فسّر عن ساعديه .. واتكأ على أريكته .. وكال بمكيالين .. فويل للمطفيين !
ثم جر على الأول والآخر .. ورمى بالتهم جزافاً على القاصي والداني .. وهو في منأى عن النقد .. لأنه لا يعمل .. والذي لا يعمل .. لا ينقد .. وإنما النقد ينصب لمن تبرع بوقته .. ليسد ثغرة الباقين ..
فكتب المقال .. ورب مقال .. لا تقال عثرته !
وأحس بنشوة الانتصار .. وفرحة الاكتشاف الخطير .. وهو يعلم أن الجهد البشري معرض للنقص .. والكمال لله والعصمة لرسوله ..
وهنا يأتي مصاب الأصحاء ..!
الاستذكاء .. على حساب الأوفياء !
إنصحْ ولا تفصحْ ..! وكنْ صديقاً .. فقد قيل .. نصح الصديق تأديب .. ونصح العدو تأنيب ..
هذا الناقد .. وهذا منهجه .. ورد العاقل عليه !
انزل للساحة .. وأبنْ ما لديك .. حتى ترى إن كنتَ ستقوم بالواجب .. وإلا تعرضتَ لما اعترضتَ عليه سلفاً ..
وأما المنقود ..
فثارت نفسه .. وامتلأت غضباً لأثر نقد الناقد له !
فأقام الدنيا ولم يقعدها .. وهو لا يعلم أن النقد قد يكون هادفاً وقد يكون نقيضه ..
والذكي من استفاد من الاثنين معاً ..!
وأما التنقص من الأشخاص .. واستخراج سيرتهم الشخصية .. فليست طريقة صحيحة للرد .. ولا منهجاً للحوار ..
دعْ عنك من القائل .. وعليك بالمقال !
نفتقد لأساليب علمية في الحوار المنطقي .. من احترام الرأي الآخر .. واحترام شخصية المحاور .. وطرح الأفكار بتسلسل فكري يسهل على القارئ الاستيعاب والاقتناع .. وانتهجنا طريقة النقد الذاتي والتجريح الشخصي والسب العلني .. ومحاولة الانتصار للنفس .. مع عدم الرجوع عن الخطأ والمكابرة والاستعلاء عليه ..
فتحولت الدنيا لمعركة حرب .. وقامت قيامة البعض !
يا أخوان ..!
لولا الحياء .. هلك الأحياء !
ولولا ظلمة الخطأ .. ما أشرق نور الصواب !
ونحن نعيش في بيئة تنوعت مصادر تلقيها .. وتباينت مشاربها .. واختلاف وجهة النظر موجود .. والبقاء للأصل ..
لنعمم بيننا طريقة في التحاور بعيدة عن التعصب للرأي واحتمال إصابة القول أو خطأه ..
كلنا ذاك الرجل الذي قال كلمة .. وبان له نقيضها !
لكن .. من منا من تجرأ وقال أنني أخطأت .. وأتأسف على مقولتي !
هنا الشجاعة الحقة .. التي يفقدها الكثير .. والكثير !
وهذه جمل .. سريعة .. تختصر كيفية الحوار العلمي الهادف الذي يوصل لنتيجة صحيحة تفيد الطرفين ..
اصنع في نفسك أنك بشر .. معرض للخطأ .. استمع لقول الآخر بكل احترام وتقدير .. ابتعد عن مقاطعة الكلام .. ابتسم في وجهه وأظهر له رحابة الصدر وسعته .. احترم رأيه وقدره وحاول أن تظهر ما لديك من علم في المسألة .. ابدأ بما تتفقون جميعاً عليه .. لا تحيل الحوار لاتهامات شخصية بعيدة عن لب الموضوع .. حاول قدر استطاعتك أن تستفيد من الطرف الآخر .. فربما يجعل الله الحق على لسانه .. اعلم أن النصر الحقيقي هو بالوصول للصواب لا بالانتصار للذات .. إن تبين لك خطأك .. فأوقف الحوار .. وتراجع عن رأيك .. واعترف بصراحة بوقوعك في الخطأ .. إن تبين لك أن الطرف الآخر مجادل .. فانسحب من الحوار بكل هدوء واحترام .. ولا ننسى أن ترك المُرَاء من المروءة .. وقدم اعتذارك سلفاً .. واعلم أن نصرك هو في انتصارك على ذاتك بشهوة التحصل على الانتصار وإن كان على باطل .. ابتعد عن الغيبة وعن ذكر الأشخاص الغائبين بشيء .. استعن بالله أولاً وأخيراً .. ولا تكثر من الشماتة .. فرب شماتة تجر ندامة ..!
_ نقل من احدى الموسوعات_
أ. خـالـد الخرشاوي