أحسن الله اليك يا أمي ومتعك بسمعك وبصرك وقوتك ابداً ما ابقاك وجعله الوارث منك وجعل خير اعمالك خواتيمها وخير ايامك يوم تلقيه، وجزاك الله عني كل الخير
أكبر وأنا عند أمي صغير ، وأشيب وأنا لديها طفل
هي الوحيدة التي نزفت من أجلي دموعها ولبنها ودمها
نسيني الناس إلا أمي ، عقَّني الكل إلا أمي ، تغيَّر عليَّ العالم إلا أمي
كم غسلتِ خدودكِ بالدموع حينما سافرتُ !
وكم عفتِ المنام يوم غبتُ !
وكم ودَّعتِ الرُّقاد يوم مرضتُ !
إذا جئتُ من السفر وقفتِ بالباب تنظرين والعيون تدمع فرحاً
وإذا خرجتُ من البيت وقفتِ تودعينني بقلب يقطر أسى
حملتِـني بين الضلوع أيام الآلام والأوجاع
ووضعتِـني مع آهاتك وزفراتك
وضممتِـني بقبلاتك وبسماتك
لا تنامين أبداً ، حتى يزور النوم جفني
ولا ترتاحين أبداً ، حتى يحل السرور علي
إذا ابتسمتُ ضحكتِ ، ولا تدرين ما السبب
وإذا تكدّرتُ بكيتِ ، ولا تعلمين ما الخبر
وتسامحينني ، قبل أن أعتذر
من مدحني صدقتِه ، ولو جعلني إمام الأنام وبدر التمام
ومن ذمني كذبتِه ، ولو شهد له العدول وزكَّاه الثقات
أبداً أنتِ الوحيدة المشغولة بأمري
وأنتِ الفريدة المهمومة بي
أنا قضيّتك الكبرى ، وقصتكِ الجميلة ، وأمنيتك العذبة
تُحسنين إليّ وتعتذرين من التقصير
وتذوبين عليّ شوقاً وتريدين المزيد
ليتني أغسلُ بدموع الوفاء قدميكِ
وأحمل في مهرجان الحياة نعليك
وليت البأس إذا قصدكِ يقع عليَّ
روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ
كيف أردّ الجميل لكِ بعدما جعلتِ بطنكِ لي وعاء
وثديك لي سقاء ، وحضنكِ لي غطاء ؟
كيف أقابل إحسانكِ وقد شاب رأسكِ في سبيل إسعادي
واحدودب ظهركِ لأنعم بحياتي ؟
كيف أكافئ دموعكِ الصادقة التي سالت سخيّة على خدّيكِ مرة حزناً عليَّ
ومرة فرحاً بي ، لأنك تبكين في سرّائي وضرّائي ؟
أنظر إلى وجهكِ وكأنه ورقة مصحف
وقد كتب فيه الدهر قصة المعاناة من أجلي
ورواية الجهد والمشقة بسببـي
إذا نظرت إليك وأنت في سلّم الشيخوخة
تدبّين على الأرض دبيباً وأنا أثبُ وثباً
أنتِ الوحيدة في العالم التي وقفت معي
يوم خذلني الأصدقاء ، وخانني الأوفياء ، وغدر بي الأصفياء
ووقفتِ معي بقلبك الحنون ، بدموعكِ الساخنة
بآهاتكِ الحارة ، بزفراتكِ الملتهبة
تضمين ، تقبّلين ، تضمّدين ، تواسين
تعزّين ، تسلّين ، تشاركين ، تدْعين
وأنا أنظر السنوات قد أضعفت كيانكِ ، وهدّت أركانكِ
فأتذكر كم من ضمةٍ لكِ وقبلة ودمعة وزفرة وخطوة
جُدتِ بها لي طائعةً راضيةً لا تطلبين عليها أجراً ولا شكوراً
وإنما سخوتِ بها حبّاً وكرماً
أنظر إليك الآن وأنتِ تودّعين الحياة وأنا أستقبلها
فأقف عاجزاً عن إعادة شبابك الذي سكبتِه في شبابي
وإرجاع قوّتكِ التي صببتِها في قوّتي
أرى جميلك يطوّقني ، فأجلس أمامك خادماً صغيراً
لا أذكر انتصاراتي ولا تفوّقي ولا إبداعي ولا موهبتي عندك
ولكن إذا جثوتُ عند أقدامكِ فأنا طفلكِ الصغير وابنكِ المدلّل
فأصبح صفراً يملأني الخجل ويعتريني الوجل
فألغي الألقاب وأحذف الشهرة ، وأشطب على المال ، وأنسى المدائح
والفضل لكِ يوم تواضعتِ وسمحتِ لشفتيّ
ربِّ اغفرلي ولوالديّ وارحمهما كما ربّياني صغير