في يوم 6 أغسطس 1945 م ، انفجرت القنبلة الذرية في مدينة هيروشيما
اليابانية فتحولت إلى رماد ومات ما يقرب من 80000 مواطن ،وبعد أربعة أيام
من الحادث أصيبت مدينة ناكازاكي بقنبلة أخرى ،فاضطرت اليابان
للاستسلام في 14 أغسطس من نفس السنة ،وانتهت الحرب ،وبدأت عودة
الجنود اليابانيين من مواقعهم بالجبهه إلى أهليهم وعائلاتهم باليابان ،وعاد
الكثير منهم من مواقع مختلفة فيما وراء المحيط ،فيما عدا بعض الجنود الذين
استقر بهم الحال في مناطق بعيدة ومهجورة ،فلم ينتبهوا لانتهاء الحرب إلا
بعد فترة عادوا بعدها إلى اليابان،ومن هؤلاء الجنود والضباط" الغافلين" كان
الملازم أول "هيرو أونودا"البالغ من العمر 23 عاما فقد سافر أونودا سنة 1944
أثناء اشتعال الحرب إلى جزيرة لوبانج التي تقع على بعد حوالي 75 ميلا
من جنوب الفلبين وظل بهذه الجزيرة النائية نحو 29 سنة وهو في حالة
استعداد للحرب ،دون أن يدري أن الحرب انتهت منذ أمد بعيد ، وكانت
التعليمات الصادرة لأنودا - أثناء الحرب - أن يستمر في القتال والتأهب للحرب
حتى لو مات كل جنود فرقته التي يرأسها ،وهذا هو ما التزم به أنودا خير
التزام فقد مات كل جنود فرقته أثناء الحرب ودمرت وحدته العسكرية،إلا أنه
ظل متأهبا لصد أي هجوم عسكري إلى حين أن تصدر التعليمات من القيادة
بالانسحاب ،وبالطبع كانت القيادة باليابان قد غفلت عنه أو ربما عن وجود أي
وحدة عسكرية لها بتلك الجزيرة النائية البعيدة عن الأذهان ،لكن أنودا ظل
على عهده
والغريب أنه بعد انتهاء الحرب قامت إحدى الطائرات اليابانية بالتحليق على
مثل هذه المناطق النائية التي تضم جنودا من اليابان ،وألقت فوقها رزما من
الورق تخبر الجنود بانتهاء الحرب ، فالتقط أنودا أحد هذه الوريقات وكانت
موقعة باسم رئيسه المباشر ،ولكنه بعد أن قرأ الورقة تبادر إلى ذهنه أن
المسألة مجرد( خدعة أمريكية) لتضليل الجنود اليابانيين ..وظل رابضا في
مكانه في حالة حرب ومع مرور السنين تغير شكل العالم تماما حيث وصل
الانسان إلى القمر ،واستطاعت اليابان أن تتخلص من خراب الحرب وصارت
قوة عظمى تنافس القوة الأمريكية.
وقد عاش أنودا كل تلك السنين وحيدا ،كان طعامه ثمار الموز وجوز الهند
وصيد الطيور والحيوانات من غابات الجزيرة النائية ،وصنع لنفسه كوخا من
خشب الغابة كان يختبئ فيه عن أعين الزائرين ،وعندما جاء إلى الجزيرة
مجموعة من الجنود اليابانيين للبحث عنه وإقناعه بالعودة لليابان ، أطلق
عليهم وابلا من النيران ..ورفض العودة ،كذلك رفض العودة عندما جاء
مجموعة من أقاربه لإقناعه بالعودة معهم ، وظل رابضا في مكانه ينتظر
تعليمات القيادة وفي سنه 1974 أي بعد مرور29 سنة على انتهاء الحرب
جاء إلى الجزيرة مجموعة من الطلاب في رحلة ترفيهية والتقى أحد الطلاب
بأنودا وتعرف عليه منذ الوهلة الأولى قائلا:" أونودا ، البطل العظيم ،إن اليابان
كلها بانتظارك" فرد عليه أنودا :" أنا لن أعود للوطن إلا بأمر من القائد
يوشيمي تانيجوشي" وعندما عاد الطالب إلى اليابان أخبر الجهات العسكرية
بما قاله أنودا وأخيرا اضطر القائد تانيجوشي وهو قائد أنودا أيام الحرب أن
يسافر إلى الجزيرة بنفسه ليعطي التعلمات إلى أنودا بالانسحاب ، رغم أن
تانيجوشي قد ترك الخدمة العسكرية واشتغل بمجال آخر مختلف ، وعندما
التقى تانيجوشي بأنودا ، انتصب أنودا أمامه في نشاط وأدى التحية
العسكرية قائلا:" الملازم أول أنودا في خدمتك ، سيدي" فأمره تانيجوشي
بالانسحاب ، وهو في أشد العجب من هذا الضابط الشديد الالتزام .
وفي 10 مارس 1974 عاد أنودا إلى اليابان بعد 29 سنه قضاها في الحرب
بمفرده،وكان عمره 52 عاما ، وجد أشياء كثيرة قد تغيرت من حوله حتى
أهله أنفسهم أصبحوا شيوخا وتغيرت ملامحهم القديمة ،وقد ظن أهله أنه
مات في الغابات وفقدوا الأمل في لقائه مرة أخرى ، وأصبح اسم أنودا في
اليابان أشهر من نار على علم مشيرا إلى الوفاء والإخلاص المتفاني في
خدمة الوطن ، بل إنه اشتهر كذلك في معظم أنحاء العالم، أما أنودا فلم
يحتمل هذه الشهرة ونظرات الإعجاب الممزوجة بشيء من السخرية
لإخلاصه الغريب لوطنه الذي دعاه إلى البقاء كل هذه المدة في الجزيرة
النائية رغم انتهاء الحرب ، لذلك هاجر إلى البرازيل وترك اليابان الذي أفنى
عمره في الدفاع عنه.
منقول وارجو ان تحوز اعجابكم