( شافي بن شامان وجاره الشمري)
فى عام1333هـ1914م نزل معضد بن منيع الشمري على الشيخ شافي بن شامان شيخ البجايدة من السلقا من عنزة مستجيراً به خوفاً من عقاب احد أبناء عمومته الذي يطلبه ثأراً وينوي الأقتصاص منه وقد عاش معضد بن منيع فى حمى مجيره أكثر من خمسة عشر سنة وهو موفور الكرامة لايستطيع اِبن عمه الذي هرب منه أن يمسه بسوء, وكان للشيخ شافي فتى فى ريعان الشباب ولمعضد الشمري كذلك اِبناً يماثل اِبن الشيخ فى السن وكما أن الأبوين يعيشان كالأخوين فاِن أبنائهما أيضاً كالتوأمين مع بعضهم البعض كانت الألفة بينهما متصلة كأتصال الروح بالجسد وكانا كلأً منهما بكر أبيه واِذا طال غياب اِبن معضد الشمري عن أهله وأراد أبوه ان يتفقده فأنه لايذهب بعيداً ولايسأل عنه أي أحد واِنما يذهب فوراً اِلى بيت مجيره الشيخ شافي فأن لم يجده فى البيت فيسأل عن اِبن مجيره فاِن لم يجده أيضاً عاد راجعاً وكله ثقه بأن اِبنه واِبن مجيره ذهبا سوياً اِلى الامكنة التى يمرح بها فتيان البادية الذين لايملون الألعاب الرياضية,كان هذا هو ديدن الفتيان منذ أن كانا فى سن الطفولة اِلى سن المراهقة أي سن الفتوة والشباب الذي يعيشانه الأَن وفى هذه السن كان الفتيان كثيراً مايحمل كلاً منهما بندقية ويذهبان لأصطياد الأرانب البرية ثم يعودان قبل غروب الشمس وهما يحملان مختلف أنواع الصيد من أرانب وطيور اِلى غزلان أحياناً وقلما يعودا صفراليدين وكان اِذا افلس أحدهما من الصيد فاِن الثانى يقسم صيده بينه وبين صديقه وهكذا أصبحت قضية ذهابهما للصيد فهي تعبر عن رسوخ اِلفتهما بحيث لايمكن أن يذهب أحدهما للصيد دون الأَخر وظل الشابان على هذه السيرة من المودة والألفة والصداقة فيخرجان قبل بزوغ الشمس كل يوم ممتطياً كلِ منهما ذلوله ومعهما طعامهما من طحين البِر وقبضةً من تمر وقربة ماء وبندقية معلقة على غزالة الشداد الأخيرة وعندما يقطعان مسافة عشرة أميال تكون الشمس قد بسطت أشعتها على الصحراء النقية الهواء فى تلك اللحظة ينيخ الفتيان راحلتيهما ثم يتولى أحدهما وضع قيد للراحلتين بينما يقوم الأَخر بأخذ حفنة من الطحين فيعجنها ثم يختار لها أرضاً رملية نقية فيضعها فيها ويشعل النار حتى اِذا خمد لهيبها جاء بالجمر ووضعه فوقها حتى اِذا أستوت ونضجت مزجها مع التمر فاِن كانت سنتهما كثيرة الأمطار والبركات أضافا اِلى الرغيف والتمر سمناً وتسمى هذه الأكلة(حنيني) وهى من ألذ الأكلات عند أهل البادية وحاضرة نجد ولايتوفر وجودها اِلا عند الطبقة الراقية,وفى اِحدى الليالي تأخر الفتيان عن مجيئهما المعتاد فظن أهلهما أنهما سيأتيان فى أول الليل ولكن اول الليل مضى دون أن يأتيا! فدبا فى قلوب والديهما القلق وذهب معضد الشمري لبيت الشيخ شافي أَخر الليل ظاناً ان اِبنه جاء متأخراً وبات عند صديقه ولكن عند وصوله لبيت الشيخ شافي وجده يقظاً ومشعلاً ناره ويحتسي القهوة وبدت عليه ملامح القلق وبجانبه أم الفتى وهى بحالة قلق اكثر من زوجها فسلم وجلس دون أن يسأل عن اِبنه لأن مظهر الأب والأم أبدى له أن مصير اِبنهم واِبنه واحد ولذلك جلس صامتاً بعد أن تقهوى وخيم على المجلس فترة من الوجوم قطعتها والدة الفتى بسؤال لمعضد ماذا تتوقع أن يكون السبب لتأخير الأولاد؟ وقبل أن يجيب معضد أجاب الشيخ شافى اِنه يجهل السبب كما نجهله نحن!فأجاب معضد اِن الأحتمالات كثيرة ربما ضاعت اِحدى راحليتهما وذهبا يبحثان عنها حتى أمساهما الليل أوربما كان الصيد كثيراً وظلا يلاحقانه ودهمها الليل وأنهكهما التعب فناما لكي يرتاحا كشأن الشباب فى هذه السن فقال الشيخ شافي كلا الاحتمالين معقول جداً فتنهدت والدة الفتى بزفرة شديدة قائلة ولكن ماذا اِذا اِنبلج الصبح ولم يأتيا ؟! فرد عليها زوجها قائلاً لماذا أنت متشائمة وتفترضين اِحتمالات سابقة لأوانها عندها أجهشت الام بالبكاء وقالت لاتلمني فقد رايت فى منامي الليلة الماضية رؤية أفزعتني وأقضت مضجعي فرد عليها زوجها قائلاً قولي خيراً أوأصمتي محاولاً ان لاتمضي فى شرح حلمها الذى يبدوا انه لايبشر بخير؟! ولكنها لم تصمت بل اِزدادت بكاءً وقالت لقد رأيت البارحة ناراً دخلت فى قلبي وأحرقته فنهرها زوجها مرةً ثانية قائلاً اِستعيذي بالله من الشيطان الرجيم ولكن معضد الشمري حسم النزاع قائلاً سوف أمتطي ذلولي وأتبع أثرهما لعلي أجدهما فبادره الشيخ شافي قائلاً سوف أذهب معك فرد عليه معضد أرى أنه لاداعي لذهابك اِلاأن الشيخ شافي أصر على الذهاب مع جاره الشمري وبعد أن صليا الفجر معاً اِتجها معاً يقصان أثر الفتيان وبعد أن أشرقت الشمس وجدا أثر الراحلتين فظلا يتتبعان الأثر وفجأة سمعا حركة خلفهما فنظرا للخلف واِذا هم بأمراة الشيخ شافي تسير خلفهما دون ان يعلما بها!فأناخ زوجها راحلتها وأردفها خلفه وتابعا بحثهما عن الشابين وبعد فترة من البحث المضني المتواصل عثرا على الراحلتين مقيدتين وترعيان دون وجود أحد وبينما كانوا فى حيرة من أمر اِبنيهما اِذا بالمرأة تصيح هاهما هناك نائمان وتمد يدها مشيرةً اِلى وادِ منخفض قريب منهم فقال الشمري هذا ماكنت اتوقعه لقد تعبا وناما ولم توقضهما حرارة الشمس فردعليه الشيخ شافي هذا نوم الشباب لقدكنا ننام أكثر من ذلك عندما كنا شباباً وبينما هما يتحاوران أسرعت الأم نحوهما تجري لتوقظ اِبنها من نومه ولكن عندما وصلت اِليه وجدته نائماً نومه أبديه
فوقعت مغشياً عليها من هول الصدمة وفى هذه اللحظة وصل الرجلين واِذا بابِن الشيخ شافي مصاباَ برصاصة فى صدغه الأيمن وخارجة من الصدغ الأيسر وناثرة مخه على بقية جسده وأما اِبن الشمري فوجداه هو الأَخر منكباً على وجهه ولم يبد منه أية علامة تدل على انه حي فقلبه والده على ظهره لينظر اِلى أثر الأصابة ولكنه لم يرى به أي اِصابة فوضع يده على صدره ليتحسس نبضات قلبه فوجد النبضات غير طبيعية وتتحرك ببطء وراح الشيخ شافي يوقظ اِبن جاره بأستعمال المنبهات المألوفة كرشق وجهه بالماء حتى اِستعاد وعيه قليلاً فاِذا بالمراَة تفوق من غشيتها وتقول الحمد لله على قضائه وقدره ثم أردفت قائلة للشمري لعل اِبنك سليماً ليست به اِصابة؟وقد لفت نظرهم جميعاً أن بندقية الشاب ملقاة بجانبه وخزينة الذخيرة مفتوحة وفى بيت نار البندقية (طلقة نارية) خارجاً سهمها وبقى مكان السهم فارغاً مما يدل على أن سهم البندقية هو الذى هشم رأس الفتى القتيل وكانت الأدلة كلها تشير بأن اِبن الشمري قتل اِبن مجيره العنزي فكانت مصيبة الشمري لاتقل عن مصيبة اِبن شامان بمقتل اِبنه فقد بدت علامات البؤس واضحة على وجه جاره الشمري فخشى الشيخ شافي أن تفلت من لسان زوجته كلمة من غير وعي تمس بها شعور جاره الشمري بعدما ثبت بالدليل الملموس على أن اِبنها قتل على يد اِبنه , فبادر الشيخ شافي فوراً قائلاً لزوجته ومطمئنناً جاره الشمري (بأن العملية لاشك انها سهواً ومن غير قصد) ولكن الزوجة الذكية عرفت مايعني زوجها بهذه الجملة فردت عليه قائلة(حتى ولولم يكن سهواُ فقد عفوت عنه) وأكملت هذه الزوجة ذات العقل الراجح كلامها (اِذا كان اِبن سويط قد قتل اِبنه من أجل جارته فليس من الشيمة والشهامة أن نسيء لأبن جارنا ولو قتل اِبننا عمداً) وكان الفتى يجهش بالبكاء على فراق صديقه بل أخيه الذى مات بين يديه ووجد نفسه بين أم الفتى وأبيه الذى يكن لهما فى نفسه اِلفة ومودة والديه وبعد أن هدأت الأمور قليلاً أراد الفتى أن يشرح الأمر كيف حدث ولكن الشيخ شافي وزوجته منعاه أن يتكلم اوأن يشرح ماحصل معتبرين ذلك قضاء الله وقدره وكانت التقاليد بذلك الوقت ان يدفع القاتل دية من خيرة الأبل لوالد القتيل لايقل عددها عن ستين ناقة ولكن الشيخ شافي بن شامان رحمه الله رفض قبول الدية اِكراماً لجاره واِمتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى(فمن عفى وأصلح فأجره على الله)صدق الله العظيم ,فقد كانت تلك أخلاقهم وهذه هى شيمهم وعاداتهم فيالها من أخلاق سامية ومثل عليا نبيلة وشيم عربية أصيلة اِمتاز بها اِنسان هذه الارض الطيبة المباركة.
منقول بتصرف قليل( من شيم العرب) ج3ص346
(ودمتم سالمين)
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله بن عبار ; 06-30-2010 الساعة 05:39 PM
|