بسم الله الرحمن الرحيم
( علم النسب )
لا يخفى أن العلماء عرّفوا علم النسب بأنه العلم الذي يبحث في تناسل القبائل و البطون و الشعوب و تناسل الأبناء من الآباء
وتفرع الغصون من الأصول في الشجرة البشرية ، بحيث يعرف الخلف عن أي سلف ٍ انحدر و الفرع عن أي أصل صدر .
وحفظ الأنساب ليس خاصاً بالعرب بل هو علم مشترك بين سائر الأمم إلا أن العرب امتازوا بذلك وتغلب على مشاعرهم وأحاسيسهم ،
حتى لتجد الصبي و اليافع و الكهل و الشيخ إذا سألت أحدهم عن نسبه سرد غير متلكئ ولا متقاعس .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) }
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى :
{ .. وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..}
أي : ليحصل التعارف بينهم ، كلٌ يرجع إلى قبيلته.
وقال مجاهد في قوله : { لِتَعَارَفُوا } ، كما يقال : فلان بن فلان من كذا وكذا ، أي : من قبيلة كذا وكذا .
حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله بن المبارك عن عبد الملك بن عيسى الثقفي عن يزيد مولى المنبعث عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر)
قال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه ومعنى قوله منسأة في الأثر يعني به الزيادة في العمر .
قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى الثَّقَفِيِّ )
اِبْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَارِيَةَ بِالْجِيمِ التَّحْتَانِيَّةِ مَقْبُولٌ مِنْ السَّادِسَةِ
( عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ )
بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَدَنِيٌّ صَدُوقٌ مِنْ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ : ( تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ )
أَيْ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادِكُمْ وَأَعْمَامِكُمْ وَأَخْوَالِكُمْ وَسَائِرِ أَقَارِبِكُمْ
( مَا ) أَيْ قَدْرَ مَا ..
(تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ )
فِيهِدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصِّلَةَ تَتَعَلَّقُ بِذَوِي الْأَرْحَامِ كُلِّهَا لَابِالْوَالِدَيْنِ فَقَطْ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ . وَالْمَعْنَى تَعَرَّفُوا أَقَارِبَكُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِيُمْكِنَكُمْ صِلَةُالرَّحِمِ وَهِيَ التَّقَرُّبُ لَدَيْهِمْ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ , فَتَعَلُّمُ النَّسَبِ مَنْدُوب.
( فإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ )
بفَتَحَاتٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ مَفْعَلَةٌ مِنْ الْحُبِّ , مَصْدَرُالْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ . قَالَ الْقَارِي : وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنْ الْمِشْكَاةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَظِنَّةٌ لِلْحُبِّ وَسَبَبٌ لِلْوُدِّ
( فِي الْأَهْلِ )
أَيْ فِي أَهْلِ الرَّحِمِ
( مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ )
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ . وَفِي النِّهَايَةِ : هِيَ مُفْتَعَلَةٌ مِنْ الثَّرَى وَهُوَ الْكَثْرَةُ أَيْ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْمَالِ وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ .
( مَنْسَأَةٌ )
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعَلَةٌ مِنْ النَّسَاءِ وَهُوَ التَّأْخِيرُ ..
( فِــــــي الْأَثَـــــرِ )
بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ الْأَجَلِ , وَالْمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ وَمُوجِبٌ لِزِيَادَةِ الْعُمُرِ , وَقِيلَ بَاعِثُ دَوَامٍ وَاسْتِمْرَارٍ فِي النَّسْلِ . وَالْمَعْنَى أَنَّ يُمْنَ الصِّلَةِ يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ . وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ : وَالْمُرَادُ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ بِالصِّلَةِ إِمَّا حُصُولُ الْبَرَكَةِ وَالتَّوْفِيقُ فِي الْعَمَلِ وَعَدَمِ ضَيَاعِ الْعُمُرِ فَكَأَنَّهُ زَادَ ..
, أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ , أَوْ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْعُمُرِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْعَالَمِ . فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةَ عُمُرِهِ وَفَّقَهُ لِصِلَةِ الْأَرْحَام.. ,
, وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ , وَأَمَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَازِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ , وَهُوَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ " , وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } اِنْتَهَى .
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ .
67746 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(تعلموا أنسابكمثم صلوا أرحامكم والله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخل الرحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه)
الراوي: جبير بن مطعم - خلاصةالدرجة: حسن الإسناد وصح مرفوعا - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 53
80665 - تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منساة في الأثر..
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيحالترغيب - الصفحة أو الرقم: 2520
78280 - اعرفوا أنسابكم ، تصلوا أرحامكم ،فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت و إن كانت قريبة ، و لا بعد بها إذا وصلت و إن كانت بعيدة..
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم:
183249 - الناس لآدم و حواء إن الله لايسألكم عن أحسابكم و لا أنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
الراوي: - - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أوالرقم: 311
183249 - الناس لآدم و حواء إن الله لا يسألكم عن أحسابكم و لاأنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم
الراوي: - - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 311
قال ابن حزم رحمه الله :
(384هـ – 456هـ )
لقد جعل الله سبحانه تعارف الناس بأنسابهم غرضاً له تعالى في خلقه شعوباً وقبائل؛
فوجب بذلك أن علم النسب علم جليل رفيع، إذ به يكون التعارف .
وقد قص الله تعالى علينا في القرآن ولادات كثير من الأنبياء - عليهم السلام - وهذا علم نسب. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في النسب فقال: " نحن بنو النضر بن كنانة " وذكر بني تميم وشدتهم على الدجال. وأخبر – عليه الصلاة و السلام - أن بني العنبر بن عمرو بن تميم من ولد إسماعيل. ونسب الحبشة إلى أرفدة. ونادى قريشاً بطناً بطناً، إذ أنزل الله عليه: " وأنذر عشيرتك الأقربين " ، وكل هذا علم نسب.
وقد قال عليه الصلاة و السلام:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وأبو الجهم بن حذيفة العدوي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، من أعلم الناس بالأنساب. وكان عمر، وعثمان، وعلي، به علماء، رضي الله عنهم، وإنما ذكرنا أبا بكر، وأبا الجهم بن حذيفة، وجبيراً قبلهم، لشدة رسوخهم في العلم بجميع أنساب العرب .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسان بن ثابت رضي الله عنه، أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا يكذب قول من نسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن النسب علم لا ينفع، وجهل لا يضر؛ لأن هذا القول لا يصح، وكل ما ذكرنا صحيح مشهور منقول بالأسانيد الثابتة، يعلمها من له أقل علم بالحديث.
وما فرض عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - الديوان، إذ فرضوه، إلا على القبائل؛ ولولا علمهم بالنسب، ما أمكنهم ذلك. فبطل كل قول خالف ما ذكرناه.
وكان سعيد بن المسيب، وابنه محمد بن سعيد، والزهري، من أعلم الناس بالأنساب، في جماعة من أهل الفضل والفقه والإمامة، كمحمد بن إدريس الشافعي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهما.
و ذكر صاحب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام قوله :
للنسب عند العرب شأن كبير و لا يزال العربي يقيم له وزناً ، و لا سيما عربي البادية
فعلى نسب المرء في البادية تقوم حقوق الإنسان بل حياته في الغالب ، فالانتماء إلى عشيرة أو قبيلة هو حماية للمرء .
قد ذكر العلماء لحفظ النسب فوائد جمة نظرية و علمية و جعلوها من الضرورات الشرعية و الاجتماعية و الأدبية و المادية منها :
ثبات المواريث ، و الوقف ، وصلة الأرحام ، و الأنكحة ، و الديات في حق العاقلة و غير ذلك .
هذا و الله أعلم .
أخوكم /
إبراهيم بن حمدان البقمي