ريـال الحاج أحمد ! ... قصة حقيقية
قبل خمسة عقود تقريباً ، حدثت قصة وعبرة لتاجر عصامي وحكيم يدعى الحاج أحمد بمنطقة الأحساء شرق المملكة العربية السعودية ، والذي أشتهر بتجارة الأقمشة والملابس ، إذ كان يستوردها بالجملة من الهند وإيران والصين ، ويبيعها بالتجزئة ، وكانت العملة آنذاك الريال الفرنسي كما يسمى بمنطقة الخليج ، أو الريال النمساوي كما يسمى بمنطقة الحجاز وشمال أفريقيا ، وقبل ذكر قصة الحاج أحمد ، سنسلط بعض الضوء على تاريخ الريال ثم نعود لبطل قصتنا .
كان مسمى العملة ( الريال ) والريال كلمة إسبانية الأصل ، وتعني الملكي ، وهي عملة فضية بها صورة للإمبراطورة ماريا تيريزا التي حكمت النمسا وهنغاريا وبوهيميا من عام 1740 إلى 1780 ، وتبدو الملكة بالصورة ممتلئة الجسم بالوجه الرئيسي ، وبالخلف شعار النسر ذو الرأسين ، وقد استخدمت عملة تالـر ماريا تريزا على نطاق واسع حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في أفريقيا، ابتداءً من شمال أفريقيا حتى الصومال واثيوبيا كينيا وزنجبار إلى موزمبيق ، وقد وجدت بأماكن مختلفة من العالم العربي خصوصا السعودية واليمن ومسقط وعمان بالإضافة إلى الهند .
لنعود الأن للحاج أبا أحمد .. كعادته ، يوماً كان خارجاً إلي عمله ، ومروراً بحارتهم توقف عند البئر التي يأنس برشف بعض مائها العذب البارد ، وبينما كان يسحب الدلـو الخشبي ، سقط الريال الفرنسي الوحيد الموجود بجيبه الصدري ، حيث تلألأ بياضه مع أشعة الشمس وهو يبتعد عن عينه في أعماق البئر السوداء .
سقط قلب الحاج أحمد مع الريال داخل البئر ، وسقطت مهجته وسعادته وطموحه مع الريال المميز ، إذ كان ينوي دفعه كعربون لحاجيات زواج إبنه البكر ، فذهب إلي عمله وهو مطأطأ الرأس ، والحزن فوق سلة رأسه .
أنقضى أسبوع ، وكل مرة يعبر بجانب البئر ، قلبه يرف مع الريال الفرنسي الذي يناديه داخل البئر ، وكأن البئر تصرخ عليه وتذله بأبتلاعه أياه ، إذ لايفارق مخيلته بريق الريال وهو يسقط !
زواج أبنه على الأبواب ، ومازال قلبه منكسراً ، فأتخذ القرار صبيحة يوم خميس قبل أسبوع الزواج ، وأستيقظ مبكراً ، وذهب إلي رجال الغـوص بالبلدة ، وأتفق معه رئيسهم على إخراج الريال ، لكنهم طلبوا منه مبلغ خمسة ريالات مقابل إخراجه ، إذ عرفت البئر بعمقها وخطورتها ، فوافق على شرطهم ، وبدأ العمل قبل الظهيرة ، فشاع الخبر بين الناس ، وتجمهروا كي يعرفوا الخبر ، والحاج أحمد ينتظر ظهور الفرج بين المتجمهرين، والغواصون في كـر وفـر داخل وخارج البئر بين فينة وأخرى ، وبين لحظات مراقبة وانتظار .. فجأة ! خرج أحدهم وبيده ريال الحاج أحمد ، وتعالت الأصوات والتصفيقات ، وزغردة النساء ، وكأنهم انتصروا على البئر العنيدة ، فأخذه وقبله والإبتسامة تملأ محياه ، وقال : الآن أرتاح قلبي ، وأستطيع أن أمشي بجانب البئر مرفوع الرأس ، ولا تذلني وتقتلني كل يوم ألف قتلة ، ولا حاجة أن أبحث عن طريق آخر كي لا أرى البئر ، والحمد لله أني اشتريت راحتي بخمسة ريالات فرنسية .
أخي القارئ الكريم : أشتري راحتك ، سواء بالمال أو بالكلام ، ولا تنام إلا وأنت قرير العين ، وخاصة إذا أستطعت أن تسترد راحة ضميرك ورضا قلبك ،فكم من إنسان يعيش ذليلاً وقيمة ذلك ثمن بخس !
المزيد على دنيا الوطن ..
http://pulpit.alwatanvoice.com/artic...#ixzz3HqTuV0r2