الكــــــ بين الواجب والمصلحة ــــــرم
إكرام الضيف عادة عربية , وشعبة إيمانية , وخصلة حميدة ، إن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق ، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء ، وحثَّ عليها المرسلون ، واتصف بها الأجواد كرام النفوس ، فمَنْ عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة ، وعُلُوِّ المكانة ، وانقاد له قومُه ، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام ، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام ، وإكرام الضيَّف ، وقد حثَّنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على إكرام الضيف حيث قال ( من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه )0
1-- مدة الضيافة : ثلاثة أيام لحديث أبي شُرَيحٍ خُويْلد بن عمرو رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتْهُ أذناي حين تكلم به، قال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفَهُ جائزتَهُ ، قالوا: وما جائزتُه ؟ قال: يومٌ وليلةٌ ، والضيافة ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك فهو صدَقةٌ عليه ) 0
2- مقدار الضيافة : ليس لها حد محدود بل على حسب القدرة والاستطاعة فالجود من الموجود فعلى المضيف عدم احتقار القليل ، بل يجود بالموجود ولو بشق تمرة ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار القليل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( يا نساء المسلمات ، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسنَ شاةٍ ) ، وعنه أيضًا قال ( خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب ، فيطعمنا ما كان في بيته ، حتى إن كان ليخرج العُكَّة ( وعاء من جلد يوضع فيه السمن والعسل ) ، ليس فيها شيءٌ فنشُقُّها ، فنلعق ما فيها ) ، قال ابن حبان يرحمه الله ( يجب على العاقل ابتغاء الأضياف ، وبذل الكِسَر؛ لأنَّ نعمة الله إذا لم تُصَن بالقيام في حقوقها ، ترجع من حيثُ بدأتْ ، ثم لا ينفع من زالت عنه التَّلهُّف عليها ، ولا الإفكار في الظَّفر بها، وإذا رأى حقَّ الله فيها، استجلب النماء والزيادة ، واستأخر الأجر في القيامة ، واستصغر إطعام الطعام 0
3- من الكرم طلاقة الوجه : سئل الأوزاعيُّ رحمه الله ما إكرامُ الضيف ؟ قال : طلاقةُ الوَجْهِ ، وطيبُ الكلام ، فانظر أخي الحبيب إلى فقه هذا الإمام الذي جعل إكرام الضيف في طلاقة الوجه ، وطيب الكلام ، وقارن ذلك بحال أهل زمانك ، فالضيافة عند أكثرهم هي بتكثير الطعام ، حتى إنك تجد كثيرًا من الناس من يمتنع عن القِرَى لعدم وجود اللحم في حال وجود الضيف ، والقاصد لوجه الله يجود بالموجود ، ولا يتكلف التكلف الذي هو فوق الطاقة ، وأما ما دون ذلك فلا بأس به، بل هو محمودٌ لقول الله سبحانه وتعالى – في شأن إبراهيم خليله لما أتاه الأضياف ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ) ، ومن تمام الضيافة أن تفرح بمقدم ضيفك ، وتظهر له البشر، وأن تلاطفَهُ بحسن الحديث ، وتشكرَه على تفضله ومجيئه ، وتقوم بخدمته ، وتظهر له الغِنى وبشاشةَ الوجه ؛ فقد قيل : البشاشة في الوجه خير من القرى، وقد نظم بعضهم هذا الكلام بأبيات فقال:
إذا المرءُ وافـى مـنزلاً منك قاصـدًا *** قراكَ وأرمَـتْهُ لديــك المسـالكُ
فكن بــاســمًا فـي وجـهــه مُتـهــللاً *** وقل مرحبـًا أهلاً ويومٌ مباركُ
وقــدم لـه مـا تستـطيــع مـن القِـرَى *** عجولاً ولا تبخل بما هو هالِكُ
فـقـد قيــــل ببـيـتِ ســالــفِ مُتقــدّمِ *** تداولــــهُ زيـدٌ وعَمـرو ومالكُ
بشاشةُ وجْه المـرء خيرٌ من القِرَى *** فكيف بمن يأتي و هو ضَاحِكُ
قال ابن حبان يرحمه الله ومن إكرام الضيف طيبُ الكلام ، وطلاقة الوجه ، والخدمةُ بالنفس فإنه لا يَذِلُّ من خدَم أضيافه ، كما لا يعِزُّ من استخدمهم ، أو طلب لِقرَاه أجرًا ، وكرام الناس وسادتهم يقضون هذا الحق ، فيقبلون على ضيوفهم ، ويرفعون من قدرهم ، ويُعلون من منزلتهم ، والتقربُ تجمُّلُ الحديث ، والبسطُ ، والتأنيسُ ، والتلقّي بالبشر من حقوق القِرَى ، ومن تمام الإكرام ، وقالوا : من تمام الضيافة الطلاقة عند أوَّلِ وهْلَةٍ، وإطالةُ الحديث عند المأكلة ، وإذا كان معك أكثر من ضيف ، فأقبل على كُلِّ واحدٍ منهم بوجهك ، ولا تخصَّ أحدًا دون الآخر بحديثك ، أو شيء من ضيافتك ، وحاول أن تلتمس رضى كل واحد منهم ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس لضيوفه ، فقد كان يعطي كل واحدٍ من ضيوفه نصيبَهُ، ولا يحسبُ ضيفُهُ أن أحدًا أكرمُ عليه منه ، واعلم أخي في الله أن العبوس وإبداء الضيق ، وكثرةَ الدخول والخروج لغير حاجة ، ونهر الأطفال أو الخادم بحضرة الضيوف دليل الشُّحِّ ، وأمارةُ البخل ، والموتُ خيرٌ من إجابة دعوة بخيل 0
4- الآداب التي ينبغي مراعاتها في الضيافة :
أ- أن يدعو الإنسان لضيـافته الأتقياء والصالحين ، ويتجنب دعوة الفسقة من الناس ، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ، كذلك فإنه يدعو لضيافته دون تمييز بين الفقير والغني ، فإن هذا من التواضع الذي ينبغي أن يتحلّى به المؤمن ، وقد جاء في الحديث : ( شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ) 0
ب- فإذا حضر ضيوفه ، يستقبلهم عند بابه ، ويبشّ عند قدومهم ، ويطيب في حديثه معهم ، وقد سئل الأوزاعي رحمه الله : ما إكرام الضيف ، قال : طلاقة الوجه ، وطيب الكلام 0
ت- فإذا حضر وقت الطعام ، فإنه يأتيهم بما تسير له ، ولا ينبغي له أن يتكلف ما لا يستطيع ؛ فإن هذا مخالف للهدي النبوي ، وفيه أذى وإحراج للضيف من ناحية أخرى ، ومن إكرام الضيف : أن يخرج معه إلى باب الدار عند توديعه ؛ فإن ذلك يشعره بمدى الحفاوة به ، والفرحة بحصول زيارته 0
أنواع الكرم عند الناس
1- الكرم الشرعي المراد به وجه الله عز وجل
2- الكرم العرفي وهو محمود ومأجور صاحبه إن شاء الله
3- الكرم المصلحي وهو إكرام المدعو لأنه صاحب منصب أو تحت يده أمورا مهمة و لا يدعو لولائمه إلا أصحاب المصالح والنفوذ ونحو ذلك
4- الكرم النفاقي وهو إكرام المدعو لأجل التزلف والتقرب إليه لأمر دنيوي بحت
5- الكرم لأجل المباهاة والتفاخر والمدح من قبل الآخرين بأن يقال فلان كريم أو طيب 0
أفكار لملمتها من هنا ومن هناك ( مقالات ومحفوظات )