( كنا جهلاء فهل لا نزال جهلاء )
سوف أتناول في هذه الأسطر القليلة موضوع حسّاس وشائك ومهم وهو ( التكافؤ في النسب ) ففي العصر الجاهلي يقال ( فلان منبوز النسب ) أي مجهول النسب وقد نزلت آية بالنهي عن التنابز بالألقاب وهذه الآية الكريمة تعني النبز بكل أشكاله وفي العصور الماضية عندما كان يخيّم الجهل على العامة فأن الوضع السائد أن يحمل الرجل سلاحه ويغزو على أبن جلدته يقاتله وأن أستطاع قتله وسلب ما لديه من مواشي ثم يطلق على هذا الغازي الفارس الشجاع ويصبح له قدر وشأن
أما الشخص الذي يتخذ كسب رزقه من مهنة من المهن ويجمع قوته من تعب يمينه فهذا يعتبر محتقر ولا أحد يصاهره ويطلق عليه لقب نبزي مشئوم ولو قال عن نفسه أنه من القبيلة الفلانية فأنه يصبح في خطر من محدثه فقد يقول له سامعه كلمة نابية تنم عن عدم رضاه وتكذيبه بما يدعي فهو يبادرة بكلمة أنت من فئة كذا وكذا ويعتبر صاحب المهنة إذا أنتسب لقبيلة يسبب لها إحراج عند بقية القبائل وينظر لصاحب المهنة كأنه ليس من بني آدم وهذا نتيجة الجهل علماً أن نبي الله نوح عليه السلام كان نجّار ونبي الله دوود عليه السلام كان صانع وقد بقي في مجتمعنا من هو متمسك بهذه النظرية حتى بعد أنتشار الوعي والعلم فعندما كنا جهلاء نجعل المبرر لهذا التصنيف أن هذا الرجل لا يغزو ولا يكسب وهو يشتغل في حرفه حقيرة في نظرنا
أن المهن والحرف الذي يشتغل بها من يحتقرونه هي من أهم مقومات حياتهم بل ولولاها لكانت الحياة مستحيلة فالحايك الذي يحوك الثياب وكافة اللباس والفرش والأغطية والأثاث ماذا لو لم يكن هناك حايك هل يستطيع البشر العيش عراة ؟ والأسكافي الذي يعمل من الجلود أحذية ودلي لمتح الماء وأوعية لحفظ الطعام أليس هو مهم ؟ والحداد الذي يصنع من الحديد ما يحتاجه الأإسان في حياته هل في هذه المهنة عيب ؟ والنجار الذي يصنع الشدّاد والمسامة لوضعه على الأبل والأبواب للبيوت والسرج الذي توضع على الخيل والمقام لوضعه على البير هل هذا يضر أو ينفع ؟ وكثيرة هي المهن الذي تخدم البشرية ولكن ماهي خدمة من مهنته حمل السيف والقتل والسلب والنهب ؟
لا أقول هذا أزدراء بما كانوا عليه آبائنا وأجدادنا رحمهم الله فهم في عصر يتطلّب كل ما حصل حيث ليس بمقدورهم عمل أي مهنة ألا الجبروت ولكن نحن الذين نعيش في هذا العصر لماذا لا نتمسك بالإيجابيات من العهد الماضي ونترك السلبيات ونحن حالياً نزداد تعصباً فنضع المجتمع طبقات حسب ما حصل بالماضي فلا يزال يقال آل فلان منزلتهم كذا وهذا عريب وهذا هليب والسبب تلك المهن القديمة حتى أصبحنا نصّف بعضنا على قوة التيار الكهربائي وهذا من أعجب العجب فقد حضرت الكثير من الاحتفالات من قبل رجال من أبناء القبائل وهي بمناسبة تخريج أفراد من الشباب حيث تعلموا مهن هذا مهندس في مهنة كذا وفي مهنة كذا وهم يعدونها فخر ولكن أصحاب المهن القديمة يعتبرونها قد نزّلت من قيمة أصحابها وما هو الفرق ؟ ولنضرب مثلاً لو أن رجل في وقتنا الحاضر له ولدان أحدهما دخل في المعهد المهني الصناعي وتخرّج بشهادة مهنية أهلته إلى وضيفة يحصل على راتب مجزي منها وأخيه الآخر فشل في الحصول على الشهادة العلمية وأنحرف وأصبح يسرق المنازل والسيارات والمحلات ثم قبض عليه وأودع السجن فأن الأول يمثل أصحاب المهن الذي كانت في نظرنا محتقرة وأصبحت حالياً مفخرة بينما الآخر الشجاع الذي يسلب وينهب كان يمثل البطل في عصرنا الماضي وهاهو حالياً قد صنّف أنه مجرم ومؤذي وسارق ووجب ردعه
ومع ذلك لا نزال نتمسك فلان كذا وفلان كذا وماذا جنى العربي العريق الذي يرجع لقبيلة وقد أمتهن جده مهنة اكتسب بها رزقه وهو الآن يريد أن يعود لقبيلته ويؤكد نسبه هل لا زلنا ننظر له من منظار مهنة جدّه أليس نحتفل بأبنائنا الذين تعلموا على الحرفة فلماذا لا ننبذ أبنائنا هل لا نزال جهلاء ؟ ولماذا نفتخر وبماذا نفتخر على بعضنا إذا كان أنا يا محدثكم عبدالله بن عبّار من القبيلة العريقة المعروفة عنزة وهناك رجل غير منسوب ولكنه أكرم مني وأشجع مني وأبخت مني وأمول مني وأرفع منصب مني وذات دين وصدق وأمانة فلماذا أفتخر عليه وبماذا أفتخر ؟ اليس جميعنا من آدم وآدم من تراب وأنني أستغرب عندما يثبت جد عائلة من العوائل المتحضرة أو فرع من القبيلة أنه من القبيلة ثم صاهر من هو غير منسوب وأصبح في منزلة أصهاره وكان جده ثابت أنه من القبيلة والقرآن الكريم جعل النسب للأب وليس للأم فلماذا يستنكر البعض الحاق العائلة بالقبيلة وفي هذا العصر تجد من تزوّج من أمريكة أو هندية أو من بلد عربي غير معروفين أصهاره ومع ذلك يلحقون أبناؤه له دون أي شكوك وما هو الفرق بين هذا وذاك هل لا زلنا جهلاء ؟
يتبع