الحرية و الابداع عنصران متلازمان في مسيرة النتاج الحضاري و ارتقائه و توهجه و انتشاره و الإبداع هو حالة من التوهج تنحصر بفئات محددة لا يمكن نزع
المسؤولية الشخصية عنها لأن الإبداع يظل حالة لإظهار الآراء و الأفعال و الأفكار و أنماط السلوك التي تخدم المجتمع و ترتقي به نحو التقدم
و التطور دون أن تمس أو تهتك بأسس و مبادىء حياة العامة و نظامهم الاجتماعي و إن الإبداع لا يمكن أن يكون ابداعا ً في غياب الحرية
لأن حرية الابداع هي المساحة المضاءة في مسيرة المجتمع و تطوره و هنا لا يمكن أن يكون لهذه الحرية أية قيود سوى حجم الاحساس
بالمسؤولية لدى المبدع و يزداد قدر و حجم الاحساس بالمسؤولية لديه بقدر ما يتمتع به من مساحة من الحرية فالحرية لدى المبدع مسؤولية
و ناظم ابداعي و موجه حقيقي نحو ابداع بناء يسمو بالمجتمع نحو الأفضل و الحرية المتاحة لا يمكن اعتبارها فراغا ً يصب فيه كل من أراد
التعبير عن رأيه دون رادع و دون احساس بالمسؤولية لأن المبدع قادر على تحديد المدى و العمق الذي يستطيع أن يمارس و يستخدم في
ظله حريته التي يسخرها لخدمة القضايا التي تشغل مجتمعه عبر ما يجده مناسب من بنات أفكاره ضمن صيغ و شرائع لا تتناقض مع مبادىء
وثوابت ذاك المجتمع فمثلا ً هناك الكثير من يفهم الحرية الإعلامية تنحصر في تعبئة للصحف ووسائل الإعلام بما هب و دب و تجني على
البعض و هواجس شخصية و فردية تتناقض مع العمومية بدعوى حرية الكلمة و التعبير ناسيا ً و متناسيا ً بأنه إذ فعل ذلك فإنه ركل و سدد
لكمة للحرية الفكرية و عبر عن سوء فهمه و تقديره لها لأن الإنسان مرتبط بمبادىء و مثل و قيم اجتماعية و أخلاقية و دينية لا تقبل
المساومة و لا يمكنه التخلي عنها من أجل مصلحة خاصة مهما كانت الظروف و إن ارتباط الإنسان بتلك الروابط هو الجزء الأهم من فهم
الحرية و من هنا نجد أن المبدعين هم أكثر الناس التزاما ً بالقضايا الانسانية و الحرية لأنهم الأكثر عمومية و على آرائهم المسؤولة ترتسم و
تتحدد خيارات العامة بمقدار ما يجدونه من صوابية و صدق و تطابق مع واقعهم و آفاقهم المستقبلية .
و إذا كانت الحرية هي أهم مقومات الابداع فلا شك أن حرية الابداع واجب و أمانة يمليان على المبدع سلوكه فلا يبقى له سوى العمل على
زيادة مساحة التوهج و الابداع للوصول الى ما هو أعم و أشمل من مجرد التمتع بحرية ابداء الرأي و التعبير و جعله اسلوبا ً و سلوكا ً
يرخيان بظلالهما على جميع نواحي الحياة بشكل حضاري بعيد عن الخصوصيات و الحساسيات الخاصة و ما تحتويه من مهاترات و صراعات
فردية لأن الجهود الفكرية الخلاقة المبدعة يجب أن تصب في الهم العام الشيء الذي يشعرنا بأن الحرية التي نمتلكها و نتمتع بها لابد أن نجني
ثمارها و توجهنا نحو الحقيقة دون حواجز و بمؤازرة من قادة بلدنا و تشجيعهم لأنهم بوصلة الأمة و موجهها نحو المستقبل الواعد .
بقلم/ د. جمال بطاح
نقل اخيكم/ أ. خالد الخرشاوي