقة الثوار مع الحكومة السعودية :
من الطبيعي جدا وفي ظل الأحداث التي سبق بيانها أن تتأثر علاقة الثوار مع الحكومة السعودية تبعا لمشاركتهم فيها أو ارتباطهم بها أو علاقتهم بمدبريها خاصة إذا علمنا أن الثوار لم يكونوا راغبين أصلا في الإقامة في وادي السرحان أو في الارتباط بالحكومة السعودية ولكنهم مكرهون بدليل طلبهم من الملك عبدالعزيز المساعدة في العودة للإقامة في الأزرق بالأردن في 17حزيران 1929م بعد يأسهم من قدرة الهاشميين على نصرتهم حيث قال صاحب اليوميات ص 127عنهم "وقد وعدونا بذلك ولكن من أين لهم القدرة على الموافقة إذا كان الإنكليز لا يقبلون إرضاء للفرنسيين.. " للحديث صلة"
التعديل الأخير تم بواسطة ابو مشاري الرفدي ; 05-17-2011 الساعة 06:05 AM