( قصّة بشر بن قيس النمري وأيقاع الجحاف بتغلب)
يشير بعض من تنقصه الدراية عن أنساب قبيلة عنزة أن قبيلة بشر العنزية تنتسب إلى بشر بن قيس حيث أنه وضع جد لقبيلة بشر من عنزة وأدعوا أنها تعود لتغلب وتنسب لبشر بن قيس وهذا الكلام بني على غلطتي في الطبعة الأولى من كتابي عندما ذكرت هذا وكنت غير ملم وهذه الغلطة أساسها كتاب شيخنا حمد الحقيل ولكن انتساب بشر القبيلة العنزية لبشر بن قيس النمري ما يصح لأن بشر بن قيس بن عقبة بن هلال هو رجل من بني النمر بن قاسط الذين دخلوا في تغلب ولا علاقة نسب له بتغلب ولا في عنزة وهو ليس بوائل بن قاسط الجد الذي يريدون دخول عنزة به أما قصة موقعة البشر فقد شرحت في عدد من المراجع وبسطت أخبار هذه المعركة في أمهات الكتب ولم يكن معهم من عنزة أحد حيث كانت عنزة بعين التمر لذلك فأن ربط بشر القبيلة العنزية في بشر بن قيس النمري أو في معركة البشر ليس له مصدر ولا سند علماً أن كتابي موثق على المصادر الصحيحة والثابتة وهذه قصة موقعة البشر وليس فيها أي إشارة إلى أنتساب قبائل بشر من عنزة إلى تغلب لأن البشر منطقة جبلية سميت على بشر بن قيس النمري عندما أوقع في تغلب الجحاف السلمي في عصر الأمويين ولا علاقة لهذه الحادثة بعنزة وهذه القصة كامله كما وردت في جميع المصادر وقد ذكرت بكافة فصولها
جاء في عدد من المراجع العربية خبر موقعة البشر ومن هذه المراجع كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني المجلد الثاني والعشرون الصفحة 195بحيث شرح عن خبر الجحاف بن حكيم السلمي وموقعة البشر :
قال : كان السبب في ذلك فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قال : حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبن الأعرابي وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن أبن قتيبة وأخبرنا أحمد بن عبدالعزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبّة وقد جمعت روايتهم وأكثر الخبر لأبن حبيب
أن عمير بن الحباب لما قتلته بنو تغلب بالحشّاك – وهو إلى جانب الثرثار وهو قريب من تكريت - أتى تميم بن الحباب أخوه زفر بن الحارث فأخبره بمقتل عمير وسأله الطلب له بثأره فكره ذلك زفر فسار تميم بن الحباب بمن تبعه من قيس وتابعة على ذلك مسلم بن أبي ربيعة العقيلي فلما توجهوا نحو بني تغلب لقيهم الهذيل في زراعة لهم , فقال أين تريدون ؟ فأخبروه بما كان من زفر فقال : أمهلوني الق الشيخ فأقاموا ومضى الهذيل فأتى زفر فقال : ما صنعت والله لأن ظفر بهذه العصابة أنه لعار عليك ولأن ظفروا أنه لأشد قال : زفر فأحبس علي القوم وقام زفر في أصحابه فحرضّهم ثم شخص واستخلف عليهم أخاه أوساً وسار حتى أنتهى إلى الثرثار فدفنوا أصحابهم ثم وجه زفر أبن الحرث يزيد بن حمران في خيل فجاء إلى بني فدوكس من تغلب فقتل رجالهم واستباح أموالهم فلم يبق في ذلك الجو غير أمرأة واحدة يقال لها حميدة بنت أمريء القيس عاذت بأبن حمران فأعاذها وبعث الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلاً ذريعاً وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرع في القتل
وبلغ ذلك بني تغلب واليمن فأرتحلوا يريدون عبور دجلة فلحقهم زفر بالكحيل – وهو نهر أسفل الموصل مع الغرب – فاقتتلوا قتالاً شديداً وترجّل أصحاب زفر أجمعون وبقي زفر على بغل له فقتلوهم من ليلتهم وبقروا بطون ما وجدوا من النساء الحوامل وذكر أن من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف وأن الدم كان في دجلة قريباً من رمية سهم فما زالوا يقتلون من وجدوا حتى أصبحوا فذكر أن زفر دخل معهم دجلة وكانت فيه بحّة فجعل ينادي ولا يسمعه أصحابه ففقدوا صوته وحسبوا أن يكون قتل فتذامروا وقالوا لأن قتل شيخنا لما صنعنا شيئاً فأتبعوه فإذا هو في دجلة يصيح بالناس – وتغلب قد رمت بأنفسها تعبر في الماء فخرج من الماء وأقام في موضعه فهذه الوقعة تسمى الحرجية لأنهم أحرجوا بني تغلب فألقوا أنفسهم في الماء
ثم وجه يزيد بن حمران وتميم بن الحباب ومسلم بن ربيعة والهذيل بن زفر في أصحابه وأمرهم ألا يلقوا أحد ألا قتلوه فانصرفوا من ليلتهم وكل قد أصاب حاجته من القتل والمال ثم مضى يستقبل الشمال في جماعة من أصحابه حتى أتى رأس الأثيل ولم يحل بالكحيل أحداً والكحيل على عشرة فراسخ من الموصل فيما بينها وبين الجنوب فصعد قبل رأس الأثيل فوجد به عسكر من اليمن وتغلب فقاتلهم بقية ليلتهم فهربت تغلب وصبرت اليمن وهذه الليلة تسميها تغلب ( ليلة الهرير ) ففي ذلك يقول زفر بن الحارث :
ولمـا نـعى النـاعـي عـميـراً *** حسبت سماءهم دهيت بليل
وكان النجم يطـلع في قـتـامٍ *** وخاف الذل من يمن سهيل
وكـنت قـبيـلها يـا أم عـمـرو *** أرجـل لـمـتي وأجـر ذيلـي
فلوا نبش المقابر عن عمير *** فيخبر من بلاء أبي الهذيل
غـدات يقارع الأبطال حـتى *** جرى منهم دم مرج الكحيل
قبـيـل ينهـدون إلـى قـبـيـل *** تساقي الموت كيلاً بعـد كيل
وقال جرير يعيّر الأخطل التغلبي :
أنسيت يومك بالجزيـرة بعـدمـا *** كانـت عـواقـبـه عليك وبالاً
حملت عليك حماة قيس خـيلها *** شعثاً عوابس تحمل الأبطالا
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم *** خـيلاً تكـر عـلـيكـم ورجـالا
زفر الرئيس أبو الهذيل أبادكم *** فسبى النساء وأحرز الأموالا
فلما كانت سنة ثلاث وسبعين وقتل عبدالله بن الزبير هدأت الفتنة وأجتمع الناس على عبدالملك بن مروان وتكافت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة وظن كل واحد من الفريقين أن عنده فضلاً لصاحبه وتكلّم عبد الملك في ذلك ولم يحكم الصلح فيه فبينماهم على تلك الحال إذ أنشد الأخطل عبدالملك بن مروان وعنده وجوه قيس قوله :
ألا سائـل الحـجـاف هـل هـو ثـائراً *** بقـتـلا أصيبـت من سليم وعامر
أجـحـاف أن نهـبـط عـليـك فتلتقي *** عـليك بحـور طاميات الـزواخـر
تكن مثل أبداء الحباب الذي جرى *** به البحر تزهاه رياح الصراصر
فوثب الجحاف يجر ردائه وما يعلم من الغضب فقال عبدالملك للأخطل ما احسبك ألا كسبت قومك شراً فأفتعل الجحاف عهداً من عبدالملك على صدقات بكر وتغلب وصحبه من قومه نحو من الف فارس فثار بهم حتى بلغ الرصافة قال : وبينها وبين شط الفرات ليلة وهي في قبلة الفرات ثم كشف لهم أمره وأنشدهم شعر الأخطل وقال لهم إنما هي النار أو العار فمن صبر فليقدم ومن كره فليرجع قالوا : ما بانفسنا عن نفسك رغبة فأخبرهم بما يريد فقالوا نحن معك فيما كنت فيه من خير وشر
فأرتحلوا فطرقوا صهين بعد رؤبة من الليل وهي في قبلة الرصافة وبينهما ميل ثم صبحوا عاجنة الرحوب في قبلة صهين والبشر وهو واد لبني تغلب فأغاروا على بني تغلب فقتلوهم وبقروا من النساء ممن كانت حاملاً ومن كانت غير حامل قتلوها فقال عمرو بن شبّة في خبره فهو يوم البشر ويقال أيضاً يوم عاجنة الرحوب ويوم مخاشن وهو جبل إلى جنب البشر وهو مرج السلوطح لأنه بالرحوب وقتل في تلك الليلة أبناً للأخطل يقال له أبو غياث
قال : أبن شبّة سمعت أبي يقول صعد الجحاف الجبل وجعل ينادي من كانت حاملاً فإلي فصعدن إليه فجعل يبقر بطونهن ثم أن الجحاف هرب بعد فعله وتفرّق عنه أصحابه ولحق بالروم فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبي دون الدرب فكر عليه الجحاف فهزمه وهزم أصحابه وقتلهم ومكث زمناً في الروم وقال في ذلك :
فأن تطردوني تطردوني وقد مضى *** من الورد يوم في دماء الأراقم
لدن ذر قرن الشمس حتى تلبست *** ظلاماً بركض المقربات الصلادم
ولما سكن غضب عبدالملك كلمته القيسية في أن يؤمنه فلان وتلكأ فقيل له إنا والله لا نأمنه على المسلمين أن طال مقامه بالروم فأمنه فأقبل فلما قدم على عبدالملك لقيه الأخطل فقال له الجحاف :
أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني *** عـلى القـتـل أم لامـني لك لائمي
أبـا مالـك أنـي أطعـتك في الـتي *** حضضت عليها فعل حران حازم
فأن تدعني أخرى أجبك بمثلهـا *** وأنـي لطـب بالـوغـى جـد عـالم
وقال الأخطل في أحد قصائده :
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة *** إلى الله منها المشتكى والمعوّل
فسائل بني مروان ما بـال ذمة *** وحـبـل ضعـيف لا يـزال يوصل
فألا تغـيـرهـا قـريـش بملـكهـا *** يكن عن قريش مستراد ومزجل
فقال عبدالملك حين أنشده هذا : إلى أين يا أبن النصرانية ؟ قال : إلى النار قال : أولى لك لو قلت غيرها ورأى عبدالملك أنه أن تركهم على حالهم لم يحكم الأمر فأمر الوليد بن عبدالملك فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب وضمن الجحاف قتلا البشر وألزمه أياها عقوبه له فأدى الوليد الحمالات ولم يكن عند الجحاف ما حمل فلحق بالحجاج بالعراق يسأله ما حمل لأنه من هوازن فسأل الأذن على الحجاج فمنعه فلقي أسماء بن خارجة فعصب حاجته به
هذه قصة موقعة البشر ليرى الجميع أن هذه الموقعة لا علاقة لها بنسب قبيلة بشر من عنزة وبشر بن قيس ليس جد لقبيلة بشر من عنزة ولا يجوز أخذ الروايه الشفهية في حدث أو نسب قديم دون الرجوع للمصادر والرواية إذا لم يدعمها خبر مكتوب ما تعتبر