الإهداءات

 

 

   

 

    
  

 


    -  تعديل اهداء
العودة   موقع قبيلة عنزه الرسمي: الموقع الرسمي لقبائل ربيعه عامه و عنزة خاصه المركز البحثي لقبيلة عنزه المقالات العلميه والبحث العلمي
المقالات العلميه والبحث العلمي بقلم مؤرخ قبائل السلقا الشيخ جمال بن مشاري الرفدي
 

 
 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-20-2013, 08:05 AM   #1
مؤرخ قبائل السلقا
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 1,143
افتراضي مشاهدات الرحالة الأجانب فى مدينة عنيزة خلال قرنين

"المقدمة"

كلما درس الباحث أو قرأ القارئ عن سيرة ومسيرة الرحالة الغربيين يقفز إلى الذهن السؤال التالي مباشرة: ما الذي يدفع هؤلاء الرحالة ليقتحموا بلادنا دون أن يعرفوا شعوبها أو يجربوا دروب صحرائها هل هي المغامرة وحسب أم الفضول وحب الاستطلاع أم السعي وراء بناء مجد شخصي أم العمل لحساب دوائر الاستخبارات الأجنبية أو الجمعيات التنصيرية؟ أم ماذا؟ وسواء كان الدافع هذا أو ذاك فإن الحقيقة التي لا مراء فيها أن أولئك الرحالة دخلوا إلى بلادنا وتوغلوا في حياتنا وربما حققوا أهدافهم جلها أو بعضاً منها في أوساط اجتماعية تقبلتهم على وجل وتعاملت معهم بحذر مغلف بالشك وإن كانت مغيبة بكامل وعيها -أو تكاد- عن خططهم ومخططاتهم؟ ومع ذلك فإن ما تركوه من مؤلفات دونوا فيها مشاهداتهم ويوميات رحلاتهم لا يخلوا من فائدة يحفل بها الباحث وتهم الدارس للتاريخ الاجتماعي والسياسي لمجتمع ما قبل النفط في وقت قل فيه اهتمام مؤرخي الجزيرة العربية المعاصرين لتلك الفترة برصد مظاهر الحياة العامة الأمر الذي يظهر بوضوح في تراث تلك الرحلات الغربية حيث نجد لدى الرحالة الغربيين اكتراث خاص بمعرفة وتدوين دقائق الحياة العامة لتلك المجتمعات المختلفة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية وتقدير الإحصائيات للسكان والأوبئة والسلع والثروات الحيوانية والزراعية والإنفاق الاستهلاكي للأفراد وغير ذلك, ولذا جاءت مدوناتهم على غاية من الأهمية لندرة مثيلاتها في مصادرنا المحلية ولعل من أسباب غنى المادة الغربية بهذه المجالات وغيرها هو مغايرة أساليب الرحالة الغربيين لأساليب مؤرخينا - بصورة عامة - في تناول ما يدور حولهم إضافة إلى ما يحركهم من دوافع خاصة ولكن هذه الدوافع خبثت أو حسنت فقد خلف لنا أصحابها معلومات تاريخية عالية القيمة بصرف النظر عن مدى التسليم بكل ما جاء فيها وهذا البحث الذي بين يديك يختص بتناول ما دونه عن مدينة عنيزة كل الرحالة الغربيين الذين زاروها خلال القرنين الماضيين ذاكراً نصوصهم حولها ومعقباً عليها بما يلزم من تحقيق وتعليق وتحليل مع إعطاء مقدمة مناسبة عن سيرة كل رحالة على حدة والمسار العام لرحلته ومناقشة أهدافها المعلنة والمستترة مع تضمين البحث ما أمكن من الخرائط وصور الرحالة وغيرها

أولاً: رحلة سادلير (عام 1234هـ/ 1819م)

صاحب الرحلة:
هو القبطان جورج فوستر سادلير، سياسي بريطاني، ولد عام (1203هـ/ يناير 1789م) وعمل ضابطاً لحساب حكومة الهند البريطانية والتي أرسلته كمبعوث سياسي دبلوماسي من بومباي على بارجة حربية إلى الخليج العربي في صيف عام (1234هـ/ 1819م) واعتزل الخدمة العسكرية عام (1253هـ/ 1837م) واصبح عمدة لبلدته (كورك) حتى عام (1272هـ/ 1855م) حيث هاجر إلى نيوزلندا ومات هناك عام (1276هـ/ 2 ديسمبر 1859م)
أهمية رحلة سادلير:
تأتي أهمية رحلة سادلير وبعثته الرسمية (فيما يخص عنيزة) لأنه أول أوربي يزور هذه المدينة مما كان يسميه الأوربيون (العربية الوسطى) ويقصدون بها منطقة نجد هذا من جهة ومن جهة أخرى أن هذه الزيارة جاءت مباشرة بعد تدمير إبراهيم باشا لتحصينات عنيزة عندما استولى عليها مع بقية بلدان نجد في حملته الظالمة على الدولة السعودية الأولى بين عامي (1231 - 1233هـ)
هدفه الرحلة:
لقد كان أمام سادلير مهمة محددة حين بعثته حكومة الهند البريطانية للالتقاء بإبراهيم باشا بعد تدميره للدرعية لتعبر له عن فرحها بهذا النصر!! على الدولة الإسلامية (السعودية) في الجزيرة العربية، ولهذا سعى سادلير طالباً لقاء إبراهيم باشا من الأحساء إلى الدرعية إلى الرس، ولم يلحق به إلا في (آبار علي) قرب المدينة النبوية حاملاً معه كتاباً من حاكم الهند العام وسيفاً كهدية وإضافة لهذا الهدف المعلن انطوت محادثات سادلير على هدف آخر وهو وضع خطة بريطانية مصرية مشتركة لضرب حركة الجهاد البحري الذي يشنه القواسم في رأس الخيمة على الاحتلال الصليبي البريطاني للخليج العربي مستفيدين من انحلال الدولة السعودية التي كانت تقف سنداً لجهاد القواسم ضدهم ويقول سادلير عن الهدف الأول لرحلته ما نصه: "دمر سعادته (يعني إبراهيم باشا) الدرعية تدميراً كاملاً حتى أنه لم يبق من ذلك المكان إلا قسماً ضئيلاً ظل من بعدها مصدر رعب للجزيرة العربية" ويقول أيضاً: "أجبت سعادته بأني كنت حريصاً بشكل خاص على أن أصل إلى معسكره الذي في الدرعية لأن ذلك سيفسح لي فرصة تقديمي لسعادته تهاني النبيل الأعظم الحاكم العام في البقعة نفسها التي حصلت فيها القوات المسلحة للإمبراطورية العثمانية تحت إمرة وقيادة سعادته على نصر يشار إليه بالبنان"
خطة سير الرحلة:
قدم سادلير من الهند (بحراً) إلى الخليج وتوقف في مسقط ثم توجه إلى القطيف ومنها إلى الأحساء على ظهر جمل يسير بسرعة (3 أميال في الساعة) ثم توجه إلى نجد حيث مر بمنفوحة فالدرعية فثرمداء فشقراء فالمذنب ثم عنيزة فالرس ومنها إلى المدينة حيث التقى إبراهيم باشا خارجها ثم إلى جدة وفيها التقى بإبراهيم باشا مرة أخرى وفي جميع المدن النجدية التي زارها تحدث عن الأثر التدميري الذي أحدثته مدفعية إبراهيم باشا في تلك المدن المنكوبة وقد وضع خارطة لرحلته تلك حيث كان يحمل معه بركاراً وبوصلة وخريطة واهتم أثناء سيره بتدوين أنصاب الطريق وأسماء القرى ومدة السير بين مختلف النقاط وسجل مشاهداته كيوميات وكان يرافقه أدلاء وحاشية من الفرس والأرمن وبرتغاليين وهنود وقد ورد ذكر عنيزة في رحلة سادلير في ثلاث مواطن وهي في مجموعها تعطي وصفاً هاماً لوضع المدينة آنذاك، حيث كانت قد خضعت كغيرها من مدن نجد الباسلة لسلطة الغزاة , وسأورد هنا النصوص كما وردت ثم أسجل ملاحظاتي عليها....
النص الأول:
"ومن منطقة الدرعية تابعنا باتجاه عنيزة، وهي إحدى المدن الرئيسية في الجزيرة العربية، ولقد كنت خلال الطريق أسأل الأدلاء والبدو الذين رافقونا عن المسافات وعن البلدان التي صادفتنا وكم كانت دهشتي كبيرة عندما توافق رأيهم جميعاً على أنه لابد لنا من المرور في شقراء قبل أن نصل إلى عنيزة لأن مكان هاتين البلدتين بالنسبة للدرعية مقلوبين على الخريطة المطبوعة بعد مغادرتنا لشقراء وصلنا أخيراً إلى عنيزة والرس"
النص الثاني:
"24/ آب (أغسطس) سرنا في الرابعة والنصف من هذا الصباح ومررنا بتلال جرداء تماماً ومغطاة بحصى متفككة بطريق اتجه شمالاً ثم غرباً فوصلنا (عنيزة) في الثانية عشر والنصف ظهراً لقد تعرض هذا المكان إلى دمار كامل، وقد أصاب هذا الحصن المصير نفسه الذي أصاب الحصون الأخرى التي سقطت نتيجة لغضب الباشا واستبقيت بعض أشجار النخيل لأنها في وادٍ، وتأتيها كميات كبيرة من مياه الآبار التي تروي البلد وهو يعتبر مركزاً تجارياً إذا ما أخذ موقعه الجغرافي بعين الاعتبار وإن مرور القوافل الآتية من البصرة والكويت والقطيف والأحساء والدرعية عبر عنيزة كل عام أعطى هذا المكان درجة كبيرة من الأهمية وهو واقع أيضاً في مركز حساس بالنسبة للمدينة المنورة والبحر الأحمر وفي عنيزة حامية عسكرية لإرهاب هذه المدينة التي تحتل الصحراء من جهة الشمال الشرقي حتى الحدود التي تحتلها قبيلة مطير الممتدة إلى شرق شقراء باتجاه الكويت وإلى الغرب من عنيزة قبيلة حرب التي تحتل ذلك الجزء من منطقة الحجاج بين الرس والمدينة المنورة من أجل هذا كله تبدو عنيزة مركز الجزيرة العربية من وجهة النظر الجغرافية والسياسية والتجارية وقد التقيت في شقراء وعنيزة بالعديد من تجار الكويت والزبير الذين ينتمون إلى قبيلة العتوب ووجدنا كميات من الرز الهندي ومواد أخرى في أسواقهم الشرقية.
25/ آب (أغسطس) انطلقنا في السادسة صباحاً ودخلنا سلسلة من التلال الرملية الحمراء، فسرنا فيها مجهدين ومثقلين حتى الثانية عشر والنصف، رأينا بقايا آبار وآثار لفلاحة سابقة في الوديان التي شكلتها هذه التلال، الأمر الذي يدل على أن الفلاحين يحاولون أن ينفصلوا عن البلد كان طريقنا متجهاً غرباً وقد وجدنا في هذا المكان كمية من ماء المطر"
النص الثالث: (سقوط عنيزة في يد إبراهيم باشا):
"ومن الخبرا سار إبراهيم باشا من هناك باتجاه عنيزة التي ترك فيها عبدالله موقعاً عسكرياً، ونظراً لأنه ولّى إلى الدرعية فإن مشايخ بلدة عنيزة دخلوا في مفاوضات لكن حصنهم كان قد نسف بالمدفعية فاندلعت النيران في مستودع للذخيرة كان مصمماً فوق أحد الأبراج مما أفسح لهم الدخول بسهولة إذ استسلم الموقع العسكري وسُمح لمن فيه بالمغادرة مع السلاح والمتاع وقد استغرق هذا الأمر خمسة أيام"
ملاحظات على النصوص السابقة:
1- كان وصول الضابط سادلير لعنيزة يوم (24/ آب (أغسطس) 1819م ولمدة يومين وبذلك يكون أول أوربي يدخلها في مهمة رسمية.
2- وصف لنا (سادلير) مدى الدمار الذي أحدثته مدفعية الباشا بحصن المدينة والذي يقصد به قلعتها الطينية وسورها المحيط بها.
3- وصف النص الأول عنيزة بأنها إحدى المدن الرئيسية في الجزيرة العربية، مما يدل على ما كانت تتمتع به من أهمية وسمعة ذائعة الصيت في أوائل القرن (13هـ/ 19م) كما تحدث (سادلير) عن الانطباع الذي تركه موقع المدينة في نفسه وتحدث بشيء من الإسهاب عن عوامل استراتيجية موقعها الجغرافي وأهميتها التجارية كحلقة وصل في المنطقة الواقعة فيها بين باديتها وحاضرتها وذكر أنه التقى في عنيزة بتجار من الكويت والزبير وتحدث عن بعض البضائع المعروضة وخص منها الرز الهندي.
4- كما تحدث عن الوجود العسكري للأتراك ممثلاً بالحامية التي تركها إبراهيم باشا عند رحيله من عنيزة.
5- وفي النص الثالث يتحدث المبعوث البريطاني عن قصة سقوط المدينة في قبضة إبراهيم باشا، والذي يفهم من كلامه أن الأعيان من أهل عنيزة دخلوا في مفاوضات مع إبراهيم باشا بعد تخلي الإمام عبدالله بن سعود عن المدينة وانسحابه منها إلى الدرعية وأن الحامية السعودية في حصن المدينة (قلعتها الطينية) قد قاومت لمدة خمسة أيام ثم رحلت بأسلحتها ومتاعها بعد أن استسلمت للغزاة.
ثانياً: رحلة بلجريف (عام: 1279هـ/ 1862م)
صاحب الرحلة: هو: وليم جيفورد بلجريف) إنجليزي من عائلة يهودية متنصرة ولد في عام (1242هـ/ 1826م التحق بالسلك العسكري البريطاني في الهند ثم ترك الخدمة العسكرية للالتحاق بجمعية تنصيرية في بيروت وفي عام (1279هـ/ 1862م قام برحلته إلى الجزيرة العربية، وكانت وفاته عام (1306هـ/ 1888م) خارج بريطانيا ولكنه دفن في لندن خلد رحلته في كتاب أسماه (قصة رحلة إلى العربية الوسطى والشرقية) ونشره عام (1282هـ/ 1865م) ونال عليه وساماً من الجمعية الجغرافية الفرنسية.
هدف الرحلة:
نال هدف رحلة بلجريف ومشاهداته الكثير من التشكيك ممن جاؤوا بعده من الرحالة والكتّاب الغربيون والعرب، ولم يكن الجدل حول هدف رحلته تلك بأقل من الجدل حول حقيقة نصفها الأخير (أي بعد مغادرته حائل) ويمكن تحديد أهداف رحلته بهدفين رئيسيين: (الأول منهما) قيامه بمهام المبعوث الرسمي لحساب الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث إلى الجزيرة العربية حيث كان يطمح ذلك الإمبراطور الفرنسي إلى توحيد مصر والشام كبلد عربي واحد تحت الحماية الفرنسية وكان فحوى التقرير الذي رفعه بلجريف إلى الإمبراطور الفرنسي (نابليون الثالث) يدور حول مدى واقعية تحقيق ذلك الهدف والهدف الثاني الذي أراد بلجريف إتمامه سراً هو خدمة المساعي الدينية في الجزيرة العربية لصالح الجمعية التنصيرية التي التحق بها في الشام، والتي قامت بتدريبه وتعليمه اللغة العربية في بيروت لهذا الغرض, ويكفي لتشخيص هدف رحلته مقولته هو نفسه عنها حين يقول: "إنها لتوصيل مياه الحياة الشرقية الراكدة بمياه أوروبا الجارية"
رحلة بلجريف بين الشك واليقين:
إن الشكوك حول رحلة بلجريف (حديثاً) تذكرنا بتلك الشكوك حول رحلة الإيطالي ماركوبولو (قديماً) فكلاهما خاضا تجربة الموضوعية الأوربية الفريدة!! التي تنم عن القدرة العجيبة في اختراع نصف الحقيقة! وفي أحسن الأحوال يمكن لنا القبول بمدونات زيارة بلجريف لحائل والرياض أما غيرها من المناطق التي قال إنه زارها فهو يكذب فيما دونه عنها ومن الدلائل الظاهرة على انتحالاته في هذه الرحلة:1- إيراده لأسماء جبال زعم أنه رآها في طريقة مع أن أحداً لم يشر إليها مما سبقه من الرحالة، بل لا وجود لها أصلاً؟
2- تقديراته المبالغ فيها (قلة أو كثرة) لأعداد السكان أو المسافات أو الأزمنة اللازمة لقطع تلك المسافات؟
3- خريطته التي وضعها لمدينة الهفوف غير صحيحة؟
4- سعى فلبي للتحقق ميدانياً من ادعاءات بلجريف فخلص إلى شكه في زيارته لحائل أما بعد حائل فهي من أحلام يقظة بلجريف؟
5- تفتقر رحلته إلى ذكر شخصيات معاصرة له وذات دور هام آنذاك، ويفترض أن بلجريف التقاها في حال أنه زار مدن هامة كعنيزة أو الهفوف أو غيرها!!!
6- يوحي أسلوبه للقارئ عند عرض مشاهداته بأنه يصف ما سمع لا ما رأى وقديماً قيل: (ليس من رأى كمن سمع) ومع ذلك فلا بأس أن نسوق ما ورد عن عنيزة في رحلة بلجريف عن (عنيزة) على اعتباره مؤرخ ناقل لا رحالة مشاهد.
شخصية بلجريف في رحلته:
فيما يبدو يعد بلجريف هو الأول من بين الرحالة حين سجل سابقة ابتدع فيها وسائل التخفي في الزيّ والتنكر في الشخصية واعتبر رائداً في ذلك لكل من جاء من بعده من الأوربيين الذي اخترقوا الجزيرة العربية بحجة الترحل والاستكشاف وقد أتقن اللغة العربية بلهجة محلية سورية؟ وتسمى مرة (بسليم) ومرة (بأبي محمود عيسى) وتنكر مرة بزي طبيب ومرة أخرى على هيئة تاجر.
خط سير الرحلة:
انطلق بلجريف مع مساعده (بركات) من مدينة معان الأردنية في (1279هـ/ 16 يونية 1862م) وبرفقته ثلاثة من البدو وصل إلى دومة الجندل ومنها إلى حائل في (أواخر تموز - يولية) حيث نزل ضيفاً على آل رشيد ثم إلى القصيم ثم الرياض فالهفوف فإمارات الخليج العربي وكان بركات (رفيق بلجريف) شاب يوناني نصراني يتقن العربية واسمه الحقيقي (جريجوري) وقد اصطحبا معهما في رحلتهما أدوية كثيرة وكتب طب عربية وإنجليزية وللتظاهر بامتهان التجارة أخذا معهما كميات من القهوة والقماش والحلي الزجاجية والغلايين وتزييا بثياب سورية أو مصرية وانتعلا حذاءً جلدياً عالي الساق وربما شاركا في أداء الصلوات.
ما دونه بلجريف في وصف عنيزة:
أسلفنا أننا نأخذ ما خطه بلجريف عن (عنيزة) لا باعتباره رحالة زائر بل على أنه مؤرخ معاصر لا غير وعلى أنه ينقل ما سمع ولا يصف ما رأى وفي هذا الصدد يقول بلجريف واصفاً عنيزة بين خضرائها ورمالها من مكان القادم من بريدة في الجهة الجنوبية الغربية: ترى المنطقة كلها مكسوة بجزر صغيرة من المزروعات الواقعة بين الرمال وبخطوط طويلة من الظل الكثيف تزداد كثافة كلما بعدت، دالة على مكان عنيزة، في حين أنك تشاهد من تلك المنطقة وإلى أبعد مدى مرتفعات رملية لا نهاية لها تختفي بعيداً وتحول كلياً دون رؤية عنيزة وحتى مزارع النخيل في الوادي"
الملاحظات على ما ذكره بلجريف:
1- يتضح من النص السابق أن بلجريف يصف عنيزة وصف من لم يدخل المدينة فهو يصف موقعها ومنظرها من بعيد ولا يذكر شيئاً البتة عن أسوارها ومبانيها وسوقها وناسها ولذا لا نستبعد أن بلجريف وهو متجه إلى الرياض من حائل قد مر بطريق يحاذي عنيزة فلم يدخلها، وهو ما يتبادر إلى الذهن من قراءة النص السابق .
2- يلفت النص النظر إلى جمال المدينة من احتضان خضرتها ورمالها لها وهو الشيء ذاته الذي تحدث عنه من جاء بعد بلجريف كالريحاني بعد أكثر من ستين سنة .
ثالثاً: رحلة غورماني (عام: 1281هـ/ 1864م)
صاحب الرحلة هو: كارلو كلوديو غورماني إيطالي ولد عام (1244هـ- 11/ 12/ 1828م) ومات في جنوه عام (1302هـ/ أكتوبر 1884م)، أقام في القدس وكان فيها وكيلاً لشركات النقل البحري الفرنسية منذ عام (1267هـ/ 1850م) ومن خلال هذه الوظيفة انطلق في بادية الشام للاتجار بالخيول العربية وكوّن خلال ذلك علاقات لا بأس بها مع قبائل الشام وشمال الجزيرة العربية وقد مكنه ذلك من التحدث بالعربية والتزيي بالملابس البدوية وإجادة ركوب الخيلن والتعود على حياة الصحراء .
هدف الرحلة: قدم غورماني إلى الجزيرة العربية بهدف شراء خيول عربية أصيلة للبلاطين الملكيين في فرنسا وإيطاليا ولذا كانت وجهته الأساسية إلى جبل شمر لتحقيق هذا الهدف .
خط سير الرحلة: بدأ غورماني رحلته من القدس عام (1285هـ - 16/ 1/ 1864م مرتدياً زياً بدوياً ويرافقه خادم عربي بعد أن اشترى جملاً (بثلاث ليرات) ليركبه وحمل معه رسائل توصية لتسهيل مروره بين القبائل والمدن، وبعد القدس وصل تيماء ثم خيبر ثم منها إلى حائل حيث وصلها في (5 مارس) وبعد أن خرج منها تاه في الصحراء جنوباً فذهب إلى عنيزة مضطراً وكان دخوله إياها في (22 مارس) ثم اتجه إلى بريدة ومنها شمالاً إلى حائل مرة أخرى في (إبريل) ثم الجوف فالقدس مرة أخرى وقد سجل رحلته هذه في كتاب بعنوان: (Northern Nard: A journey From Jerusalem to Anaiza in Qasim) (شمال نجد: رحلة من القدس إلى عنيزة في القصيم) والذي طبع في القدس عام (1283هـ/ 1866م) وضمنه خريطتين للجزيرة وبعض الصور والرسومات,وفي رحلته انتحل (غورماني) شخصية مسلم تركي وتسمى باسم (خليل أغا) ويقول عن تظاهره بالإسلام (أصلي لله بقلبي ولمحمد بلساني)
حديث غورماني عن عنيزة:
وصل غورماني إلى عنيزة في (11 شوال 1280هـ/ 22 مارس 1864م) وكان دخوله إليها على غير قصد أوترتيب منه حيث صادف وهو في طريقه (جنوب حائل) معركة ناشبة بين قبيلة عتيبة والأمير (عبدالله الفيصل) حينما ألقى فرسان الأمير القبض عليه فطلب مقابلته على أنه مبعوث رسمي من تركيا فرفض الأمير مقابلته وأشار بإيصاله إلى عنيزة وقد سر غورماني بذلك فيما يبدو (لأن عنيزة كانت آنذاك أكبر مدينة في نجد) ومبعث هذه السعادة هو اعتقاده أن عنيزة ستحقق بعض هدفه لشراء الخيول منها وعن تجارة الخيول في عنيزة قال عنها إنها مدينة مختصة بتربية المهور التي تشتريها من البدو ثم تربيها ثم تشحنها إلى بلاد العجم والهند ومما قاله في هذا الصدد أن بني قحطان يجلبون المهور لعنيزة في حين أن عشيرة مطير تغذي أسواق بريدة بأعداد أوفر ولكن ما يجلب لعنيزة أكثر أصالة, استقبل غورماني في عنيزة من قبل أميرها على أنه مبعوث رسمي من قبل السلطات التركية؟ ومما ساعده لإقناع الأمير ومن حوله بأنه تركي تنكره بهيئة ولباس الترك وتحدثه العربية بلكنة أعجمية وقد تحدث غورماني في عبارات موجزة في كتاب رحلته عن الظرف السياسي الذي كانت تمر به المنطقة آنذاك مع أفول نجم الدولة السعودية الثانية كما حدد الموقف السياسي لعنيزة وأميرها وسط تلك المعطيات السياسية الحرجة حيث لاحظ تراجع نفوذ آل سعود المركزي في القصيم وتقدم نفوذ آل رشيد وتعاظمه وشَخَصَ موقف الأمير زامل السليم بقوله: إن الأمير زامل في عنيزة يعارض فيصل بن تركي آل سعود علناً ويستعد للانتقاض عليه، وأن نجم آل سعود جانح إلى الأفول"
ملاحظات على ما جاء عن عنيزة في رحلة غورماني:
1- توقع غورماني على الصعيد السياسي أن نجم آل سعود إلى أفول ولعل ما دفعه إلى هذا التوقع الإرهاصات السياسية آنذاك والمتمثلة في تراخي قبضتهم السياسية حيث أصبح أمراء حائل يتمتعون باستقلال شبه تام عن الرياض رغم خضوعهم الاسمي لها كما لاحظ كذلك أن أمراء القصيم وخاصة عنيزة يسيرون بخطوات حثيثة نحو الاستقلال أيضاَ, عن الرياض وأن خروجهم عن نفوذ الرياض يمهد حتماً لخضوعهم لكيان آل رشيد شمالاً.
2- قدر غروماني سكان عنيزة بـ (15000) إنسان، وهذا في رأيي تقدير مبالغ فيه ولكنه مع ذلك يعكس أهمية المدينة في حس من زارها من الرحالة نظراً لما كانوا يرونه فيها من نشاط تجاري وزراعي تضارع به المدن الكبرى في الجزيرة العربية على أن غورماني قاس عدد السكان بما رآه من كثرة الناس في شوارع المدينة وأسواقها التجارية مع ملاحظة أن هؤلاء الناس ليسوا بالضرورة من السكان المقيمين بل منهم التجار الوافدين من الحاضرة والبادية والحجاج والمسافرين العابرين .
رابعاً: تشارلز داوتي (1295هـ/ 1878م)
صاحب الرحلة: هو: تشارلز مونتجيو داوتي ولد في مقاطعة (سفولك) بإنجلترا من عائلة إقطاعية عام (1259هـ/ أغسطس 1843م) وتوفي في إنجلترا عام (1345هـ/ يناير 1926م) درس الجيولوجيا في جامعة (كمبردج) ثم انصرف لدراسة اللغات والأدب في جامعة (اكسفورد) بدأ رحلاته في أوربا حيث زار أسبانيا ثم إيطاليا، ثم إلى اليونان ثم توجه إلى العالم الإسلامي حيث وصل القاهرة في بداية عام (1293هـ - بداية 1875م) ثم عبر صحراء سيناء إلى مدينة البتراء الأثرية (في الأردن) ثم توجه إلى مدائن صالح في شمال غرب الجزيرة العربية.
خط سير رحلته في الجزيرة العربية:
وصل دواتي إلى مدائن صالح عام (1293هـ/ نوفمبر 1876م) ومنها رافق قافلة حجاج ليتوغل في الجزيرة العربية وتسمى باسم (خليل) واصطحب معه (13 جنيهاً) ودفترين للتدوين وبندقية ومسدساً صغيراً وسدساً وباروميتر وترمومتر وساعةً ومنظاراً وتظاهر بامتهان الطب، حيث حمل معه صندوق أدوية ورسالتين في الطب العربي, مر في رحلته بتيماء ووصل حرة المدينة في شهر (مايو 1877م) وفي (أكتوبر 1877م) دخل حائل وتعرض فيها للمضايقة لتبجحه بنصرانيته فنصحه الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد بمغادرة المدينة، فتركها إلى خيبر ثم عاد إليها ومن حائل توجه إلى بريدة حيث تعرض للسرقة والاضطهاد ثم طرد منها إلى عنيزة التي مكث فيها قرابة 6 أسابيع وكانت مغادرته لها في (5 يوليو 1878م) حيث رتب له أحد أصدقائه فيها الانضمام لحملة حجاج متوجه إلى الحجاز وزوده بجمل فقدم الطائف ونزل في ضيافة الشريف ثم لجا إلى القنصلية البريطانية في جدة في (3 أغسطس 1878م/ 1295هـ) وبعد عشر سنوات من رحلته هذه ترك داوتي كتاباً عنها تحت عنوان (Arabia Deserta) "الصحراء العربية"
هدف رحلة داوتي:
من سياق رحلة داوتي ومن خلال أسلوب عرضه لمشاهداته اليومية يمكن اعتباره من صنف أولئك الرحالة الذين أرادوا بناء مجد شخصي لأنفسهم دون أن تكون رحلته محسوبة لصالح أي جهة أجنبية على أننا نلمح في يومياته بعض سمات شخصيته واعتزازه بنصرانيته مما يدفعنا إلى تلمس هدف آخر لرحلته وهو الرغبة في المساهمة في جهود التنصير بدافع ذاتي من غير ارتباط فيما يبدو بأي منظمة تنصيرية؟ خصوصاً وأنه امتهن الطب وهي الوسيلة الأشهر بين المنصرين آنذاك ولا تزال ويهدفون منها إلى إلجاء الناس للحاجة إليهم ليمكنهم التأثير عليهم بما يقدمونه لهم من خدمات طبية مجانية وليتمكنوا كما فعل دواتي في عنيزة من دخول البيوت ضيفاً أو معالجاً وتمكنه من الكشف الطبي حتى على النساء.
دواتي في عنيزة:
كانت إقامته فيها لمدة ستة أسابيع من الأسبوع الأخير من (مايو 1878م) وحتى الأسبوع الأول من (يوليو) من نفس العام، وهذا يوافق -تقريباً- النصف الثاني من عام 1295هـ (23 مايو - 5 يوليو 1878م الموافق: 21 جمادى الأولى - 5 رجب عام 1295هـ) دخل دواتي عنيزة ربما على غير قصدٍ منه فهو لم يكن قد رتب لهذه الزيارة من قبل وهذا من العوامل التي سببت له الكثير من المتاعب إلى جانب ما تطفح به شخصيته النصرانية من تعصب، فقد جاء بتعصب اسكتلندي يثير في العرب التعصب الإسلامي كما قال الريحاني... قدم دواتي الجزيرة وهي تمر بظروف سياسية استثنائية ألقت بظلالها الثقيلة على منطقة نجد بوجه عام ووسط ظروف أخص لعنيزة والقصيم من حولها فقد انفرط عقد آل سعود وطمحت كل مدينة وما حولها في نجد إلى التمتع بالاستقلال الذاتي وأما آل رشيد في حائل فكانوا يتربصون الدوائر بالأطراف المتصارعة فيسارعون لاقتناص كل غنمة قاصية واهتبال كل فرصة سانحة ليحكموا قبضتهم على وسط الجزيرة العربية وفيما يخص عنيزة فقد كان الأمير زامل بن عبدالله السليم سيدها المطلق عندما جاء دواتي إليها استطاع أن ينأى بها عن التبعية لحكام حائل شمالاً وكان يعد إلى جانب أمير بريدة حسن بن مهنا أحد أهم اثنين من زعماء القصيم، ولقد وجد دواتي في عنيزة من أميرها (زامل) كل ترحيب ومساندة ويأتي ما سجله دواتي من مشاهدات في عنيزة في غاية الأهمية لعدة أسباب:1- أن زيارته تلك جاءت في فترة زمنية مبكرة بالنسبة لغيره من الرحالة الغربيين 2- أن دواتي لم تكن زيارته عابرة بل مكث فترة لا بأس بها في عنيزة مما مكنه من أخذ فرصة كافية لرصد مظاهر الحياة المختلفة فيها 3- نجح داوتي في إقامة علاقات وطيدة مع علية القوم الذين يمثلون طبقة التجار والأثرياء والوجهاء في عنيزة وعلى رأسهم أمير المدينة، بالإضافة إلى دخوله لكثير من البيوتات لغرض مداواة المرضى أو تلبية لدعوة ضيافة4- الأسلوب الوصفي الاستقصائي الذي اتسمت به يوميات رحلة داوتي والتي شحنها صاحبها بدقائق الحياة اليومية لمدينة نجدية زراعية كعنيزة بل إنها احتفت برصد بظواهر فريدة, في ذلك المجتمع الصغير والتي لم يكن لنا أن نلم بها لولا اهتمام داوتي بتسجيل كل ما تقع عليه عينه.
وفي يلي نوجز أحداث هذه الزيارة قبل أن نقتبس نصوصاً من يوميات الرحلة كما دونها داوتي بنفسه..." قدم دواتي من بريدة إلى عنيزة شبه مطرود وعندما وصل هو والدليل المرافق له إلى وادي الرمة حيث تركه الدليل هناك وحيداً بدون راحلة فلجأ إلى أحد المزارعين في الوادي الذي أوصله إلى أحد رجال الأمير زامل (علي) حيث صحبه إلى الأمير (زامل) في الصباح فرحب به الأمير ونصحه بأن لا يعلن للناس أن نصراني، ووفر له سكناً وعيادةً في السوق، ومن تلك العيادة بدأ دواتي يتصل بالناس من العوام والخواص، ومن الذين ارتبط داوتي معهم بعلاقة صداقة هما عبدالله الخنيني وعبدالله البسام وكانا من تجار ومثقفي المدينة البارزين بعد ذلك الارتياح الذي بدأ يحس به داوتي في عنيزة وعندما ظن أنه تم قبوله اجتماعياً انعكست الرياح لغير صالحه حيث بدأت ضغوط المشايخ في عنيزة وبريدة أيضاً على الأمير زامل لطرد هذا (النصراني الكافر) فاضطر الأمير إلى إرساله إلى إحدى أملاكه الزراعية خارج عنيزة في (بلد الخبراء) وعند إخراجه تعرض للضرب كما سرقت ساعته ونقوده ومكث هناك أسابيع ضعفت صلته فيها بأصدقائه إلى حدٍ كبير وإن كانت لم تنقطع وفي جميع تلك الفترة التي قضاها في عنيزة وخارجها مارس الطب وتجول في الأزقة والمزارع واختلط بالناس في الأسواق واستضيف على الغداء والعشاء والفطور في بيوت العوام والخواص ومن خلال ذلك سنحت له الفرصة ليصف كل ما رآه من مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية وتقاليد الولائم والمأكولات والملبوسات والأثاث والطرز المعمارية والأساليب الزراعية ورصد حركة التعليم والثقافة وممارسة الشعائر الدينية والأمراض والأوبئة… إلخ.
نصوص من مشاهدات داوتي في عنيزة:
1- "كان الأمير جالساً في مكانه المعتاد في السوق على رأس شارع يؤدي إلى منزله وأمام سوق الملابس يوجد دكتين من الطين إحداهما عليها سجاد عجمي يجلس عليها الأمير وسيفه بجانبه وكان (الأمير) زامل شاب ملامحه حسنة وعيناه تنضحان ذكاء وفور وقوفي أمامه نهض من مقعده ليسلم عليَّ قائلاً بوقار وحكمة: اجلس بجانبي…2- "وبعد صلاة الظهر مشيناً إلى منزل الأمير زامل ودخلنا حجرة القهوة فإذا هي مفروشة بالحصير الأخضر ومع الأمير أشخاص قليلون، وكان ابنه عبدالله يدخن ويجهز القهوة، وكان الأمير يتحدث ولكنه لا يصدر أوامر على عادة أمراء العرب وبعد أن ذهب الجميع أراني زامل أسلحته التي حارب بها العشرون سنة الماضية قائلاً: لقد كانت حياتي كلها في عنيزة، وكان فيه جرح فقال لي هل تستطيع يا خليل أن تضمد جراحي وسأعطيك أجراً... 3-"اقترب مني أحدهم وقال: هل تحمل شهادة في الطب؟ وقد كان شاباً لطيفاً أمسك بيدي كعادة العرب هنا وقال: هل يمكنك أن تزور أمي المريضة وذهب بي إلى منزله وأدخلني صالة القهوة وكانت مفروشة بحصير جيد من الأحساء والجدران مزينة ومفروشة بسجاد عجمي للضيوف في مكان الجلوس وجلس الشاب يصنع لي القهوة إنه (عبدالله الخنيني) شاب محظوظ فقد كان من بيت فقير فاصبح أحد التجار البارزين في عنيزة نظر إليَّ وهو يقول: هل أنت إنجليزي؟ لماذا تخبر الناس بحقيقتك؟ كان (عبدالله الخنيني) وقتها يتاجر بالخيول ولديه أفضل الخيول في عنيزة حيث معظم تجار المدينة كانوا يتاجرون في الخيل" وفي موضع آخر قال: "وكان ناصراً التركي" شريكاً للخنيني، يبيعان كل عام ما اشتروه من المهور الأصيلة في بومباي...4- "وفي الحجرة الطينية التي يتخللها الهواء العليل وتفوح منها رائحة الكرم أشار الخنيني إلى كتبه في ركن الحجرة فعرض كتبه كتاباً كتاباً ومنها كتاب (دائرة المعارف) للبستاني... 5- "كل الزيجات في هذه البلدة (عنيزة) يمكن حمل أثاثها على ثلاث جمال وليس معروف هنا مقاعد مفروشة للجلوس وينامون على فراش محشو بالقطن وبيوتهم دائماً مشمسة دافئة بفعل وجود فتحات مرتفعة في جدران البيت تسمح بدخول الشمس والهواء...6-" وعند شروق الشمس أتى (علي) من عند الأمير (زامل) بالفطور, والفطور في عنيزة يتكون عادة من خبز (التنور) وهو ساخن إلى حدٍ ما وفيه مرارة قليلة ولكنها مقبولة عند الناس ومن البلح ووعاء فيه حلوى وزبدة)7- "إن من الأمراض الشائعة هنا هي أمراض العيون فلقد رأيت مئات من مرضى العيون في عنيزة وهناك نوع من العمى يأتي بعد ألم شديد يستمر لسنوات في جانب الجبهة، وهنا في عنيزة علاج (شعبي للعين) وهو عبارة عن مرهم مع إبرة من شجيرة (التبن توضع على الجفن) والأطفال هنا مصابون بالجدري الذي كان منتشراً قبل سبع سنوات وقد ظهر مؤخراً بسبب الأطفال (العبيد) الذين يجلبون مع قوافل الحجاج الذين يشترونهم من مكة أو جدة ثم يباعون في عنيزة بربح وفير وخلال مقامي قمت بتطعيم (500 طفل) من الأحرار"8- وبعد يوم أو يومين من وجودي في عنيزة جاءني رجل من النبلاء، لكي أتناول معه العشاء، وكانت الدعوة من والده، وكان رجلاً طيباً اسمه (عبدالله بن محمد البسام) وهو من تجار جدة ووالده كبير أسرة البسام في عنيزة وكان صديقاً حميماً (لعبدالله الخنيني)9- "وقال أحدهم: يا له من أمر غريب الإنجليز تحكمهم امرأة ولا يحكمهم رجل! فوجه أحدهم لي سؤالاً: ما اسم هذه المرأة يا خليل قلت: اسمها (فكتوريا: أي المنصورة) وهي سيدة منتصرة رجالية في تصرفاتها"10-" كنت في زيارة للأمير (زامل) فوجدت عنده جمهرة من الناس في مجلسه حيث تقدم لهم القهوة وهم قريب من (40 رجلاً) من أهل المدين جالسون تحت جدار مجلس القهوة، حول شيخ عنيزة وكان مسناً وهمس من كان بجواري في أذني قائلاً: إنه درس شرعي يلقى عادة بعد صلاة ظهر كل يوم جمعة… كان الشيخ يقرأ آيات من القرآن كنت أسمعه يدرسها في مدرسته لطلابه قال لهم وهو ينظر إليَّ: إن عيسى بن مريم هو رسول الله ولكن النصارى حرفوا دينهم وأصبحوا وثنيين…11- وعن طرده من عنيزة قال دواتي: "وفي هذه اللحظة وقف معاونيّ الأمير وقلت لهم إنهم سرقوا أشيائي، فصاح (عليّ) فيهم قائلاً: فعلاً إنها سرقة فقالوا: إنه نصراني ولابد أن يمشي حافيّ القدمين ولم يكن معي في تلك الأثناء إلا (3 ريالات) وبعد أن حملوا أمتعتي قالوا: إن الجمالين جاهزين فقلت لهم: قولوا لي إلى من سأذهب في (الخبراء)؟! قال (علي): إن الأمير (زامل) أعطى أوامره بأن تذهب وسيكون رحيلك آمناً واستطرد (علي) لقد جاء خطاب من واعظ المسلمين في بريدة إلى الأمير وشيخ عنيزة يحثهما باسم الإسلام أن يطردوا النصراني بعيداً"
ملاحظات على مشاهدات داوتي:
1- على الصعيد السياسي دخل داوتي عنيزة ومنطقة نجد تعيش فرقةً وحرباً أهلية بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، وطموح آل رشيد للانقضاض عليها قد أصبح وشيكاً2- أقام داوتي في عنيزة كما في غيرها وهو يعلن بكل وضوح هويته الإنجليزية وعقيدته المسيحية دون خداع أو تخفي مما سبب له الكثير من المتاعب والطرد3- رصد داوتي الكثير جداً من مظاهر الحياة اليومية في عنيزة بصورة وصفية عميقة تعطي انطباعاً عاماً عن الحياة وقتذاك على الصعيد الاجتماعي والتجاري والثقافي والإداري4- لاحظ داوتي أن الأمير (زامل) أمير عنيزة يتمتع بسلطة مستقلة عن أي نفوذ خارجي وأنه يدير المدينة بعقلية متفتحة يسانده العلماء والأعيان ولا يقطع أمراً دونهم5- قدم لنا داوتي وصفاً عن حالة انتشار جدري الأطفال الذي قال عنه إنه كان يحصد (5 - 6) أطفال يومياً، وعالج الأهالي للوقاية منه بالتطعيم وعن تاريخ هذا الوباء عرفنا من داوتي أنه ضرب المدينة مرتين الأولى كانت عام (1287هـ)، والثانية هي التي عاصرها داوتي عام (1295هـ)6- أشار داوتي إلى مشاهير التجار الأعيان الذين أقام علاقة وطيدة معهم مثل: عبدالله البسام ووالده وعبدالله الخنيني وحمد العساف وناصر التركي بالإضافة إلى الأمير (زامل السليم)7- سجل داوتي بعض الأرقام والإحصائيات، ومن أمثلة ما أورده:
1- أن عدد سكان عنيزة: (15000) نسمة كما رجح أن سكان عنيزة كانوا عام (1278هـ) (7.500) نسمة، أي قبل زيارته لها بسبعة عشر عاماً.
2- أن حفر البئر يكلف (600) ريالاً فرنسياً.
3- وقيمة جمل السواني تبلغ (150) ريالاً فرنسياً .
4- وإيجار المنزل سنوياً يبلغ (15) ريالاً فرنسياً .
5- وأن أكثر ثروة لتاجر في عنيزة تبلغ (24.000) جنيه إسترليني .
6- وأن سعر (30 كغم) من التمر يبلغ ريالاً واحداً .
7- وأن بعض الناس يشرب ما يصل إلى (60 فنجاناً) من القهوة يومياً.


"للحديث بقية"

التعديل الأخير تم بواسطة ابو مشاري الرفدي ; 09-20-2013 الساعة 08:57 AM
ابو مشاري الرفدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
استفسار عن نسب عائلة الربيعة في عنيزة ابوصالح الأنساب العام واستفسارات الأنساب 1 04-10-2012 04:48 PM
مشاهدات المستشرق شاري هوبير 0 حميد الرحبي المستشرقين 5 06-15-2011 10:41 PM
الرحالة الذى رأى نهراَ فى الدرعية؟ ابو مشاري الرفدي المقالات العلميه والبحث العلمي 8 10-09-2010 01:15 PM
استفسار عن عوائل عنيزة المنتسبين لعنزة الحسام العنزي الأنساب العام واستفسارات الأنساب 1 05-29-2010 02:44 PM
بعض ما كتب الرحالة الغربيون عن عنزة موقع العبار مصادر تاريخ قبيله عنزه في الجاهليه وبالاسلام 5 04-08-2009 01:15 AM
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

 
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

 
 
 

الساعة الآن 08:34 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd 
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009