السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فقد درج كثير من الباحثين في تاريخ ربيعة على ذكر اللهازم، وهم: قبائل عنزة بن أسد، وقبائل بكر بن وائل، ومنها بنو حنيفة، وبعض قبائل تغلب بن وائل بن قاسط، ومن انضم لجميع هؤلاء من قبائل ربيعة.
ولكنهم حين فسروا معنى كلمة (اللهازم) لغوياً، ذكروا معنى لا يمت لموضوع البحث بصلة؛ حيث قالوا: اللهازم: أصول الحنكين !!.
وهذا المعنى مع كونه صحيحاً لغوياً، فلا أدري ماعلاقته بالموضوع.
نعم، ذكر اللغويون:
في حديث أبي بكر رضي الله عنه والنسابة: أمن هامها، أو لهازمها؟ أي: من أشرافها أنت، أو من أوساطها؟ واللهازم: أصول الحنكين واحدتها لهزمة بالكسر، فاستعارها لوسط النسب والقبيلة.
أنظر:
النهاية في غريب الأثر لابن الأثير 662/5، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، 1399هـ
غريب الحديث للخطابي 22/2، الناشر: جامعة أم القرى- مكة المكرمة، 1402هـ
والمعاجم اللغوية تركيب: (ل هـ ز)، وتركيب: (ل هـ ز م)
قلت: فيكون من معاني اللهازم المجازية: أوساط النسب والقبيلة، بخلاف الهام، وهم:أشراف القبيلة.
ولكن هذا المعنى الأخير لا يصلح أيضاً لتفسير معنى اللهازم، الذين هم: قبائل عنزة بن أسد، وقبائل بكر بن وائل، ومنها بنو حنيفة، وبعض قبائل تغلب بن وائل بن قاسط، ومن انضم لجميع هؤلاء من قبائل ربيعة، لعدة أمور:
الأول: أن هؤلاء هم أشراف ربيعة، بل إنهم تعاقبوا على سيادة قبائل ربيعة كافة !.
الثاني: لم يذكر أبداً أن اللهازم استنكفوا عن هذا اللقب أو نفوه عن أنفسهم، بل على العكس، فقد كانوا يعتزون به ويذكرونه في قصائد الفخر، والمدح، ولو كان معناه ماسبق لنفوه عن أنفسهم، ولم يذكروه في قصائدهم.
الثالث: عدم ذكر اللغويين لـ(اللهازم) الذين هم عنزة بن أسد ومن معها تحت هذا المعنى في معاجمهم، لعدم صلته به، بل ذكروهم تحت معنى آخر، وهو الذي سوف نسلط الضوء عليه في هذا المقال.
فما معنى لقب (اللهازم) الذي لقبت به هذه القبائل ؟
لقد ظهر لي بعد النظر في كلام اللغويين، وتتبع جذور هذه الكلمة (ل هـ ز م)، و (ل هـ ز) ومشتقاتهما في المعاجم اللغوية، دلالتهما على معنى حقيقي، وليس مجازياً ذكره جميع اللغويين، وهو: الاختلاط، والتداخل والامتزاج.
والطريف أن هذا المعنى، مع كونه معنى لغوياً، فهو ثابت تاريخياً أيضاً.
وإليك بيان ذلك:
جاء في تاج العروس:
ل هـ ز م:
لهزم الشيب خديه أي: خالطهما وأنشد أبو زيد لأحد بني فزارة
أما ترى شيبًا علاني أغثمُهْ لهزمَ خدَّيَّ بهِ مُلَهْزِمُهْ
ولهزه الشيب أيضا بهذا المعنى، ولذا يقال إن الميم زائدة صرح به الأزهري في تركيب ل هـ ز ( واللهازم لقب بني تيم الله ) وفي الصحاح: تيم اللات ( بن ثعلبة ) بن عكابة وهم عكابة وهم حلفاء بني عجل كذا في الصحاح، وفي التهذيب: اللهازم عجل وتيم اللات وقيس بن ثعلبة وعنزة، وأنشد ابن بري:
وقد مات بسطام بن قيس وعامر ومات أبو غسان شيخ اللهازم
ل هـ ز:
لهز : لَهَزَهم: كَمَنَع: خالَطَهم ودَخَلَ بينهم. ومنَ المَجاز: المَلْهوز: الرجلُ خالَطَه الشَّيْب، يقال: لَهَزَه القَتيرُ، أي وَخَطَه، فهو مَلْهُوزٌ، ثمّ هو أَشْمَطَ، ثمّ أَشْيَبُ.
وقال أبو زَيْد: يقال للرجل أوّلَ ما يَظْهَرُ فيه الشَّيْب: قد لَهَزَه الشَّيبُ ولَهْزَمَه. قال الأَزْهَرِيّ: والميمُ زائدةٌ ومنه قولُ رُؤْبة:
لَهْزَمَ خَدَّيَّ به مُلَهْزِمُهْ
واللَّهَزَة، بالتحريك: اللِّهْزِمَة، نقله الصَّاغانِيّ، والميمُ زائدة.
قلت: جاء في تاج العروس أيضاً:
خالَطَهُ مُخالَطَةً وخِلاطاً: مازَجَه.
وجاء في لسان العرب:
ل هـ ز م:
لهزمهُ: قطع لهزمتيهِ. والشيب خدَّيهِ: خالطهما . قال الشاعر:
أما ترى شيبًا علاني أغثمُهْ لهزمَ خدَّيَّ بهِ مُلَهْزِمُهْ
واللهازم:ِ لقب بني تيم اللَّه بن ثعلبة.
ل هـ ز:
لَهز القوم يلهَزهم لَهْزًا: خالطهم ودخل بينهم.
لَهزهُ القتير: خالطهُ الشيب فهو ملهوز ثم هو أشمط ثم أشيب.
واللَهَزَة: اللِهْزِمَة.
والمَلْهوزُ: المُضَبَّرُ الخَلْقِ، والرجلَّ خالطَهُ الشَّيْبٌ، والمَوْسُوم في لِهْزِمَتِه.
قلت: جاء في لسان العرب أيضاً:
خالطهُ: مخالطةً وخِلاطًا: مازجهُ وداخلهُ وعاشرهُ.
وبالإمكان الاطلاع على المعاجم اللغوية الأخرى، ففيها نفس ما ذكر سابقاً.
شاهد تاريخي على صحة ما ذكر:
ذكر ابن عبد ربه الاندلسي في (العقد الفريد) خبر يوم الوقيط، وهو من ايام بكر بن وائل على تميم، قال:
(قال فراسُ بن خِنْدف: تجمَّعت اللهازُم لتُغير على تَميم وهم غارُّون فرأى ذلك ناشب الاعور بن بَشامة العَنبري وهو اسير في بني سَعد بن مالك ابن ضُبيعة بن قيسِ بن ثعلبة فقال لهم: اعطوني رسولاً ارسله الى بني العَنبر اوصيهم بصاحبكم خيراً ليولوه مثلَ الذي تولوني من البر به والاحسان اليه.
وكان حَنظلة بن الطُّفيل المَرثدي اسيراً في بني العَنبر.
فقالوا له: على ان تُوصيه ونحن حضُور.
قال نعم.
فاتوه بغلام لهم.
فقال: لقد اتيتموني باحمقَ وما اراه مُبلِّغاً عني.
قال الغلام: لا والله ما انا باحمَق وقل ما شئت فاني مُبلَغه.
الاعورُ كفه من الرمل فقال: كم هذا الذي في كفِّي من الرمل قال الغلام: شيء لا يُحصى كَثرة ثم اوما الي الشمس وقال: ما تلك قال: هي الشمس.
قال: فاذهب الى قومي فابلغهم عني التحيةَ وقُل لهم يُحسنوا الى اسيرهم وُيكْرموه فاني عند قوم مُحسنين الي مُكرمين لي وقل لهم يَقْروا جمل الاحمر ويَرْكبوا ناقتي العَيْساء باية ما اكلت معهم حَيْساً وَيرْعوا حاجتي في ابيني مالك.
واخبرهم انِّ العوسج قد اَوْرق وانّ النِّساء قد اشتكت.
ولْيعصوا هَمَّام بن بَشَامة فانه مَشْئوم مَحدود وُيطيعوا هُذَيل بن الاخْنس فانه حازم مَيمون.
قال: فاتاهم الرسول فابلغهم.
فقال بنو عمرو بن تميم: ما نعرف هذا الكلام ولقد جنّ الاعورُ بعدنا فواللهّ ما نعرف له ناقةً عَيْساء ولا جملاً احمر.
فشخص الرسولُ ثم ناداهم هُذيل: يا بني العنبر قد بَين لكم صاحبُكم: اما الرمل الذي قبض عليه فانه يُخبركم انه اتاكم عددٌ لا يُحصى واما الشمس التي اوما اليها فانه يقول: ان ذلك اوضحُ من الشَّمس واما جَمله الاحمر فانه هو الصَمَّان يامركم ان تُعْروه واما ناقتهُ العَيساء فهي الدَّهناء يامركم ان تَحْترزوا فيها واما ابْناء مالك فانه يامركم ان تنذروا بني مالك بن حنظلة ابن مالك بن زَيد مناة ما حَذركم وان تُمسكوا الحِلْف بينكم وبينهم واما العَوْسج الذي اورق فيُخبركم انّ القوم قد لَبسوا السلاح واما تشكيَ النساء فيُخبركم بانهن قد عَمِلنَ شِكاءً يغزون به.
قال: وقوله باية ما اكلت معكم حَيساً يريد اخلاطاً من الناس قد غزوكم...) إلى آخر القصة.
قلت: والشاهد هو: تشبيه التميمي الأسير ورمزه للهازم بالحيس، وذلك لاختلاطهم، وتداخلهم وتمازجهم.
وقد جاء في:
لسان العرب:
الحَيْس: مصدرٌ وتمرٌ يُخلَطَ بسمنٍ وأقطٍ فيُعَجن ويُدلَك شديدًا حتى يمتزج ثم يُندَر منهُ نواهُ وربما جُعِل فيه سويقٌ.
وفي تاج العروس:
حيس : الحَيْس، الخَلْطُ، ومنه سُمِّيَ الحَيْسُ، هو تَمْرٌ يُخلَطُ بسَمنٍ وأقِطٍ فيُعجَن، وفي اللِّسان: هو التَّمرُ البَرْنيُّ والأَقِطُ يُدَقَّانِ ويُعجَنانِ بالسَّمنِ عَجْنَاً شديداً، ثم يُندَرُ النَّوى عنه نواةً نَواةً ثمّ يُسَوَّى كالثَّريدِ، وهي الوَطيئَةُ وربّما جُعِلَ فيه سَويقٌ أو فَتيتٌ عِوَضَ الأَقِط.
والله أعلم.
وتقبلوا تحياتي.